أخي المسلم : هل رأيت القبور؟ هل رأيت ظلمتها؟ هل رأيت وحشتها؟ هل رأيت شدتها؟ هل رأيت ضيقها؟ هل رأيت هوامها وديدانها؟
أما علمت أنها أعدت لك كما أعدت لغيرك؟
أما رأيت أصحابك وأحبابك وأرحامك نقلوا من القصور إلى القبور .. ومن ضياء المهود إلى ظلمة الحود .. ومن ملاعبة الأهل والولدان إلى مقاساة الهوام والديدان .. ومن التنعيم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الثرى والتراب .. ومن أنس العشرة إلى وحشة الوحدة .. ومن المضجع الوثير إلى المصرع الوبيل؟ فأخذهم الموت على غرة، وسكنوا القبور بعد حياة الترف والذة ، وتساوا جميعاً بعد موتهم في تلك الحفرة، فالله نسأل أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة..
أتيت القبور فساءلتها …………………. أين المعظم والمحتقر؟!
وأين المذل بسلطانه …………………. وأين القوي على ما قدر؟!
تفانوا جميعاً فما مخبر …………………. وماتوا جميعاً ومات الخير!!
أفيا سائلي عن أناس مضوا …………………. أما لك فيما مضى معتبر؟!
تروح وتغدو بنات الثرى …………………. فتمحو محاسن تلك الصور!
——————————————————————————–
أهوال القبور
عن هانئ مولى عثمان قال: عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا؟ فقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه» {أحمد والترمذي وحسنه الألباني}
وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا تمنوا الموت فإن هول المطلع شديد» {أحمد وحسنه الهيثمي} .
أخي الكريم:
تجهز إلى الأجداث ويحك والرمس ……………………. جهازاً من التقوى لطول ما حبس
فإنك ما تدري إذا كنت مصبحاً ……………………. بأحسن ما ترجو لعلك لا تمسي
****************************** **********************
شيع الحسن جنازة فجلس على شفير القبر فقال : «إن أمراً هذا آخره لحقيق أن يزهد في أوله ، وإن أمراً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره».
وعظ عمر بن عبد العزيز يوماً أصحابه فكان من كلامه أنه قال :«إذا مرت بهم فنادهم إن كنت منادياً ، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم .. سل غنيهم ما بقي من غناه؟ .. واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون .. واسألهم عن الجلود الرقيقة ، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة، ما صنع بها الديدان تحت الأكفان؟! .. أكلت الألسن، وغفرت الوجوه، ومحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء ، ومزقت الأشلاء فأين حجابهم وقبابهم؟ وأين خدمهم وعبيدهم؟ وجمعهم وكنوزهم؟ أليسوا في منازل الخلوات؟ أليس اليل والنهار عليهم سواء ؟ أليسوا في مدلهمة ظلماء؟ قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والمال والأهل.
فيا ساكن القبر غداً ! ما الذي غرك من الدنيا؟ أين دارك الفيحاء ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاق ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ .. ليت شعري بأي خديك بدأ البلى .. يا مجاور الهلكات صرت في محلة الموت .. ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا ..وما يأتيني به من رسالة ربي .. ثم انصرف رحمة الله فما عاش بعد ذلك إلا جمعة.
أخويَّ مرا بالقبور ………. وسلما قبل المسير
ثم ادعوا من عادها ………. من ماجد قرم فخور
يا من تضمنه المقابر ………. من كبير أو صغير
هل فيكم أو منكم ………. من مستجار أو مجير
أو ناطق أو سامع ………. يوماً بعرف أو نكير
أهل القبور أحبتي ………. بعد الجذالة والسرور
بعد الغضارة والنضارة ………. والتنعم والحبور
بعد المشاهد والمجالس ………. والعساكر والقصور
بعد الحسان والمسمعات ………. وبعد ربات الخدور
والنائحات المنجيات ………. من المهالك والشرور
أصبحتم تحت الثرى ………. بين الصفائح والصخور
أهل القبور إليكم ………. لا بد عاقبة الأمور
****************************** **********************
إخوتي: تفكروا في الذين رحلوا .. أين نزلوا ؟ وتذكروا ا، القوم نوقشوا وسئلوا .. واعلموا أنكم كما تعذلون عذلوا .. ولقد ودوا بعد الفوات لو قبلوا .. ولكن هيهات هيهات وقد قبروا .
عن وهب بن الورد قال : بلغنا أن رجلا فقيها دخل على عمر بن عبد العزيز فقال : سبحان الله ! فقال له عمر : وتبينت ذلك فعلا؟ فقال له ك الأمر أعظم من ذلك ! فقال له عمر : يا فلان ! فكيف لو رأيتني بعد ثلاث ، وقد أدخلت قبري .. وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين ، وتقلصت الشفتان عن الأسنان .. وانفتح الفم .. ونتأ البطن فعلا الصدر .. وخرج الصديد من الدبر !!
