مجالس الصالحين 2024.

كتبه/ ماهر السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الإنسان كما يقولون: "مدني بطبعه"، ولابد له من مخالطة الناس، فإذا كان الأمر كذلك وكانت مخالطة الناس أمرًا لابد منه؛ فالأجدر بالعبد أن يختار الصحبة الطيبة التي يقضي معها وقته في مجالسه ورحلاته وسفراته، وقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خطورة هؤلاء الذين نصاحبهم ونجالسهم حين قال: (إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً) (متفق عليه).

وإن نظرة واحدة على مجالسنا اليوم تبعث في النفس الأسى لما آل إليه حالنا؛ حيث تنتشر الغيبة، واللغو والباطل، وغير ذلك من المظاهر الفارغة، ويزداد الأسى حين تقارن هذه المجالس بمجالس الصالحين، والتي سنعرض لنماذج منها في مقالنا هذا.

الصحابة أكابر الصالحين:

لقد اختار الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأصحاب؛ فهم أفضل الأمة، وأبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، والجهاد في سبيله؛ لنشر الإسلام.

هم فوقنا في كل علم وفقه ودين وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا، وإذا كان أحدهم يرى الرأي؛ فينزل القرآن بموافقة رأيه، فإن رأيه صادر من قلب ممتلئ نورًا وإيمانًا وحكمة وعلمًا ومعرفة وفهمًا.

هؤلاء الصالحون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت لهم مجالس، لكنها مجالس عامرة بالإيمان والخير، قال فضيل بن غزوان: "كنا نجلس أنا ومغيرة نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء بصلاة الفجر"!

وكانوا يجتمعون فيأمرون أحدهم أن يقرأ عليهم القرآن، اجتمعوا فقال عمر -رضي الله عنه-: "يا أبا موسى ذكّرنا ربنا، فقرأ وهم يستمعون".

وكان الواحد منهم يقول للآخر ولمن معه: اجلسوا بنا نؤمن ساعة، وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم– بأصحابه التطوع في جماعة مرات، وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ، فجلس معهم يستمع.

فعن جابر -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نقرأ القرآن، وفينا العربي والأعجمي، فقال: (اقْرَءُوا فَكُلٌّ حَسَنٌ وَسَيَجِيءُ أَقْوَامٌ يُقِيمُونَهُ كَمَا يُقَامُ الْقِدْحُ يَتَعَجَّلُونَهُ وَلاَ يَتَأَجَّلُونَهُ) (رواه أبو داود، وصحه الألباني).

وكان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلسوا يتذاكرون، فإنهم يذكرون ما بعد الموت، والآخرة، فعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطَّلَعَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: (مَا تَذَاكَرُونَ؟). قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ. قَالَ: (إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ) (رواه مسلم)، ثم ذكر لهم علاماتها.

هكذا كانت مجالسهم يتذاكرون الخير وأحكام الآخرة، وأمور الدين والإيمان، وكانوا يستعدون بما يتذاكرون للفتن، فعن أبي سعيد قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ؟) قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ: (الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلاَتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

كان جلوسهم للفقه في الأعمال، ومعرفة ما هو الأقرب إلى الله، فعن عبد الله بن سلام قال: قَعَدْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَتَذَاكَرْنَا فَقُلْنَا لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى الَّهِ لَعَمِلْنَاهُ… " (رواه الترمذي، وصحه الألباني).

وهكذا كانوا يجلسون فيتذاكرون: مَن هؤلاء أهل الجنة؟ ما هي صفاتهم؟ روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الَّهَ. قَالَ آلَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟ قَالُوا: وَالَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي، وَإِنَّ رَسُولَ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: (مَا أَجْلَسَكُمْ؟). قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ الَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا. قَالَ: (آلَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ؟). قَالُوا: وَالَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ. قَالَ: (أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ).

هكذا كانت مجالسهم، ولا يمنع أن يكون في بعض مجالسهم شيء من الشعر، وأيام العرب، وأمور الجاهلية، والذكريات القديمة، لكنه ليس حديثًا محرمًا ولا مُسفّاً؛، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَحَزِّقين، وَلاَ مُتَمَاوِتِينَ، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَيَذْكُرُونَ أمْرَ جَاهِلِيَّتِهِمْ، فَإِذَا أُرِيدَ أَحَدٌ مِنْهُم عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الله دَارَتْ حَمَالِيقُ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ" (رواه البخاري في الأدب المفرد وابن أبي شيبة في مصنفه، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد).

مُتَحَزِّقين: أي: منقبضين، وَكَانُوا يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ فِي مَجَالِسِهِمْ: أي: ليسوا أصحاب كآبة، وإنما كانت فيهم حيوية، وكان فيهم نشاط، فَإِذَا أُرِيدَ أَحَدٌ مِنْهُم عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الله: أي: معصية.

فلا يرضى الواحد منهم بالمنكر، ولا يمكن أن يشترك فيه، وإذا رأى أمامه منكرًا، أو دُعي إلى منكر فهكذا يكون حاله.

أمام البيوت:

إن كثيرًا من الصحابة ما كانت لهم داخل بيوتهم أماكن للجلوس، فكانوا يجلسون في أفنيتها وعلى حافة الطريق.

قال أبو طلحة: كُنَّا قُعُودًا بِالأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ فَجَاءَ رَسُولُ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: (مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ -أي: الطرقات- اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ) -وذلك لأن الجلوس فيها قد يضيق الطريق، ويكون فيه من إطلاق البصر ما فيه، إلى غير ذلك من الآفات-. فَقُلْنَا: إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَاسٍ قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ -أي: في أمر القرآن والوحي، وأمر الفقه والأحكام، وأمر الآخرة وتذكر ما فيها-. قَالَ: (إِمَّا لاَ فَأَدُّوا حَقَّهَا -أما إذا أبيتم إلا هذا ولم يكن عندكم غيره فأدوا حق الطريق- غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلاَمِ وَحُسْنُ الْكَلاَمِ) (رواه مسلم).

فكانوا يضطرون للجلوس فيها، لكن لأي شيء؟ لأجل أن يتذاكروا؛ ولأجل أن يتفقهوا ويتدارسوا، وهكذا كانوا.

وإذا حصل منهم في مجلس شيء من الخوض في قضية لا يصلح الخوض فيها، أو لابد لها من ضوابط، كان التذكير النبوي يأتي؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ فِي الْقَدَرِ – أي: نتباحث في شأنه- فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّمَا فُقِئَ فِي وَجْنَتَيْهِ الرُّمَّانُ -من شدة الغضب- فَقَالَ: (أَبِهَذَا أُمِرْتُمْ أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الأَمْرِ عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تَتَنَازَعُوا فِيهِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

فالدخول في القدر إذا كان بعلم وفقه فلا بأس به، وإذا كان جدالاً ونقاشًا بلا حجة، ولا بيان، فيُنهى الإنسان عنه.

وكذلك فإن بعض مجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فيها شيء من شكوى الحال بين بعضهم البعض، قال أبو الدرداء: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ- وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ، فَقَالَ: (آلْفَقْرَ تَخَافُونَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا صَبًّا، حَتَّى لاَ يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدِكُمْ إِزَاغَةً إِلاَّ هِيَهْ، وَايْمُ اللهِ، لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ) (رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني)، وفي رواية: "كنا نتذاكر الدنيا وهمومها ونخشى الفقر.. ".

وفي هذا بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم-لأمة بأن الله سيغنيها من فقرها، ولكنه حذرهم من فتنة الغنى؛ لأن حب الدنيا يزيغ القلوب بعد استقامتها، ويضلها بعد هداها، وتكون الفتنة، ولذلك لم يكن يخشى عليهم الفقر، وإنما كان يخشى عليهم فتنة الغنى، هذا بعض ما كان في مجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فكيف هي مجالس اليوم؟!

هذه حال مجالس أصحاب محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام-، فما هي حال مجالسنا نحن اليوم؟

كم فيها من الدين؟ وكم فيها من الدنيا؟!

كم في مجالسنا من الطاعة، وكم فيها من العصيان؟! كم يطغى عليها من أخبار الدنيا، وتجارة الدنيا، وأمور البيع والشراء، والبضائع والأسعار، والمحلات، والخدمات؟!

وهكذا يدور أصحاب كل همٍ إذا اجتمعوا في همهم الدنيوي، فمجالس الموظفين، ومجالس الطلاب، ومجالس التجار، ومجالس الأطباء، ومجالس النساء، إذا ارتقت تكلموا فيما يعملونه بالنهار، وأما مجالس نسائنا فكثيرًا ما تكون مشغولة بالأزياء، والموضات، والأكلات، والحفلات، وحال الأسواق والمحلات!

هل مجالسنا عامرة بذكر الله؟ هل تُطرح فيها قضايا العلم والفقه؟ هل يحصل فيها التذاكر لأمور الآخرة؟

هل يكون فيها شيء من معاني القرآن والسنة أم أن فيها من الغيبة، والنميمة، ونهش الأعراض، والتفكه بلحوم الخلق، مهاترات، مماراة، جدال، مجاملات، ومداهنات باطلة؟!

بل قد لا تسلم من شيء من الانتقاص، أو الاستهزاء بعض أمور الدين، وذلك أمرٌ خطيرُ جدًا، اعتداء على الخلق، وانتقاص، وازدراء، واحتقار، واستهزاء!

أين تلك المجالس التي كان يجلس فيها أولئك الصحابة، فيعمرونها بالعلم والإيمان؟! (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَجْلِسٍ فَتَفَرَّقُوا، وَلَمْ يَذْكُرُوا اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِلا كَانَ مَجْلِسُهُمْ تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه أحمد، وصحه الألباني)، تِرَةً: أي: حسرة.

(مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ عَلَى ذِكْرٍ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ إِلاَّ قِيلَ لَهُمْ: قُومُوا مَغْفُوراً لَكُمْ) (رواه الحسن بن سفيان، وصحه الألباني).

فالقرآن ذكرٌ، والسنة ذكرٌ، والفقه ذكرٌ، وأمور الآخرة ذكرٌ، وهكذا، أمور الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمور تقويم المجتمع والمحافظة على الأسرة إسلامية، أمور تربية النفس وتربية الأولاد، أمور التفقه في الحلال والحرام، أمور القيام بتبليغ الإسلام، وهكذا يُذَكّر الناس بأبواب الصدقات، وأيضًا يُجالس المسلم قومًا يلتقطون له طيب الكلام كما يُلتقط طيب الثمر، فإذا كان أصحابك من الأخيار كان مجلسك كذلك.

المجالس الإلكترونية:

يا مسلمون: هذه مجالسنا الإلكترونية اليوم التي طغت على المجالس الوجاهية الحضورية الاجتماعية، فصار الناس يجالس بعضهم بعضًا عبر الشاشات: محادثات، مجموعات، منتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، فماذا يحدث فيها؟ ما هي موضوعات المجالس الإلكترونية؟ يقولون: دردشات، ثم تنظر فيها، فإذا فيها من أمور الجنس ما لا يمكن أن يتحمله من عنده حياء، ثم فيها أمور من إشاعة الفاحشة، وهذه المجالسة للطرف الآخر، سواء كان أمامك مباشرة، أو خلف شاشته، فإنها تؤثر في النفس، بل هي مجلس ولو كان على البعد.

هذه المجالس الإلكترونية لها اليوم آثار كبيرة، وخطيرة، كان السلف يلتمسون مجالس العلم، مجالس الحديث، ولمجالس آداب، فهاهنا التماس مجلس الرجل الصالح وصاحب العلم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا، فأتيت قومًا فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: مَن هذا؟ قالوا: أبو الدرداء قال علقمة -وهو تابعي- فقلت: إني دعوت الله أن يسر لي جليسًا صالحًا، فيسرك لي.

وقال حريث بن قبيصة: "قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليس صالح، قال: فجلست إلى أبي هريرة".

إذاً: كان هناك دعاء يلتمس فيه هذا من ربه أن يسر له جليسًا صالحًا: صاحب علم، صاحب دين، يُذكّر، ينصح، وهكذا مجالس الصالحين والأخيار، يوقَّر فيها الكبير، ويُرحم الصغير، ويُغض من الصوت، ويقال فيه الكلمة الطيبة، والمجالس بالأمانة، فلا تفشى فيها الأسرار، ولا يتناجى اثنان فيها دون الثالث، وفيها تلك الكفارة العظيمة إذا قاموا من مجلسهم: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

فيها التفسح للداخل، والتزكية، والتهذيب، والتربية وغيرها من فوائد مجالس الصالحين، نسأل الله أن يجعل مجالسنا عامرة بذكره، وأن تكون في موازين حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

اللهم اجعل مجالسنا عامرة بذكرك، اللهم ارزقنا مجالسة الأخيار، وباعد بيننا وبين الأشرار

قصص وحكم الصالحين 2024.

