باستجابة الدعاء والثبات وحسن الظن بالله
ولتعلم كل مؤمنة بالله إن تأخر عليها أي أمر من أمور الدنيا ولم
تدركه فالموعد الآخرة مع نعيم لا ينفد ومع الجزاء الأوفى الذى يناله الصابرون المحتسبون المتوكلون المتيقنون بوجود جزاء لاحق بهم لا محالة
فهو العدل .. لم يكن ليظلمك أو يظلمني وهو الحق
وعده حق فاستبشروا بالخير ان شاء
القصة
كنت قد نويت أن أكتب لكم منذ زمن بعيد , لكن ظروفي حالت دون
ذلك, والآن فإني أشعر بأنه قد آن الأوان لكي أطلعكم علي تجربتي
مع الحياة. فأنا سيدة في الثامنة والثلاثين من العمر نشأت في
أسرة ميسورة الحال وعشت في كنفها حياة هادئة إلى أن تخرجت
في الجامعة.. وعقب التخرج التحقت بعمل ممتاز يدر علي دخلا
كبيرا.. وأحببت عملي كثيرا وأعطيته كل اهتمامي , وتقدمت فيه
سريعا حتي تخطيت كثيرين من زملائي.
وكنت خلال مرحلة الجامعة قد ارتديت الحجاب بإرادتي واختياري , وبدأ الخطاب يتقدمون إلي , لكني لم أجد في أحدهم ما يدفعني
للارتباط به , ثم جرفني العمل والانشغال به عن كل شيء آخر حتى
بلغت سن الرابعة والثلاثين وبدأت أعاني النظرات المتسائلة عن
سبب عدم زواجي حتى هذه السن.
وتقدم إلي شاب من معارفنا يكبرني بعامين .. وكان قد أقام عقب
تخرجه عدة مشروعات صغيرة باءت كلها بالفشل.. ولم يحقق أي
نجاح مادي, وكان بالنسبة إلي محدود الدخل , لكني تجاوزت عن
هذه النقطة ورضيت به وقررت أنني بدخلي الخاص سوف أعوض
كل مايعجز هو بإمكاناته المحدودة عنه.. وستكون لنا حياة
ميسورة بإذن الله.
وبدأنا نعد لعقد القران وطلب مني خطيبي صورة من بطاقتي
الشخصية ليستعين بها في ترتيب القران .. ولم أفهم في ذلك الوقت
مدى حاجته لهذه الصورة لكني أعطيتها له.
وفي اليوم التالي فوجئت بوالدته تتصل بي هاتفيا وتطلب مني
بلهجة مقتضبة مقابلتها على الفور.. وتوجست خيفة من لهجتها
المتجهمة , وأسرعت إلي مقابلتها. فإذا بها تخرج لي صورة
بطاقتي الشخصية وتسألني هل تاريخ ميلادي المدون بها صحيح
؟ وأجبتها بالإيجاب وأنا أزداد توجسا وقلقا, ففوجئت بها تقول
لي:إذن فإن عمرك يقترب الآن من الأربعين.
وابتلعت ريقي بصعوبة ثم قلت لها بصوت خفيض إن عمري34
عاما.
فقالت إن الأمر لا يختلف كثيرا لأن الفتاة بعد سن الثلاثين تقل
خصوبتها كثيرا وهي تريد أن ترى أحفادا لها من ابنها.. لا أن تراه
هو يطوف بزوجته على الأطباء جريا وراء الأمل المستحيل في
الإنجاب منها.
ولم أجد ما أقوله لها لكني شعرت بغصة شديدة في حلقي..
وانتهت المقابلة وعدت إلى بيتي مكتئبة.. ومنذ تلك اللحظة لم
تهدأ والدة خطيبي حتى تم فسخ الخطبة بيني وبينه وأصابني ذلك
بصدمة شديدة لأنني كنت قد أحببت خطيبي وتعلقت بأمل السعادة
معه.. لكنه لم ينقطع عني بالرغم من فسخ الخطبة , وراح يعدني
أنه سيبذل كل جهده لإقناع والدته بالموافقة على زواجنا.. .
ووجدت أنني في حاجة إلى وقفة مع النفس ومراجعة الموقف
كله.. وانتهيت من ذلك إلى قرار ألا أمتهن نفسي أكثر من ذلك
وفعلت ذلك ورفضت الرد على اتصالات خطيبي السابق.
