أسباب موت القلوب 2024.

أسباب حياة القلب وموته

يقول صلى الله عليه وسلم: { ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب} وفي هذا الحديث دلالة على أهمية القلب والاعتناء به، والعمل بأسباب حياته، والحذر من أسباب موته.

وأسباب موت القلب كثيرة منها: عدم المبالاة بأوامر الله، وعدم المبادرة إلى طاعته، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسماع الأغاني.

موت القلوب

الحمد لله الذي قلوب العباد بيده يقلبها كيف يشاء، ويصرفها على ما يريد، أحمده وأشكره.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وراقبوه، اتقوا من يعلم السر وأخفى.

عباد الله: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب } الله أكبر! الله أكبر! قدر المُضغة، قدر ما يمضغ الإنسان، فهي لحمة في جسم الإنسان، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله.

القلب هو المسيطر، هو الملك على الأعضاء كلها؛ لذلك يخبرنا صلى الله عليه وسلم بهذا التوجيه، ليحث أمة الإسلام على حفظ تلك الأوعية، وحمايتها، ووقايتها من الأخطار.

عباد الله: القلب هو مصدر سعادة الإنسان وشقاوته، ومن القلب تنبعث حياته الروحية أو موته المعنوي، أجل يا عباد الله.

يا أمة الإسلام: هل أعطينا قلوبنا ما تستحقه من حماية؟

هل أحطنا قلوبنا بسياج الإيمان الكامل؟

إن معظم الأمة بل الأكثرون منها فرطوا في هذه الناحية الحساسة، وتركوها حتى دخلها ذئب الإنسان وهو الشيطان، فجعل يخطط للأعضاء، ويأمرها وتفعل تلك الأوامر، حتى أصبح الأكثرون في أسر الشيطان وقيوده، ووقعوا في أعظم داهية، وأصيبوا بأعظم الأدواء، ألا وهو فقدان الإحساس الروحي، وموت الضمير المعنوي، الذي غطى القلوب وران عليها، فأصبحت كالحجارة، لا تتأثر بآية ولا بوعظ، ولا تستجيب لنداء الإسلام، ولا تستفزها نُذُر القرآن، ولم يؤثر بتلك القلوب ما يصل إلى أسماعها من الآيات الكونية والعبر، فإذا سَمِعَت بالرياح المدمرة، قال أهلها: هذه أعاصير بسيطة؛ لأنها لم تكن حولنا، وإذا سمعوا بالزلازل قالوا: هذه براكين، وإذا سمعوا بالفيضانات قالوا كلمات لم نستطع لها تعبيراً، كل هذا من موت القلوب، وعدم إحساسها، وعدم الواعظ الإيماني.

أجل -يا عباد الله- إن ما أصاب المجاورين فيه موعظة وعبرة لنا، إنها رياح، وزلازل، وفيضانات، وحروب طاحنة، وأمراض وأوبئة، لقد كفانا ما نسمع، وما نرى في تلك الآلات وما يُنقل لنا من تلك البلدان.

أمة الإسلام: لعله يكفينا ما نسمع، وما نرى في تلك البلدان خلال تلك الآلات من الحوادث المفزعة، والكوارث المدمرة التي جَعَلَت أهل تلك البلدان شَذَرَ مَذَرَ، وفَرَّقَتْهُم في كل ناحية، ومَزَّقَتْهُم كل ممزق.

إنها عبر ومواعظ، فهل من مُدَّكِر؟

أمة الإسلام: لقد ذقنا النعمة، وشبعنا وما اكتفينا حتى جعلنا فضلات اللحم والطعام الذي يحتاج إليه بعض المسلمين في براميل الزُّبالة، إنها حالة محزنة، تقشعر منها الجلود.

عباد الله: إن موت القلوب أغفل الكثير عن الاهتمام بدين الإسلام.

يا أمة الإسلام: إن موت القلوب وغفلتها فتحت المجال لأعداء الإسلام، حتى تداعت أمم الشر على الإسلام من كل حدب وصوب، وغزوا العقائد والأخلاق، وبذروا الفتن وأجّجوا نارها بين المسلمين، وأدخلوا البدع فاستحسنها أهل الإسلام، ويا للأسف الشديد! كل ذلك نتيجة موت القلوب، وصارت تلك أمام الكثير سراب لا حقيقة له، وكأنها أضغاث أحلام، لا يُتَوقع لها تأويل، ولا يُفَكر فيما تولده من الشرور عياذاً بالله، اللهم عياذاً بك من مضلات الفتن، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

أجَل -يا عباد الله- كل ذلك نشأ من موت القلوب، وعدم الشعور، وعدم التضلع بمسئوليتها وواجبها أمام الله، بل وواجبها، بل وخوفها من مكر الله: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]…….

