الناس حاسد ومحسود ولكل نعمه حسود وأول ذنب عٌصي به الله في السماء حيث حسد إبليس اللعين أبانا آدم عندما أبى أن يسجد له وأول ذنب عُصي الله به في الأرض حيث حسد قابيلُ هابيلَ فقتله ومن أنواع الحسد حسد الكفار للأنبياء و حسد أخوة يوسف لسيدنا يوسف عليه السلام و حسد المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين و حسد أهل الكتاب للمؤمنين كما في قوله تعالى" ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق "البقرة 109 وقد قيل ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحسود نفس دائم وهم لازم وقلب هائم
إن الحسود الظلوم في كرب يخاله من يراه مظلوما
ذا نفس دائم على نفس يظهر منها ما كان مكتوما
والحسد نوعان : مذموم ومحمود ، فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم ، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا ، وهذا النوع الذي ذمه الله تعالى في كتابه بقوله "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله"النساء 54 وإنما كان مذموماً لأن فيه تسفيه الحق سبحانه ، وأنه أنعم على من لا يستحق . وأما المحمود فهو ما جاء في صحيح الحديث من قوله عليه السلام :
"لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله ما لاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" . صحيح رواه البخاري هذا الحسد معناه الغبطة . وحقيقتها : أن تتمنى أن يكون لك ما لأخيك المسلم من الخير والنعمة ولا يزول عنه خيره ، وقد يجوز ان يسمى هذا منافسة ، ومنه قوله تعالى : "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون" تفسير القرطبي .
نافس على الخيرات أهل العلا فإنما الدنيا أحاديث
كل امرئ في شانه كادح فوارث منهم وموروث
واعلم أن من موانع حبك لأخيك أن تحسده على ما رزقه الله سبحانه وتعالى ولم الحسد وأنت تعلم أن الله هو الذي رزقه وأعطاه هذه النعمة التي تحسده عليها؟ ولو شاء لأنعم عليك بها أو بمثلها فتوكل على الله الذي رزقك واجعله هو حسبك
ألا قل لمن كان لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فعله إذا أنت لم ترض لي ما وهب
ولماذا الحسد ؟
وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحسد الذي من شأنه أن يوجد الشحناء والبغضاء كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَكُونُواعِبَادَ اللَّهِ إِخْوانا رواه احمد تحقيق الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2679 في صحيح الجامع . فيجب عليك أن تفرح لفرح أخيك وأن تحزن لحزنه فإذا أصابته نعمة من ربه تمنيت له الخير والسعة في الرزق وان أصابته ضراء تقف بجانبه وتمد له يد العون هذه هي الأخوة فاحرص عليها وأن تدعو له كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر يعمى الحسود عن لقاء ربه جهلاً فقلت له مقالة حازم
الله يعلم حيث يجعل فضله مني ومنك ومن جميع العالم
عن الأصمعي قال : بلغني أن الله عز وجل يقول :
الحاسد عدو نعمتي متسخط لقضائي غير راض بقسمتي التي قسمت بين عبادي رواه البيهقي في شعب الإيمان
* ولماذا الحسد ؟
وقد حذرنا رسول الله من الحسد لأنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ أَوْ قَالَ الْعُشْبَ ابو داود تحقيق الألباني
( ضعيف ) انظر حديث رقم : 2197 في ضعيف الجامع .
واعلم أخي المسلك أنه لا يجتمع أبدا في قلب مؤمن الإيمان الصادق والحسد الهالك فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الْإِيمَانُ وَالْحَسَدُ صحيح رواه النسائي
قال العلماء : الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود، فيتبع مساوئه ويطلب عثراته.
الله سبحانه خالق كل شر، وأمر نبيه صلىالله عليه وسلم أن يتعوذ من جميع الشرور. فقال "من شر ما خلق" وجعل خاتمة ذلك الحسد، تنبيهاً على عظمة، وكثرة ضرره، والحاسد عدو نعمة الله. قال بعض الحكماء: بارز الحاسد ربه من خمسة اوجه: أحدها: أن أبغض كل نعمة ظهرت على غيره. وثانيها: أنه ساخط لقسمة ربه، كأنه يقول: لم قسمت هذه القسمة؟ وثالثها: أنه ضاد فعل الله، أي أن فضل الله يؤتيه من يشاء، وهو يبخل بفضل الله. ورابعها: أنه خذل أولياء الله، أو يريد خذلانهم وزوال النعمة عنهم. وخامسها: أنه أعان عدوه إبليس. وقيل: الحاسد لا ينال في المجالس إلا ندامة، ولاينال عند الملائكة إلا لعنة وبغضاء، ولا ينال في الخلوة إلا جزعا ًوغماً، ولا ينال في الآخرة إلا خزناً واحتراقاً، ولا ينال من الله إلا بعداً ومقتاً. وروي:أن النبي صلى الله عليه وسلم قالثلاثة لا يستجاب دعاؤهم: آكل الحرام، ومكثر الغيبة، ومن كان في قلبه غل او حسد للمسلمين) " تفسير القرطبي سورة العلق . والله سبحانه وتعالى أعلم.
