إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه 2024.


وخلال هذا الجو الملبد بغيوم الظلم والعدوان أضاء برق آخر أشد بريقًا وإضاءة من الأول، ألا وهو إسلام عمر بن الخطاب، أسلم في ذى الحجـة سـنة سـت مـن النبـوة‏.‏ بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا الله تعالى لإسلامه‏.‏ فقد أخرج الترمذى عن ابن عمر، وصححه، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏الله م أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك‏:‏ بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام‏)‏ فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه‏.‏

وبعد إدارة النظر في جميع الروايات التي رويت في إسلامه يبدو أن نزول الإسلام في قلبه كان تدريجيًا، ولكن قبل أن نسوق خلاصتها نرى أن نشير إلى ما كان يتمتع به رضي الله عنه من العواطف والمشاعر‏.‏

كان رضي الله عنه معروفًا بحدة الطبع وقوة الشكيمة، وطالما لقى المسلمون منه ألوان الأذى، والظاهر أنه كانت تصطرع في نفسه مشاعر متناقضة؛ احترامه للتقاليد التي سنها الآباء والأجداد وتحمسه لها، ثم إعجابه بصلابة المسلمين، وباحتمالهم البلاء في سبيل العقيدة، ثم الشكوك التي كانت تساوره ـ كأي عاقل ـ في أن ما يدعو إليه الإسلام قد يكون أجل وأزكى من غيره، ولهذا ما إن يَثُور حتى يَخُور‏.‏

وخلاصة الروايات ـ مع الجمع بينها ـ في إسلامه رضي الله عنه‏:‏ أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة ‏{‏الْحَاقَّةُ‏}‏،فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال‏:‏ فقلت ـ أي في نفسي‏:‏ هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال‏:‏ فقرأ ‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏40، 41‏]‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ كاهن‏.‏ قال‏:‏‏{‏ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ إلى آخر السورة ‏[‏الحاقة‏:42، 43‏]‏ ‏.‏ قال‏:‏ فوقع الإسلام في قلبي‏.‏

كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية التقليد، والتعاظم بدين الآباء هي غالبـة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه، فبقى مجدًا في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة‏.‏

وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني مخزوم فقال‏:‏ أين تعمد يا عمر‏؟‏ قال‏:‏ أريد أن أقتل محمدًا‏.‏ قال‏:‏ كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدًا‏؟‏ فقال له عمر‏:‏ ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال‏:‏ أفلا أدلك على العجب يا عمر‏!‏ إن أختك وخَتَنَكَ قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر دامرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها‏:‏ ‏[‏طه‏]‏ يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن ـ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة‏.‏ وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال‏:‏ ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم‏؟‏ فقالا‏:‏ ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا‏.‏ قال‏:‏ فلعلكما قد صبوتما‏.‏ فقال له ختنه‏:‏ يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك‏؟‏ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا‏.‏ فجاءت أخته فرفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت، وهي غضبى‏:‏ يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا رسول الله ‏.‏

فلما يئس عمر، ورأي ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال‏:‏ أعطونى هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، فقالت أخته‏:‏ إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ‏:‏ ‏{‏بسم الله الرحمن الرحيم‏}‏ فقال‏:‏ أسماء طيبة طاهرة‏.‏ ثم قرأ ‏[‏طه‏]‏ حتى انتهي إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّنِي أَنَا الله ُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي‏}‏ ‏[‏طه‏:‏14]‏ فقال‏:‏ ما أحسن هذا الكلام وأكرمه‏؟‏ دلوني على محمد‏.‏

فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال‏:‏ أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس‏:‏ ‏(‏الله م أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام‏)‏، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا‏.‏

فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحًا السيف، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجمع القوم، فقال لهم حمزة‏:‏ ما لكم ‏؟‏ قالوا‏:‏ عمر‏؟‏ فقال‏:‏ وعمر‏؟‏ افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان جاء يريد شرًا قتلناه بسيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة فقال‏:‏ ‏(‏أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزى والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة‏؟‏ الله م، هذا عمر بن الخطاب، الله م أعز الإسلام بعمر بن الخطاب‏)‏، فقال عمر‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ‏.‏ وأسلم، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد‏.‏

كان عمر رضي الله عنه ذا شكيمة لا يرام، وقد أثار إسلامه ضجة بين المشركين، وشعورا لهم بالذلة والهوان، وكسا المسلمين عزة وشرفًا وسرورًا‏.‏