1- قصة الدرهم الواحد
يحكى أن امرأة جاءت إلى أحد الفقهاء، فقالت له: لقد مات أخي، وترك ستمائة درهم، ولما قسموا المال لم يعطوني إلا درهما واحدا!فكر الفقيه لحظات، ثم قال لها: ربما كان لأخيك زوجة وأم وابنتان واثنا عشر أخا. فتعجبت ، وقالت: نعم، هو كذلك.فقال: إن هذا الدرهم حقك، وهم لم يظلموك: فلزوجته ثمن ما ترك، وهو يساوي (75 درهما)، ولابنتيه الثلثين، وهو يساوى (400 درهم)، ولأمه سدس المبلغ، وهو يساوي (100 درهم)، ويتبقى (25 درهما) توزع على إخوته الاثنى عشر وعلى أخته، ويأخذ الرجل ضعف ما تأخذه ، فلكل أخ درهمان، ويتبقى للأخت- التي هي أنت- درهم واحد.

______________________________ ______________حكم و عبر من الصالحين______________________ ______________________
2- قصة المال الضائع
يروى أن رجلاً جاء إلى الإمام أبى حنيفة ذات ليلة، وقال له: يا إمام! منذ مدة طويلة دفنت مالاً في مكان ما، ولكني نسيت هذا المكان، فهل تساعدني في حل هذه المشكلة؟فقال له الإمام: ليس هذا من عمل الفقيه حتى أجد لك حلاً. ثم فكرلحظة وقال له: اذهب، فصل حتى يطلع الصبح، فإنك ستذكر مكان المال إن شاء الله تعالى.فذهب الرجل، وأخذ يصلي. وفجأة، وبعد وقت قصير، وأثناء الصلاة، تذكر المكان الذي دفن المال فيه، فأسرع وذهب إليه وأحضره.وفي الصباح جاء الرجل إلى الإمام أبى حنيفة ، وأخبره أنه عثر على المال، وشكره ، ثم سأله: كيف عرفت أني سأتذكر مكان المال ؟! فقال الإمام: لأني علمت أن الشيطان لن يتركك تصلي ، وسيشغلك بتذكر المال عن صلاتك.

______________________________ ______________حكم و عبر من الصالحين______________________ ______________________
3- قصة الحكيمة
صعد عمر- رضي الله عنه- يوما المنبر، وخطب في الناس، فطلب منهم ألا يغالوا في مهور النساء، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يزيدوا في مهور النساء عن أربعمائة درهم؟ لذلك أمرهم ألا يزيدوا في صداق على أربعمائة درهم.فلما نزل أمير المؤمنين من على المنبر، قالت له امرأة من قريش: يا أمير المؤمنين، نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم.فقالت: أما سمعت قول الله تعالى: {وآتيتم إحداهن قنطارا ( القنطار: المال الكثير).فقال: اللهم غفرانك، كل الناس أفقه من عمر.ثم رجع فصعد المنبر، وقال: يا أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا في مهور النساء، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل

______________________________ ______________حكم و عبر من الصالحين______________________ ______________________
4- قصة الخليفة الحكيم
كان عمر بن عبد العزيز- رضي الله عنه- معروفا بالحكمة والرفق، وفي يوم من الأيام، دخل عليه أحد أبنائه، وقال له:يا أبت! لماذا تتساهل في بعض الأمور؟! فوالله لو أني مكانك ما خشيت في الحق أحدا.فقال الخليفة لابنه: لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين، وحرمها في المرة الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه (أي أخاف أن أجبرهم عليه مرة واحدة فيرفضوه) فتكون فتنة.فانصرف الابن راضيا بعد أن اطمأن لحسن سياسة أبيه، وعلم أن وفق أبيه ليس عن ضعف، ولكنه نتيجة حسن فهمه لدينه.

______________________________ ______________حكم و عبر من الصالحين______________________ ______________________
5- قصة ورقة التوت
ذات يوم جاء بعض الناس إلى الإمام الشافعي، وطلبوا منه أن يذكر لهم دليلاً على وجود الله عز وجل.ففكر لحظة، ثم قال لهم: الدليل هو ورقة التوت.فتعجب الناس من هذه الإجابة، وتساءلوا: كيف تكون ووقة التوت دليلاً على وجود الله؟! فقال الإمام الشافعى: "ووقة التوت طعمها واحد لكن إذا أكلها دود القز أخرج حريرا، وإذا أكلها النحل أخرج عسلاً، وإذا أكلها الظبي أخرج المسك ذا الرائحة الطيبة.. فمن الذي وحد الأصل وعدد المخارج؟! ".إنه الله- سبحانه وتعالى- خالق الكون العظيم!

______________________________ ______________حكم و عبر من الصالحين______________________ ______________________

6- قصة العاطس الساهي
كان عبد الله بن المبارك عابدا مجتهدا، وعالما بالقرآن والسنة، يحضر مجلسه كثير من الناس ليتعلموا من علمه الغزير.وفي يوم من الأيام، كان يسير مع رجل في الطريق، فعطس الرجل، ولكنه لم يحمد الله. فنظر إليه ابن المباوك، ليلفت نظره إلى أن حمد الله بعد العطس سنة على كل مسلم أن يحافظ عليها، ولكن الرجل لم ينتبه.فأراد ابن المبارك أن يجعله يعمل بهذه السنة دون أن يحرجه، فسأله:أي شىء يقول العاطس إذا عطس؟ فقال الرجل: الحمد لله!عندئذ قال له ابن المبارك: يرحمك الله

______________________________ ______________حكم و عبر من الصالحين______________________ ______________________

7- قصة الرجل المجادل
في يوم من الأيام ، ذهب أحد المجادلين إلى الإمام الشافعي، وقال له:كيف يكون إبليس مخلوقا من النار، ويعذبه الله بالنار؟!ففكر الإمام الشافعى قليلاً، ثم أحضر قطعة من الطين الجاف، وقذف بها الرجل، فظهرت على وجهه علامات الألم والغضب. فقال له: هل أوجعتك؟قال: نعم، أوجعتنيفقال الشافعي: كيف تكون مخلوقا من الطين ويوجعك الطين؟!فلم يرد الرجل وفهم ما قصده الإمام الشافعي، وأدرك أن الشيطان كذلك: خلقه الله- تعالى- من نار، وسوف يعذبه بالنار

:11_1_123[1]: :11_1_123[1]: :11_1_123[1]:

شكرا عمري كتيييييييييييييير
و الله هذي القصص عبرة
شكرا على المرور
جزاك الله خيرا
شكرا على المرور

۩ مختصر من كتاب رياض الصالحين ۩ 2024.

خليجية
مختصر من كتاب رياض الصالحين للإمام المحدث الفقيه أبي زكريا النووي
باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر

قَالَ الله تَعَالَى : ]إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [[ يونس : 24 ] .

وقال تَعَالَى : ]وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً[[ الكهف : 45-46 ] .

وقال تَعَالَى : ]اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ [[ الحديد : 20 ] .

وقال تَعَالَى : ]وَمَا هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [[ العنكبوت : 64 ] .

وقال تَعَالَى :]زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ [[ آل عمران : 14 ] .

وقال تَعَالَى : ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الْدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ [[ فاطر : 5 ] .

وقال تَعَالَى : ]ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ [[ التكاثر : 1-5 ] .
قال رسول الله r: ( أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ ، فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قال رسول الله r : ( إنَّ ممَّا أخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r: ( إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإنَّ الله تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r : ( اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r: ( يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ : فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرْجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَيبْقَى عَمَلُهُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r : ( يُؤْتَى بِأنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ خَيْراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأشَدِّ النَّاسِ بُؤسَاً في الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ بُؤساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فيَقُولُ : لاَ وَاللهِ ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأيْتُ شِدَّةً قَطُّ)) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r: ( مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُفي اليَمِّ،، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ! ) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r : ( لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .

قَالَ رسول الله r ( أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى،، وَمَا وَالاهُ ، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسنٌ .

وعن جابر t : أنَّ رسول الله r مَرَّ بالسُّوقِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ، ثُمَّ قَالَ : ( أَيُّكُم يُحِبُّ أنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدرْهَم؟؟)) فقالوا : مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثُمَّ قَالَ:: ( أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟ ) قَالُوا : وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً ، إنَّهُ أسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ ميِّتٌ ! فقال : ( فوَاللهِ للدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ) رواه مسلم .
( كَنَفَتَيْهِ ) أيْ : عن جانبيه . وَ( الأَسَكُّ ) : الصغير الأذُن .

قَالَ رسول الله r : ( لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسَرَّنِي أنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قال رسول الله r : ( مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَباً تَمْضي عَلَيَّ ثَلاَثَةُ أيّامٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ، إِلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ في عِبَادِ الله هكذا وَهَكَذَا وَهكَذَا ) عن يَمِينِهِ وعن شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ،، ثُمَّ سَارَ ، فقال : ( إنَّ الأَكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا ) عن يمينِهِ وعن شِمَالِهِ وِمنْ خَلْفِهِ ( وَقَلِيلٌ مَاهُمُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r: ( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَالقَطِيفَةِ ، وَالخَمِيصَةِ،، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ) رواه البخاري .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : أخذ رسول الله r بِمَنْكِبَيَّ،، فقال : ( كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ ) .
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري .
قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه : لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً،، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا ، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا ، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا إلا بِمَا يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ .

قال رسول الله r : ( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ ) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .

قَالَ رسول الله r : ( لاَ تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيَا ) رواه الترمذي ، وقال:: حديثٌ حسنٌ .

وعن عبد الله بن مسعود t ، قَالَ : نَامَ رسول الله r عَلَى حَصيرٍ،، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ؟ فَقَالَ : ( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ! مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح.

وعن عمرو بن الحارث رضي الله عنه ، قَالَ : مَا تَرَكَ رسولُ الله r عِنْدَ مَوْتِهِ دِيناراً ، وَلاَ دِرْهَماً ، وَلاَ عَبْداً ، وَلاَ أَمَةً ، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا ، وَسِلاَحَهُ ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً . رواه البخاري .

قَالَ رسول الله : r ( إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وفِتْنَةُ أُمَّتِي : المَالُ ) رواه الترمذي ، وقال : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ .
قَالَ رسول الله r : ( يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي ، مالي ، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟! ) رواه مسلم .

قَالَ رسول الله r : ( لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ في سِوَى هذِهِ الخِصَالِ : بَيْتٌ يَسْكُنُهُ،، وَثَوْبٌ يُوارِي عَوْرَتَهُ ، وَجِلْفُ الخُبز وَالماء ) رواه الترمذي ، وقال : حديث صحيح .( الجِلْفُ ) : الخُبْز لَيْسَ مَعَهُ إدَامٌ ، وقيل : هُوَ غَليظُ الخُبُزِ . والله أعلم .

قَالَ رسول الله r : ( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِلِدِينهِ ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .

قَالَ رسول الله r : ( يدْخُلُ الفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمئَةِ عَامٍ ) رواه الترمذي ، وقال : حديث صحيح.

قَالَ رسول الله r : ( اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

قَالَ رسول الله r : ( قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَاالمَسَاكِينُ،، وَأصْحَابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ ، غَيْرَ أنَّ أصْحَابِ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِم إِلَى النَّارِ ) متفقٌ عَلَيْهِ .( الجَدُّ ) : الحَظُّ والغِنَى .


باب فضل الجوع وخشونة العيش والاقتصار على القليل من المأكول والمشروب والملبوس وغيرها من حظوظ النفس وترك الشهوات

قال تَعَالَى : ]فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُريدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا

لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ

ثَواب اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً[[ القصص: 79-80 ] .

وقال تَعَالَى : ]ثُمَّ لًتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ[[ التكاثر : 8 ] .

وقال تَعَالَى : ]مَنْ كَانَ يُريدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُريدُ ثُمَّ

جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً[[ الإسراء : 18 ] .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : مَا شَبعَ آلُ مُحَمّد r مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ رسول الله rيَبيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِياً ، وَأهْلُهُ لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً ، وَكَانَ أكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبزَ الشَّعيرِ . رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .

وعن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، أنّها كَانَتْ تقول : وَاللهِ ، يَا ابْنَ أُخْتِي ، إنْ كُنَّا نَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ ، ثُمَّ الهِلالِ : ثَلاَثَةُ أهلَّةٍ في شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَ في أبْيَاتِ رسول الله r نَارٌ . قُلْتُ : يَا خَالَةُ ، فَمَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قالت :الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالمَاءُ، إِلاَّ أنَّهُ قَدْ كَانَ لرسول الله r جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، وكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رسول الله r مِنْ ألْبَانِهَا فَيَسْقِينَا . متفقٌ عَلَيْهِ . ( المنحة والمنيحة ) : أن يعطيه ناقة أو شاة ، ينتفع بلبنها ويعيدها .