علاج الحسد
الاغتسال
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاغتسال من الحسد فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا صحيح رواه مسلم
الرقية الشرعية
ومن سنته صلى الله عليه وسلم رقية كل محسود كما فعل معه جبريل عليه السلام فروي أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ صحيح رواه مسلم
* عدم الإكثار من مخالطة الحسود
يجب عدم الإكثار في مخلطة الحسود فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَيْنُ حَقٌّ وَيَحْضُرُ بِهَا الشَّيْطَانُ وَحَسَدُ ابْنِ آدَمَ احمد
* الشماتة
إن الشماتة من أمراض القلوب ومعناها : الفرح ببلية أو مصيبة من يعاديك أو من تعاديه ؛ فيجب على الإنسان سوي النفس نقي السريرة ألا يفرح في مصيبة أخيه المسلم فيظهر له شماتة في قلبه تجاهه . وقد تكون هذه الشماته رحمة له حيث يقف الله بجانبه في مصيبته وبلوى على الشامت كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُظْهِرْ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ حسنه الترمذي وضعفه الألباني انظر حديث رقم : 6245 في ضعيف الجامع .
والإنسان الشامت الذي يفرح في مصيبة غيره لا محالة أن في قلبه مرض فيكفي أنه يظهر عداوته لغيره وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ منها فيقول تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ رواه البخاري
فيجب على المسلم تجاه أخيه المسلم ألا يفرح بمصيبة ألمت بأخيه أو بنازلة نزلت عليه لأن ذلك من شأنه زيادة البعضاء والعداوة بين المسلمين وهذا خلاف ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال :"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" صحيح رواه البخاري
* الشك والريبة
الريبة معناها : قلق النفس واضطرابها وسوء الظن بمن حوله ووضعهم في مواضع التهمة والتردد ومجاهرتهم بذلك فتظهر فائدتها وهي الرهبة والانزجار وإن لم تكن ريبة –أي سوء ظن – تورث البغض والفتن . قال صلى الله عليه وسلم دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ احمد تحقيق الألباني( صحيح ) انظر حديث رقم : 3378 في صحيح الجامع .
من علاج أمراض القلوب
الهدية
إن من علاج أمراض القلوب: الإنفاق على المساكين والفقراء، فبهذه النفقة يذهب الحقد من قلوبهم بل تزيدهم حبا لمنفقها حيث أعانهم على متاعب الحياة ومواجهة مصاعبها وكذلك إهداء الهدية للأقارب والأصحاب الذين لا يستحقون النفقة فتكون دلالة على المحبة والمودة ويعم الحب على الجميع كما قال صلى الله عليه وسلم تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَغَرَ الصَّدْرِ أحمد تحقيق الألباني ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 2489 في ضعيف الجامع .
الصوم
عليكم بالصوم فالصوم طهارة للنفس زكاة للبدن فعن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ النسائي تحقيق الألباني
( صحيح ) انظر حديث رقم : 2608 في صحيح الجامع .
فيا من تبحث عن السعادة والحب والأمان وراحة البال كن طاهر النفس ونقي السريرة لا تحمل غلا لأحد ولا حقدا لأحد واطمئن نفسا بأن الله يدبر الأمر كيف يشاء وله ما أعطى وله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار وثق بأن الله حكيما عليما يرزق من يشاء كيف يشاء وبما يشاء ومن يستحق بما يستحق وتوكل على الله العزيز الحكيم وقل حسبي الله ونعم الوكيل.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللهم إني أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِه اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ عِلْمٍ لَا ينفع ومن عين لا تدمع اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءُ السَّمَاءِ وَمِلْءُ الْأَرْض ِوملءُ ما بينهما وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْمَاءِ وَالْبَرَدِ ِ اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدنسِ وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك منقول للفائدة
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
وجزآآآك الله خ ــيــر..
والله يكتبه في مييزآن حسنآتكـ..
تقبلي مروري..