روى ابن إسحاق بسنده عن عمر قال‏:‏ لما أسلمت تذكرت أي أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة، قال‏:‏ قلت‏:‏ أبو جهل، فأتيت حتى ضربت عليه بابه، فخرج إلىّ، وقال‏:‏ أهلًا وسهلًا، ما جاء بك‏؟‏ قال‏:‏ جئت لأخبرك إني قد آمنت بالله وبرسوله محمد، وصدقت بما جاء به‏.‏ قال‏:‏ فضرب الباب في وجهي، وقال‏:‏ قبحك الله ، وقبح ما جئت به‏.‏

وذكر ابن الجوزي أن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ كان الرجل إذا أسلم تعلق به الرجال، فيضربونه ويضربهم، فجئت ـ أي حين أسلمت ـ إلى خالى ـ وهو العاصى بن هاشم ـ فأعلمته فدخل البيت، قال‏:‏ وذهبت إلى رجل من كبراء قريش ـ لعله أبو جهل ـ فأعلمته فدخل البيت‏.‏

وفي رواية لابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال‏:‏ لما أسلم عمر بن الخطاب لم تعلم قريش بإسلامه، فقال‏:‏ أي أهل مكة أنشأ للحديث‏؟‏ فقالوا‏:‏ جميل بن معمر الجمحى‏.‏ فخرج إليه وأنا معه، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه، فقال‏:‏ ياجميل، إني قد أسلمت، قال‏:‏ فو الله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد فنادى ‏[‏بأعلى صوته‏]‏ أن‏:‏ يا قريش، إن ابن الخطاب قد صبأ‏.‏ فقال عمر ـ وهو خلفه‏:‏ كذب، ولكنى قد أسلمت ‏[‏وآمنت بالله وصدقت رسوله‏]‏، فثاروا إليه فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم، وطَلَح ـ أي أعيا ـ عمر، فقعد، وقاموا على رأسه، وهو يقول‏:‏ افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا‏.‏

وبعد ذلك زحف المشركون إلى بيته يريدون قتله‏.‏روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال‏:‏بينما هو ـ أي عمر ـ في الدار خائفًا إذ جاءه العاص بن وائل السهمى أبو عمرو،وعليه حلة حبرة وقميص مكفوف بحرير ـ وهو من بني سهم، وهم حلفاؤنا في الجاهلية ـ فقال له‏:‏ ما لك‏؟‏ قال‏:‏ زعم قومك أنهم سيقتلوني إن أسلمت، قال‏:‏ لا سبيل إليك ـ بعد أن قالها أمنت ـ فخرج العاص، فلقى الناس قد سال بهم الوادي، فقال‏:‏ أين تريدون‏؟‏ فقالوا‏:‏ هذا ابن الخطاب الذي قد صبأ، قال‏:‏ لا سبيل إليه، فَكَرَّ الناس‏.‏ وفي لفظ في رواية ابن إسحاق‏:‏ والله ، لكأنما كانوا ثوبًا كُشِطَ عنه‏.‏

هذا بالنسبة إلى المشركين، أما بالنسبة إلى المسلمين فروى مجاهد عن ابن عباس قال‏:‏ سألت عمر بن الخطاب‏:‏ لأي شيء سميت الفاروق‏؟‏ قال‏:‏ أسلم حمزة قبلى بثلاثة أيام ـ ثم قص عليه قصة إسلامه‏.‏ وقال في آخره‏:‏ قلت ـ أي حين أسلمت‏:‏ يا رسول الله ، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏بلى، والذي نفسي بيده، إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم‏)‏، قال‏:‏ قلت‏:‏ ففيم الاختفاء‏؟‏ والذي بعثك بالحق لنخرجن، فأخرجناه في صفين، حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد، قال‏:‏ فنظرت إلىّ قريش وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الفاروق‏)‏ يومئذ‏.‏

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول‏:‏ ما كنا نقدر أن نصلى عند الكعبة حتى أسلم عمر‏.‏

وعن صهيب بن سنان الرومى رضي الله عنه قال‏:‏ لما أسلم عمر ظهر الإسلام، ودعى إليه علانية، وجلسنا حول البيت حلقًا، وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، ورددنا عليه بعض ما يأتى به‏.‏

وعن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر‏.‏

مهارات فن الخطاب الدعوي 2024.

