خير ما نستعين في هذا الجانب كتاب تويج العمائم بما جاء في الرقى والتمائم للشيخ محمد بن عبداله الثبيتي
إن مسألة التوحيد هي أعظم مسائل الدين وأجلها وقد بين الله ذلك في قوله
( إنه من يشرك باله فقد حرم عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) وتابع على هذا اهتمام الأنبياء فكان رأس الأمر عندهم – بدون استثناء – هو أمر التوحيد قال الله تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) وما من نبي بعث إلى قومه إلا ويدعوهم إلى عبادة الله وحده ( اعبدوا الله مالكم من إله غيره .. ) ولهذا كانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم حافلة بيان التوحيد والتحذير من الشرك والبراءة من أهله فهي قضية القضايا وليس شيء يقدم عليها فها هو ذا يقول لمعاذ رضي الله عنه ( هل تدري ما حق الله على العباد وحق العباد على الله ؟ ) فقال معاذ الله ورسوله أعلم . فقال : ( حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً …)) أخرجاه في الصحيحين من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس عن معاذ
الرقى قال عنها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله :
هي التي تسمى العزائم وخص منه الدليل ما خلا من الشرك رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة . ا.ه
أما التمائم فهي جمع تميمة
وقد عرفها الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله أيضا :
بأنها شيء يعلق على الأولاد من العين .اه
فتبين أن التمائم اسم جامع لكل ما يعلق لغرض جلب النفع أو دفع البلاء أو رفعه ويندرج تحتها مسميات أخرى كالودعة والخيط والحلقة والتولة وغيرها وهذه الأمور أعمال ظاهرة يتعلق بها القلب سنأتي عليها بالتفصيل واليك بعض أشكالها وصورها.
رسم توضيحي للخيوط التي تعلق
رسم توضيحي لشكل من أشكال التولة
وأما التولة / فقد قال عنها الحافظ ابن حجر رحمه الله التولة – بكسر المثناة وفتح الواو والام مخفاً – شيء كانت تجلب به محبة زوجها وهو ضرب من السحر. ا.ه
والودعة / من الودع وهو شيء يخرج من البحر يشبه الصدف يتقون به العين
والوتر / هو خيط يجعل كالقلادة في عنق الإنسان أو في عنق الدابة وكانت العرب تخذه اتقاء العين
ويدخل تحت هذه الأصناف كل قلادة أو خاتم أو حذوة حصان أو صورة أو سنابل من الحنطة أو أحذية أو سبح أو ما يسمى بالخمسة والخميسة ما يعلق لدفع بلاء أو رفعه أو جلب خير أو للحفظ تحت باب التمائم وسنذكر حكمها بالدليل كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وإليك بعض أشكالها.
شكل توضيحي لما يسمى بخمسة وخميسة وحذوة الحصان
من الاعتقادات الباطلة تعليق الأحذية اتقاء للعين
شكل لبعض السبح التي تعلق بالمنازل لاتقاء العين
قبل أن نفصل في حكم الرقى والتمائم نذكر قواعد جامعة نافعة فنقول :
أولا / إن العلماء قد قسموا الشرك باعتبار حكمه إلى قسمين
1- شرك أكبر
2- شرك أصغر
والأصغر أنواع ومنه ما يسمى بشرك الأسباب وهو اعتقاد الشيء سبا ولم يجعله الله سبا ومن ذلك ما يكون من التمائم كلبس الخيط والحلقة ونحوها لجلب النفع أو دفع الضر
وضابط كونه من الشرك الأصغر أن صاحبها يعتقد فيها السبية فقط فهذا شرك أصغر وذلك أنه اعتقد فيها السب واله لم يجعل فيها ذلك وفي ذلك أيضا أنها مخالفة لإرادة الله عز وجل وأمره في كونه
وأما إن اعتقد أنها بذاتها مؤثر وأنها قادرة على صرف الأخطار عنه وجلب المنافع له فهو من الشرك الأكبر الذي لا شك فيه
ثانيا / أن نفرق بين ما جعله الله سبا وبين مالم يجعله سبا فنقول يثبت الشيء كونه سبا بأحد طريقين الأول :
ما ثبت عن طريق الشرع مثل ما ثبت أن قراءة القرآن فيها شفاء من الأمراض وكذلك أوراد الصباح والمساء أو أكل سبع تمرات حتى لا يضر آكلها سم ولا سحر فهذه الأمور أسباب للحفظ في الدين والدنيا.