ومرت ستة أشهر عصيبة من حياتي.. ثم أتيحت لي فرصة السفر
لأداء العمرة , فسافرت لكي أغسل أحزاني في بيت الله الحرام ..
وأديت مناسك العمرة .. ولذت بالبيت العتيق وبكيت طويلا
ودعوت الله أن يهيء لي من أمري رشدا , وفي إحدى الأيام كنت
أصلي في الحرم وانتهيت من صلاتي وجلست أتأمل الحياة في
سكون فوجدت سيدة إلى جواري تقرأ في مصحفها بصوت جميل
وسمعتها تردد الآية الكريمة وكان فضل الله عليك عظيما
فوجدت دموعي تسيل رغما عني بغزارة,
فالتفتت إلي هذه السيدة وجذبتني إليها, وراحت تربت على ظهري
بحنان وهي تقرأ لي سورة الضحي إلى أن بلغت الآية الكريمة ولسوف يعطيك ربك فترضى فخيل إلي أنني أسمعها لأول مرة في حياتي مع أني قد رددتها
مرارا من قبل في صلاتي .. وهدأت نفسي, وسألتني السيدة الطيبة
عن سبب بكائي فرويت لها كل شيء بلا حرج, فقالت إن الله قد
يجعل مع كل عسرٍ يسرا, وإنني الآن في العسر الذي سوف يليه
يسر بإذن الله .. وإن ماحدث لي كان فضلا من الله لأن في كل بلية
نعمة خفية كما يقول العارفون ,
وشكرتها بشدة على كلماتها الطيبة ودعوت لها بالستر في الدنيا
وفي الآخرة,
وانتهت فترة العمرة وجاء موعد الرحيل, وبعد انتهاء إجراءات المطار, خرجت فوجدت أقرب صديقاتي وزوجها في صالة
الانتظار فهنأتني بسلامة العودة ، سألتُ عما جاء بهما للمطار
فأخبراني أنهما بانتظار صديق الزوج عائدًا علت نفس الطائرة التي جئت بها.
ولم تمض لحظات إلا وجاء هذا الصديق فإذا به هو نفسه جاري
في مقاعد الطائرة , ثم غادرت المكان أنا ووالدي .. وما أن
وصلت إلى البيت وبدلت ملابسي واسترحت بعض الوقت حتى
وجدت صديقتي تتصل بي وتقول لي إن صديق زوجها معجب بي
بشدة ويرغب في أن يراني في بيت صديقتي في نفس الليلة لأن
خير البر عاجله , ثم أخبرتني أن زوجها يسهب في مدح صديقه
والإشادة بفضائله ويقول عنه أنه رجل أعمال شاب من أسرة
معروفة وعلى خلق ودين ولا يتمنى لي من هو أفضل منه لكي
يرشحه للارتباط بي.
وخفق قلبي لهذه المفاجأة غير المتوقعة.. واستشرت أبي..
ولم تمض أيام أخري حتى كان قد تقدم لي ..
ولم يمض شهر ونصف الشهر بعد هذا اللقاء حتى كنا قد تزوجنا وقلبي يخفق بالأمل بالسعادة , وحديث السيدة الفاضلة في الحرم
عن اليسر بعد العسر يتردد في أعماقي.
وبدأت حياتي الزوجية متفائلة وسعيدة ووجدت في زوجي كل
ما تمنيته لنفسي في الرجل الذي أسكن إليه من حب وحنان وكرم
وبر بأهله وأهلي , غير أن الشهور مضت ولم تظهر علي أية
علامات الحمل , وشعرت بالقلق خاصة أنني كنت قد تجاوزت
السادسة والثلاثين وطلبت من زوجي أن أجري بعض التحاليل
والفحوص خوفا من ألا أستطيع الإنجاب , فضمني إلى صدره وقال
لي بحنان غامر إنه لا يهمه من الدنيا سواي..
وإنه ليس مهتما بالإنجاب, لأنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعنائهم , لكني أصررت على مطلبي .. وذهبنا إلى طبيبة كبيرة
لأمراض النساء وطلبت مني إجراء بعض التحاليل, وجاء موعد
تسلم نتيجة أول تحليل منها ففوجئت بها تقول لي إنه لا داعي
لإجراء بقيتها لأنه مبروك يا مدام..