قَالَ رسول الله r : ( اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمّدٍ قُوتاً ) متفقٌ عَلَيْهِ .( قُوتاً ) أيْ : مَا يَسُدُّ الرَّمَقَ .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ فِرَاشُ رسول الله rمِنْ أُدْمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ . رواه البخاري . ( الأدم ) : الجلد المدبوغ .

وعن أَبي موسى الأشعري t ، قَالَ : أخْرَجَتْ لَنَا عَائِشَةُ رضي الله عنهاكِسَاءً وَإزاراً غَلِيظاً، قالَتْ : قُبِضَ رسول الله r في هَذَيْنِ . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أنسٍ t ، قَالَ : رَهَنَ النَّبيُّ r دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبيِّ r بخُبْزِ شَعِيرٍ وَإهَالَة سَنِخَةٍ ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : ( مَا أصْبَحَ لآلِ مُحَمّدٍ صَاعٌ وَلاَ أمْسَى ) وَإنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أبيَات . رواه البخاري .( الإهالَةُ ) : الشَّحْمُ الذَّائِبُ . وَ( السَّنِخَةُ ) : المُتَغَيِّرَةُ . وَ( الصاع ) : مكيال يسع أربعة أمداد .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوُفِّي رسول الله r وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِي في ثَلاثِينَ صَاعاً مِنْ شَعِير . متفق عَلَيْهِ .

قال رسول الله r : ( قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ ) رواه مسلم .

قال رسول الله r : ( مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن .( سِربه ) : أي نَفْسه ، وَقِيلَ : قَومه .

قال رسول الله r : ( يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ أن تَبْذُلَ الفَضلَ خَيْرٌ لَكَ ، وَأن تُمْسِكَه شَرٌّ لَكَ ، وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ) رواه مسلم .

قال رسول الله r :: ( ألاَ تَسْمَعُونَ ؟ ألاَ تَسْمَعُونَ ؟إنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ،، إنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ ) رواهُ أَبو داود .( البَذَاذَةُ ) هِيَ رَثَاثَةُ الهَيْئَةِ وَتَرْكُ فَاخِرِ اللِّبَاسِ .

قال رسول الله r : ( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاء شَرّاً مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فإنْ كانَ لا مَحالةَ فثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسه ) رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن .( أكُلاَتٌ ) أيْ : لُقَمٌ .

وعن عِمْرَان بنِ الحُصَيْنِ رضي الله عنهما ، عن النبي r ، أنّه قَالَ : ( خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ) قَالَ عِمْرَانُ : فَمَا أدْري قَالَ النبي r مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاَثاً ( ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهمُ السَّمَنُ ) متفقٌ عَلَيْهِ .

من أدعية الصالحين في القرآن الكريم 2 2024.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد بدأنا في مقال سابق الحديث عن دعاء الصالحين في القرآن وعرضنا بعض النماذج التي تدل على قوة الرجاء بالله عز وجل ، ونكمل في مقالنا ما بدأناه في المقال السابق، ونبدأ ب :
تلطف عيسى عليه السلام في دعائه وأدبه
إذا تأملنا دعوة نبي الله عيسى عليه السلام، ومن معه، يسألونه آية لزيادة إيمانهم، وتثبيتهم على دينهم.. مائدة من السماء، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة المائدة:114). تطمئن قلوبهم كما طلب إبراهيم عليه السلام من قبل ذلك؛ ليكون زيادة في إيمانه، ولما كانت القضية ابتلاءً فقد تأدب عيسى عليه السلام غاية الأدب، ينادي ربه يا الله، يا ربنا، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} فجمع في الدعاء بين ألوهيته تعالى وربوبيته، {اللَّهُمَّ} الميم في قول: {اللَّهُمَّ} بدلاً من ياء النداء المحذوفة قبل لفظ الجلالة، يا الله، {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} يعني يا ربنا، وهكذا دعا بالاثنين جميعاً، دعا بألوهية ربه وبربوبيته، يا الله يا ربنا، {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء} فهو يريد التثبيت للحوارين أصحابه، ويريد نعمة لهم وفرحاً وعيداً، {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، إنه رزق من الله، وهو خير الرازقين عز وجل، فلا يرزق أحد مثل رزق الله تعالى، ولا يملك أحد مثل رزق الله تعالى، ونجد التبرؤ من الحول والقوة، والاعتراف بأن الله يملك الأمر كله.
في دعاء عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (سورة المائدة:118) لست بظالم لهم لو عذبتهم؛ لأنك تملكهم، ومن ملك الشيء يفعل فيه ما يشاء، إن عذبهم فهذا عدل، وإن رحمهم فهو فضل، {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} تفعل فيهم ما تشاء، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة:118) أنت أرحم بهم من أنفسهم، وأعلم بأحوالهم منهم، ومغفرتك صادرة عن تمام عزتك وقدرتك، ليست كمغفرة وعفو العاجز الذي لا يقدر، لا، إنها مغفرة صادرة عن تمام العزة والقوة والقدرة، فمع قدرته على الانتقام، ومع قدرته على التعذيب، ومع قدرته على الإهلاك فهو يعفو، وهذا السر وراء ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العزيز الحكيم، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ لأن المعتاد أن ينتهي مثل هذا الدعاء فإنك أنت الغفور الرحيم، ولكنه انتهى باسمين عظيمين لله، عجيبين في هذا المقام {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ليست مغفرتك وعفوك صادرة عن ضعف، لكن عن قدرة وقوة، أنت عزيز منيع الجناب، لا يستطيع أحد أن يغلبك، تغلب كل أحد.
وأيوب الذي دعا ربه بأنه أرحم الراحمين، وأنه مسه الضر.
أدعية علمها الله نبيه عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم
هكذا نجد الأدعية تتوالى من الأنبياء، ويعلم الله محمداً صلى الله عليه وسلم أدعية أخرى كما ورد في كتاب الله العزيز: {وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، الشيطان له همزات، وهمزات الشيطان هذه الوساوس، وهذا المس، وهذا الأذى، والشر عموماً الذي يكيد به البشر، ولذلك الاستعاذة بالله الحصن الحصين والركن الشديد {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}؛ لأنهم عدو خفي غير مرئي، عدو خفي لا يرى، فلا بد من الاستعاذة بالله عز وجل الذي يعلم مكان الشياطين، ويعلم شر الشياطين، وكيد الشياطين، وماذا يفعلون، ومتى يفعلون، وبمن يريدون الإيقاع؟ فإذا التجأ المسلم إلى الله الذي يعلم هذه الخفايا والغيوب دفع عنه كيد عظيم وشر كبير.
{وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، لا يحضروني عند طعامي ولا شرابي، ولا نكاحي، ولا أمري، {أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} ولا يحضرون في صلاتي فيشوشون علي خشوعي، لا يحضروني في أي أمر من أموري، أبعدهم يا رب.
وكذلك علم الله نبيه: {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (سورة المؤمنون:118)، وهكذا دائماً حاجة العباد حتى الأنبياء إلى المغفرة والرحمة، الدعاء بالمغفرة والرحمة، علم الله نبيه دعاءً للزيادة من العلم، {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (سورة طه:114)، لم يعلم الله نبيه أن يستزيد من شيء في الأدعية في القرآن إلا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}؛ لفضل العلم وشرف العلم ومكانة العلم وحفظ العلم لصاحبه.
العلم خشية الله، العلم الفقه في الدين، هذا العلم الذي ينجي الله به من الظلمات، ويحفظ به من الشبهات، ويثبت به على الصراط المستقيم، ولذلك نسأل ربنا دائماً هذا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.
من أدعية الصالحين في القرآن
لقد زخر القرآن الكريم بأدعية للصالحين سوى الأنبياء فضرب الله مثلاً لنا امرأة فرعون، قال تعالى: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة التحريم:11)، كان فرعون يعذبها، ويفتنها عن دينها، لم يمنعها نعيم القصر، ولا ملك المصر، لم يمنعها ذلك الغنى والجاه والمكانة من الالتحاق بركب المؤمنين مع نبي الله موسى عليه السلام، آمنت بموسى فضرب الله هذه المرأة مثلاً للمؤني { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} (سورة التحريم:11)، كملت من النساء آسية بنت مزاحم.
من فقهها في الدعاء أنها طلبت الجار قبل الدار، لما دعت {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} ولم تقل: بيتاً عندك، فاختارت الجار قبل الدار، سألت الجار قبل الدار، ومن هو الجار هنا؟ الواحد القهار سبحانه وتعالى، فقهر فرعون زوجها الطاغية، وأهلكه.
{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ} العندية شرف، العندية رحمة، العندية إذا صار الإنسان عند ربه، هنالك في ذلك المقام الكريم، والشرف العظيم حظي بكل خير، {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} أين؟ {فِي الْجَنَّةِ}، وسقف الجنة عرش الرحمن، فهو عز وجل يتجلى لأهل الجنة من فوقهم، فينظرون إليه فلا يعطون نعمة قط أعظم من النظر إلى وجه ربهم، فتنسيهم لذة النظر كل نعيم في الجنة، من القصور والأنهار والأشجار والطعام والحور العين، الزوجات، إن نعيم رؤية الله تعالى فوق كل نعيم.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الجنة بمنتك وفضلك يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربما إنك رؤوف رحيم.
والحمد لله رب العالمين.
جزاك الله خيرا
بارك الله فيكي
مشكوره
خليجية

قول الصالحين 2024.

لا تعــــاتب من خـــــــان وغـــــــــــــدر
ولا تلاحــــــق مــــن تركــــك وهجــــــــر
ولا يغرنك مـــــن كان شكــله كالقمــــــر
وسامح ولا تجعل قلبــــــك كالحجــــــــر
واغفر زلـة صاحب فهــــــو من البشـــــر
واحفظ سرك واجعله مثل عمق البحــــــر
ولا تندم واجعل من ندمــــك دروس وعبـر
كــــــــن صاحـــــب عزيمـــــــــة وارادة
ولا تتســـــاقط مثــــــل ورق الشجــــــــر

قال احد الصالحين:
طلبت من الله الـــحكمة .. فمنــــحني مشاكل لأحلها
طلبت من الله الصـــبر .. فمنحـــني الشدائد لأحتملها
طلبت من الله القوة .. فمنحـني صعوبات لأتغلب عليها
طلبت من الله الخـــــلاص .. فمنحــــني ألما ليطهرني
طلبت من الله الجنة .. فمنحني الدنيا لاستفيد منها واكسب الاخره

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
راااااائعة مشكورة خيتي
جزيت الجنة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اهلا بكى
كلمآت رآئعهة
تسلمي حبيبتي

في باب قضاء حوائج المسلمين من كتاب رياض الصالحين 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون … في باب قضاء حوائج المسلمين من كتاب رياض الصالحين يقول الله سبحانه وتعالى في الآية السابعة والسبعين من سورة الحج :

(وافعلو الخير لعلكم تفلحون)* (77)
( سورة الحج )

الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ربط الفلاح بفعل الخير ، أليس هناك في القرآن الكريم آيات تحض على الاستقامة ؟ بلى ، وهناك آياتٌ تحضُّ على فعل الخير ، فما العلاقة بين الاستقامة وفعل الخير ؟ أو ما العلاقة بين الاستقامة وبين العمل الصالح ؟ وأيهما مقدم على الآخر؟ وأيهما أخطر في حياة المؤمن ؟ بل ما العلاقة فيما بينهما إذا كانا متكاملين؟
أيها الإخوة الأكارم … قضية دقيقة جداً ؛ إذا كان الطريق إلى الله مليئاً بالعقبات التي تحول بين العبد والوصول إلى الله ، كل معصيةٍ يعصيها الإنسان عقبة كؤود فيما بينه وبين الله ، المعاصي – كما قال عليه السلام – بريد الكفر ، المعصية عقبة كؤود ، المعصية حجاب بينك وبين الله ، المعصية صخرة كبيرة تسد الطريق عليك ، هذه المعصية ، وكلما كبرت كلما زاد الحجاب ، وإذا استقمت على أمر الله ، وقد أمرك الله سبحانه وتعالى بالاستقامة ماذا فعلت ؟ إذا كانت كل معصية ، ومخالفة ، وانحراف ، وتجاوز ، وتعدٍّ عقبةٌ في طريقك إلى الله ، فالاستقامة تعني إزالة هذه العقبات من طريق الإيمان طريق إلى الله .
نقطةٌ مهمة جداً هذه المعصية حجاب ، وهذه حجاب ، وهذه حجاب ، الطريق إلى الله مسدود ، إذاً ما تفعله من شعائر إسلامية ليس إلا حركات وسكنات وقراءات لا تقدم ولا تؤخر ، ولابد من أن تُمَل ، ما دام هناك معاص ، ما دام هناك مخالفات ، ما دام هناك عدوان ، إذاً ما يفعله المخالف والمقصِّر من عبادات ما هو إلا حركات وسكنات وقراءات ليس غير ، فإذا ترك هذه المعصية فقد أزاح عقبة ، أو هتك حجاباً ، إذا ترك هذه المعصية ، أزاح عقبة وترك حجاباً ، هناك معاصي متعلِّقة في علاقتك بالنساء ، فأنت بمجرد أن تغض بصرك عن محارم الله ، أزلت من طريقك إلى الله عقبة كبيرة ، فإذا حررت دخلك من الحرام ، أزلت أيضاً من طريقك إلى الله عقبة كبيرة ، وكلما تركت معصية ، وكلما تركت مخالفةً ، وكلما تجاوزت عدواناً ، فقد أزلت عقبةً من طريقك إلى الله عز وجل .
فلو فرضنا أن المؤمن استطاع أن يستقيم على أمر الله استقامة تامة ، ماذا فعل ؟ أزال كل العقبات ، التي كانت في طريقه إلى الله ، إذا أزال كل العقبات من طريقه إلى الله ، وبقي مكانه من دون أن يتحرك إلى الله ، ماذا فعل ؟ لو أن لك بحمص حاجةً خطيرة ، وكان على الطريق عقباتٌ كثيرة ، فلو أزلتها ، وبقيت في الشام لم تفعل شيئاً ، فلذلك الاستقامة والعمل الصالح شيئان متكاملان ، الاستقامة تمهيدٌ للعمل الصالح ، والعمل الصالح لا يكون إلا بالاستقامة ، فالاستقامة أولاً ، والعمل الصالح ثانياً ، إذاً الاستقامة والعمل الصالح متكاملان .
أنت إذا استقمت على أمر الله ، كأن الله سبحانه وتعالى يعاتبك يوم القيامة ، يقول لك : أما غضك للبصر فقد تعجلت فيه الراحة لقلبك ، وأما تركك الحرام فقد كنت في حرز حريز ، حصَّنت مالك من التلف ، وأما صدقك بين الناس فقد رفعت من شأنك ، وأما عفَّتك ، فقد كانت كذا كَذا ، وكأن الله سبحانه وتعالى يقول : ولكن ماذا فعلت من أجلي ؟ هذه كلها فعلتها من أجلك ، كل ألوان الاستقامة ، والانضباط ؛ ضبط العين ، والأذن ، واللسان ، واليد ، وقبض المال وإنفاقه ، والعلاقة بالنساء ، كل هذه الألوان من ألوان الاستقامة ، إنما هي تعود عليك بالمنفعة في الدنيا قبل الآخرة ، ولكن ماذا فعلت من أجلي ؟ ما الذي قدمته من أجلي ؟ من الذي وصلته من أجلي ؟ من الذي قطعته من أجلي ؟ متى غضبت من أجلي ؟ متى رضيت من أجلي ؟ ماذا فعلت من أجلي ؟
فلذلك الآن جاء دور العمل الصالح ، الله سبحانه وتعالى يقول :

(وافعلو الخير لعلكم تفلحون)* (77)

( سورة الحج : من آية " 77 " )

أي لا تفلحون إلا إذا فعلتم الخير ، ولا يصح فعل الخير إلا إذا سبقته استقامة ، فعل الخير يصح إذا سبقته الاستقامة ، أما استقامة من دون فعل الخير ، لا يحقق الفلاح كما ينبغي ، لا يحقق النجاح كما ينبغي ، فالباب اليوم : ( باب فعل الخير ، وقضاء حوائج المسلمين ) ، في كتاب رياض الصالحين ، وأتمنى عليكم أن يكون هذا الكتاب في مكتبتكم ، وهل من كتابٍ أثمن من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ والشيء الذي أحب أن أنوه إليه ، أن كتاب رياض الصالحين مقسَّم وفق أبواب دقيقة جداً ، وتدور مع حاجات الناس في عباداتهم ، ومعاملاتهم ، وأخلاقهم ، وأن هذا الكتاب إذا كان عندك في البيت ، فإذا عدت في البيت بعد الدرس تفتحه فتراجع فيه الحديث الذي تم شرحه ، إنك كلما فتحته تذكرت دروس يوم الأحد كلها ، ألا تحب أن يكون لك زاد ، زاد من حديث رسول الله ؟ حديث سمعت خلال نصف ساعة تفسيره ، وجدته في الكتاب ، فوجود الكتاب في بيتك نوع من أنواع استذكار العلم .
إذا ذهبت إلى نزهة ، أو دعيت إلى سهرة ، أو أقمت حفلة ، وأردت أن تكون هذه الحفلة فيها إرضاءٌ لله عز وجل ، معك الكتاب ، افتح الكتاب ، وذكر إخوانك ومن حولك بما سمعته من تفسير لبعض الأحاديث الشريفة ، لأن نقل العلم شيء مقدس ، فتلقي العلم شيء ، وإلقاؤه شيء آخر .

* * * * *

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)) .
[مسلم]

((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ … )) ، وما أكثر كرب الدنيا ؛ هموم ، أشياء مقلقة ، ديون ، أعباء ، مرض ، يحتاج إلى نفقة ، زوجة ، زواج ، دَيْن ، الدَيْن هم ، ومشروع الزواج هم ، وأن يقع الإنسان في ورطةٍ هذا هم كبير ، وأن يخاف جهةً هذا هم أكبر ، وأن يفقد الأمن والطمأنينة هذا همٌ أكبر ، فإذا كنت تحب الله ورسوله فأنت مصدر أمن وطمأنينة ، أنت مصدر سلام وعافية ، أنت تبثُّ الأمن في كلامك ، وفي أعمالك .
فـ .. من نفس عن مؤمن كربة ، من كرب الدنيا ، استمعوا ، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، استمعوا ماذا يقول عليه الصلاة والسلام :((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ … )) ، وما أشد كرب يوم القيامة ، فكل إنسان بحكم إمكانياته ، بحكم مكانته الاجتماعية ، بحكم شأنه ، بحكم حجمه المالي ، يستطيع يخفف عن الناس آلامهم ، يستطيع يكون مصدر خير ، مصدر سلام ، مصدر طمأنينة ، فأنت إما أن تكون مصدر شر ـ لا سمح الله ـ وإما أن تكون مصدر خير ، فالله سبحانه وتعالى يقول في الحديث القدسي : (( الخير بيدي والشر بيدي ، فطوبى لمن قدرت على يديه الخير والويل لمن قدرت على يده الشر)) .
وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك .
لذلك ، يا أخي الكريم سؤال دقيق اسأل نفسك كل يوم : أنا ماذا فعلت هذا اليوم ؟ كل يوم ينشق فجره يخاطب ابن آدم يقول : يا ابن آدم أنا خلقٌ جديد وعلى عملك شهيد ، فتزود مني ، فإني لا أعود إلى يوم القيامة ، هذا اليوم كيف مضى ؟ هل دعوت فيه إلى الله ؟ هل أمرت بالمعروف ؟ هل نهيت عن المنكر ؟ هل بثثت الطمأنينة في نفس إنسان ؟ هل نفست عن مؤمن كربة ، من أكرم أخاه المؤمن فكأنما أكرم ربه .
أحياناً أخوك المؤمن في قضية تقلقه ، تخيفه ، جئت أنت واستخدمتك نفوذك ووجاهتك في بث الطمأنينة له ، أو في إزالة هذه الكربة ، لذلك اجعل شعارك كل يوم : ( إذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما استعملك ) ، بماذا استعملك الله عز وجل ؟ وما أكثر الأبواب المفتحة بالعمل الصالح ، فـ .. ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ … )) ،
هذا الحديث يجعل العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين متماسكة جداً ، فكل مؤمن انطلاقاً من تطبيق السنة يسعى إلى تفريج الهم عن أخيه المؤمن ، لو أن لك على أخيك المؤمن ديناً ، وكان هذا الأخ المؤمن معسراً ، وهو مهتم ، ومغتم ، ومنقبض ، فعلمت أنه معسر ، فقلت : يا أخي لك شهر آخر ، حتى يفرج الله عنك هذا العسر ، أنت بهذا فرجت عنه كربة من كرب الدنيا ، أخوك له مشكلة تحل مالياً ، وتملك أنت هذا المبلغ ، وهذا أخوك في الله ، فإذا دفعت له هذا المبلغ ، فقد نفست عنه كربة من كرب الدنيا ، لذلك ربنا عز وجل يعدك أن ينفس عنك كربة من كرب يوم القيامة ، هذا الحديث يجب أن يكون في ذهن كل مؤمن ، وأن يبقى ماثلاً أمام كل مؤمن .
((وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، الإنسان أحياناً يواجه عقبات ، يقول لك : الأمر معسر أمامي ، أضربها شرقًا تأتي غربًا .
أُغَرِّب خلف الرزق وهو مشرِّقٌ وأقســم لو شرقت راح يغرِّب

* * *

هكذا قال بعض الشعراء ، فهذا معسر ، فإذا أنت نفست عنه هذا الإعسار ، أزلت عنه هذا الإعسار ، ماذا فعلت ؟ أكرمت أخاك المؤمن .
فلذلك مرة ثانية أقول لكم : حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، الفقير من كان فقيراً من العمل الصالح ، والغني من أجرى الله على يديه الخير ، ومن لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، وكما قال عليه الصلاة والسلام : (( لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله قرباً )) .
عن الطريق العمل الصالح .
و .. (( لا بورك لي في يوم لم أزدد فيه من الله علماً )) .
إذاً طلب العلم والعمل الصالح ، لذلك وردت كلمة الذين آمنوا وعملوا الصالحات أكثر من ألف مرة في كتاب الله ، آمنوا وعملوا الصالحات ، آمنوا الناحية النظرية ، عملوا الصالحات الناحية العملية ، والإيمان والعمل الصالح جناحان متكاملان ، لا تطير إلى الله إلا بهما ، فلو اكتفيت بالعلم لم تفلح ، ولو عملت من دون علم لا تفلح ، العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر ، والعمل بلا علم ذنوب ، ((وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((غفر الله لرجل …)) .
فإذا مر معكم بالحديث الشريف كلمة غفر الله لرجل لا تظنوها كلمة الله يرحمه ، هذه الكلمات لكثرة استعمالها فقدت مدلولها ، هل تدري ماذا تعني كلمة غفر الله أو رحم الله عبداً ؟ رحم الله عبداً أي تجلى على قلبه ، وإذا تجلى الله على قلبك نسيت الدنيا وما فيها ، فأنت تأكل ، وتشرب ، وتستمتع ، وتذهب ، وتتنزه ، وتنام على فراش وثير ، وتقيم في غرفة مكيفة ، وتركب مركبة وثيرة ، وتنظر إلى مناظر جميلة ، هذه كلها متع الحياة الدنيا ، ولكن ينبغي ألا يغيب أن الله سبحانه وتعالى ، فلو تجلى على قلبك لذقت سعادةً لا توصف ، ولهانت عليك الدنيا وما فيها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ((غفر الله لرجل كان سهلاً إذا باع ، سهلاً إذا اشترى ، سهلاً إذا قضى ، سهلاً إذا اقتضى )) .

( من الجامع الصغير : عن " جابر " )

هذا اليسر في التعامل دليل الإيمان ، دليل العطف الذي أودعه الله في قلبك تجاه المسلمين ، تدخل امرأة فقيرة جداً إلى صيدلي ، تطلب دواء ، مبلغها أقل من ثمن الدواء ، ويشعر أنها ليست محتالة ، بريئة ، هناك من يطردها ، هناك من يقول : أتقرب إلى الله بخدمة هذه المرأة العجوز ، ليس كل الربح مادياً ، وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، كما قال السيد المسيح ، ليس كل الربح مالاً ، هناك ربح ، لأن تربح أخاً في الله أفضل من أن تربح الدنيا وما فيها .
فعود على بدء ، فأحياناً يرى الإنسان الأمور مسدودة أمامه ، هل تحبون أن تكتشفوا الحل العجيب لتعسير الأمور ، حل التعسير العمل الصالح ، إذا ضاقت عليك مذاهب الحياة ، إذا ضاقت عليك السُبُل ، إذا ظننت أن الله لن ينصرك في الدنيا ولا في الآخرة ..

