قال الفيلسوف: يعتقد البعض من الرجال أنَّ الزواج صار قيدًا له، وأنه كان حرًّا طليقًا، فآل به الزواج إلى قفصٍ حديدي، وأصبحتْ علاقته مع شريكة حياته صراعًا كبيرًا، وتحوَّلتْ إلى:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ، مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعًا
كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
قالت شمس النهار: هل نَسِي أنه هو الذي خطَبها وليستْ هي، وهو الذي دفَع مَهرها، واستعجل قُربها؟!
قال الفيلسوف: نعم، إنه كان يبحث عمَّن يُشاركه الحياة، عن المرأة الودود الولود، فوجَد نفسه قد غاصَ في بحر من المسؤوليات، وهو يعْتَبر أنها مَن ورَّطته فيها!
قالتْ شمس النهار: أليست قد كانت في بيت أهلها الآمرة الناهية، العزيزة المدلة، وعيون الحب لها ناظرة، تقول لها: أنت في البيت زهرة ولقلوبنا آسرة؟!
أليس هو الذي أتى إليها وكان لوُدِّها خاطبًا، وبالحياة الرغيدة الهانئة واعدًا، وللرفاء والبنين والبنات طالبًا، فأعانته على طلبه، ورُزِق منها بأولاد وأطفال صغار، يَملؤون فراغ حياته، ويُضيئون شموع بَهجته؟ فهل بعد ذلك تكون مذنبة؟!
قال الفيلسوف: نعم، ومعنى الرفاء[1]: هو التفاهم بين الزوجين، وأن يكون لهما أفكار متقاربة وتوجُّه مشترك، والتفاهم مهم جدًّا بين الزوجين، وهذا التفاهم هو الذي ينجب لنا جيلاً فاهمًا واعيًا، بإمكانه أن يحمل أعباء المستقبل، وأن يرفعَ صروح بلاد المسلمين عاليًا، ولكن كيف يكون الحال إن تربَّى الأولاد في عائله تسودها الخلافات والشقاق بين الوالِدَين؟
إن التربية في هذه العائلة ستكون معدومة، وسوف تنتج هذه العائلة جيلاً من شباب المستقبل وهم محطمون، لا يعرفون من أمور دينهم ولا دنياهم شيئًا.
فلقد كان حرًّا طليقًا، وكانت هي أيضًا حرَّة طليقة، وقد كبَّلته المسؤوليات، وكبَّلتها أيضًا، وصار يحمل الأغراض والأكياس إلى البيت، وصارتْ هي تدخل المطبخ وتغسل الصحون، فأصبح يترحَّم على الأيام التي مَضَت وتلك السنين، وأصبحتْ هي تذرف الدموع مرتين؛ مرة وهى تقطِّع البصل، ومرة أخرى وهى تتذكَّر تلك الأيام الغابرة!
قالت شمس النهار: ثم بعد ذلك نرى الزوج يندم على ما فعَل، ويتمنَّى لو تعود الأيام إلى الوراء؛ حتى لا يعيد تلك الغلطة، وينصح العزَب ألاَّ يقع في هذا الفخ، وأن المؤمن لا يُلدغ من جُحر مرتين، وعلى الرغم من ذلك، فإنه إذا سنحَت له الفرصة أن يتزوَّج بثانية وثالثة ورابعة، فإنه لن يتردَّد!
قال الفيلسوف: صدقت يا شمس النهار، فيجب على الزوج أن يبتهل إلى ربِّه ويشكره عندما يمنُّ عليه بنعمة الزوجة الصالحة، والأطفال والأسرة، وأن يخلعَ عنه ثوب الندم.
إن الزوجة الذكية هي التي تستطيع أن تتعامَل مع زوجها بمهارة وفنٍّ، فكلُّنا نعلم أنه لا يوجد هناك زوجٌ يتَّصف بالكمال؛ لذلك تجد في شخصيته بعض العيوب، ولذلك يجب عليها مراعاة ذالك عند التعامل معه.
قالت شمس النهار: جميل هو الحب والشوق والانبهار، وأن يعامل كلا الزوجين الآخر بالمودَّة والإيثار.
قال الفيلسوف: نعم، وسعدت برأيك الجميل، وهذا على رجاحة عقلك خيرُ دليل.
قالت شمس النهار: حقًّا سعدتُ برأيك يا فيلسوف، وإلى الغد إذًا وأنا قلبي للحديث شغوف.