الثاني : التجربة ( السب الكوني المحض ) وضابطه أن تصح هذه التجربة بالعقل السليم الصحيح الذي لا يخالف النقل فأما إن خالف النقل فهو باطل غير معتبر وان زعم صاحبة النفع والتأثير بالتجربة
وما عدى هذين الطريقين يكون السب فيها منوعا وغير مشروع
ثالثا / إن الحكم في الرقى والتمائم والتولة ونحوها يختلف باختلاف اعتقاد فاعلها واختلاف طريقته فيها على ما سيأتي تفصيله فأقول:
1- أن تخلو من الشرك أي من الاستغاثة والالتجاء بغير الله عز وجل ودعاء غيره سواء من نبي مرسل أو ملك مقرب أو ولي صالح وإلا اعتبرت شركا أكبر
2- أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته الواردة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم
3- أن تكون بالغة العربية وقد نقل الإجماع على هذا
4- أن لا يعتقد أن الرقية مؤثرة بذاتها بل هي سب فقط.
أنها منوعة مطلقا وحكمها كما تقدم في القواعد أنه إذا اعتقد أنها مجرد سب فهذا من الشرك الأصغر وان اعتقد أنها مؤثرة بذاتها فهو شرك أكبر
ويدخل تحت الشرك الأكبر كل ما علق أو اتخذ لدفع بلاء أو لرفعه أو لجلب خير أو لحفظ الأبناء أو الدواب أو نحوه ما يراد وكان بداخله طلاسم سحرية أو استغاثات بغير الله عز وجل لما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في تحريم السحر والاستغاثة بغير الله عز وجل ودعاء غير الله عز وجل وأنه من الكفر الأكبروالدليل على أنما حوت في داخلها على طلاسم سحرية أنه كفر أكبر قوله تعالى عن السحر ( واتبعوا ما تلوا الشياطين على ملك سلمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين بابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون ما ينفعهم ولا يضرهم ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ) البقرة 102 وقال النبي ( اجتنبوا الموبقات … وذكر الشرك باله والسحر …) الحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة
وآما الأدلة على ما حوت بداخلها على استغاثات بغير الله عز وجل فقد قال الله تعالى ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا )
وقال الله تعالى
( سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون )
وقال الله تعالى
( ومن أضل من يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون )
وقال الله تعالى
( ومن يدعو مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون)
4- أن لا يعتقد أن الرقية مؤثرة بذاتها بل هي سب فقط.
وأما إن كان المعلق لا يحتوي على شيء ما ذكر بل مجرد خيط أو ودعة أو حلقة أو حذاء أو خرز أو حذوة حصان أو نحوه ما يتخذ لجلب نفع أو دفع ضر فيه التفصيل الذي سبق ذكره فمن اعتقد أنها تنفع وتضر وتجلب الخير وتدفع العين وترفع المرض وتحفظ الأبناء والدواب وأنها مؤثرة بذاتها فهذا من الشرك الأكبر
وأما من اعتقد أن هذه الأشياء مجرد أسباب فهذا من الشرك الأصغر لأن الله عز وجل لم يجعلها سبا وفي ذلك مشابهة لأعمال أهل الجاهلية ولذا وردت الأحاديث في حرمتها منها ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان من طريق يحي الجزار عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود أن النبي قال ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) وهذا اسناد فيه جهالة ولكن للحديث طريق أخرى عن ميسرة بن حبيب عن المنهال ابن عمرو عن قيس بن السكن عن عبداله بن مسعود وهي عند الحاكم ولعلها تعضد الطريق الأخرى. وكذلك ما رواه الامام احمد وابن حبان من طريق حيوة عن خالد بن عبيد المعافري عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي قال ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له ) وفي رواية ( من تعلق تميمة فقد أشرك )
أسباب نحريمها
1/ فلما فيها من تعلق القلب بغير اله.