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه : «ويحك يا يزيد ! من ذا يصلي عنك بعد الموت ؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى عنك بعد الموت؟ ثم يقول : أيها الناس ! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم .. من الموت موعده .. والقبر بيته .. والثرى فراشه .. والدود أنيسه .. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر .. كيف يكون حاله ؟! ثم بكي رحمه الله .
——————————————————————————–
عظمة القبور
قال عبد الحق الأشبيلي : فينبغي لمن دخل المقابر أن يتخيل أنه ميت، وأنه قد لحق بهم، ودخل معسكرهم، وأنه محتاج إلى ما هم إليه محتاجون، وراغب فيما فيه يرغبون، فليأت إليهم ما يحب أن يؤتى إليه، وليتحفهم بما يحب أن يتحف به، وليتفكر في تغير ألوانهم، وتقطع أبدانهم، ويتفكر في أحوالهم، وكيف صاروا بعد الأنس بهم والتسلي بحديثهم، إلى النفار من رؤيتهم، والوحشة من مشاهدتهم وليتفكر أيضاً في انشقاق الأرض وبعثرة القبور، وخروج الموتى وقيامهم مرة واحدة حفاة عراة غرلاً، مهطعين إلى الداعي، مسرعين إلى المنادي .
عن محمد بن صبيح قال : «بلغنا أن الرجل إذا وضع في قبره، فعذب أو أصابه ما يكره، ناداه جيرانه من الموتى : يا أيها المتخلف في الدنيا فبعد إخوانه ! أما كان لذلك فينا معتبر ؟ أما كان لك في تقدمنا إياك فكرة ؟ أما رأيت انقطاع أعمالنا وأنت في المهل ؟ فهلا استدركت ما فات إخوانك !!»
——————————————————————————–
فتنة القبور
أخي المسلم : ماذا أعددت لأول ليلة تبيتها في قبرك؟ أما علمت أنها ليلة شديدة، بكى منها العلماء، وشكا منها الحكماء، وشمر لها الصالحون الأتقياء؟
فارقت موضع مرقدي …………….. يوماَ فارقني السكون
القبر أول ليلة …………….. بالله قل لي ما يكون ؟!
كان الربيع بن خثيم يتجهز لتلك اليلة، ويروى أنه حفر في بيته حفرة فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه يقد مات وندم وسأل الرجعة فيقول : ( رب ارجعون لعلي أعمل صلحا فيما تركت ) {المؤمنون 99-100} ثم يجيب نفسه فيقول : قد رجعت يا ربيع !! فيرى فيه ذلك أياماً ، أي يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف والوجل .
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إن الميت يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا شعوف { أي غير خائف ولا مذعور } ثم يقال له : فيم كنت؟ فيقول : كنت في الإسلام فيقال له : ما هذا الرجل ؟ فيقول : محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له ، فينظر إليها يحطم بعضها بعضا، فيقال له : انظر إلى ما وقاك الله : ثم يفرج له قبل الجنة ، فينظر إلى زهرتها وما فيها ، فيقال له : هذا مقعدك ، ويقال له : على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إ، شاء الله .
قال: ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفاً ، فيقال له : فيم كنت ؟ فيقول : لا أدري، فيقال له : ما هذا الرجل ؟ فيقول : سمعت الناس يقولون قولاً فقلته . فيفرج له قبل الجنة، فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر ما صرف الله عنك . ثم يفرج له فرجه قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له : هذا مقعدك، على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله » {ابن ماجة وصحه البوصيري}.
فيا إخوتاه ! ألا تبكون من الموت وسكرته ؟
ويا إخوتاه ! ألا تبكون من القبر وضمته ؟
ويا أخوتاه ! ألا تبكون خوفاً من النار في القيامة ؟
ويا إخوتاه ! ألا تبكون خوفاً من العطش يوم الحسرة والندامة ؟
——————————————————————————–
عذاب القبر ونعيمه
أخي الكريم : ثبت عذاب القبر بالكتاب والسنة والإجماع، ولا ينكر ذلك إلا مكابر ومعاند قال تعالى ( سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ) {التوبة : 101}
وقال سبحانه : ( وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدواً وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) {غافر 45،46} .
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) قال : «نزلت في عذاب القبر» يقال له: من ربك ؟ فيقول : ربي الله ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فذلك قوله عز وجل: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)
وعن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لولا أن تدفنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر» {مسلم}
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا اقبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر، ولآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول : هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقولان : قد كنا نعلمك أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين ، ثم ينور له فيه، ثم يقال له : نم فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه بذلك .
