أولادنا…
كيف نعاقبهم في البيت والمدرسة؟
يتغاضى بعض الأهل عن أخطاء أولادهم ويتركون لهم هامش الحرية مفتوحاً،
بينما يلجأ آخرون الى العقاب البدني أو التأنيب النفسي. كيف نربي أبناءنا في البيت وفي المدرسة؟
ما هو أسلوب العقاب المثالي؟
علماء الاجتماع والنفس يجيبون عن هذه التساؤلات.
يرفض د. أحمد يحيى (أستاذ علم الاجتماع في جامعة قناة السويس) “سياسة التغاضي عن أخطاء الأبناء التي أرى أنها أنهكت منظومة التربية والتعليم في مدارسنا لأكثر من 30 عاماً. فالعملية التعليمية في العالم العربي عموماً تسير من سيئ إلى أسوأ، لأننا لم نحافظ على منهج نشأنا عليه ولم نحصد أي إيجابية لمفهوم التغاضي عن العقاب وهو مفهوم غربي دعت إليه دراسات أميركية، لأن أخلاق النشء وسلوكياته لا تزال في تدهور مستمر، فيما الأجيال السابقة أنجزت الكثير من التقدّم بفضل سياسة العقاب والردع}.
يطالب د. يحيى بأن تتفرغ الأم العاملة لإجازة مدتها خمس سنوات كي تربي طفلاً سليماً متوازناً، وبأن يضع المناهج الدراسية خبراء متخصصون تربوا وتعلموا وحقوا النجاح بفضل سياسة الثواب والعقاب والمكافأة والتأديب.
يوافق د. أحمد عبد الله (أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق) د. يحيى الرأي ويقول: {أؤيدفكرة الثواب والعقاب، لأنها فكرة أزلية موجودة في النفس البشرية، وثمة مدارس عدة هدفها تنشئة جيل متوازن يتحمل المسؤولية ويفهم الحياة. بينما التدليل والتغاضي عن الأخطاء سياسة غير مثمرة، وحتى علماء النفس في أميركا اليوم بدأوا العودة إلى سياسة التأديب والعقاب في المدارس بعد الانفلات الكبير الذي وقع فيه الأبناء وصل إلى حدّ ارتكابهم جرائم بشعة فاقت كل التوقعات}.
يضيف د. عبد الله: {أفضّل اعتماد فلسفة تحريض الطفل على الإيجابية، وبمقدورنا تطبيقها مع إضفاء الصبغة الروحية التي تميّزنا عن الغرب، فالتراحم وروح الجماعة من أبرز سماتنا وحين نتمتع بهما يمكننا أن نطبق منهج العقاب لخدمة المجتمع}.
يعطي د. عبد الله مثالاً على ذلك قائلاً: {إذا أخطأ تلميذ في المدرسة نعاقبه بتنظيف فناء المدرسة أمام زملائه، فهذا العقاب يشجّعه على العمل العام وهو أفضل من العقاب البدني الذي يؤدي إلى تراكمات نفسية}.
يضيف د. عبد الله: {نعيش مرحلة ضبابية تاهت فيها الأفكار، ولتخطّيها ينبغي تكاتف منظومتا الأسرة والمدرسة. فلو طُبِّق مثال خدمة المجتمع على الصعد كافة لأتى بثمار كثيرة، إذ إن رقابة الزملاء والأصدقاء والجيران مجتمعةً كفيلة بتقويم سلوك الطفل وضمان عدم تكراره أفعالاً مشينة أمام زملائه وبجعله يشعر بعواقب أخطائه}.
من جهتها، تقول د. نجوى عبد الحميد (أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس): {لا أعارض فكرة العقاب، لكن بشرط الجوء إلى النصح كمبدأ يجب اتباعه مع الأبناء من سن السادسة من خلال أمثلة توضيحية كعدم كسر الأشياء والاعتناء بالزهور ومحاكاة الأفعال وتجسيد المفاهيم المجردة، وفي سن الرابعة عشرة يكون العقاب بالنصح أيضاً وإذا تكرر الخطأ يُستعمل العقاب البدني، وإذا لم يرتدع الولد لاحقاً نبدأ مرحلة التحفيز بالمصروف أو المنع، ونربط المكافأة بالإجادة والأفعال الجيدة، والأخطاء بالعقاب كحرمانه من نزهة أو سفر ترويحي ثم الامتناع عن الحديث معه أو تجاهله لفترة، كذلك لا بد من أن يشعر الولد بعض الألم إذا كرّر الأخطاء نفسها”.
أما في ما يخصّ المدرسة فتوضح د. عبد الحميد: {ثمة نقص في الكفاءات التربوية التي تستطيع مسايرة أولادنا الى أبعد الحدود، إذ إن عدد الاختصاصين الاجتماعين الذين يقع على عاتقهم دور كبير في استكمال مجهود البيت والأسرة، قليل جداً، فلا يُعقل تكليف اختصاصي واحد لمدرسة كبيرة تضمّ ما يقارب الألف تلميذ}.
تشدّد د. عبد الحميد على أهمية توفير الأنشطة المدرسية الترفيهية للأطفال في المدارس كي يوجَّه كل طفل في الاتجاه الصحيح بحيث يفرغ طاقته في أمور يحبّها وتوافق مع مواهبه وقدراته بدل تفريغها في السلبيات والسلوكيات الخاطئة}.
يرفض الخبير التربوي د. حامد عمار فلسفة العقاب بشكل مُطلق من منطلق بناء المجتمع الصحي المستنير، {مفهومي لسياسة العقاب هو وضوح الرؤية كاملة، فالأب أو المُعلم يمكنه بناء أجيال عبر الفهم والتواصل مع الأبناء، لأن اعتماد مبدأ القهر والسيطرة يؤدي إلى إنتاج جيل من الخانعين لا يقدرون على إبداء الرأي في أي أمر بحرية، فالطفل حين تضربه يشعر بالدونية واحتقار الذات}.
(اماني11)
يعطيك العافية