الرسالة الثانية
.•*•.أزمة المقاطعة وأزمات الهوية الإسلامية.•*•.
يحزن القلب عندما يرى الأمة التي اختار نبيها البن في رحلة الإسراء ،والذي كانت تتوالى عليه اليالي لا يأكل فيها إلا التمر ، وقد استبدل أبناؤها التمر والبن .. بالبرجر والبيتزا والكولا ، والتي تمثل رمز الثقافة الأمريكية كما يدعون – …التافهة…!
وتذهل العين ما ترى … عندما ترى الأمة التي نصحها حبيبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاحتفاء أحياناً ، والذي كان قدوتها صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه ويقول : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة" .. وقد تبدل اخشوشان رجالاتها بعبثٍ وميوعة أفسدت شبابها حتى انتشرت بينهم عادات الهيبز الأمريكي ولبس البوكسر على الطريقة الدانماركية ، وحتى ترى الشاب في الشوارع يتغنج كالساقطات …
وعندما يتفاخر الأمريكان في أفلامهم بقتل المسلمين والفتك بهم فيهتف أبناء الإسلام لهم ويتسارعون كالذباب إلى الإقتداء بأبطالهم ،فلا تتعجب من الذلة والمهانة التي تصيب الأمة اليوم ….
ولا تتعجب بعد هذا عندما تتحدث مع شاب عن مقاطعة المنتجات الأمريكية فيقول (دا كل حاجة في السوق أمريكي) ولو صدق في التعبير عن شعوره لقال ( دا كل حاجة في الدنيا أمريكي ) فدنياه تدور حول الطعام والمركب والملبس والمفاهيم الأمريكية…
ولا تتعجب عندما يقول آخر (وانت فاكر المقاطعة ده هتأثر فيهم أو إنهم واقفين علينا) فالمسكين يظن أن الأمريكان هم سوبرمان وسبيدرمان وباتمان وغيرهم من الخارقين يطيرون في السماء ويقطعون الفولاذ بأيديهم العارية…
ويشخص المشكلة بعض الصرحاء الذي يجيبك فيقول ( والله نفسي – حتى الاكل ده مش صحي – بس خلاص اتعودنا عليها وماعدناش نقدر نسيبها ) ، فهو قد عبر عن أزمة الثقة في النفس وضعف العزيمة في أخذ القرار التي أصابت كيان الكثير من أبناء هذه الأمة فانعكست على استقلاليتهم وقادتهم إلى التبعية بأقبح صورها..
ولذلك لا تتعجب عندما ينظر أحدهم بذهول إلى قوائم المقاطعة والبدائل فيقول لك ( أنا ملتزم بكل هذه القوائم بس شيل كلمة منتجات المقاطعة وحط البديلة والعكس … هو في منتجات غير الأمريكية…) … – أقول لا تتعجب – لأن فكرة البساطة والبعد عن زيف الحياة الدنيا ومعاني الرجولة والعزيمة والإرادة ضعفت في أجيال الأمة – إلا من رحم الله -…
فالحقيقة ..أن أزمة المقاطعة تعكس أزمات في ميادين الهوية الإسلامية والتربية والإرادة والعزيمة فضلاً عن الأزمة في فهم الولاء والبراء وما يقويه من معاني الإنتماء لهذه الأمة وتحمل المسئولية والشهامة … وغير ذلك…
أما العبارة التي تتبع هذه الجمل – الصريحة والمعبرة عن الأزمة الحقيقية – والتي تدور حول ( المقاطعة مش هي الي هتجيب ال) ، فإنها عبارة تعكس ما ذكره ابن القيم عن الشبهات وتأسها فوق أسٍ من الشهوات ، وأن الشبهة تصيب في القلب شهوة فتستقر ، ولذلك كان العلماء يسمون المبتدعة (أهل الأهواء والبدع) إذ البدعة تصادف في قلوبهم هوىً فتستقر ، وهكذا شهوات الجسد التي يحترف الأمريكان إرضائها تنادي على أمثال هذه الشبهات لتسترها….
