اشتهر علاء الدين وذاع صيته في الألعاب الإلكترونية وعمره لا يتجاوز سبع سنوات. فما كان علاء الدين يخوض مسابقة فيها إلا وحسمها لصالحه في الجولة الأولى. فتلألأ نجمه في وطنه وخارجه وتهاطلت عليه الجوائز من كل بقاع الكون. إلا أن نتائجه المدرسية كانت تشهد تدنيا مخيفا يبعث على القلق.
بذل والداه قصارى جهدهما لإنقاذه من آخر رسوب مسموح به في مدرسته. تسلحا بالصبر، وبالرفق في معاملته كما نصحهما طبيبه النفسي لإعداده لامتحان الثلاثية الثانية من الصف الثاني ابتدائي. في الصباح، أخذته أمه برفق وراحت تدربه على كتابة اسمه بمفرده. حتى اسمه صار علاء عاجزا على كتابته بدون أخطاء. بعد وقت طويل، كان يغيب فيه علاء كثيرا نجح في الأخير في كتابته وبخط سيء للغاية. يبدو كأنه كتبه بأصابع رجله. ويصعب التمييز بين حروف العين والهمزة واللام والدال والنون… ومع ذلك شجعته أمه وانتقلت به إلى درس التاريخ. فراحت تشرحه له ببساطة كأنها تشرحه لرضيع. بعد ساعتين من الشرح، بدا الانزعاج على الأم. كلما أيقظته من شروده ونبهته إلى الدرس الذي بين يديه عاد يسرح في البعيد من جديد. وفي الأخير ضاقت ذرعا منه. فصرخت في وجهه وخرجت تجهش بالبكاء.
في المساء، حل علاء الدين بمكتب والده يتأبط كتاب الرياضيات. فخاض معه أبوه معركة أخرى حول الزاوية القائمة. كانت ثقة والده كبيرة في أن يجعل علاء الدين قادرا على الانتصار على عجزه الذي احتار منه المعلمون والأطباء النفسانيون. بعد ساعة من الشرح والإيضاح لم يفلح علاء الدين في رسم الزاوية وتمييزها عن بقية الأشكال الهندسية الأخرى. فغضب أبوه وهوى على رأس علاء الدين بالمسطرة التي انقسمت إلى شطرين ثم رماه بكتابه ومقلمته وأوراقه…
لم علاء الدين أدواته وخرج يخنق دموعه. أغلق على نفسه في غرفته واسترسل يبكي. تألم كثيرا لأنه لا يستطيع التركيز في دروسه ولا يقوى على إرضاء والديه وبلوغ المستوى الذي ينشدانه فيه كما كان من قبل. إلا أنه لم يستسلم للألم طويلا. قفز من فوق سريره، فجلس أمام حاسوبه. فتحه، أدخل قرصا مدمجا يتضمن الألعاب الإلكترونية التي يعشقها. تحسس أثر الضربة على رأسه. أوجعته فدمعت عيناه وأسقط رأسه على لوحة المفاتيح مسترسلا يبكي، فإذا بمارد ضخم يخترق الشاشة !!..
ارتج علاء الدين وتراجع إلى الخلف مفزوعا يلهث ويهدئ روعة قلبه براحة يده. خاطبه المارد بصوت غليظ مرعب:
ـ أنا حمدون العجيب، أطلب ما تريد وأنا سأجيب.
انزوى علاء الدين في أقصى الزاوية يرتعد وينكمش على نفسه. ابتسم له المارد قائلا بصوت أغلظ من الأول:
ـ هيا أطلب ما تريد…
ثم أرسل حلقات من الضحك أصمت أذن علاء وكأن جبلا ضخما يتداعى بالقرب منه. فازدرد علاء ريقه وثقل لسانه في فمه ولم يستطع الرد. زلزله المارد بصوت أضخم من الأول:
ـ لك أربع طلبات كلها مستجابة. اليوم سأنفذ لك طلبا واحدا. وفي نفس المكان والزمان من كل شهر أنجز لك بقية طلباتك. هيا أطلب، أطلب، هيا..
ـ أريد أن أكون أشطر طفل في الوجود..
انطلق الطلب من فمه الصغير كالرصاصة، فضحك حمدون..هوه، هوه.. ومسح على رأس علاء ثم غاص في بحر الشاشة.
ظل علاء طول الليل ينصت إلى الضجيج في رأسه. ضجيج يشبه صوت تعبئة الأقراص المدمجة ولكنه أقوى قليلا. ظل ساعات مشدودا إلى ذلك الصوت حتى توقف فنام. في الصباح، استيقظ علاء من النوم مبكرا نشيطا مرحا يملأ الدار ضحكا وحركات. قوس ظهره في شكل أفقي مستقيم ورجلاه منتصبتان قائمتان وقال لوالده:" انظر، فهذه زاوية قائمة." فرح والده وقال له:" يبدو أنك استوعبت جيدا درس الأمس.."
ابتسم علاء ورد على أبيه فخورا بنفسه:" الزاوية القائمة درجتها 90 ، أما الزاوية المستقيمة فـ 180 درجة" ثم استرسل موضحا بعض النظريات في الرياضيات والفيزياء والكيمياء… اندهش والده، ولم يصدق أن الذي أمامه طفله علاء الدين. فدعا زوجته وقال لها مندهشا:" استمعي إليه. إن كل ما يرد على لسانه صحيح. لم أعد أصدق ما أسمعه من هذا الطفل العجيب." ثم نظر إلى أمه وراح يسرد عليها أحداثا تاريخية لم ترد في كتابه المدرسي، ولم تحدثه بشأنها يوما، بأسلوب تاريخي سلس يشد الانتباه. تبادلت مع زوجها نظرة استفهام وتعجب، وقالا له دفعة واحدة:" أنت محق في كل ما قلته، ولكن من أين لك بهذه المعلومات؟" فأشار لهما ضاحكا إلى الحاسوب ثم حمل محفظته وخرج.