إن كان منافقاً قال : سمعت الناس يقولون فقلت مثله .. لا أدري فيقولان : قد كانا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض : التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك {الترمذي وقال: حسن غريب} .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم « إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم قال: يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله قال : فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة قال نبي الله صلى الله عليه وسلم فبراهما جميعاً »
وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرحل ؟ فيقول: لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقيلين» {متفق عليه}
——————————————————————————–
حديث القبور
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في خطبته : يا عباد الله : الموت الموت ، فليس منه فوت، إن أقمتم له أخذكم، وإن فرتم منه أدر كم، الموت معقود بنواصيكم ، فالنجاة النجاة ، فإن وراءكم طالبا حثيثا وهو القبر ، ألا وإن، القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران، ألا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات فيقول : أنا بيت الظلمة .. أنا بيت الوحشة .. أنا بيت الديدان ألا وإن وراء ذلك اليوم يوما أشد من ذلك اليوم ، يوما يشيب فيه الصغير ، ويسكر فيه الكبير ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) {الحج 2}
وروى أسيد بن عبد الرحمن أنه قال: «بلغني أن المؤمن إذا مات فحمل قال : أسرعوا بي، فإذا وضع في لحده كلمته الأرض فقالت : كنت أحبك وأنت على ظهري ، فأنت الآن أحب إلي في بطني .
وإذا مات الكافر فحمل قال : ارجعوا بي، فإذا وضع في لحده كلمته الأرض فقالت : كنت أبغضك وأنت على ظهري، فأنت الآن أبغض إلي في بطني!!
ويقال : إن الأرض تنادي كل يوم فتقول :
يا ابن آدم تمشي على ظهري ومصيرك في بطني!!
يا ابن آدم تأكل الألوان على ظهري ، وتأكلك الديدان في بطني !
يا ابن آدم تضحك على ظهري، فسوف تبكي في بطني !
يا ابن آدم تفرح على ظهري ، فسوف تحزن في بطني !
يا ابن آدم تذنب على ظهري فسوف تعذب في بطني !
——————————————————————————–
زيارة القبور وفوائدها
أخي الحبيب:
حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم على زيارة الموتى في قبورهم، والاعتبار بأحوالهم ، فقال عليه الصلاة والسلام: « زوروا القبور فإنها تذكر الموت» {مسلم}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم «نهيتكم عن زيارة القبور فزروها» وعن أبي داود: «فإن في زيارتها تذكرة» وعند الإمام أحمد : «فزوروها فإن في زيارتها عبرة وعظة»
وكان النبي صلى الله عليه إذا أتى المقابر قال : «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم لنا فرط، ونحن لكم ، أسأل الله ولكم العافية» {مسلم}
——————————————————————————–
وفي زيارة القبور فوائد كثيرة منها:
1- تذكر الموت والآخرة.
2- تقصر الأمل.
3- تزهد في الدنيا.
4- ترق القلوب.
5- تدمع الأعين.
6- تدفع الغفلة.
7- تورث الخشية.
قال محمد بن واسع لرجل : ما أعجب إلى منزلك ! فقال : وما بعجبك من منزلي وهو عند القبور ؟ قال : وما عليك ، يكفون الأذى ويذكرون الآخرة !!»
——————————————————————————–
الأسباب الموجبة لعذاب القبر
أخي المسلم الموفق : ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن أهل القبور يعذبون على جهلهم بالله ، وإضاعتهم لأمره، وارتكابهم لمعاصيه، فإن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله وسخطه على عبده ، فعذاب القبر يكون على معاصي القلب، والعين، والأذن، والفم، والسان، والبطن، والفرج، واليد،، والرجل، والبدن كله، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب، ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر، ومصدق ومكذب .
وقد ورد الوعيد بالعذاب في القبر على كثير من المعاصي والذنوب منها :
1- النميمة والغيبة2- عدم الاستبراء من البول3- الصلاة بغير طهور 4- الكذب 5- تضيع الصلاة والتثاقل عنها .
6- ترك الزكاة 7- الزنى 8-الغلول من المغنم(السرقة) 9- الخيانة 10- السعي في الفتنة بين المسلمين
11- أكل الربا 12- ترك نصرة المظلوم 13- شرب الخمر 14- إسبال الثياب تكبراً 15- القتل 16- سب الصحابة
17- الموت على غير السنة(البدعة)
وقال رحمه الله بعد أن ذكر أنواع كثيرة من المحرمات التي يعذب بها الموتى في قبورهم : « وما كان أكثر الناس كذلك، كان أكثر أهل القبور معذبين، والفائز منهم قليل، فظواهر القبور تراب ، وبواطنها حسرات وعذاب ظواهرها بالتراب والحجارة المنقوشة مبنيات، وفي باطنها الدواهي والبليات، تغلي بالحسرات كما تغلي القدور بما فيها، ويحق لها وقد حيل بينها وبين أمانيها.