أقول هذا لأن الحقيقة المرة أن المشكلة ليست في قيمة المقاطعة معنوياً ومادياً ونفسياً في ميدان المعركة ، وإنما المشكلة الحقيقية أن الكثير من أبناء هذه الأمة صار يتنصل من تحمل المسئولية ويستعظم كل جهدٍ يُطلب منه ، وصارت تزعجه أي كلمة تتماس مع شهواته وتطالبه بتركها ، أو تصيب أريحيته بتعكير ، فصار في المحصلة ولأسف الشديد – معيناً لأعداء الأمة دون أن يدري …
ونحن نقول له : نعم ، المقاطعة مفتاح ال – بإذن الله – …
لأن المقاطعة انتصارٌ في مجال القيم وخطوة نحو استقلالية هذه الأمة في كافة المجالات ،وهي تحرر من ربق التبعية والهيمنة الأمريكية في العادات والتقاليد والقيم والمفاهيم…
ولأن المقاطعة انتصارٌ على النفس وتحررٌ من لهثها وتلهفها على كل ما هو جديد وبراق …
ولأن المقاطعة – بمعناها الواسع – انتصارٌ على الشيطان الذي يشمل التدخين والأفكار والتقاليد الغربية والأفلام والمسلسلات والأغاني وغيرها من أبواب المعاصي والذنوب…
ولأن المقاطعة انتصارٌ للإرادة والعزيمة وعودةٌ بزمام الحياة إلى يديك بدلاً من الانقياد وراء المظهرة الفارغة والمظاهر الخداعة….
ولأن المقاطعة إضرارٌ باقتصادهم وحربٌ على موارد دعم هذا الكيان القيط الذي يحتاج إلى مبالغ طائلة ليتمكن من البقاء كجزيرة معزولة عن دول الجوار…
ولأن المقاطعة انتصارٌ في الحرب النفسية التي يمارسونها علينا منذ زمن طويل والتي أضفت هالة خرافية على إمكانياتهم ، والتي أثمرت هزيمة نفسية على كافة مستويات الأمة أضعفت قيمتها وأوهنت فعاليتها حتى خرج (بوش) يطمئن الدانمارك أن المقاطعة الإسلامية ستضعف وتختفي مع الوقت…!!!
ولأن المقاطعة انتصارٌ في معركة الأمة الداخلية التي يراد لها التشرذم والتمزق والتفرق ، فهي تثبت إمكانية أن تجتمع الأمة على هدف أو فعل ولو كان بسيط .. فهي شرخ في قاعدة اليهود (فرق تسد)…
والمقاطعة انتصار في ميدان العودة إلى السنة النبوية حيث نتحرر من الأكل والشرب والبس والحياة على الطريقة الأمريكية ، وندعو للالتزم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم قدر المستطاع…
فمعركة المقاطعة جزء من معركة الهوية الإسلامية ….وما تمر به من أزمة يعكس ما تمر به الأمة من أزمات…
فيا أمة الإسلام …. يا شباب الأمة وفتياتها….
لا تساندوا هدم الأقصى بأموالكم ، ولا تعينوا أعداءنا على قتل المسلمين .. وعلى سب الرسول الكريم .. وعلى محاربة الدين..
هذه هي دعوتنا…
ليست تحريماً محضاً وليست تشداً ولا تعنتاً كما يصور أذناب الغرب لكم…
ولكنها دعوةٌ لتحرير هذه الأمة من التبعية وخطوة في طريق العودة إلى المجد والرفعة…
دعوة ترى فيكم رجال هذه الأمة وتحملكم مسئوليتكم وتنتظر منكم الكثير لتقدموه…
دعوة تريد منكم الإقتداء بحبيبكم وقدوتكم رسول الله صلى الله عليه وسلم – …
دعوة تريد منكم العزيمة والتوبة والعزة ….
إنها دعوة لة الأقصى ….ولة أمتكم ….ولة مقدساتكم…
فلنقاطع بضائعم …..
ولنقاطع عاداتهم وتقاليدهم ….
ولنقاطع أفكارهم وأخلاقهم…
ولنمض على درب الهدى ونحن نقول…..
وقد بلوت لياليها وأنهرها***فتىً وحزت لآليها من الصدف
فلم أجد غير درب الله درب هدىً***وغير ينبوعها نبعاً لمغترفِ
فطرت أسعى إليه أبتغي تلفي به***ورب خلودٍ كان في تلفِ
والناس تصرخ أجحم،والوغى نشبتْ***والله يهتف بي : أقدم ولا تخفِ
ماضٍ، فلو كنتُ وحدي والدنا صرختْ بي***قِفْ ، لسرتُ فلم أبطئ ولم أقِفِ
***يتبع ****