الداعية المحاضرة التي تمتلك مهارات سيكون لها تأثير
أبلغ وأقوى في توصيل مادتها الدعوية والتأثير
على المستمعات والمتلقيات .

وللخطابة أسس ثلاثة هي :-
* لغة الجسد.
* نبرة الصوت.
* نوعية الكلمات.
ولعل من الملاحظ بأن بعض الداعيات قد تجعل جل تركيزها
على الكلمات و تهمل لغة الجسد أو النبرة المنسجمة
مع طبيعة الكلمة إلا أن المفاجأة هو ما أثبته فريق من
ا لباحثين البريطانيين عام 1970م ,
وهو بأن لغة الجسد هي
الأقوى بالتأثير حيث يبلغ تأثيرها 55% ويأتي بعدها
بنسبة 38% للنبرة, ثم تأتي الكلمات في آخر المطاف
لتبلغ مالا يتجاوز- عادة – في نسبتها التأثيرية 7% فقط!
وهذه المعلومة تجعلني أبدأ بكيف تلم الداعية بموضوع حركات الجسد ,
والتعابير الجسدية المصاحبة لخطابها فعندما تقابل الداعية مدعواتها
فأول ما يلفت الانتباه هو
شكل الداعية – الهندام, تعابير الوجه,حركات اليد.. وغير ذلك-؛
ولذا أول المنطلق هو تفقد الإطار الخارجي –
إن صح التعبير-
للداعية فاهتمامها بنظافتها وشكلها الخارجي وأناقتها المتزنة له أهميته ,
هنا ستفتح أول أبواب القبول كما أن ابتداءها بابتسامة
يعطي إيحاء للحاضرات بالراحة والاسترخاء النفسي ,ويكون العقل
متقبلا بشكل أكبر حيث يتخلص من بعض الضغوط ,
وتكون المدعوة مهيأة لاستقبال ما ستقوله الداعية, وقد نلاحظ بعض الأحيان
بأنه قد يتركز نظر الداعية –
خصوصا في حال حضور أعداد كبيرة-
على من هم بالصفوف الأمامية أو مع من تتفاعل معها أو تركز نظرها
على جهة أو على صف دون آخر,وهذا الأمر يفقد تواصل البقية معها ,
فالتواصل البصري مع جميع الحاضرات يشد المدعوة,
وفي حال لا تستطيع الداعية التواصل بصرياً مع كل واحدة من الحضور
لزخم العدد فهناك طريقة المسح البصري أي تجول بنظرها
متطلعة إلى كل صف بشكل كاف ,ولكل الجهات وقد يكون الأمر
في البداية صعب,ولا بأس فمع الممارسة يسهل الأمر فتجد بأنه أصبح جزء
من أدائها ولا تحتاج مع الوقت لتذكير نفسها به ,وقد يكون من عادة البعض
هو عدم النظر في عين المتحدثة أو المتحدث إليها خصوصا في حالة
الحديث الفردي مما يشعر المتلقية بأنها ليست موضع اهتمام فينصرف
عقلها ويقل قبولها لحديث الداعية, ومن الأفضل النظر
إلي عيني المدعوة بنظرات تودد وليست نظرة حادة مع حاجبين مقطبين,
ولقد ورد بأن نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم-
(كان لا يثبت نظره في وجه أحد، خافض الطرف‏,‏ نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جُلُّ نظره الملاحظة) .

