فتراجع دوره بشكل ملحوظ ظناً منه أن مهامه تقتصر على ما هو خارج عتبة المنزل
ناهيك عن أن وسائل الحياة العصرية جعلت تنصل الأب من مسئولياته أمراً محتماً، في ظل توفر الحياة المادية الميسورة أحياناً
وسائل الترفيه ورغد العيش، وفي ظل تراجع دور العادات والتقاليد الأسرية.
إن قضية غياب الآباء عن المنزل لساعات طويلة، أو لأيام وأسابيع، له أثر خطير على نفسية الطفل،
فالأب يعتبر مصدر الأمن والحماية بالنسبة للطفل، وهو ربان سفينة الأسرة التي يقودها بفطنته ليحمل أبناءه إلى شواطئ الدفء والأمان،
ومهما كانت مشاغله فيجب أن تبقى الأسرة في مقدمة مسؤولياته، وعليه الحفاظ عليها وكذلك توزيع الأدوار بشكل مدروس بينه وبين الأم،
ولكن في ظل غيابه، هل تنجح الأم في إدارة شؤون الأسرة؟ *بداية: ما هي المسئولية المنوطة بالوالد والوالدة داخل الأسرة؟
صحيح أن لكل من الأب والأم دوراً محدداً في إطار الأسرة، وهذا ناشئ عن طبيعة كل من الرجل والمرأة،
ولكننا لا نريد أن ندخل في شرح كل من الدورين، بل كل ما يهمنا هوتكامل هذين الدورين في تربية ورعاية وتوجيه الطفل
في إطارمن العمل المشترك والمنسجم بينهما. ولابد من الاشادة بالعادات والتقاليد الأسرية الموروثة التي نشأ عليها آباؤنا وأجدادنا،
فبالرغم من تواضع تعليمهم ومحدودية اطلاعهم على تجارب الأمم الأخرى، إلا أنهم نجحوا في إدارة دفة حياتهم الخاصة
وحياة من ارتبط معهم وبهم من أبناء، أما اليوم فقد افتقدنا الكثير من القيم السلوكية، فتخلى عدد من الآباء والأمهات عن الأدوار الواجب عليهم أداؤها،
فعمت الفوضى واقتربت بالتالي أسر كثيرة من هاوية التفك والانهيار.وقد أثبت كافة التجارب أن الانسجام بين الزوجين
بالرغم من إختلاف<الإختصاص>
إذا صح التعبير يؤدي مفعولاً إيجابياً لجهة النتائج المرجوة في تربية الطفل، في حين أن
<الإختلاف> يؤثر في شخصية الطفل ويطبع في ذاكرته حتى شبابه تلك الذكريات الناشئة عن إختلاف وتنافر مصادر التوجيه وتنازعه.
*ماهي أسباب غياب الوالد وتخليه عن إدارة شؤون أسرته؟
تتنوع أسباب غياب الوالد عن المنزل، وإذا كان تعداد هذه الأسباب ممكناً وسهلاً كالغياب المادي والجسدي وأسبابهما
سواء بالسفر أو بطبيعة العمل ولكن أخطر ما في نتائج غياب الوالد هو حضوره الجسدي وغيابه المعنوي،
بحيث تضطر الأم لأن تلعب الدورين معاً، وفي ذلك إرهاق لها وإنشاء لعلاقة غير طبيعية بين الأم والأبناء،
ينشأ عنها لاحقاً تفاعلات سلبية تؤثر في تكوينهم النفسي.
*ما هي آثار غياب الوالد على كافة أفراد الأسرة؟
بنتيجة دراسة أعدت في معهد العلوم الإجتماعيةحول هذا الموضوع، فقد كان هناك شبه إجماع على أن الأم والمرأة بصورة عامة
قد أثبت من الجدارة والمسئولية والحنان والصبر ما يفوق قدرة الرجل في إبراز هذه المعاني الإنسانية،
ولكنها بطبيعتها كإنسان بين التحمل والتجمل لها طاقة معينة ومن الظلم تجاوزها وتحميلها هذه الأعباء والمسئوليات كافة،
فالأم تتأثر بقدر كبير من غياب الأب عن المنزل لأن الواجبات وتحمل المسئولية يقعان على عاتقها بالكامل.
أما باقي الأولاد فإنهم(كالإسفنجة) يمتصون أزمة الغياب، ولكن حين تأتي ساعة الحقيقة يتبين أنهم بحاجة
إلى تفريغ ما عندهم من تراكمات نفسية ناشئة عن غياب العاطفة والتوجيه والسلطة الأبوية،
فيأتي تنفيسهم لهذه الاحتقانات في غير موضعه، بشكل انحراف سلوكي أو أخلاقي ربما ينتهي بهم في السجن.
*إلى أي مدى يؤثر الوضع المهني والمستوى العلمي للمرأة في نجاحها وقدرتها على تحمل المسئولية؟
من البديهي أن الأم المتعلمة بمثابة ثروة كامنة يمكن استثمارها في إدارة المنزل وفي تربية الأولاد،
في حين أن الأم الجاهلة والتي تفتقر إلى مستوى علمي أو ثقافي معين تشكل رصيداً سلبياً في ميزانية العائلة،
وفرص نجاح العائلة في ظلها تبدو أقل من الفرص الأخرى في ظل المرأة المتعلمة والعارفة.
*كيف تبدو علاقة الأم بالزوج والأبناء والمجتمع عندما تتبدل الأدوار؟
في ظل غياب الأب عن الأسرة يحصل الإختلال الوظيفي الذي يؤثر حتماً في وظائف باقي أفرادها،
وكما أشرنا سابقاً فإن أول المتأثرين بهذا الاختلال هي الأم المعدة أصلاً لأدوار محددة، فإذا بها تلقى على كاهلها أدوار أخرى
تجعلها مهما حافظت على توازن هذه الأدوار مخلة بأغلبها أو بعضها بنسب تفاوتة، وهذا ينعكس سلباً على علاقتها باقي أفراد الأسرة،
فهي الزوجة المقهورة التي تعاني من إجحاف زوجها في بعض الحالات، والأم القاهرة في حالات أخرى حيث تسقط مشاكلها على أبنائها،
ويحصل كل ذلك أحياناً دون وعيها ولكن لا نستطيع الإنقاص من مستوى التضحيات والدفق الإنساني النبيل المتجسد في طبيعة الأم.
*كيف نخف آثار غياب الوالد عن الأسرة؟
في الحقيقة أن غياب الزوج غالباً ما يؤدي إلى انهيارات كارثية في الأسرة لذا فإن المعني بالتدخل لتصحيح هذا الخلل
لا تنفرد به جهة محددة أو شخص محدد بل يجب أن تتضافر فيه جهود وعوامل عدة لتطويق ذيول هذا الغياب،
فالأقارب يلعبون دوراً كبيراً إضافة إلى الأصدقاء، كما أن مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات الرعاية الاجتماعية ومدارس التوجيه
وجمعيات الأسرة وحقوق الإنسان، كلها مرجعيات يمكن أن تكون صالحة للمساهة في تخفيف النتائج السلبية الناشئة عن غياب الأب.
لكن العمل المركزي المهم يتمثل بمنع غياب الأب قبل معالجة آثار غيابه، وهذا يتطلب حواراً داخلياً صادقاً.
ضمن الأسرة يمكن فيه إشراك الأبناء المميزين والراشدين بحيث يتحمل كل فرد مسئوليته في هذا المجال.
يعطيك الف الف عافيه