(((((((((( يتببببببببببببع )))))))))))

[IMG]http://www.nabulsi.com/****/04hadeth/5saliheen/307-21/image002.gif[/IMG]
( سورة الحج : من آية "15 " )

أي ليعمل عملاً صالحاً كما قال بعضهم ، هذا العمل الصالح هو الذي يجعل العسر يسراً ، والضيق فرجاً ، والانقباض انشراحاً ، والتلكؤ انطلاقاً ، فمن ضاقت عليه السبل ، من شعر أن أمره معسر ، من شعر أن الدنيا كلها ضده ، فعليه بالعمل الصالح ، والعمل الصالح يرفعه ، ولكل درجات مما عملوا ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، وربما كان التيسير في الدنيا قبل الآخرة .
فربنا عز وجل يقدر لسبب تافهٍ تافه أن يجعل حياة الإنسان جحيماً ، لسبب تَافه تافه يذهب المال كله ، لسبب تَِافه تافه يفقد حريته على مدى عشرين عامًا ، ولسبب تافه ، ولو أن هذا الحكم بسبب وجيه يقول : هذه بتلك ، ولكن لسبب تافه يفقد الإنسان حريته ، ولسبب آخر يفقد ماله ، ولسبب في صحته تصبح حياته جحيماً ، إذاً افعل الخير وارجُ الله بهذا الخير أن يجعل أمورك ميَّسرةً ، وأن يتم عليك نعمة الهدى ، ونعمة الصحة ، ونعمة التوفيق .
فأنا الذي أعرفه أن المؤمن يندفع إلى العمل الصالح اندفاعاً لا حدود له ، فتنتهي حريتك في أن تفعل هذا العمل الصالح أو لا تفعله ، حينما تعرف الله عز وجل ، ويجب أن أقول لكم : إن العمل الصالح لا ينبغي أن يكون قاصراً على إنسان دون إنسان ، أخي هذا من إخوان جامع النابلسي يجب أن أخدمه ، هذا كلام مرفوض ، يجب أن تخدم الناس كلهم ، يجب أن تخدم المؤمنين كلهم ، يجب أن تخدم المسلمين كلهم ، يجب أن تخدم الناس كلهم ، يجب أن تخدم الخلق كلهم ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام : (( الخلق كلهم عيال الله ـ وسع الدائرة وسعها لأقصى درجة ـ وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله )) .
وهذا الذي تخدمه ولا تعرفه ، تخدمه وقد لا يكون في المستوى المطلوب ، ربما بهذه الخدمة صار في المستوى المطلوب ، أنت إذا خدمته ربما جعلته مؤمناً بعد أن كان غير ذلك ، العمل الصالح أعظم من أن يكون لك به حسنة ، العمل الصالح تجذب به الناس إلى الإيمان . والله البارحة حدثني أخ نسيت مَن هو : أن إنسان معذب في حياته جداً ، وكان عصبي المزاج ، ودائماً يسب الدين ، وحياته شقاء بشقاء ، وساكن بغرفة متضايق فيها مع أولاده وزوجته ، فقال له شخص : هل حولك بيت أجرة لفلان ؟ قال له : والله أجرة لا يوجد ، لكن إذا تحب نتعاون على شراء بيت ، الذي حدثني اليوم أو البارحة لا أذكره ، قال لي : هذا الإنسان بعد سكن في بيت مستقل أصبح من المؤمنين الصالحين ، دخل المسجد ، وصلى ، واقترب من المؤمنين ، طبعاً الإنسان عبد الإحسان ، فقول سيدنا علي خطير جداً قال : (قوام الدين والدنيا أربعة رجال ؛ عالم مستعمل علمه ـ وإلا أداة تنفير ـ وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ـ من صفات الجاهل التي تليق به أن يكون متواضعاً ، أما جاهل متكبر لا يحتمل ، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري ، هذا شيطان ، فمن صفات العالم التي تليق به أن يستعمل علمه ، أن ترى علمه في الممارسة اليومية ، في التعامل اليومي ، أن ترى علمه في علاقاته كلها ، عالم مستعمل علمه ، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم ـ وغني لا يبخل بماله ، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه … ) .
الآن دققوا ماذا يحدث لو اختل الأمر : (فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ـ إذا ضيع العالم علمه نفر الناس من العلم ، وزهدوا في العلم ، واحتقروا العلم ، أنا لا أفعل فعله ، أنا زاهد في علمه ، طبعاً ، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم ـ وإذا بخل الغني بماله ، باع الفقير آخرته بدنيا غيره ـ أي عندئذٍ يبيع الفقير نفسه للشيطان ، من أجل أن يؤمن حاجاته ) ، وما يجري العالم من أعمال عنف أساسها أن الغني بخل بماله ، فباع الفقير نفسه للشيطان .
إذاً ، ((وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ )) ، هذا قانون ، إذا ضاقت عليك الأمور ، إذا سدَّت في وجهك سبل الرزق ، إذا ظننت أن الدنيا كلها ضدك ، إذا شعرت أن الله لن ينصرك في الدنيا ولا في الآخرة ، فافعل عملاً صالحاً خالصاً لوجهه ، وقد وقال عليه الصلاة والسلام : ((استنزلوا الرزق بالصدقة )) .

( من الجامع الصغير : عن " جبير بن مطعم " )

يعني ادفع صدقةً ، وعندئذٍ تشعر أن الله سبحانه وتعالى أغدق عليك من نعمه .
((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، كان هناك رجل عالم فاضل ، توفي رحمه الله ، كان قاضيًا ، جاءته امرأة إلى مركز عمله ، يبدو أنها صدر منها صوتٌ ورائحةٌ كريهة ، وقد شعرت بذلك ، فأصبح وجهها محمراً من شدة الخجل ، قالت لأختها : لعله سمعنا ، فلما وصلت إليه قال :
ـ ما اسمك يا امرأة ؟
ـ قالت : اسمي فلانة .
ـ قال : ما سمعت ، ارفعي صوتك أنا لا أسمع ، ارفعي صوتك ، وما زال يقول : ارفعي صوتك أنا لا أسمع حتى تأكدت أنه ما سمعها .
هذا كرم ، لا تحمروا الوجوه ، من صفات المؤمن أنه لا يحرج الناس ، لا يضيق عليهم ، لا يضعهم في زاوية ضيقة ، لا يسفههم ، لا يكذبهم ، لا تحمروا الوجوه .
((وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)) ، الله من أسمائه الستِّير ، فإذا كنت مؤمناً حقاً تخلَّق بأخلاق الله ، وأنت خليفة الله في الأرض ، وكما قال عليه الصلاة السلام : (( إن الله خلق آدم على صورته )) .
يعني تخلق بأخلاق الله ، فإذا كان الله ستّيراً فاستر أنت ، الحقيقة إذا طبّق الإنسان هذا الأمر يشعر بسعادة كبرى ، فأنت تعلم عن إنسان شيئًا ، هذا الشيء ما تكلمت به لأحد ، تشعر أنك في المستوى المطلوب ، هكذا الإنسان ، والحقيقة الحديث عن أحوال الناس وعن فضائحهم ، شيء ممتع ، الناس يستمتعون بذلك ؛ قصة غريبة تلقى في هذه الجلسة متعة بالغة ، الناس ينصرفون إلينا ، يستمعون باهتمام بالغ ، هذه فضيحة ، أنت فضحت فلاناً ، لذلك ، ((من تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه في عقر بيته )) .
الإنسان يجعل شعاره : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه )) ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، الإسلام أخلاق ، الإسلام صفات راقية ، فهل أنت ستير ؟ شاهدت مشكلة ، أنت طبيب ، جاءك مريض ، وقص عليك قصته ، معه مرض بسبب زلة قدم ، هذا المريض له زوجة ، وله أولاد ، وتاب من هذه المعصية ، يجب أن تذكر قصته للناس ؟‍! هذا مخالف لأمانة الطب ، أنت محامِ ، ثمة مشكلة بين زوجين ، وعلاقة خاصة جداً بين زوجين ، و لو حدثت بها الناس لكانت مادة دسمة بحديث ممتع ، أينبغي لك أن تقول هذا للناس ؟ لقد خنت أمانة الحرفة ، فأحياناً المحامين ، الأطباء ، رؤساء المخافر أحياناً ترفع لهم قضايا خطيرة جداً ، وحساسة جداً ، فإذا كان الشخص مؤمنًا ، هذا الموضوع في طي الكتمان ، لأن الله ستير .
سيدنا عمر أذكر فتاة زلت قدمها في عهده ، وتاب الله عليها ، ثم خطبت ، فجاء أخوها يسأل سيدنا عمر ، فقال له :
ـ جاء فلان يخطب أختي ، أفحدثه بما كان منها ؟
ـ يا لطيف ، وكأن القيامة قامت ، قال له :
ـ ويحك ، والله لو حدثته بما كان منها لعلوتك بالدرة .
تابت ، وانتهى الأمر ، تابت وحسنت توبتها ، فالإنسان يجب أن يكون ستّيراً ، الآن البيوت متلاصقة يحدث شجار بالبيت أحياناً ، طبيعة البيوت الحديثة الآن طوابق ، وشقق ، فالكلام ينتقل من بيت إلى بيت ، والإنسان لا يخلو من تخاصم مع زوجته ، تخاصم مع أولاده ، هل ما سمعته البارحة تذكره للناس ؟!
((وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ )) ، إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، من لا يرحم لا يرحم ، تعين أخاك فيعينك الله ، ترحمه فيرحمك ، تستره فيسترك ، تنفِّس عنه كربةً من كرب الدنيا ، فينفس الله عنك كربة من كرب القيامة ، تضع عنه بعض الدين ، يضع عنك بعض الوزر ، تفرج عن عسرته يفرج الله عن عسرك يوم القيامة وهكذا .
أما الآن ، ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) ، هناك أخ يأتينا من دوما ، ومن حرستا ، من أماكن بعيدة ، أغلب الظن يظل ساعة ونصفًا ، أو ساعتين بالطريق ، لماذا جاء إلى هنا ؟ لا في ضيافة ، ولا في مقعد وثير ، ولا لشيء مغرٍ ، جاء ليلتمس علماً ، استمعوا أيها الإخوة ماذا يقول عليه الصلاة والسلام : ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ)) .
فأنت في طريقك إلى مجلس العلم في الحقيقة أنت في الطريق إلى الجنة ، والجنة السعادة الأبدية ..
((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ)) ـ هذا اجتماع مبارك ، اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً ، كما أدعو كل يوم ـ ((يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ)).
شعور صعب أن يوصف ، السكينة شعور يصعب وصفه ، قال بعضهم : إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين ، هذه السكينة خاصة بالمؤمنين ، لا يعرفها إلا من ذاقها ، أما أهل الدنيا لا يعرفونها ، لأنهم بعيدون عنها ، لا يعرفها إلا من ذاقها ، فالسكينة توازن ، طمأنينة ، ثقة بالله عز وجل ، شعور بالفوز ، شعور بالرضا ، شعور بالاستسلام ، شعور بالغنى ، شعور بالنجاح ، بالفلاح ، بالتفوق ، لذة روحية ، سعادة مادية ، والله أعلم ، هذه السكينة .
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ)) ، على المجموع ، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً ، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً .
((وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)) ، لذلك " ما من عبد يذكر الله في نفسه إلا ذكره الله في ملأٍ من ملائكته ، وما من عبد يذكر الله في خلقه ، إلا ذكره الله في ملأٍ خير منهم " ، أنت إذا ذكرت الله عز وجل للناس ، إذا ذكرت الله لأناس من مستوى معين ، ذكرك أناس من مستوى أرقى بالطيب والمديح والثناء .
((وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) ، تقول لي : أنا ابن فلان ، وجدي كان فلانًا ، تشرّفنا ..
لا تقل أصلي وفصلي أبداً إنما أصل الفتى ما قد حصل

* * *

دائماً الإنسان حينما يفتقر من العمل الصالح يفتخر بنسبه ، " أنا جد كل تقي ولو كان عبداً حبشياً " ، الحديث الشريف الذي يلغي النسب : (( يا فاطمة بنت محمد أنا لا أغني عنك من الله شيئاً ، من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم)).
ولكن هنا سؤال ، قد يقول قائل عن النسب : ألم يقل سيدنا جعفر عن رسول الله : " نعرف صدقه وأمانته وعفافه ونسبه " ، له نسب رفيع اللهم صل عليه ..
((خرجت من نكاح ، ولم أخرج من سفاح ، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء )) .

