ولفظ (صرف) ورد في القرآن في ثلاثين موضعاً، جاء في خمسة وعشرين منها بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل} (الإسراء:89)، وجاء في خمسة مواضع بصيغة الاسم، من ذلك قوله عز وجل: {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} (الفرقان:19). وأول موضع ورد فيه هذا اللفظ في القرآن هو قوله تعالى: {ثم صرفكم عنهم ليبتليكم} (آل عمران:152).
ولفظ (صرف) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، هي:
الأول: صرف بمعنى (بيَّن)، من ذلك قوله سبحانه: {ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن} (الإسراء:89)، يعني: بيَّنَّا. قال الطبري: "ولقد بيَّنا للناس في هذا القرآن من كل مثل؛ احتجاجاً بذلك كله عليهم، وتذكيراً لهم، وتنبيهاً على الحق ليتبعوه، ويعملوا به". ونحو هذا قوله عز وجل: {وصرفنا فيه من الوعيد} (طه:113)، أي: بيَّنَّا. قال القرطبي: "بيَّنَّا ما فيه من التخويف، والتهديد، والثواب والعقاب". ونظير هذا أيضاً قوله سبحانه: {وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون} (الأحقاف:27)، أي: بيَّنَّا الآيات للناس؛ لعلهم يرجعون إلى طريق الحق والصواب.
الثاني: صرف بمعنى دفع، من ذلك قوله عز وجل: {ربنا اصرف عنا عذاب جهنم} (الفرقان:65)، أي: ادفع عنا العذاب. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {فما تستطيعون صرفا ولا نصرا} (الفرقان:19)، أي: لا يقدرون على دفع العذاب عنهم، ولا الانتصار لأنفسهم. ومنه أيضاً قوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم} (هود:8)، أي: لا يدفع العذاب عنهم دافع، ولكنه يحل بهم فيهلكهم. ونحو هذا قوله عز وجل: {من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه} (الأنعام:16).
الثالث: صرف بمعنى العدول عن الأمر، من ذلك قوله عز وجل: {أنى يصرفون} (غافر:69)، أي: كيف يعدلون عن الرشد إلى الغي، أو كيف يعدلون عن الحق إلى الباطل. ونظير هذا قوله الباري سبحانه: {فأنى تصرفون} (يونس:32)، أي: فكيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة ما سواه.
الرابع: صرف بمعنى (وجَّه)، من ذلك قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن} (الأحقاف:29)، أي: وجَّهنا إليك. قال القرطبي: "معنى {صرفنا} وجهنا إليك، وبعثنا؛ وذلك أن الجن صُرفوا عن استراق السمع من السماء برجوم الشهب".
الخامس: صرَّفنا -بتشديد الراء- بمعنى قسمنا، من ذلك قوله تعالى: {ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس الا كفورا} (الفرقان:50)، يعني: قسمنا المطر بينهم، قال الطبري: "ولقد قسمنا هذا الماء الذي أنزلناه من السماء طهوراً؛ لنحيي به الميت من الأرض بين عبادي؛ ليتذكروا نعمي عليهم، ويشكروا أيادي عندهم، وإحساني إليهم".
السادس: التصريف بمعنى التسيير والإرسال، من ذلك قوله تعالى: {وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض} (البقرة:164)، أي: إرسال الرياح وتسييرها.
وقوله تعالى: {ثم صرفكم عنهم} (آل عمران:152)، معنى (الصرف) هنا: أن الله تعالى رد المسلمين عن الكفار، وألقى الهزيمة عليهم، وسلط الكفار عليهم، وهذا قول جمهور المفسرين، كما ذكر الرازي.
وقوله عز وجل: {وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} (الأعراف:47)، أي: كلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النار تضرعوا إلى الله تعالى في أن لا يجعلهم من زمرتهم.
وحاصل الأمر: أن لفظ (الصرف) أكثر ما ورد في القرآن بمعنى (التبيين)، و(الدفع)، و(العدول عن الأمر). وورد بدرجة أقل بمعنى (الإرسال)، و(التوجيه)، و(التقسيم).