عُني الإسلام أكثر ما عُني .. بتكوين الشخصية القوية القادرة على إنتاج " أفعال " و " كوادر " و " أخلاق " ..!
فبتلك الشخصية .. – وبها فقط – .. تقوى الأمم .. تتقدم … وتتسع لها الآفاق .!
وشأن الإسلام في ذلك .. شأن أي " منهج " يراد له أن يكون فاعلاً ومفعّلاً في حياة الفرد والمجتمع .. أيا كان ذلك الفرد وأيا كان ذلك المجتمع ..
وما من ريب .!
ولذا جاء في أثر النبوّة أن " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف " …و " المؤمن القوي " هنا .. لا يؤخذ منه معنى " القوة البدنية " فقط .. بل ربما كان هذا المعنى – مع الإقرار بصحته وضرورته – جانبيا .. إذا ما أخذ في الإعتبار المعنى " الأكثر شمولية " و " استيعاباً " .. ألا وهو " القوي في شخصيتهِ : في حضوره / في تأثيره / في تحمله لغوائل الدهر وأذى الخلق / في مقاومته للظلم وللظالمين / في علمه / وفي عمله .! " ..
وكيف لا .. تكون القوّة في هذا المعنى …
و رسالة " الرحمة " المحمدية – على صاحبها أفضل صلاة وأتم تسليم – .. إنما قامت على ذلك .. واستندت عليه . متمثلة في شخص محمد صلى الله عليه وسلم .!
وكيف لا تكون القوة في هذا المعنى ..
وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أن يعزّ الله دينهُ بـ " أحد العمرين " ..!
وكيف لا تكون القوة في هذا المعنى ..
وقد عمدت " التربية الإسلامية " .. أول ما عمدت على " إنتاج القادة " .. من بعد " نير الاستعباد والسلبية " .. ونشر " الحرية " تحقيقاً لـ " حقيقة " .." العبودية " " الحقّة "..! / بأن لا تكون الا لله .!
وللأسـف .!
يُخطيء الكثير من الناس .. حينما يصوّر خلق " التواضع " .. بانكسارٍ في " سحنته " أو بـ " موات ذليل " في قوله وفعله .!
ويخطيء آخرون .. حينما يصورون خصلة " الزهـد " .. في " ثياب متمزقة " .. و " حذاء رثّ " .!
كما ويخطيء غيرهم في تصوير الوقار .. بتجهّم في الوجه .. أو بجفاف في الملامح .!
ويخطيء غيرهم وغيرهم .. حينما يعلنون بمظاهرهم صور مشوهة للأخلاق والتعاملات … وما أكثر " الأخطاء " حين نعدّها " ..!
ووالله ما كان هناك " أتقى " .. ولا " أزهد " .. ولا " أخشع " .. من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وكان مع ذلك كلهِ " قوياً " "عزيزاً " .. " عاملاً " .. " مُنتجاً " …حسن الوجه والمظهر .. سمح السجايا .. بسّام لمحيا ! ، صلى الله عليه عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عنه الغافلون وسلم تسليما كثيرا ..
وهذا " الخطّاب " – رضي الله عنه وأرضاه – ../ ذلك الذي خطّ " الخشوع " على وجهه كتابه ..!
وذلك الذي مآثرهُ في الزهد أوضحَ من أن تُحكى ..!
هو هو .. الذي أخذ على عاتقهِ همّ تربية " الشخصية المسلمة العزيزة في ذاتها " – بعد ان كان لها قدوة وانموذجاً حيّا – / وكيف لا ؟ .. وقد سبق إليه العلم .. أن أمّة قوامها " من السلبيين " – من الضعفاء و المستضعفين – .. هي أمّه مآلها إلى منتهى حالها .!
قال : [ " ليس خيركم من عمل للآخرة وترك الدنيـا أو عمل للدنيا وترك الآخرة ولكن خيركم من أخذ من هذه ومن هذه . وإنما الحرج في الرغبة فيما تجاوز قدر الحاجة وزاد عن حد الكفاية …" ] *
و [ لم يكن أبغض إليه ممن يتوانى ليقال : أنه متوكل على الله .. أو يتراءى بالضعف ليقال أنه : ناسـك .. أو يفرط في العبادة ليقال : انه زاهد في الدنيـا …
فكان يقول : " ان المتوكـل الذي يُلقي حبّهُ في الأرض ويتوكّل على الله " و " لا يقعد احدكم عن طلب الرزق ويقول : اللهم ارزقني .. وقد علم ان السمـاء لا تمطر ذهبا ولا فضّة .. وأن الله تعالى يرزق الناس بعضهم من بعض " ..
وكان – رضي الله عنهُ – يضرب من يتماوت ويستكين ليظهر التخشّع في الدين .. فنظر إلى رجل مُظهر للنسـك متماوت .. فخفقة – أي ضربه – بالدرّة وقال " لا تُمِـتْ علينا ديننا أماتكَ الله " .!
وأشاروا له إلى رجـل يصوم الدهر فضربهُ وهو يقول : كُـل يا دهر ! .. كُل يا دهـر !
ينهاهُ عن الصوم الذي يعوقه عن معاشه ولا يوجبه عليه الدين ..
وكلما رأى شـاباً منكّسا رأسه صاح به : " ارفع رأسك فإن الخشـوع لا يزيد على ما في القلب فمن أظهر للناس خشوعاً فوق ما في قلبه فإنما أظهر للناس نفاقاً إلى نفاق " ] *
ونفع بــــــــكِ