( من الجامع الصغير : عن " علي " )

الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، سيدنا يوسف ، في القرآن إشارات إلى النسب ، العلماء قالوا : فيما لو توافر الإيمان ، والصدق ، والأمانة ، عندئذٍ يستأنس بالنسب ، فالنسب لا يذكر إلا إذا توافر الإيمان ، والصدق ، والصلاح ، والطيب ، والورع ، والتقوى عندئذٍ يمكن أن نقول : فلان ابن فلان ، ما شاء الله على هذا النسب ، أما نسب مع العمل السيئ فلا يذكر إطلاقاً ، هذا الحديث ، رواه الإمام مسلم في صحيحه ، أعيده على أسمعاكم مرة ثانية : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ )) .

( رواه سلم )

هذا الحديث من باب قضاء حوائج المسلمين في كتاب رياض الصالحين ، ارجعوا إليه إذا شئتم .

* * * * *

كنت قد وعدتم في درس سابق أن نبدأ الحديث ـ بعون الله جل وعلا ـ عن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، والحقيقة هذا الموضوع جليل ، وعظيم ، وخطير ، وسوف أمضي ما تبقى من الوقت في التمهيد لهذا الموضوع الجليل .
أولاً : سيرة النبي عليه السلام ؛ قراءتها ، ومدارستها ليست قراءة أحداث تاريخية ، ولا دراسة أعمال بشرية مما ألِفَ الناس سماعه وقراءته ، تكاد تكون سيرة النبي عليه السلام شيئاً متميِّزاً عن أية سيرةٍ أخرى ، عن أي تاريخ ، عن أيَّة ترجمةٍ شخصية لأي إنسان آخر ، لماذا ؟ لأن سيرة النبي عليه السلام هي المفتاح الأول لفهم كتاب الله تعالى ـ كلمات دقيقة جداً ـ سيرة النبي عليه السلام هي المفتاح الأول لفهم كتاب الله تعالى ، لأنه من خلال سيرة النبي ، يتضح لك كيف فهم النبي هذه الآية ، وكيف عمل بها ، وكيف وقف الموقف الصحيح في هذا الموطن .
إذاً إذا أردت مزيداً من فهم كتاب الله ، إذا أردت أن تعمِّق فهمك لكتاب الله ، فعليك بسيرة النبي عليه السلام ، فليست القضية أنه إنسان عظيم نقرأ أحداث حياته ، لا ، هذا إنسان نبي مرسل ، أي نموذج لكل البشر .
شيءٌ آخر : سيرة النبي عليه النبي عليه السلام تعدُّ المثل الأسمى للكيفية التطبيقية للعمل بكتاب الله ، مفتاح كتاب الله الأول ، والكيفية التفصيلية لتطبيقه والعمل به .
عندنا شيء دقيق جداً : أن حياة رسول الله تشريع ، سيدنا عمر هاجر ـ شيء جميل ـ هو اجتهد أن يهاجر جهاراً ، وأن يتحدِّى بهذه الهجرة المشركين وقال قولته الشهيرة : (من أراد أن تثكله أمه أو ييتم ولده فليحقني إلى هذا الوادي ) ، هاجر جهاراً ، وعلانية ، ومتحدياً ، ولكن سيدنا عمر لو أنه فشل بهذا التحدي ، لو أنه قُتِل ، يمثل مَن ؟ يمثل نفسه فقط ، لكن النبي عليه السلام حينما هاجر من مكة إلى المدينة ، لأنه مشرِّع أخذ بالأسباب ؛ اتجه نحو البحر ، وقبع في غار ثور ، ووكَّل أناساً يأتونه بالأخبار ، وأناساً يمحون الآثار ، وأناساً يأتونه بالزاد ، واستأجر راحلةً ، ودليلاً يتمتع بالخبرة الكافية ، وهو مشرك ، يعني أخذ بكل الأسباب ، ثم توكل على رب الأرباب ، فهل يعد النبي عليه السلام أقل جرأةً من سيدنا عمر ؟! مستحيل ، كان إذا حمي الوطيس لم نر أقرب منه إلى العدو ، كان إذا حمي الوطيس واحمرت الحِدَق كان أقربنا إلى العدو ، كنا نتقي به العدو، كان شجاعاً ، ومع ذلك هاجر بهذه الطريقة لأنه مشرِّع ، لو أنه هاجر كما هاجر عمر رضي الله عنه لعد اقتحام الأخطار سنةً ، وترك الأخذ بالأسباب واجباً ، وإلقاء النفس في التهلكة عملاً طيباً ، لو أنه هاجر كما هاجر عمر لهلكت أمَّته من بعده ، هو مشرِّع ، فأنت إذا قرأت سيرة النبي تقرأ شيئاً خطيراً جداً ، تقرأ ما ينبغي أن تفعله أنت الآن ، إنك تقرأ النموذج الأول لبني البشر . إذاً حياته تشريع ، وحياته نموذجٌ أسمى للكيفية التطبيقية لكتاب الله ، وحياته مفتاح لفهم كتاب الله .
الذي أريد أن أنبِّه عليه : إن حياة النبي عليه السلام ؛ وما فيها من أحداث ، ومواقف ، وغزوات ، إن هذه الحياة ليست وقائع تتلا ، ولا معلومات ، ولا ثقافات ، ولا دراسات تاريخية ، إنها تجسِّد الحقيقة الإسلامية في مجموعها الاعتقادي والسلوكي ، يعني إذا أردت أن ترى الإسلام مطبَّقاً في إنسان ففي النبي العدنان ، تحب أن تقرأ عن الإسلام ، القرآن ، تحب أن ترى الإسلام بعينيك ، اقرأ سيرة النبي ، تحب أن ترى قرآناً يمشي ، النبي عليه الصلاة والسلام ، الكون قرآنٌ صامت ، والقرآن كونٌ ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآنٌ يمشي ، حياته شيء مهم جداً ، بل إن حياة النبي عليه الصلاة والسلام في كل حركةٍ ، وسكنة ، سكوته حديث ، سكوته إقرار ، إذا فعل صحابيٌ جليل شيئاً أمام النبي ، وسكت النبي ، فهذا الفعل مشروع ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يسكت على غلط .
فامرأة نادت زوجها المسجَّى على فراش الموت ، وقالت له على مسمعٍ من النبي عليه الصلاة والسلام : هنيئاً لك أبا السائب لقد أكرمك الله. لو أن النبي عليه الصلاة والسلام سكت لكان كلامها صحيحاً ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((ومن أدراك أن الله ـ طبعاً من وراء حجاب ـ أكرمه؟ )) .
من أنتِ حتى تعرفي الغيب ؟ أو تعرفي ما سيكون ؟ (( ومن أدراك أن الله أكرمه ، قولي : أرجو الله أن يكرمه …)) .
قل : أرجو يا أخي ، لا تزكي على الله أحداً ، قال : ((… وأنا نبي مرسل لا أدري ما يفعل بي ولا بكم)) .
إذاً ، يجب أن تعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا سكت فسكوته إقرار ، وإذا تكلم فكلامه تشريع ، وإذا فعل ففعله منهج ، إذاً هل من سيرة إنسانٍ على وجه الأرض ترتقي إلى مستوى النبي الكريم ؟ قراءة سيرته تكاد تكون شيئاً واجباً على كل مسلم ، لأنك إذا قرأت سيرته رأيت الإسلام على حقيقته ، رأيت الإيمان ، رأيت الصدق .
ولكن دائماً أحب أن أنوِّه إلى أننا في أثناء الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ، لا نتحدث عنه كعبقريٍ ، كإنسان ذكي متفوق ، بعض الأعاجم من العلماء يركِّزون على عبقريته ، وعلى تفوقه الذكائي ، والقيادي ، والاجتماعي من أجلل أن يقللوا من قيمة نبوته ورسالته ، هوية هذا النبي الكريم أنه نبيٌ مرسل ، فالحديث عنه من خلال نبوَّته ورسالته ، ومن أنه المشرع ، لا من زاوية عبقريته ، وذكائه ، وقدراته الاجتماعية ، هذا انحراف عن الخط الصحيح للسيرة .
شيء آخر : الله سبحانه وتعالى جعل النبي عليه الصلاة والسلام قدوةً لنا ، ما معنى قدوة لنا؟ أحياناً الإنسان يقف في موقف الفقر ، هو النبي عليه الصلاة والسلام ذاق طعم الفقر ، فوقف الموقف الأكمل حينما كان فقيراً :
ـ هل عندكم شيء ؟
ـ قالوا : لا .
ـ قال : فإني صائم .

( من الجامع الصغير : عن " السيدة عائشة " )

لم يسب بالدين ، انظروا إذا كان فقير جاهل يا لطيف !! هل عندكم شيء ؟ قالوا : لا . قال : ((فإني صائم )) ، علّم الفقير التجمل ، والصبر ، والحلم ، وعلمه العفة ، وعلمه الانتظار ، وانتظار الفرج فرج .
والنبي عليه السلام ذاق طعم الغنى فلم يبطر ، ولم يستعلِ على الناس ، دخل عليه رجل أصابته رعدة ، قال : ((هون عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد في هذه البطحاء )) .

( من الدر المنثور : عن " جرير " )

رأى رجل وادياً من الغنم ، فقال للنبي الكريم .
ـ لمن هذا الوادي ؟ .
ـ قال : هو لك .
ـ قال : أهزأ بي ؟
ـ قال : لا والله هو لك .
ـ قال ، أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء مَن لا يخشى الفقر .
ذاق الغنى ووقف الموقف الأكمل حينما كان غنياً ، وذاق الفقر ، ووقف الموقف الأكمل حينما كان فقيراً ، علَّمك أيها الإنسان كيف ينبغي أن تكون إذا كنت فقيراً ، وكيف ينبغي أن تكون إذا كنت غنياً .
وذاق القوة ؛ دخل مكة في حشدٍ من الجيش يزيد عن عشرة آلاف سيف ، كلها تأتمر بحركةٍ من شفتيه ، وبإمكانه أن يقضي على أعدائه من آخرهم بكلمة واحدة ، أذاقه الله القوة ، دخل مكة خاضعاً ، متذللاً تذلل الشاكرين المغمورين بالنِعَم ، ولم يدخل مكة دخول المتجبرين المتغطرسين ، حتى إن ذؤابة عمامته لامست عنق بعيره ، النبي عليه السلام يغلب فلا يبطر ، ويُغْلَب فلا يضجر .
وأذاقه الله طعم الضعف في الطائف قال : ((إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى )) .

( من الجامع الصغير : عن " عبد الله ين جعفر " )

وأذاقه طعم فقد الولد فقال : ((إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون )) .

( من الأذكار النووية : عن " أنس " )

أكمل موقف .
وذاق أن يقترن بامرأة تكبره خمسة عشر عاماً ، الآن إذا الواحد كانت زوجته من نفس السن يندب حظه ، أخي أخذناها كبيرة ، هكذا يقول لك ، خمسة عشر سنة فوق عمره ، ومع ذلك كان وفياً لها ، عندما فتح مكة ما قبل إلا أن ينام في خيمةٍ نصبت له إلى جانب قبر خديجة وفاءً لها ، وما رضي أن يقول كلمةً لمَن جاءته بعدها يقول : ((والله ما أبدلني الله خيراً منها )) .
علمك الوفاء الزوجي .
ذاق طعم اليتم . في دار أيتام من أشهر دور الأيتام ، بمدخل الدار رُسِمَ قبر النبي عليه السلام ، وكتبوا تحته : ( أكرم يتيمٍ على وجه الأرض) ، كان يتيم اللهمَّ صلِ عليه ، ما ذاق طعم الأبوة ، ذاق طعم اليتم وموت الأولاد ، وكبر الزوجة ، وذاق الفقر ، وذاق الغنى ، والقوة والضعف ، كله ذاقه ، لذلك جعله الله عز وجل قدوةً لنا ، جعله قدوةً صالحة ، وأسوةً حسنة ، ومثلاً يحتذى ، إذاً قراءة سيرته شيءٌ خطير جداً.
شيء آخر النبي عليه الصلاة والسلام قال : ((إنما بعثت معلماً)) .

( من تخريج أحاديث الإحياء : عن " عبد الله بن عمرو " )

((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) .

( من الجامع لأحكام القرآن )

كان مربي من الطراز الأول ، فإضافةً إلى أنه نبي مرسل كان مربياً من الطراز الأول يعلمك كيف تؤدب وتربي ، قال عليه والسلام : ((علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خيرٌ من المعنف)).

( من الجامع الصغير : عن " أبي هريرة " )

السؤال والجواب ، والأخذ والعطاء ، والعتاب والمتابعة ، والتوجيه والنصح أحسن من الضرب ، ((علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خيرٌ من المعنف)) .
قال : ((لا يكون الرفق في شيءٍ إلا زانه ، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه )) .

( من الجامع الصغير : عن " السيدة عائشة " )

كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً ، كان يقول : ((لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات)) .