أسباب موت القلوب

إن موت القلوب الذي عمَّ الأكثرين له أسباب، فعلموها يا عباد الله:

السبب الأول: عدم المبالاة بأوامر الله، وعدم المبادرة إلى طاعة الله:

لقد خلت المساجد من كثير من شباب المسلمين إلا ما قلَّ.

السبب الثاني: عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

نساءٌ في الأسواق متبرجات، إِلْيَة الرَّجُل بإِلْيَة ، وكأنه زوجها في الأسواق.

السبب الثالث: أكل الحرام: إن موت القلوب الذي يعاني منه البعض من الناس من أسبابه: أكل المحرمات، ومن هذه المحرمات: الربا، الرشوة، الغش، الخداع.

بيع المحرمات، كالدخان والمخدرات وآلات اللهو بأنواعها، وسماع آلات اللهو حرام، وثمنها حرام، وهناك قاعدة فقهية تقول: (ما حَرُم استعماله حَرُم ثمنُه).

أمة الإسلام: أين الورع؟ أين القناعة؟ أين العفة؟ الحلال: ما حَلَّ بأيدينا، والحرام: ما تعذر علينا أخذه.

إن الحياة الدنيا ليست بدار بقاء، إنها دار عمل، والحساب بدار الجزاء الثاني، يوم القيامة، يومٌ عظيمٌ، تبرز فيه الكامنات، وتظهر فيه الحقائق، وتنكشف النيّات، يوم تنشر فيه الدواوين، يوم تَبِيْن فيه النتيجة، أيُّنَا الناجح من الراسب؟ إنه يوم عظيم، وأعظم دليل على عظمة ذلك اليوم كثرة أسمائه بالقرآن العظيم، إنه يوم القيامة، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] أين القلب السليم؟ ما هو القلب السليم؟

القلب السليم هو: الصحيح الممتلئ بمحبة الله وإجلاله وتعظيمه.

القلب السليم هو: المتحلي بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه.

القلب السليم هو: الخالي من كل شبهة تعارض خير الله.

نعم. القلب السليم هو: الخالي من كل شهوة تميل إلى ما حرم الله.

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتجنبوا كل ما يمرض القلوب أو يميتها.

السبب الرابع: الصدود عن ذكر الله وعن كتاب الله:

إن أكثر ممرض وأعظم مميت للقلوب هو: الصدود عن ذكر الله وعن كتاب الله تلاوةً وعملاً وتدبراً.

السبب الخامس: الإسراع والمبادرة إلى التضلع وقراءة المجلات:

إن من عوامل موت القلوب: الإسراع والمبادرة إلى التضلع وقراءة المجلات -والعياذ بالله- فالاهتمام انصرف عن كتاب الله، وعن سنة رسول الله إلى سنة اليهود والنصارى، وإلى دسائس اليهود والنصارى، ودسائس الصهيونية من مجلات وجرائد وغيرها.

اسمعوا وصف المؤمنين الكامل في كتاب الله رب العالمين: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

اللهم اجعلنا منهم، اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين

خليجية
شكرا كتير
خليجية
عيون الملآكـ

بآركـ الله فيك على هذآ الموضوع المميز
وجعله الله في موآزين حسنآتكـ إن شآءالله
ويآرب يا مقلب القلوب قلب قلوب المسلمين على دينكـ

شكرآ
اختك

المشتاقه الى جنة الخلد

كيف ترق القلوب 2024.

——————————————————————————–

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فضيلة الشيخ: محمد مختار الشنقيطي.
…………………………………