2/ولأنها ليست سباً شرعياً ولا قدرياً، واعتقاد أنها سب تشريع مع اله،ومنازعة له في خلقه وأمره.
3/وأنها تفتح على العبد باب الخرافة، وتقوده إلى الشرك.
4/وأنها سب للخذلان؛ لأن من تعلق شيئاً وُكل إليه.
5/ وأنها قد تحتوي على استغاثات بغير الله عز وجل كالاستغاثة بالنبي أو بأحد من الملائكة أو بالشياطين
وأما إن كان المعلق من القرآن أو الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أسماء الله الحسنى
فالقول في هذه المسألة أنه لا يجوز وهو رأي ابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهما وهو ما يفتي به كثير من العلماء وذكروا لذلك عدة وجوه:
الأول / عموم النهي ولا مخص للعموم
الثاني / سد للذريعة فإنه يقضي إلى تعليق ما ليس كذلك
الثالث / أنه قد يفضي إلى امتهان الشيء المعلق
رابعا / أنه قد يفضي إلى ترك السنة التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة الأذكار والمحافظة عليها في أوقاتها كأذكار الصبح والمساء ودعاء دخول المنزل والخلاء وأدعية النوم فيترك المسلم ما يتعبد الله بها من الأدعية ويكتفي ويتواكل على ما علق
خامسا / أن الاستشفاء بالقرآن والأدعية المأثورة وردت في السنة بطريقة معينة فلا مزيد عليها.
أقول إن هذه الأمور قد انتشرت بين المسلمين انتشاراً عجيباً وذلك بسب انتشار الجهل والطرق البدعية وقلة العلم بآثار الرسالة وقد كانت القنوات الفضائية أحد الأسباب الكبرى التي دعت شباب المسلمين إلى تقليد المشاهير من ذوي الفن والرياضة من يعلقون التمائم إلى تقليدهم ولذلك قد يتعلقها الجهال من المسلمين دون أن يدعوهم أحد من السحرة إلى ذلك.
أما السحرة فإن العلاقة التي بينه وبين الشياطين تدعوه إلى إيقاع الناس بالشرك والكفر وكثيرا ما يدعوا السحرة من يترد عليهم إما بقصد الشفاء أو بقصد العطف أو الصرف أو شيئا من أمور الدنيا إلى تعليق شيء من تلك التمائم أو الحرز أو الحجب التي يصنعونها وكثيرا ما وضعوا بداخلها طلاسم سحرية واستغاثات شركية.
وإليك بعض أشكالها
شكل لما يسمى بحجاب أو حرز صنعه أحد السحرة
وبعض الذين يدعون الرقية الشرعية ويتعاملون بالجن أو السحر يتلون الرقى على الناس مبتدئين بدعوة الله عز وجل ثم يستغيثون بشياطينهم وبغير الله عز وجل أو يصنعون ما يسمى بالحرز أو الحجب أو التمائم المكتوبة فيخادعون عوام الناس فيضعون بداخلها شيئا من القرآن فقط ، لكن لو تأملت المسألة لوجدت أنهم يقومون بطيء ما كتبوه من القرآن كما يطون حجبهم وأعمالهم السحرية ويخيطون عليها الجلود ويأمرون الناس بوضعها تحت فرشهم أو دفنها عند الأبواب أو وضعها في الدبر وبذلك يقعون الناس في الشرك ويصرفونهم عن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في المحافظة على الأذكار واليك أحد أشكالها
فالواجب على المسلمين جميعا أن يتقوا الله جل وعلا في أمر دينهم وأن يبتعدوا عن ما يغضب الله جل وعلا من أمر الشرك صغيره وكبيره وذلك باتقاء سبل شياطين الإنس والجن والسؤال عما أشكل من أمر دينهم والمسلم واله قد شرع للمسلم ما يحفظه في أمر دينه ودنياه من الأذكار والأدعية الواردة عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كأذكار الصباح والمساء ودعاء دخول المنزل والخروج منه وغيرها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لو تأملها المسلم لعلم أنها من أعظم القربات إلى الله عز وجل وأنها أعظم ما يحفظ المؤمن ويدفع عنه البلاء
( وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين )
هذا واله أعلم وصلى الله عليه وسلم