( من مسند الإمام أحمد : عن " عقبة بن عامر " )

علمك كيف تتعامل مع الناس .
كان يقول : (( لاعب ولدك سبعاً ، وأدبه سبعاً ، وراقبه سبعاً ، ثم اترك حبله على غاربه)) .
كان مربيًّا من أعظم المربين ، إذاً قرأت عن حياته تتعلم منه كيف يعامل زوجته ، وأولاده ، وإخوانه ، وجيرانه ، ومرؤوسيه ، وجنوده ، كان مثلا أعلى .
فالشاب المندفع إلى الله عز وجل ، يجد في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام نماذج بطولية رائعة ، الداعية إلى الله ، وما يلقى من خصومات ، ومن معارضات ، ومن متاعب ، ومن هموم، ومن أعباء ربما لا يتحملها ، إذا قرأ سيرة النبي يستصغر نفسه يقول : أنا لا شيء إطلاقاً ، إذاً إذا قرأت سيرة النبي كان عليه الصلاة والسلام كان قدوة لك في الدعوة إلى الله في الصبر ، في تحمل الشدائد ، في التفاؤل ، في الثقة بالله عز وجل ، في مواجهة الخصوم ، في التلطف ، في الرحمة .
الزوج ، كلٌ منا زوج ، أو أكثرنا ، فهل يا ترى ما في ولا مشكلة بالبيت ؟ قال عليه السلام : ((لا يفرك ـ أي لا يكره ـ مؤمناً مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر )) .

( من الجامع لأحكام القرآن : عن " أبي هريرة " )

هكذا علمك النبي الكريم ، منزعج من هذه الصفة ، لكنها امرأة حصان ، رزان ، تطهو لك الطعام ، تنظف لك البيت ، تطمئن إذا غبت عنها ، تحفظك في مالها ، هذه كلها ميزات ، ألا تشفع لها بهذه السيِّئة ؟ إن كره منها خلقاً رضي منها خلقا آخر .
الأب ، عطفه وحنانه ، حدبه على أولاده ، إذا قرأ هذه السيرة أبٌ كان النبي عليه الصلاة والسلام قدوةٌ له .
إذا قرأ هذه السيرة قائد حربي ، فالنبي الكريم لما سيدنا جعفر بن أبي طالب استشهد في مؤتة ، توجَّه بنفسه إلى بيت جعفر ، ورأى زوجته وقد عجنت عجينها ، وألبست أطفالها ، ودهنتهم ، وغسلتهم ، كلهم يتهيؤون للقاء جعفر ـ وهو قد استشهد في مؤتة ـ ذهب بنفسه لإخبارهم باستشهاده كي يخف عليهم وقع هذا الخبر ، أخذ أولاده وضعهم في حجره ، قبَّلهم ، عانقهم ، ذَكَر أباهم بخير ، وأعلمهم بالنبأ .
فإن كنت قائدًا ، وإن كنت زوجًا ، وإن شابًّا ، وكنت داعية ، أي إنسان إذا قرأ سيرة النبي الكريم يرى في النبي عليه الصلاة والسلام نموذجاً أعلى ، ومثلاً يحتذى ، وقدوةً صالحة ، وأسوةً صالحة .
وإن شاء الله في الدروس القادمة نبدأ بعض الأحداث ، ونستنبط منها بعض العبر ، فلعل الله عز وجل ينفعني وإياكم بهذه السيرة .

والحمد لله رب العالمين
* * *

باارك الله فيكي
جزاك الله خير
مها ام وفاء

باارك الله فيكي وجزاك الله كل خير
شكرا لمرورك الكريم

اقوال بعض الصالحين في فضول الكلام 2024.

بسم الله الرحمن الرحيم ***** ********* ********* قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (من كثر كلامه كثر سقطه * ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه * ومن كثرت ذنوبه كانت النار اولى به) ****وقال الحسن البصري :وكانوا يقولون ( إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا اراد أن يتكلم بشئ تدبره بقلبه ثم امضاه بلسانه ** وإن لسان المنافق أمام قلبه* فإذا هم بشئ أمضاه بلسانه وبقلبه ) ****** وقال عمر رضي الله عنه ايضا (من كثر ضحكه قلت هيبته** ومن مزح استخف به ** ومن قل ورعه مات قلبه) **** وقال ابن مسعود رضي الله عنه ( أنذركم فضول كلامكم ** حسب امرئ من الكلام ما بلغ به حاجته) ***** وقال الحسن 🙁 يا ابن أدم بسطت لك صحيفة ** ووكل بها ملكان كريمان **يكتبان اعمالك **فاعمل ما شئت** واكثر **او أقل) **** وقال يزيد بن ابي حبيب 🙁 من فتنة العالم أن يكون الكلام احب اليه من الأستماع** فإن وجد من يكفيه فإن في الاستماع سلامة** وفي الكلام تزيين وزيادة ونقصان)*** واخيرا قال صلى الله عليه وسلم( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليصمت ) حاسب نفسك قبل ان تخرج الكلمة *** فهي ستذهب الى ميزان اعمالك **اما الى جهة اليمين ** او جهة اليسار ** اللهم اهدنا واصلحنا اجمعين ***
يعطيك العافيه ياقلبي
موضوعك مميز وفريد
شكرااااا
شكرا لك يا اجمل رد فحياتي
جزاك الله خيرا
وجزاك الله خيرا على الرد

سنه مجالسه الصالحين 2024.

من السهل جدًّا أن تنتقل أخلاق الصاحب إلى صاحبه؛ فالمعايشة والمجالسة وطول الحوار تؤدي إلى تَطَبُّع الإنسان بأخلاق وطبائع مَنْ يُصاحبه، وقد يحدث هذا بشكل متدرِّج فلا يلحظ المرء التغيير على نفسه؛ ومن ثَمَّ لا بُدَّ أن يكون الإنسان حَذِرًا في اختيار جلسائه؛ لذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمْرُ المسلمين بانتقاء مَنْ يُصاحبون أو يُجالسون؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ".

وقد نَبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن التغيير في حياة الإنسان نتيجة المصاحبة سيصل إلى تغيير في الدين، وهو أمر خطير كما هو معلوم، حتى المجالسة السريعة البسيطة قد تُحْدِث أثرًا؛ فقد روى البخاري عن أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً".

لهذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالسة الصالحين، ومصاحبة المؤمنين؛ بل الحرص على بروز التقوى فيمَنْ تدعوهم إلى دخول بيتك والأكل من طعامك؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا, وَلاَ يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ".

فهذه سُنن تحفظ لنا ديننا، وتُعيننا على الطاعة، فليحرص كلٌّ منا على انتقاء جلسائه، ونسأل الله الهداية لنا أجمعين.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني

منقولخليجية

موضوع حلو ومفيد
يا رب ما ننحرم من تواجدك معنا
الله يعطيك العافيه
الله يعطيك العافيه
بجد انت رائعة .

قال احد الصالحين 2024.

قال احد الصالحين : اجتنب سبع خصال يسترح جسمك وقلبك

ويسلم لك عرضك ودينك :

1* لا تحزن على مافاتك .

2* ولا تحمل هم ما لم ينزل .

3*ولا تلم الناس على مافيك مثله.

4* ولا تطلب الجزاء على ما لم تفعل .

5*ولا تنظر بشهوة إلى مالم تملك.

6* ولاتغضب على من لم يضره غضبك.

7*ولا تمدح من لم يعلم من نفسه خلاف ذلك .

جميل جدا يسلمو

الذَوْق خُلُقْ الصالحين 2024.

الذَوْق .. خُلُقْ الصالحين

نبيل جلهوم

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم إنى أشهدك أنى أحب نبيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم , رسول الانسانية , ومنبع الأخلاق الذكية , وأساس الخيرات الدنيوية والأخروية , والداعى لكل مافيه السعادة والسرور لجميع البشرية , مَنْ جَعلْت منه الرحمة المهداة , وفى إتباعه الأساس لكل من يرجو النجاة , صاحب الخلق العظيم , والذوق العالى الرفيع , الذى منحته الحياء الجميل فجملته به وزينته , فلم تجعله صلى الله عليه وسلم إلا نورا لكل سالك , وهداية لكل شارد , وجعلت الفخر والكرامة والعزة لكل مسلم فى أن يتبع ذلك الرسول الإنسان , صاحب أفضل الأخلاق وجميل الخصال الحسان , من كان بالطفل وبالزوجة والبنون والبنات والناس رؤوفا رحيما صلى عليه الله النبى العدنان .

زينته بالحلم وأكرمته بالعلم وفقهته فى الدين فجعلت منه النور المبين لكل من أراد أن يتخلق بأخلاق الصالحين المؤمنين ,
صلى عليك الله يارسول الله صلاة كاملة وسلاما تاما تكونان سببا فى حل عقدنا وانفراج كربنا وقضاء حوائجنا والفوز بجميل وأحسن الرغائب , وعلى آلك وصحبك فى كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم عند الله أرحم الراحمين وحبيب سيد المرسلين .

لماذا الذوق ؟؟؟

لأنه سلوك غفل عنه كثير من عوام الناس إلا من رحم الله , وكثير كذلك من الملتزمين بالدين , فضاعت ذوقيات التعامل وأصبحنا
نرى سلوكيات يندى لها الجبين , قد لا تحدث ممن هم على غير ديانة سيد المرسلين النبى محمد طه الأمين .

الذوق والإسلام :

ما الذوق فى الإسلام إلا شعار الدين والباعث الحقيقى لكل خلق متين والداعى لكل خير وجمال ومتانة فى علاقات الناس أجمعين , فله ترتاح النفوس وبه تزداد المحبة والراحة ويزول كل كرب وهمّ عن المكلوم ومن يحملون ضيقا فى النفوس .

بالذوق .. ستُحل المشاكل ومعضلات الأمور .
بالذوق .. سيفوز الناس بقلوب صافية .
بالذوق .. لن نجد بين المسلمين الغل والحق والحسد .
بالذوق .. سترتاح النفوس ولن تجد إلا كل جمال وسعد وتكافل ملموس بين الناس ومحسوس .

صدق الله العظيم :
صدقت ربى وتعاليت عندما مدحت وأثنيت على نبيك وحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم عندما قلت وقولك الحق :
( وإنك لعلى خلق عظيم ) القلم آية4 .

فلم تمتدحه فى هذه الآية الشريفة بعشيرته .. ولم تمتدحه بفتوته .. ولم تمتدحه بشجاعته .. ولم تمتدحه برسالته ..
وهذا كله وغيره يستحق المدح به والثناء عليه , إلا أنك ياربنا ياعظيم أردت بهذه الآية البسيطة والمكونة من أربع كلمات .. أردت بها ومنها أن تعطى الاشارات وتنبهنا إلى نبينا العظيم وإلى أخلاقه العظيمة التى لم يبلغها أحد مثله , وكأنك ياربنا ترسل لنا ومضات مُسعدات لنا فى حياتنا لن نجدها إلا أذا كنا كحبيبك بالأخلاق عظماء وبالذوقيات والسلوكيات علماء ومطبقين لها وفقهاء .

نحو ذوقيات هامة :

1. الاتصالات :

قد تجد كثيرا من الناس يتصل بك على الهاتف بطرق لا ذوق فيها ولا أخلاق , يطلبون الرقم ويظلون على الاتصال دون توقف , فى الوقت الذى يجب أن يتوقف بعد مرور ثلاث رنات على الهاتف , فقد يكون المتصل عليه مشغولا فى أمر هام , قد يكون بعمل أوإجتماع لا يستطيع الرد وقتذاك , قد يكون مريضا غير قادر على الحديث بالهاتف , قد يكون الهاتف على وضعية الصامت , قد يكون المتصل عليه نائما , قد يكون وقد يكون وقد يكون ..

فيا متصلا بالهاتف كثيرا .. لا داعى أن تطيل الاتصال وتكرره كثيرا .. وكن صاحب ذوق وإكتفى بثلاث رنات ..
فالذوق جمال ورحمة واللبيب بالاشارة يفهم .

2. البيوت :

قد يذهب البعض إلى الناس فى بيوتهم , فيطرقون الباب المرة وعشرات المرات فى حين أن الاسلام قد حدد فى ذلك مايدلل على جمال الذوق والأخلاق بأن تطرق الباب مرة ثم تنتظر ثم تتبعها الثانية ثم تنتطر ثم الثالثة وتبتعد عن الباب ’ فاذا لم يرد عليك أحدٌ فتوكل على ربك وإرجع هو أقرب للتقوى وأحفظُ لماء الوجه .

فقد يكون صاحب الدار نائما وقد يكون على غير إستعداد لأن يقا بلك وقد يكون الدار غير منظما ولا مرتبا وقد يكون وقد يكون وقد يكون …

فيا طارقا لأبواب الناس .. كن صاحب ذوق وتأدب بأداب الإسلام .. فالذوق سعادة .