الحمد لله علام الغيوب.
الحمد لله الذي تطمئن بذكره القلوب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعز مطلوب وأشرف مرغوب.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين، وعلى جميع من سار على نهجه واتبع سبيله إلى يوم الدين…….أما بعد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني في الله :
إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا مكينا من الغي والعصيان. ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة. ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله ، فما ذُكّر إلا تذكر، ولا بُصّر إلا تبصر.
ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه وتعالى. وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل.
فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى.
ما انتزعه داعي الشيطان إلا وانكسر خوفا وخشية للرحمن سبحانه وتعالى.
ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية المليك سبحانه وتعالى.
القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق.
القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق.
ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟
ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها ؟
من الذي إذا شاء قلَبَ هذا القلب فأصبح أرق ما يكون لذكر الله عز وجل، وأخشع ما يكون لآياته وعظاته ؟
من هو ؟ سبحانه لا إله إلا هو، القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلب، ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه. حتى تأتي تلك الحظة العجيبة التي يتغلغل فيها الإيمان إلى سويداء ذلك القلب بعد أن أذن الله تعالى أن يصطفى ويجتبى صاحب ذلك القلب.
فلا إله إلا الله ، من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة، ومن أهل القسوة إلى أهل الرقة بعد أن كان فظا جافيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، إذا به يتوجه إلى الله بقلبه وقالبه. إذا بذلك القلب الذي كان جريئا على حدود الله عز وجل وكانت جوارحه تتبعه في تلك الجرأة إذا به في لحظة واحدة يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يتغير لكي يصبح متبصرا يعرف أين يضع الخطوة في مسيره.
أحبتي في الله :
إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمة أجل ولا أعظم منها، نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى.
وقد أخبر الله عز وجل أنه ما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودا بعذاب الله ، قال سبحانه:
{فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الَّهِ}(الزمر:22).
ويل، عذاب ونكال لقلوب قست عن ذكر الله ، ونعيم ورحمة وسعادة وفوز لقلوب انكسرت وخشعت لله تبارك وتعالى.
لذلك – إخواني في الله – ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقا؟
كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة ؟
فأكون حبيبا لله عز وجل، وليا من أوليائه، لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه وتعالى، لأنه يعلم أنه لن يُحرم هذه النعمة إلا حُرم من الخير شيئا كثيرا.
ولذلك كم من أخيار تنتابهم بعض المواقف والحظات يحتاجون فيها إلى من يرق قلوبهم فالقلوب شأنها عجيب وحالها غريب.
تارة تقبل على الخير، وإذا بها أرق ما تكون لله عز وجل وداعي الله .
لو سُئلت أن تنفق أموالها جميعا لمحبة الله لبذلت، ولو سئلت أن تبذل النفس في سبيل الله لضّحت. إنها لحظات ينفح فيها الله عز وجل تلك القلوب برحمته.
وهناك لحظات يتمعر فيها المؤمن لله تبارك وتعالى، لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها قلبه ويتألم فيها فؤاده حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله .

ولرقة أسباب، ولقسوة أسباب :
الله تبارك وتعالى تكرم وتفضل بالإشارة إلى بيانها في الكتاب.
فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تبارك وتعالى.
ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقّافا عند حدود الله .
لا تأتيه الآية من كتاب الله ، ويأتيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال:
{ا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(البقرة:285).
فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباق، وعن الشر محجام.
فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه.
أن يعرفه، وما من شيء في هذا الكون إلا ويذكره بذلك الرب.
يذكره الصباح والمساء بذلك الرب العظيم.
وتذكره النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم.
ويذكره الخير والشر بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى.
فمن عرف الله رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
والعكس بالعكس فما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل، وأبعدهم عن المعرفة بطش الله ، وعذاب الله وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمة الله .
حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله ، وأيئس ما يكون من روح الله والعياذ بالله لمكان الجهل بالله .
فلما جهل الله جرأ على حدوده، وجرأ على محارمه، ولم يعرف إلا ليلا ونهارا وفسوقا وفجورا، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده هدفا في وجوده ومستقبله.
لذلك – أحبتي في الله – المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب، ولذلك كل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم التفكر في ملكوت الله ، كلما وجدت قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى.
السبب الثاني:
الذي يكسر القلوب ويرقها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب،
النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب.
النظر في كتاب وصفه الله بقوله:
{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}(هود:1).
ما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قراءته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع والنفس تتوهج إيمانا من أعماقها تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته.
ما قرأ عبد القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قراءتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى:
{كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الَّهِ ذَلِكَ هُدَى الَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ الَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(الزمر:23).
هذا القرآن عجيب، بعض الصحابة تُليت عليه بعض آيات القرآن فنقلته من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آيات يسيرة.
هذا القرآن موعظة رب العالمين وكلام إله الأولين والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في كتابه:
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}(القمر:17).
هل هناك من يريد الذكرى ؟
هل هناك من يريد العظة الكاملة والموعظة السامية ؟… هذا كتابنا.
ولذلك – أحبتي في الله – ما أدمن قلب، ولا أدمن عبد على تلاوة القرآن، وجعل القرآن معه إذا لم يكن حافظا يتلوه آناء اليل وآناء النهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.