* والنظرة المؤثرة:
هي التي تنطق بتمني الخير للمدعوة مع انبساط لتعابير الوجه
كالحاجبين وعضلات الوجه
كما أنه من الجميل لو زينت بابتسامة ومصافحة حميمة ,
هنا التأثير سيرتفع وسيكون للكلمات-
مهما قلت-
وقع أكبر وتأثير أشد, ولفت الخطاب القرآني لأثر تعابير
الوجه والحركة في قوله تعالى
:{عَبَسَ وَتَوَلَّى}(1) سورة عبس, وقوله تعالى :{ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} (22) سورة المدثر,
وقد تلاحظ الداعية أمر وهو ابتعاد أو اقتراب البعض منها وهذا له
تفسيره العلمي وعائد للنظام التمثيلي لديها وكي لا يبتعد الحديث,
فتقبلي قربها أو بعدها بدون محاولة منكِ للاقتراب في حال كانت مبتعدة أو العكس؛
فالبعض قد يفقد تركيزه كلياً في حال اقترابه من محدثه ,
والبعض الآخر لا يرتاح إلا باقترابه من محدثه, ومعرفة هذا الأمر من صالح الداعية
والخطابة لا تقتصر على ذلك ,فحركة اليدين بالاشارت المناسبة
للكلمات والجمل وتعابير الوجه المتوافقة مع الحديث
كانبساط أو تعجب ,ومما روي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم
كان يعض على شفته السفلى عند التعجب,
وإذا أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها،
وإذا غضب أعرض وأشاح،
وإذا فرح غض طرفه،
جل ضحكه التبسم،
ويفتر عن مثل حب الغمام‏).‏
بالإضافة لحركة الجسد
من توجه للجذع إلى الأمام أو الخلف وغيرها لها تأثير خفي لا يُستهان به!
ولعل من السنة ما يؤكد هذا المعنى
فلقد روي في الحديث ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)
ثم أشار بالسبابة و الوسطى عليه الصلاة والسلام ولعل نظرة حانية من إحداهن
مع كلمة جميله تجعلنا ندرك هذه الحقيقة!.
* وأما حديثنا عن النبرة:
فنستطيع أن ندرك مدى تأثيرها في مكالمة هاتفية نستطيع بأن نعرف
حال المتصل إن كان سعيداً أو مضطربا أو لديه مشكلة مؤلمة ,
وغيرها من المشاعر التي تنبيء بالحال فاختيار النبرة المصاحبة
للكلمة يعطي دلالة على صحة معناها.
دعيني أعطيك مثال:-
عندما تحدثكِ إحداهن بأنها مشتاقة إليكِ ,وهي ترفع نبرة صوتها بحدة
وتنطق كلماتها بسرعة وتلفظها كالتوبيخ
بالله كيف سيكون شعورك؟وما مدي تقبلك لما تعنيه الكلمة من مشاعر نبيلة؟
صدقيني ستشعرين بالانزعاج ويخالجك التعجب!
اختيار النبرة الأفضل
أن يكون موافق مع نوع الحديث, فإن كان الحديث
يحمل سمة الود فهي النبرة الحانية اللطيفة,وإن كان بالمعنى تعجب
فالنبرة المتأنية المشددة على بعض الكلمات المنتقاة لتتوقفين
عندها ,وكأنك تضغطين عليها بفمك وكأنها بالكاد تخرج ومما يضجر السامع
هو الصوت العالي – نعم –
قد يسمح برفعه في كلمة ,وكلمتين وأما أن يكون غالب حال المتحدثة بهذه الصورة!
فهذا مخالف للمنهج الرباني ومنفر أشد ما يكون للمستمعة,
وقال الله تعالى :
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}
(19) سورة لقمان,
ولعل من العجيب في الوصف القرآني عندما حث النساء
على عدم الخضوع بالقول بترقيق الصوت لما فيه تأثير على القلوب,
قال تعالى :{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا}
(32) سورة الأحزاب.
وفي هذا إرشاد على أن للنبرة الوادعة المتهادية تأثير
على المتلقية
فالحديث مع الرجال لابد أن يضبط بضوابطه,
لكن الأمر يختلف مع النساء ,ولذلك لابد هنا من ترقيق القول
لهن كما أن علو النبرة أو انخفاضها-
خصوصا في الحديث الفردي-
يكون بحسب المتحدثة معها فإن كانت من النوع الذي
يرفع نبرة الصوت قليلا فلترفع الداعية كي يحدث انسجام بينهن,
وهذا سهل وتستطيعه الداعية في حال الحديث الفردي.
ولعلنا نذكر ما ورد في السيرة النبوية
بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأنه
علم ألسنة العرب، يخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها،
اجتمعت له قوة عارضة البادية وجزالتها، ونصاعة ألفاظ
الحاضرة ورونق كلامها، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي‏).
إذن فلقد كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
يحادث كل قوم بما يناسبهم برفع الصوت للمنادى عليه
ومده للكلمات بنفس صورة المتحدث ,
وهنا ندرك بأن هذا الأمر لم يكن هكذا بدون غاية تذكر,
بل أنه له أصل نفسي بتأثير ذلك على المتلقي إيجابا
ولعلي أُجّمل ذلك باختصار بأن تقوم الداعية بقدر طاقتها
بالتجاوب مع طريقة حديث المتلقية من حيث مستوى النبرة,
مع ملاحظة التناغم بين الكلمة, وبين طريقة نطقها بالتوسط في نطقها
أو الإطالة لإعطاء تصور ذهني فلو قلت لكِ,
وقضيت في هذا البحث
مدة طويــــلة
ثم مددتها ستشعرين بها أكثر مما لو قلت

