مــــــــا يســـــــكن الغـــــــضب
إن لتسكين الغضب إذا هجم أسباباً يستعان بها منها:
أولاً:
أن يذكر اللهَ عزّ وجل، فيدعوه ذلك إلى الخوف منه ثم إلى الطاعة، ثم إلى الأدب، ثم يستغفر الله تعالى فيزول الغضب، قال الله تعالى:
{واذكر ربك إذا نسيت} قال عكرمة: يعني إذا غضبت.
وقال الله تعالى: {وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} ومعنى قوله: ينزغنّك: أي يغضبنّك فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم:
يسمع بجهل مَن جَهِل، ويعلم بما يذهب عنك الغضب.
وذكر أن في التوراة: يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق.
وحكي أن بعض الحكماء قال: من ذكر قدرة الله لم يستعمل قدرته في ظلم العباد.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم مَنْ في السماء".
وقال أحد المذنبين لهارون الرشيد: يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك، وبالذي هو أقدر على عقابك منك على عقابي لما عفوت عني، فعفا عنه لما ذكر قدرة الله تعالى.
وروى البيهقي عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القسوة، فقال: "أطّلع في القبور، واعتبر بالنّشور".
وعلى هذا قال الفاروق عمر رضي الله: من أكثر من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير.
ثانياً:
أن ينتقل عن الحالة التي هو فيها إلى حالة غيرها فيزول عنه الغضب.
وهذا ما فعله معاوية حين غضب وهو يخطب فنزل وتوضأ ثم عاد وأخبر أنه علم من النبي صلى الله عليه وسلم أن الغضب نار تطفئه الماء..
وكذلك فعل المأمون حين شعر بالغضب أو بدرت منه بادرة الحدّة والانفعال. وقالت الفرس: إذا غضب القائم فليجلس، وإذا غضب الجالس فليقم.
ثالثاً:
أن يتذكر ما يؤول إليه الغضب من الندم، ومذمّة الانتقام، فقد كتب أبرويز إلى ابنه شيرويه: إن كلمة منك تسفك دماً، وأخرى تحقن دماً، وإن نفاذ أمرك مع كلامك، فاحترس في غضبك أن تخطئ، ومن لونك أن يتغير، ومن جسدك أن يرتجف، فإن الملوك تعاقب قدرة، وتعفو حلماً.
ولله در القائل:
الغضب على من لا تملك عجز، وعلى من تملك لؤم.
وقال أحد البلغاء: إنَّ غضباً يعقبه اعتذار، عجز وسفه.
لا تـغضبـنَّ وتعـتذرْ *** لـكـنْ تَحَـلّمْ وادّكـِرْ
غضبٌ يؤول إلى اعتذا *** ر منك ضعف فافتكـرْ
رابعاً:
أن يتنبّه الغاضب سريعاً إلى ثواب العفو، وحسن الصفح، فيقهر نفسه رغبة في الجزاء والثواب، وحذراً من استحقاق الذمّ والعقاب.
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
ينادي مناد يوم القيامة، مَنْ له أجر على الله عزّ وجل فليقم، فيقوم العافون عن الناس، ثم تلا: "فمن عفا وأصلح فأجره على الله".
وقال رجاء بن حَيَوَة لعبد الملك بن مروان حين انتصر على بعض الثائرين:
إن الله قد أعطاك ما تحب من الظفر، فأعط الله ما يحب من العفو.
وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "الخير ثلاث خصال، فمن كنَّ فيه فقد استكمل الإيمان:
أ – من إذا رضي لم يدخله رضاه في باطل.
ب – وإذا غضب لم يخرجه غضبه من حق.
ج – وإذا قدر عفا.
وأسمع رجل عمر بن عبد العزيز كلاماً، فقال عمر: أردتَ أن يستفزني الشيطان لعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً، انصرف رحمك الله.
خامساً:
أن يذكر حب الناس له إن لم يغضب، فيرغب في تأليفهم وثنائهم عليه وعلى هذا يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: "ما ازداد أحد بعفوٍ إلا عزاً" وقال: "إنّ الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف، ومالا يعطي على ما سواه".
وقد مدح صلى الله عليه وسلم أشجَّ عبد القيس حين قال له: "إنَّ فيك
خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة".
وتأمّل معي رحمك الله هذه الآية الرائعة: "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" وهاتين الآيتين الدالتين على مغانم الحلم والبعد
عن الغضب. "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم، وما يلقّاها إلا الذين صبروا، وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم".
أما الآية التي هم أمُّ الباب، وخلاصته فقوله تعالى: "خذ العفو، وأمر بالعرف، وأعرض عن الجاهلين".
وقال أحد البلغاء: ليس من عادة الكرام سرعةُ الانتقام، ولا من شروط الكرم إزالةُ النعم.
م/ن