السبب الثالث:
ومن الأسباب التي تعين على رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى تذكر الآخرة، أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر.
أن يتذكر أن لكل بداية نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة وأن المتاع فان وأنها غرور حائل دعاه – والله – ذلك إلى أن يحتقر الدنيا ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق وعندها يرق قلبه.
ومن نظر إلى القبور ونظر إلى أحوال أهلها انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور والعياذ بالله .
ولذلك لن تجد إنسانا يحافظ على زيارة القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها الأباء والأمهات والإخوان والأخوات، والأصحاب والأحباب، والإخوان والخلان.
يرى منازلهم ويتذكر أنه قريب سيكون بينهم وأنهم جيران بعضهم لبعض قد انقطع التزاور بينهم مع الجيرة.
وأنه قد يتدانى القبران وبينهما كما بين السماء والأرض نعيما وجحيما.
ما تذكر عبد هذه المنازل التي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذكرها إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
ولا وقف على شفير قبر فراءه محفورا فهيأ نفسه أن لو كان صاحب ذلك القبر، ولا وقف على شفير قبر فرى صاحبه يدلى فيه فسأل نفسه إلى ماذا يغلق ؟
وعلى من يُغلق ؟
وعلى أي شيء يُغلق؟
أيغلق على مطيع أم عاصي ؟
أيغلق على جحيم أم على نعيم ؟
فلا إله إلا الله هو العالم بأحوالهم وهو الحكم العدل الذي يفصل بينهم.
ما نظر عبد هذه النظرات ولا استجاشت في نفسه هذه التأملات إلا اهتز القلب من خشية الله وانفطر هيبة لله تبارك وتعالى، وأقبل على الله إلى الله تبارك وتعالى إقبال صدق وإنابة وإخبات.
أحبتي في الله :
أعظم داء يصيب القلب داء القسوة والعياذ بالله .
ومن أعظم أسباب القسوة: بعد الجهل بالله تبارك وتعالى:
الركون إلى الدنيا والغرور بأهلها.
وكثرة الاشتغال بفضول أحاديثها، فإن هذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب والعياذ بالله تبارك وتعالى، إذا اشتغل العبد بالأخذ والبيع، واشتغل أيضا بهذه الفتن الزائلة والمحن الحائلة، سرعان ما يقسو قلبه لأنه بعيد عن من يذكره بالله تبارك وتعالى.
فلذلك ينبغي للإنسا إذا أراد أن يوغل في هذه الدنيا أن يوغل برفق، فديننا ليس دين رهبانية، ولا يحرم الحلال سبحانه وتعالى، ولم يحل بيننا وبين الطيبات.
ولكن رويداً رويدا فأقدار قد سبق بها القلم، وأرزاق قد قضيت يأخذ الإنسان بأسبابها دون أن يغالب القضاء والقدر.
يأخذها برفق ورضاء عن الله تبارك وتعالى في يسير يأتيه وحمد وشكر لباريه سرعان ما توضع له البركة، ويكفى فتنة القسوة، نسأل الله العافية منها.
فلذلك من أعظم الأسباب التي تستوجب قسوة القلب الركون إلى الدنيا، وتجد أهل القسوة غالبا عندهم عناية بالدنيا، يضحون بكل شيء، يضحون بأوقاتهم.
يضحون بالصلوات
يضحون بارتكاب الفواحش والموبقات.
ولكن لا تأخذ هذه الدنيا عليهم، لا يمكن أن يضحي الواحد منهم بدينار أو درهم منها، فلذلك دخلت هذه الدنيا إلى القلب.
والدنيا شُعب، الدنيا شُعب ولو عرف العبد حقيقة هذه الشُعب لأصبح وأمسى ولسانه ينهج إلى ربه: ربي نجني من فتنة هذه الدنيا، فإن في الدنيا شُعب ما مال القلب إلى واحد منها إلا استهواه لما بعده ثم إلى ما بعده حتى يبعد عن الله عز وجل، وعنده تسقط مكانته عند الله ولا يبالي الله به في واد من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله .
هذا العبد الذي نسي ربه، وأقبل على هذه الدنيا مجلا لها مكرما، فعظّم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بمن يستحق الإجلال والتعظيم والتكريم سبحانه وتعالى، فلذلك كانت عاقبته والعياذ بالله من أسوء العواقب.
ومن أسباب قسوة القلوب:
بل ومن أعظم أسباب قسوة القلوب، الجلوس مع الفساق ومعاشرة من لا خير في معاشرته.
ولذلك ما ألف الإنسان صحبة لا خير في صحبتها إلا قسي قلبه من ذكر الله تبارك وتعالى، ولا طلب الأخيار إلا رقوا قلبه لله الواحد القهار، ولا حرص على مجالسهم إلا جاءته الرقة شاء أم أبى، جاءته لكي تسكن سويداء قلبه فتخرجه عبدا صالحا مفلحا قد جعل الآخرة نصب عينيه.
لذلك ينبغي للإنسا إذا عاشر الأشرار أن يعاشرهم بحذر، وأن يكون ذلك على قدر الحاجة حتى يسلم له دينه، فرأس المال في هذه الدنيا هو الدين.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تهب لنا قلوبا لينة تخشع لذكرك وشكرك.
اللهم إنا نسألك قلوبا تطمئن لذكرك.
اللهم إنا نسألك السنة تلهج بذكرك.
اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، وقلبا خاشعا، وعلما نافعا، وعملا صالحا مقبولا عندك يا كريم.
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين.
والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منقول لحلوات ازياء

مشكورين يالمشاهدين ولاكن
ردك يثبت شخصيتك