طويلة) بسرعة أليس كذلك! .* والآن نأتي للكلمات:
فعندما أوجه الكلمات يجب أن تعمل على مستويات
وماذا يعني هذا؟
هناك من الناس من هو ذو مرجعية داخلية,
ومنهم من هو ذو مرجعية خارجية
وللتوضيح أكثر فصاحبة المرجعية الداخلية
لا تبالي بكلام الناس أو ما يقوله الآخرون عنها,
فهي لا تؤمن إلا بما يكمن داخلها من قناعة ,
ولذلك فالطريق إليها لابد أن تحدد مساراته.
ولعلي أذكر مثال توضيحي:-
يذكر بأنه في أحد الدورات التدريبية كانت إحدى المتدربات
تستهين بالحجاب الشرعي,حاولت الأخوات نصحها
إلا أن السبل أعيتهم لإقناعها فطلبوا من المدرب
أن يتدخل؛ لعله يستطيع الإقناع فعندما تحدث معها أدرك
بأن لديها مرجعية داخلية, فوجه الحديث نحو مساره الصحيح
فقال لها بما مضمونه :
إن فتاة بمثل عقلك ونضجك هل يحسن بها أن تفعل ذلك,
وأن تتصرف بطريقة لا تناسبها ولا تليق
بمن هي مثلها؟
وغيره من الكلمات التي لا تصب في خانة
الناس يقولون أو افعلي كذا
أو هذا هو الصحيح
فهي لا تستمع إلا لكلماتها الداخلية فقط
!فكان الحديث المقنع هو ما شعرت بأنه يمس ذاتها الداخلية
وينتهي الأمر بعزم الفتاة على الحجاب بقناعة تامة
والقيام به فعليا.
ومن الجيد أن نشير إلى ما قد يرد من كلمات لأصحاب
هذه المرجعية مثل قول
لم أقتنع,لا يهمني أحد,والأهم قناعاتي وغير ذلك
وكأنها تقول ما أريكم إلا ما أرى
ككلام فرعون في قوله تعالى
:{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}(29) سورة غافر
,ولعلنا نستعرض قوله تعالى
لموسى عليه السلام عندما طلب منه أن يخاطب فرعون:
{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}
(44) سورة طـه
,وهنا نجد بأنه لابد من اللين مع هذه النوعية,كونها معتزة بذاتها
وبعقلها ,ونستطيع بأن نرمز إليها-
أي أصحاب المرجعية الداخلية – بــ أنتِ .
أما أصحاب المرجعية الخارجية
فالتأثير عليهم يأتي من الخارج, ورغم بساطة التأثير
عليهم إلا أن هذا الأمر يحمل اتجاه النجدين فهي
ستتأثر سلبا أو إيجابا لأنه يكفى مثلا بأن تقولي لها إن هذا اللون
لا يناسبها , أو القسم الدراسي غير جيد ,
أو وصفها بالمتحجرة كونها تتحفظ على بعض الأمور
مثلا! لتتغير بعض قناعاتها ولو قلتِ
لو فعلتِ كذا؛ فأن الناس سيعجبون بك
لكان لها تأثيراً قوي لا يتصور! إنها باختصار
تقتنع بما يقوله الآخرون,وليس بما تعتقد هي !
,ولو تأملنا بعض سور القرآن؛ لوجدنا بأن بعض من كذب الرسل
هو متبع لقومه,فهو لا يرى إلا ما يراه الآخرون-
خصوصا إن كان لهم موقع قوة –
قال تعالى:{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}(67) سورة الأحزاب,
ونستطيع أن نرمز لأصحاب المرجعية الخارجية بـــ هــم.

ومجْمل القول بأنه من الرائع لو حملتِ دفتي حديث الداعية
التنقل بين الوترين وتر المرجعية الخارجية,والداخلية
ليمس الحديث جمع من الحاضرات,فيكون التأثير واسع النطاق.
واختم :
بأن التوقف من فتره لأخرى لاستجلاب النفس العميق,
لا يستغنى عنه في أي حديث دعوي ,سواء أكان فردي أو جماعي

شكرلك
الله يحفضك يالغاليه

تسلمين علي المرور

حفضك الله ايتها الغاليه