أنت حامل !
فلا تسألوا عن فرحتي وفرحة زوجي بهذا النبأ السعيد .. وغادرت
عيادة الطبيبة وأنا أشد على يدها شاكرة لها بحرارة.
وفي ذلك الوقت كان زوجي يستعد للسفر لأداء فريضة الحج,
فطلبت منه أن يصطحبني معه لأداء الفريضة وأداء واجب الشكر
لمن أنعم علي بهذه النعم الجليلة , ورفض زوجي ذلك بشدة وكذلك
طبيبتي المعالجة لأنني في شهور الحمل الأولى .. لكني أصررت
على مطلبي وقلت لهما أن من خلق هذا الجنين في أحشائي على
غير توقع قادر على أن يحفظه من كل سوء , واستجاب زوجي
لرغبتي بعد استشارة الطبيبة واتخاذ بعض الاحتياطات الضرورية
وسافرنا للحج وعدت وأنا أفضل مما كنت عليه قبل السفر.
ومضت بقية شهور الحمل في سلام وإن كنت قد عانيت معاناة
زائدة بسبب كبر سني , وحرصت خلال الحمل على ألا أعرف نوع
الجنين لأن كل مايأتيني به ربي خير وفضل منه , وكلما شكوت
لطبيبتي من إحساسي بكبر حجم بطني عن المعتاد فسرته لي بأنه
يرجع إلى تأخري في الحمل إلى سن السادسة والثلاثين .
ثم جاءت اللحظة السحرية المنتظرة وتمت الولادة وبعد أن أفقت
دخلت علي الطبيبة وسألتني مبتسمة عن نوع المولود الذي تمنيته
لنفسي فأجبتها بأنني تمنيت من الله مولودا فقط ولا يهمني نوعه..
ففوجئت بها تقول لي:
إذن مارأيك في أن يكون لديك الحسن والحسين وفاطمة !
لم أفهم شيئا وسألتها عما تقصده بذلك فإذا بها تقول لي وهي
تطالبني بالهدوء والتحكم في أعصابي : إن الله سبحانه وتعالى قد
منَّ علي بثلاثة أطفال , وكأن الله سبحانه وتعالى قد أراد لي أن
أنجب خلفة العمر كلها دفعة واحدة رحمة منه بي لكبر سني ,
وأنها كانت تعلم منذ فترة بأنني حامل في توءم لكنها لم تشأ أن
تبلغني بذلك لكيلا تتوتر أعصابي خلال شهور الحمل ويزداد
خوفي. ولم أسمع بقية كلامها فلقد انفجرت في حالة هستيرية من
الضحك والبكاء وترديد عبارات الحمد والشكر لله.. وتذكرت سيدة
الحرم الشريف.. والآية الكريمة.. ولسوف يعطيك ربك فترضى ..
وهتفت أن الحمد لله.. الذي أرضاني وأسبغ علي أكثر مما حلمت
به من نعمته.
أما زوجي الذي كان يزعم لي أنه لا يتحمل صخب الأطفال
وعناءهم لكي يهون علي همي ، فلقد كاد يفقد رشده حين
رأى أطفاله الثلاثة وراح يهذي بكلمات الحمد والشكر لذي الجلال
والإكرام حتى خشيت عليه من الانفعال . وأصبح من هذه اللحظة لا
يطيق أن يغيب نظره عنهم.
وإنني أكتب إليكم رسالتي هذه من إحدى الشواطئ , حيث نقضي
إجازة سعيدة أنا وزوجي وأطفالي , وأرجوك أن توجهي رسالتي
هذه إلى كل فتاة تأخر بها سن الزواج أو سيدة تأخر عنها الإنجاب
وتطالبيهن ألا يقنطن من رحمة الله.. وألا يقطعن الرجاء في
الخالق العظيم وألا يمللن سؤاله والدعاء إليه أن يحقق إليهن
آمالهن في الحياة, فلقد كنت أردد دائما دعائي المفضل:
ربي إن لم أكن أهلاً لبلوغ رحمتك , فرحمتك أهل لأن تبلغني لأنها
قد وسعت كل شيء. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.