تهديك الحياة في كل مراحلها دروس تبنيك وتشكلك …
قد تظن في نفسك ظنونا…
أنك قوي صابر …
متفائل لا تغيرك اﻷجواء
القاتمة …
لا يضرك من آذاك …
أنك تعيش لمبدأ …
أو تريد نصر فكرة …
أو نشر دعوة …
فأقول لك تمهل …
ما دمت في النعيم ترفل…
ولإخوة صالحين تعاشر…
ومعهم لعمل صالح تنشر..
فتمهل …
ليس ذاك أقصى ميدان تعلم به …
صدقك …
وقوتك …
ووضوح هدفك …
وتشربك لخلقك القويم… وتمثلك له …
وتفحصك لمدى صبرك …
كل طريق يعج باﻷشواك…
ولكل طريق نوع من الابتلاء والسبر ….
ولكن وجدت أشقها وأقساها أن تكون في مركب يخالف ما أحبت نفسك وما عشت عليه بين الصالحين …
ومع علمي أنهم أيضا بشر إلا أن البون شاسع …
أهل الإيمان بشر …
تخالطهم إيثار وأثرة …
إخلاص وجفوة …
عمل و ركون …
صفاء وكدر …
تنافس فيقظة …
حرص على الدنيا ثم تتفتق في نفوسهم …
(واﻵخرة خير وأبقى) …
وهي نفوس تتفاوت حسب قوة الطاقة في دواخلها…
فهناك من يتنبه سريعا بمجرد أن يلمس بكلمة ، أو تصله رسالة ربانية حكيمة بأي شكل …
وهناك من نفسه أشد فيحتاج لمزيد جهد …
ولكن شتان شتان …
بين من في قلبه إيمان …
وبين من في قلبه دنيا وغفلات وفراغات …
ولكن اعلم أن الله يربيك، ويبلي ما في صدرك ؛ لتعلم ما أنت …
ولا تظن في نفسك الرفعة والكمال ،إن لم تسبرك صنوف الشدائد، ويبلي صبرك كروب المواقف…
ولهذاصدق الصحب الكرام،
وأفلحوا وكان منهم ما كان،
فقد ربتهم المحن والشدائد
واستخرجت من قلوبهم كل حب …
إلا حب الله عز وجل وحده والسير على هديه …
وهذا هو الطريق …
وهذا هو سلم الوصول …
ولكن دنياك قد تبدأ سهلة يسيرة …
فتظن بنفسك عزما وقوة ويقينا …
وما أحلى أن تبلوك البلايا، فتجد نفسك كذلك …
وتجد عزمك ماض غير واهن…
أمل في نفسك الخير… واشحنها بمزيد التثبيت والتعزيز …
ولكن تصبر لترى اليقين منها فهو لا يكون إلا على اﻷرض صدقا …
ما أعذب أن تخالط الصالحين أشباهك وأمثالك…
وما أقسى على قلبك أن ترمى بين قلوب اختلط خيرها بغفلات وغفلات ….
في البداية تظن أن اﻷمر يسيرا …
تسدي نصحك …
وتنشر عطرك …
وتملك أنت نفسك …
وبقدر الموجة تكون وعورة وسهولة الطريق عليك …
إن رزقت قلوبا هينة سهلة طاوعتك ولانت عشت سعيدا وزرعت حبا وفقها
وما كابدت …
ولكن إن كانت اﻷنفاس ثقيلة تتحد في عزف موحد…
تأخذ ما تقول أنه ضرب من قول لا مجال له في دنيا خلطت أوراقها …
فساروا معها سيرا واحدا يعضد بعضهم بعضا …
فيقسو ذاك على قلبك …
وتملأ نفسك بالغربة والعناء وثقل الحمل …
وقد يخفت في نفسك اﻷمل…
وقد يعلو في نفسك أن عليك مزيدا من الصبر والعمل …
ولكن روحك تستوحش إن كنت بينهم وحدك …
وعليك أن تمضي مجبرا وقتك هنا دون أن يكون لك متنفسا إلا هنا …
فعندها تتذبذب روحك إقبالا وإعراضا …
وبقدر صبرك وما حوى قلبك من زادك يكون فرج نفسك وراحة قلبك …
في ذاك المعترك الحقيقي للحياة عليك أن تتفحص يقين قلبك …
وتبقى يقظا تبحث عن نفسك وتمسكها أن لا تزل…
وتجذبها إن زلت …
وتوبخها إن تلطخت …
وتسعد بها إن تسامت …
وفي ذاك المعترك …
تحتاجهم …
تفتقدهم …
تذكرهم …
تستحضر أنهم مثلك … ينغمسون في غربة كل بقدر ما قدر له …
في لحظات الشدة تلك … والروح مثقلة …
تداعب نفسك صفاء تلك اﻷرواح الطاهرة النقية …
يصبح لهم وقع خاص على نفسك وروحك …
لا وقع إيناس وحب وألفة…
لاوقع تلذذ بذكر وتذكير
بأجر…
لا وقع تناغم وتحاب وتصاف…
لا وقع صحبة ملئت أيامها معا بكل حركاتها وأحداثها
فكان القلب للقلب حبا ونصحا وتثبيتا وحثا على الصالحات
بل الوقع هنا أعلى …
وقع من نوع خاص …
وقع يمسح غربة روحك …
يذكرك بالصفاء ويثبتك أن دم عليه ولا تبدل …
وقع يذكرك بالعلا وألا تشوب نفسك باﻷثرة ولا تغير …
وقع لذيذ يؤنس روحك لست وحدك فهم معك وإن بعدوا
وقع يؤمن روحك أن هناك من لازال مثلك …
وقع يلم شعث نفسك من اختلاط أنفاسهم بك …
وقع يضيئ جنبات روحك أن لا تركن …
هناك أرواحا طهرها خالد فيك وحولك وهم كثر …
تريد أن تراهم لا لتأنس بل لتثبت …
فهم واقع جميل فيك وحولك…
وهم نعمة تحييك وتنتشلك…
فاثبت …
وتصبر …
وتجلد …
وامض بغصصك وقدم كل ما تسطيع عليه نفسك …
وعالج نفسك ألا تخفت وتوهن …
ويا صاحي اشدد أزري بدعواتك …
فقد خبرتها مليها …
وأعني بدوام نصحك …
فقد انتشلتني ورأيت ثمارها جليا …
وهب لعزمي عزما يحيي القلب الأسي …
بسمة البياري .