بسم الله الرحمن الرحيم
كانت ثريا طفلة صعبة المراس، وتبلغ من العمر 9 سنوات. كنا في غاية الحيرة في كيفية التعامل معها؛ لأنها كانت تختلف عن كل الأطفال الآخرين.
كانت دائما تغلق غرفتها عليها، وهي تبكي أحيانا من دون سبب واضح. في إحدى المرات تناولت سكينا وجرحت نفسها جرحا بليغا اضطررنا لنقلها للمستشفى للعلاج.
كنت واثقة جدا من أن ابنتنا بها مس من الجن، حتى أننا ذهبنا إلى العديد من الشيوخ، الذين قرأوا عليها القرآن، وضربوها في أحيان أخرى حتى ترك الضرب علامات على جسدها.
ولكن كل هذا لم يساعد ثريا. ترى ما الذي أصاب ابنتي؟ «أم ثريا» ثريا كغيرها من الأطفال يدور حولها كثير من اللغط، فهي تعاني من مشكلة في الصحة العقلية، وللأسف لم يدرك أحد هذا.
ففي ثقافتنا ومفاهيمنا فإننا لا نتقبل أمراض الصحة العقلية بسهولة، ولذلك لا نستطيع التعامل معها ببساطة، وإذا عرف الآخرون حقيقة مرض ثريا فإنها ستوصف بأنها «مجنونة».
تعرف منظمة الصحة العالمية مفهوم الصحة النفسية بأنها درجة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الخاصة والتكيّف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان وفعالية والإسهام في مجتمعه.
فالصحة العقلية جزء لا يتجزأ من الصحة، وتعني أكثر من مجرد غياب المرض العقلي ولها صلة قوية بالصحة البدنية والنفسية.
ومثل المرض الجسدي، فالمرض النفسي يمكن أن يصيب أي شخص وفي أي عمر. أحد الأسباب لعدم تشخيص المرض العقلي عند الأطفال هو قلة المعرفة وعدم توقع حدوث مشاكل نفسية للطفل.
ولكن بعض الدراسات الحديثة أظهرت ما لا يقل عن 20 في المائة من الأطفال والمراهقين يعانون من اضطرابات نفسية. في دراسة أجريت في أميركا شملت 4000 طفل دون الخامسة، وجد أن 21 في المائة منهم مصابون باضطرابات نفسية، من ضمنهم 9.1 في المائة لديهم اضطراب حاد.
أما في بريطانيا فقد أشار المكتب الوطني للإحصاء إلى أن 10 في المائة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و16 عاما، شخصوا باضطراب عقلي تسبب في تغيرات شديدة في السلوك، أثرت على قدرتهم على أداء الأعمال اليومية.
وبين الدول العربية، فقد أشار موضوع نشر في مجلة الدراسات العربية عن خدمات الصحة النفسية في العالم العربي، إلى غياب المعلومات عن نمو وتطور صحة الأطفال النفسية والاجتماعية عند معظم الآباء والمعلمين.
وبينت دراسة أجريت في مصر أن ربع عينة الأطفال قبل سن المدرسة الذين شملتهم الدراسة يعانون من مشاكل سلوكية، بينما أفادت دراسة أعدت في مدرسة في المملكة العربية السعودية أن 13.4 في المائة من الذكور يعانون من اضطرابات سلوكية أو نفسية.
وتشير الأبحاث إلى أن إصابات الاضطرابات النفسية متقاربة في البنين والبنات ما بين 5 و10 أعوام.
أهمية الصحة النفسية
الصحة النفسية هي الطريقة التي يفكر بها الإنسان، وكيف يتصرف لمواجهة الحياة. فهي تؤثر على كيفية تعامل الإنسان مع الضغوط العديدة، والتواصل مع الآخرين، واتخاذ القرارات.
ومثل الصحة البدنية فإن الصحة العقلية مهمة في كل مرحلة من مراحل الحياة. ويبدأ نمو وتطور الصحة النفسية من سن الرضاعة ويستمر حتى سن المراهقة.
في أغلب الأحيان يحمي الكبار أطفالهم من الصعوبات، ولكن في بعض الأحيان يضطر الأطفال على التعامل مع هذه الظروف الصعبة وقد يكون من الصعب عليهم التأقلم معها مثل وفاة شخص قريب، أو طلاق والديهم وغيرها من أوضاع الحياة المتغيرة.
وبعض الأطفال لديهم قابلية أقل لمواجهة المشاكل فهم أكثر حساسية من غيرهم.
أما البعض الآخر فهم أكثر مرونة ويستطيعون مواجهة هذه المواقف بسهولة. فالحياة أصبحت قاسية وأكثر صعوبة بالنسبة للطفل أن ينمو في مجتمع اليوم، فالضغوط مختلفة وعديدة تحتاج إلى صحة عقلية سليمة ومرنة.
وتشير جمعية العقول الشابة الخيرية البريطانية المختصة بالصحة العقلية للأطفال إلى أن هناك أدلة قوية تشير إلى أن الطريقة التي يتطور بها الدماغ مرتبطة بعلاقات الرضيع المبكرة، في معظم الأحيان مع والديه.
فنوعية ومضمون العلاقة بين الطفل ووالديه يمكن أن تؤثر على تطور الدماغ بطريقة يصعب تغييرها.
والواقع أن أول سنتين من عمر الطفل ينمو فيها الدماغ بسرعة كبيرة، وإن كان الدماغ يواصل النمو خلال مرحلة المراهقة إلى مرحلة البلوغ المبكر.