3 . رسائل الهواتف :

قد تجد كثيرا من الناس تصله رسائل على هاتفه المحمول من أناس يحبونه , رغبوا فى تهنئته بمناسبة سعيدة أو بدعاء جميل أو تذكيرا بطاعة , ثم لاتجد من هؤلاء ردا على رسائل الغير , لا مبالاة ولا إهتمام , فى حين أن الأخرين كلفوا أنفسهم بكتابة الرسائل وبقيمتها صغيرة كانت أو كبيرة وعبّروا عن طيب أخلاقهم وجميل ذوقياتهم , إلا أن المرسلة اليهم الرسائل قد قابلوا هذا الحب وذلك الذوق بعدم الرد برسائل مثلها , ناسين قول ربهم : واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ) النساء36 .

مما قد يصيب المُرسِل بضيق وحزن بسبب عدم إهتمام المرسل إليه الذى قد يكون بذلك متكبرا على عباد الله الذين أحسنوا وبادروا وعبّروا عن جميل خلقهم وجمال ذوقياتهم …

فياهذا المتكبر .. لم تتكبر ؟؟ وعلام تتكبر ؟؟؟ أنسيت أنك قد خلقت من منّى يمنى ؟؟
كن صاحب ذوق وأحسن الى الناس كما يحسنون إليك ..

وهل جزاء إحسانهم إليك تجاهلك لهم … فالذوق دليل التربية الطيبة والفهم الجميل لمعانى الاسلام .

4. الإقتراض :

قد تجد من يقترض منك لحاجة ماسة , فتقرضه ثم إذا قدمت له ورقة لاثبات الدين وطريقة السداد تجده يحزن منك ويتضايق كيف تفعل ذلك معه ألست واثقا فيه ألست مؤتمنا له , وهكذا كثير من الانفعالات الغير طبيعية والتى تصطدم فى حقيقتها مع شرع الله الذى أتى إلينا به فى سورة البقرة بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا اذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه …. ) البقرة 282 .
سبحان الله يأمر المولى تعالى بكتابة الديْن ويوجه خطابه للذين آمنوا … أليس فى ذلك مصلحة للذين آمنوا وتطبيقا للشرع وضمانا للحقوق ؟ فلماذا تكون ردود الأفعال الغريبة من جرّاء كتابة الدين .

أليس فى كتاب الله دستورا لنا ينظم حياتنا الاجتماعية فيما بيننا ويضمن أموالنا تجاه بعضنا ..
ألا من باب أولى أن يشكر المقترض صاحب القرض على أن يسّر أمره وفك كربه وأعانه على نوائب الدهر .

فيا مقترضا .. كن صاحب ذوق .. فالذوق ضمانة إجتماعية توقف الخلافات والمظان السيئة وتضمن الحقوق .

5. القمامات :

قد تجد كثيرا من الناس من يقوم برمى قمامات بيته أمام بيوت الناس أو فى الطريق , غير عابئا بمن حوله , مؤذيا للناس , غير مؤديا لحق الطريق , متناسيا قول رسوله وقدوته سيدنا محمد صلى الله عليه فى الحديث الذى رواه ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه (126) .

فيا مؤذيا للناس .. كن صاحب ذوق .. فالذوق هداية .. والجار حبيب للرسول ووحى الرسول .

6. الانتظار :

قد تجد بعضا من الناس إذا ذهب إلى مصلحة من المصالح خاصة أو حكومية أو ذهب الى الماركت ليقف أمام الصندوق ليدفع القيمة لما إشتراه أو يقدم أوراقه للموظف , قد تجد بعض هؤلاء يحاولون تخطى غيرهم فى خط الانتظار يريدون أن يتمكنوا من أول الصفوف بلا حياء بلا خجل بلا أدب , متناسين تماما أن فى ذلك أثرة وحب للذات وأن فى ذلك مبغضة لمن يقفون أمامه وظلم وسوء أدب ’ متناسين أن إيمان المرء لايكتمل إلا اذا أحب لأخيه مايحب لنفسه وبأنه لايجوز شرعا التعدى على حقوق الغير و إيذائهم ..

فيا أنانيا تحب نفسك … كن صاحب ذوق .. فالذوق شجاعة.

7. التحيّة :

قد تجد بعضا من الناس إذا ألقيت عليه السلام الذى يدلل على إيمانك وشعار فهمك لإسلامك , تجده لايرد السلام عليك ومنهم من يرد غير عابئا , ومنهم من يرد بصوت غير مسموع يوحى لك بأنه لم يرد , فى حين أنه إذا كان إلقاء السلام سنة عن نبينا على من تعرف ومن لاتعرف , إلا أن رد السلام واجب , فضلا عن أنه يدخل السرور على الغير ويحبب الناس فى بعضهم بعضا ويزيد من المودة والتآلف بين الناس .. وقد كان نبينا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم يلقى السلام حتى على الصبيان تحببا وتوددا .

فكن يا من لاترد السلام أو ترده بغير لطافة وأدب .. كن صاحب ذوق ورُدّ رداً يدلل على إهتمامك .. فالذوق أدب .

8. الاستعارة :

قد تجد من الناس من يستعير منك شيئا , ككتاب أو مجلة أو شيئا من أدوات المنزل الضرورية , ثم تجده لايرده إليك أو يرده بعد وقت طويل أو لايرده إلا اذا طلبته منه .. أو تجده قد أضاعه وأفقده , ومنهم من يرد الشيء المستعار معيبا على غير حالته الطيبة السليمة التى كان عليها وقت الإعارة .. غير عابئا ولا مهتما بالحفاظ على أمانات الناس , بل قد لا يفكر أن يقول لك شكر الله لك .. لاحرمنا الله من مساعدتك .

فيا مستعيرا بلا أدب ..هل تقابل الاحسان بإساءة .. كن صاحب ذوق .. فالذوق نعمة .

9. الزيارة :

قد يأتى اليك زائر , وما أن يدخل البيت إلا وتجده يعبث ببصره يمنة ويسرة فى قاع البيت وجنباته , غير مهتما بما قد يكون بالبيت من الفتيات والنساء على حالة تستدعى غض بصره , وقد تجده ما أن يجلس إلا ويبدأ يسأل عن كل مايراه كم سعره من أين إشتريته , وقد يطيل الزيارة بما يسبب حرجا لأصحاب البيت , وقد يصل الأمر به إلى أن يصيب بيتك بعين أو حسد ’ تظل بسببه مهموما مكلوما وأهل بيتك لفترات لايعلمها سوى العليم الخبير .

فيا هذا .. تأدب عند دخول البيوت وضع بصرك فى الأرض عند الدخول وأخفض فيه صوتك ولاتجلس فى مكان يكشف عورات البيت وأدعوا لأهل البيت وبارك ولاتسترسل فى السؤال فيما لايعنيك ولاتطيل الزيارة , فمن تلطف فى زيارة الناس أحبوه وتشوقوا دائما إليه … فالذوق مشاعر وأحاسيس جميلة .

10. الأصوات العالية :

قد تجد من الناس من يقوم بتعلية أصوات التلفزيون أو الراديو بالدرجة التى تشعرك كأن ذلك الصوت داخل بيتك أنت , ومنهم من يسكن فى الطابق الأعلى ويترك أولاده يلعبون ويطرقون ويدقون ويزعجون . غير مهتمين براحة جيرانهم , وغير ناظرين الى أنه قد يكون بالبيت مريضا يتألم أو طالبا مجتهدا يذاكر ويتعلم .

وكأنه يقول بلسان حاله المهم أن أستمتع وأولادى وحدنا فقط ولا يهمنى إذا كان فى ذلك إتعابا لجارى أو راحة له .

فيا جار السوء … إعلم أنك لجارك مؤذيا ولمشاعره مُجرّحا ولراحته مُضيّعا .. فتكون بذلك له ظالما .. قد تنالك منه الدعوات الحارقة فتصبح بسببها فى تيه وتعب بسبب حماقتك وعدم رشدك .

قال الله تعالى : ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) [النساء: 36]

وعن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) متفق عليه (126) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يا أبا ذر ، إذا طبخت مرقة ؛ فاكثر ماءها وتعاهد جيرانك )) رواه مسلم (127) .
وفي رواية له عن أبي ذر قال : إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني : (( إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك ، فأصبهم منها بمعروفٍ )) (128) .

وعن أبي هريرة رضي اله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن )) ! قيل : من يا رسول الله ؟ قال : (( الذي لا يأمن جاره بوائقه !)) متفق عليه (129) .
وفي رواية لمسلم : (( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ))

فياجار السوء .. إن لم تستطع أن تسعد جارك فلا تكن مصدر شقاء وتعب له .
وكن صاحب ذوق … فالذوق راحة لك ولجارك .. وتدبّر ما قاله ربك ورسوله عن الجار الذى قد يجعلك إما إلى جنة أو إلى نار .

11. شُرُفات البيوت :

قد تجد من بعض الرجال والشباب من يقفون فى شرفات منازلهم بملابس داخلية متعرية أذرعتهم وصدورهم ,بشكل ليس من الرجولة فى شيء , مما يجرّح مشاعر جيرانهم من النساء والفتيات , فيضطرون لإغلاق نوافذهم ويجلسون فى ضيق وتعب لايستطيعون الاستمتاع بالهواء ولا تدخل إليهم الشمس ولا أضواء النهار .

فيا رجلا بلا رجولة ويا شابا بلا حياء .. كن صاحب ذوق ولاتحرم جيرانك من حق الاستمتاع بالدنيا مثلك وحافظ على مشاعرهم وأحب لهم ما تحبه لنفسك .. فالدنيا لم تُخلق لك وحدك . . فالذوق رجولة وحياء .

12. مواقف السيارات :

قد تذهب لمكان ما ثم توقف سيارتك بمكان مناسب نظامى لا تعطيل فيه للغير , ثم ترجع لتجد غيرك قدأوقف سيارته خلف سيارتك , فتظل تنتظر وتنتظر , وقد يطول الانتظار بك فتتعطل مصالحك وتتهيج أعصابكولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم .

فيا مُعطلا للناس مصالحهم … كن صاحب ذوق … وإتق الله فى الناس , فقد يكون من وقفت بسيارتك خلفهقد يكون فى حالة تستدعى ولادة زوجته أو طفلا له مريضا يريد أن يسعفه أو ميتا يريد أن يشارك فى جنازته أو صلاة فى المسجد جماعة يريد ألا تفوته أو أرتباطا بوظيفة ومواعيد حضور يريد أن يلتزم بها .

فيا صاحب هذا السلوك … هل ترضى ذلك لنفسك .. هل تقبل من أحد أن يُضيّع عليك موعدا أو يتسبب فى مشكلة لك فى بيتك أو وظيفتك أو يحرمك من لزوم الجماعة بالمسجد أو المشاركة فى تشييع الميت .

بالطبع لن ترضى … فكن صاحب ذوق … فالذوق عبادة .

خاتمة :

اللهم وَفّر حظّ المسلمين من خيرٍ تُنـزِّله أو إحسانٍ تتفضل به عليهم أو بِرٍّ تُنشِرُهُ لهم أو رزق تبسطه أو ذنب تغفره أو خطأ تستره عليهم . يا إلهي يا من بيده ناصيتنا يا عليماً بضرنا وأخلاقنا وسلوكياتنا ومسكنتنا , يا خبيراً بفقرنا وأحوالنا وسلوكياتنا وفاقتنا , نسألك بحقك وقدسك وأعظم أسمائك وصفاتك أن تجعل أوقاتنا في الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة وتعاملاتنا فيما بيننا جميلة مرضية مقبولة .

يامن إليه شكونا أحوالنا وسلوكياتنا , نسألك أن تقوِّ على خدمتك جوارحنا وتهذب بفضلك أخلاقنا وتُجمّل برحمتك سلوكياتنا وتشدد بالعزيمة جوارحنا , وهب للمسلمين جميعا الجدّ في خشيتك والدوام على الاتصال في خدمتك والاسعاد التام لخلقك ولكل من تشرّف بعبادتك , حتى نخافك مخافة الموقنين واجمعنا في جوارك مع المؤمنين أصحاب الذوق والسلوكيات والخلق المتين .

اللهم اقذف رجائك في قوبنا واقطع رجائنا عمن سواك حتى لا نرجو أحداً غيرك فأنت مولانا وَ وَلِيِّنا في الدنيا والآخرة يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا عظيم نسألك باسمك العظيم أن تَكْفِنَا كل أمر عظيم وأن تٌجمّلنا بكل عظيم من الأخلاق العظيمة التى زينت بها حبيبك ونبيك وصفوة خلقك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

خليجية
شكرلكم