تالله لقدت وعظت لواعظ مقالا ، ونادت : يا عمار الدنيا لقد عمرتم دارا موشكة بكم زوالا ، وخربتم دارا انتم مسرعون إليها انتقالا هذه دار الاستيفاء، ومستودع الأعمال ، وبذر الزرع ، وهي محل للعبر، رياض من رياض الجنة ، أو حفر من حفر النيران»
——————————————————————————–
فاعتبروا يا أولي الألباب
إخواني : كم من ظالم تعدى وجار، فما راعي الأهل ولا الجار، بينا هو عقد الإصرار، حل به الموت فحل من حلته الأزرار (فاعتبروا يا أولي الأبصار)
ما صحبه سوى الكفن ، إلى بيت البلى والعفن، ولو رأيته وقد حلت به المحن ، وشين ذلك الوجه الحسن، فلا تسأل كيف صار (فاعتبروا يا أولي الأبصار)
أين مجالسة العالية؟ أين عيشته الصافية؟ أين لذاته الخالية؟ كم تسفى على قبره سافية !! ذهبت العين وأخفيت الآثار (فاعتبروا يا أولي الأبصار)
تقطعت به جميع الأسباب، وهجره القرناء والأتراب، وصار فراشه الجندل والتراب، وربما فتح له في الحد باب إلى النار (فاعتبروا يا أولي الأبصار)
نادم بلا شك ولا خفا ، باك على ما زل وهفا، يود أن صافي الذات ما صفا ، وعلم انه كان يبني على شفا جرف هار (فاعتبروا يا أولي الأبصار)
——————————————————————————–
الأسباب المنجية من عذاب القبر
وذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن أسباب النجاة من عذاب اقبر، هي أن يتجنب الإنسان تلك الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، وهي جميع المعاصي والذنوب.
وذكر رحمه الله أن من أنفع تلك الأسباب : أن يحاسب المرء نفسه كل يوم على ما خسره وربحه في يومه، ثم يجدد التوبة ، النصوح بينه وبين الله، فينم على تلك التوبة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل ، مسرورا بتأخير أجله، حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته، ولا ينام إلا على طهارة ، ذاكراً الله عز وجل ، مستعملاً الأذكار والسن التي روت عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند النوم حتى يغلبه النوم ، فمن أراد الله به خيراً وفقه لذلك .
ثم ذكر رحمه الله الطاعات التي ورد أنها ما ينجي من عذاب القبر وهي:
1- الرباط في سبيل الله.
2- الشهادة في سبيل الله.
3- قراءة سورة الملك.
4- الموت بداء البطن.
5- الموت يوم الجمعة.
——————————————————————————–
الثبات عند الموت
قال الفقيه أبو اليث المرقندي : ويكون التثبيت في ثلاثة أحوال ، لمن كان مؤمنا مخلصا مطيعا لله تعالى:
أحدهما : في حال معاينة ملك الموت
ثانيها : في حال سؤال منكر ونكير
وثالثها : في حال سؤاله عند المحاسبة يوم القيامة
فأما التثبيت عند معاينة ملك الموت فهو على ثلاثة أوجه
الأول : العصمة من الكفر، وتوفيق الاستقامة على التوحيد ، حتى تخرج روحه وهو على الإسلام .
والثاني : أن تبشره الملائكة بالرحمة
والثالث : أن يرى موضعه من الجنة
وأما التثبيت في القبر فهو على ثلاثة اوجه :
الأول : أن يلقنه الله تعالى الصواب[، حتى يجيب الملكين بما يرضى عنه الرب.
والثاني : أن يزول عنه الخوف والهيبة والدهشة .
والثالث : أن يرى مكانه في الجنة ، فيصير القبر روضة من رياض الجنة.
وأما التثبيت عند الحساب فعلى ثلاثة أوجه :
الأول : أن يلقنه الحجة عما يسأل عنه :
والثاني : يسهل عليه الحساب .
والثالث : أن يتجاوز عنه الزل والخطايا .
فالواجب على كل مسلم أن يستعيذ بالله تعالى من عذاب القبر، وأن يستعد له بالأعمال الصالحة قبل أن يدخل فيه، فإنه قد سهل عليه الأمر ما دام في الدنيا.
فإذا دخل القبر فإنه يتمنى أن يؤذن له بحسنة واحدة أو يؤذن بأن يصلي ركعتين، أو يقول: لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ولو مرة واحدة، أو يؤذن له بتسبيحه واحدة، فلا يؤذن له، فيبقى في حسرة وندامة، ويتعجب من الأحياء كيف يضيعون أيامهم في الغفلة والبطالة؟!
نسأل الله أن يوفقنا للاستعد ليوم الحاجة، ولا يجعلنا من النادمين، وأن يجعل القبور بعد فراق الدنيا خير منازلنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إعداد القسم العلمي بدار الوطن.