ببضاعَته في سَفينَة ؛ ليتَجر بها في بلاد بَعيدة ؛
فلَما ابتعدَت عن الشاطئ ؛ و صارت بين السماء و الماء ؛ هبَت ريح شديدَة ؛ قَلبتها بمن فيها ؛ فغاصت البضاعة كلها إلى قرار البحر ؛ و أخذ التاجر يسبح هو و البحارة ؛ يبتلعهم الماء تارة ؛ و يطفون على ظهره تارة ؛ و تعلُو بهم الأمواج مرة ؛ و تنخفض مرة ؛ و هم يستغيثون ؛ و لكن أصواتهم كانت تذهب مع الريح ؛ حتى تأكدُوا من أنَهم هالكُون ؛ فسلَموا أمرهم لله
و بينما هم كذلك ؛ إذ أبصروا عن بُُعد شراعا صّغيرا ؛ أخذ يدنُو منهم شيئا فشيئا ؛ فدب الأمَل في نفوسهم ؛ و علموا أن عيْن الله لا تنساهم ؛ و أسرَعت المركب إلى نجدتهم ؛ فأنقذتهُم ؛ وهُم بيْن الحياة و الموْت .
و عادَ التَاجر إلى بلده مفلسا ؛ و قَد فقد كل شيئ ؛ ولكنه حمد الله على النجاة ؛ و لم يستطع العيشَ في بلده . فأخذَ زوجَتَه و إرتحَل عنه .
و كَانت زوجته حاملا ؛ و بيْنما هُم في سفَرهم أحسَت زوجته بقرب ولادتها ؛ و لم يكُن معه إلا قروش ؛ فتَرَكها في مكان خارج قرية ؛ وَ ذهب يَبتاع لها شيئا ؛ ممَا تحتاج إليه السيدَة في مثل هذه الحال .
و لمَا كان في طريق عودته إليها ؛ عثرت رجلُه ؛ فسَقط جميع ماكان معه في الأرض ؛ فجَعل يبْكي ؛ و يَرفع صوته بالبكَاء . و كان الوقْتُ ليلا ؛ فأطلَ رجل من نافذة منزله ؛ و قَد أيقّظه صياحٌ الرجل ؛ و جعَل يلومه على الصياح ؛ و الناسُ نيام . و لما عرف سبب صياحه ؛ قال له ؛أَلشيء لا قيمة لهُ توقظ الناس من نَومهم ؟
فَأجابَه : لقد كنْت ذا ثروة عظيمة ؛ ضاعت مني فلم أهتم لأمرها ؛ و لقد فقدت يوما كيس نقودي ؛ و كانَ به ألف دينار ؛ فلَم أحزن ؛ و لَم اتألم ؛ و لكن زوجتي تلدُ الآن ؛ و قَد إشتريت لها ماوقع مني؛ بكل ما كانَ معي !
دَعاه الرجلُ إلى بيته ؛ وَ أرسضل إحدى بناته مع الخَدم فَأحضروا زوجتَه ؛ وَ صنعُوا لها كل ما ينبغي صنعه ؛ وَ جلَس الرجل يُحادث ضيفه ؛ ثم طلَب إليه أن يَصفَ لهُ كيسَ نقوده الذي ضاع فأجابه :و ماذا يُفيد الوصف ؛ و ذلك أمْر مضى زمنه ؛ و لن يُرَد إليض كيسي بَعْد أن فقدْتُه ؛ و لكنَ صاحبَ البيت ألَح عليه حتَى وصفه ؛ فقام الرجُل وَ أحضر كيسا فَعرضه على ضيفه ؛ فلما رآه أُغميَ عليه من شدَة الفَرح ؛ فلَما أَفاقَ من دهشته صاحَ :
هذا و الله كيسي !! لَم ينقُص مما فيه شيئ !! مَا أعجبَ أمرَك من رجل أمين !! ومَا أعظَم لطف الله و رحمته !!! و دَخل على زوجته ؛ يخبرها بما صَنَع الله به ؛ فاشتَدَ فرحُها و زاد ابتهاجُها .
ثُمَ إنهُما أقاما عند الرجل مكرَمين اياما ؛ حتى عوفيَت زوجتُه ؛ و أصبَحت قادرة على السَفر و مشقَته ؛ فإستأذنا مُضيفهمَا الأمينَ ؛ فأذنَ لهمَا بعد أن أهْدَى إليهمَا الهدَايا النَفيسَة ؛و إنصرفَا ؛ و قَد صَارت سيرةُ هذَا الرَجُل على لسانيهمَا يذكرانها لكل إنسان .
قال الله تعَالى : " إنّ اللهَ يأمُركُم أْنْ تُؤَدُوا الأمَانات إلَى أهلهَا "
العبرة من القصة :
إحتَفظ بما تجده ؛ فَسيظهَر صاحبُه ولو طَال الزَمن ؛
ولا تتَصرف فيه ؛ فَهُوَ أمانة يُثيبُك الله على ردها إلى أصحَابها ؛ و يُعاقبك على العبث بها .
الي في منها عبر وفائدة