فمن أجلِّ النعم التي ينعم الله بها على العبد أن يرزقه إخوة صالحين يألفهم ويألفونه، ويحبهم ويحبونه، ولا شك أن لهذه الأخوة حقوقا ينبغي القيام بها، وليس حديثنا هنا عن الحقوق العامة بين المسلمين ، إنما الحديث عن حقوق الأخوة الخاصة والتي نتكلم عنها في النقاط التالية:
أولا: الإخلاص في المحبة
ونعني بذلك ان يكون حبه لأخيه في الله خالصا لوجه الله تعالى لا لمصلحة دنيوية كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".
فليس الشأن أن تكون مُحِبا لأخيك، وإنما الشأن في هذه العبودية التي تمتثل ما أمر الله جل وعلا به، أن تكون محبتُك لهذا الخاص من الناس، أو محبتُك لإخوانك، لله لا لغرض من الدنيا.، وإذا كانت المحبة لله فإنه يرجى دوامها ، أما إذا كانت لغير الله فإنها في الغالب لا تدوم بل تضمحل كما قال القائل: ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل، وقد تنقلب عداوة والعياذ بالله.
ثانيا: حفظ العرض
إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال في خطبته في حجة الوداع : "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام…" الحديث، فعِرض المسلم على المسلم حرام بعامة، فكيف إذا كان بين المسلم والمسلم أخوّة خاصة وعقد خاص من الأخوة ، كيف لا يحفظ عرضه، وقد قام بينهما من الأخوة والمحبة الخاصة ما ليس بينه وبين غيره؟.
إذا كان المسلم مأمورا أن يحفظ عرض أخيه الذي هو بعيد عنه، فكيف بالذي بينه وبينه مودّة، وتعاون على البر والتقوى، وسعي في طاعة الله، وفي العبودية لله جل جلاله، واكتساب الخيرات، والبعد عن المآثم.
ولا شك أن هذا الحق يقتضي أمورا منها:
– السكوت عن العيوب وسترها، فمن كان بينه وبين أحد من المؤمنين أخوة خاصة فلا شك أنه سيطلع منه على ما لا يطلع عليه غيره فتبدو له بعض العيوب ومن حقوق الأخوة أن يستر الأخ على أخيه ويتغاضى عن هذه العيوب ولا يفشيها؛ إذ لو كان الآخر يعلم أن أخاه سيفشي عيوبه لتحرز منه، فلا يجوز للأخ أن يفشي عيب أخيه في حضوره ولا في غيبته، سواء كان هذا العيب يتعلق به أو بأهله أو غير ذلك؛ فإن المروءة وحقوق الأخوة تأبى على الصاحب الوفي أن يفشي عيب أخيه.
– حفظ سره وعدم البوح به، وهذا يختلف عما سبق من ستر العيب، فالسر هو ما بثه إليك مما استأمنك عليه سواء كان هذا السر متعلقا به أو بغيره ، والمجالس بالأمانات ، وكما ورد عند أبي داود رحمه الله من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الرجل إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت عنه فهي أمانة".
والله عز وجل أمر بحفظ الأمانات، وقد كان السلف رضي الله عنهم يحفظون السر حتى إن أحدهم كان يحدث أخاه بسر من أسراره فإذا فرغ من حديثه سأله أوعيته؟ فيجيب الآخر بل نسيته ، زيادة ومبالغة في حفظ السر.
– ومن صيانة عرضه أن تصاحبه مصطحبا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، فلا تحاول أن تزعجه بأسئلة عما لم يخبرك به، بل تترك الأمر له إن رأى مصلحة في إخبارك بأمر ما أخبرك وإلا كتم عنك ، ولا يكون منك إلحاح يزعجه ويضجره.
ثالثا: حسن الظن
فنحن مطالبون بحسن الظن في المسلم بصفة عامة فكيف بمن كان بيننا وبينه خصوصية في العلاقة؟! إن الأمر حينئذ يكون أشد تأكدا، والله عز وجل يقول: { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم…} ( الحجرات من الآية 12).
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الظن فقال: " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث".
وقد كان السلف رضي الله عنهم ينأون بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه.
وورد عن عمر رضي الله عنه قال: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا.
فلا ينبغي للمسلم أن يترك للشيطان على نفسه سبيلا في إيقاع العداوة بينه وبين إخوانه من خلال سوء الظن؛ فإن الشيطان يريد إيقاع العداوة بين الناس:{ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء…} ( المائدة من الآية 91).
ونكمل بقية الحقوق في مقال قادم إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
جزاكي الله خير