أسباب المرض النفسي
هناك العديد من الأسباب والعوامل التي يمكن أن تزيد من خطر تطوير المرض العقلي. والأسباب الرئيسية في الأطفال والمراهقين هي العوامل البيولوجية والبيئة.
ومن الممكن أن يكون هنالك عدة عوامل وأسباب تعمل معا لإحداث الضرر. وبعض هذه العوامل هي:
1- الأسباب البيولوجية
– أسباب وراثية، فبعض الأمراض النفسية ممكن أن تكون وراثية.
– عدم التوازن الكيميائي في الجسم.
– الأضرار التي تلحق بالجهاز العصبي المركزي، مثل الجروح أو الالتهابات.
2- الأسباب البيئية
– التعرض للسموم البيئية مثل النسب العالية من الرصاص.
– التعرض للعنف، مثل رؤية مشهد عنيف كالقتل أو الضرب المبرح أو التعرض الشخصي للعنف مثل الضرب أو التحرش الجنسي أو اللفظي، خاصة في سن مبكرة.
– الإجهاد المتصل بالفقر والتمييز وغيرها من المصاعب.
– فقدان الأحباب بسبب الموت أو الطلاق. ويختلف كل طفل في كيفية مواجهة هذه العوامل، ومن الممكن أن تكون هنالك عدة عوامل تتسبب في إصابة الطفل بمرض نفسي. وقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات عرضة لمشاكل الصحة العقلية.
علامات المرض العقلي
كلما كان التشخيص مبكرا للأطفال والمراهقين، سهل العلاج. وتوجد العديد من الدلائل التي تشير إلى أن هنالك اضطرابات في صحة الطفل النفسية، أو اضطرابات عقلية خطيرة في الأطفال. وكوالدين، فإننا بحاجة إلى أن نكون دائما منتبهين، وإيلاء الاهتمام لسلوك أطفالنا.
عادة قبل السنة السادسة يتم استبعاد الأمراض البدنية الأخرى، عن طريق الاختبارات المختلفة، قبل تشخيص الطفل بأنه لديه مرض نفسي. وفي ما يلي بعض الدلائل التي قد تساعد الوالدين علي ضرورة توخي الحذر:
– التغيرات في السلوك: الطفل النشط قد يصبح هادئا فجأة ومنزوياً، أو يحدث تدهور كبير في تحصيله الدراسي.
– التغيرات في المشاعر: قد يبدو الطفل غير سعيد، وبائس، أو قد يشعر بالقلق، أو بالذنب، أو الغضب، أو الخوف، والإحساس بفقدان الأمل أو الشعور بالرفض والاحتجاج.
الأعراض الجسدية:
مثل كثرة الشكاوى من الصداع وآلام في المعدة، والتغييرات في العادات الغذائية أو قلة النشاط والإحساس بالإرهاق المستمر ، التغيرات في الأفكار: قد يبدأ الطفل في قول أشياء تدل على تدني الاعتداد بالذات، أو إلقاء اللوم عليها.
– أن يجد الطفل صعوبة في التعامل مع الأنشطة الاعتيادية.
– السلوك العدواني، أو العصيان، أو انتهاك حقوق الآخرين، من خلال السرقة أو العنف.
– أن تصبح للطفل حركات مفاجئة أو متكررة غير عادية.
– الكوابيس الليلية وغيرها من فزع النوم أو علامات اضطراب النوم.
– سماع أصوات لا أحد غيره يسمعها.
– الرغبة في أن يكون وحيدا معظم الأوقات.
وإذا كان طفلك تساوره أفكار الموت أو إيذاء نفسه أو الآخرين فمن الأفضل عرضه على الطبيب في أقرب فرصة.
أمراض الأطفال العقلية
ما هي أنواع الأمراض العقلية للأطفال؟ نسرد هنا باختصار بعض مشاكل الصحة العقلية التي يمكن أن تؤثر على الأطفال والمراهقين:
– الاكتئاب: يؤثر على عدد كبير من الأطفال والمراهقين في هذه الأيام. والمراهقون أكثر عرضة.
– إيذاء النفس: شائع جدا بين المراهقين. وينبغي مساعدته على التعامل مع الألم العاطفي.
– اضطرابات القلق: الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب، يتصفون بالقلق الحاد، مثل الخوف من الانفصال واضطراب الهوس القهري.
– اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة: الطفل الذي يعاني من هذا الاضطراب يتصرف بتهور ولدية صعوبة في التركيز.
– اضطرابات الأكل: شائع أثناء مرحلة المراهقة، وهو أكثر انتشارا بين الفتيات.
– اضطرابات السلوك: يكتسب الطفل عادات ينتهك فيها حقوق الآخرين، وهو أكثر شيوعا بين الأولاد.
– تعاطي المخدرات: يتأثر بها عادة المراهقون والمراهقات، بحيث يصبح مدمنا على المخدرات مثل الهيروين وغيره.
ما هو دور الوالدين؟
كأحد الوالدين، أنت بحاجة للاستماع إلى غريزتك إذا كنت قلقا على طفلك. أحيانا قد تختلط أعراض المرض العقلي بالمشاكل العادية التي قد تواجه طفلك من وقت لآخر.
أنت أفضل شخص لمعرفة ما إذا كان سلوك طفلك هو مشكلة أكثر خطورة أم لا. إذا كنت تشعر بذلك، لا تتردد في طلب المساعدة، وكل ما كان ذلك مبكرا، كان أفضل.
فالوالد لديه قدرة تأثير كبيرة في تشكيل إحساس الطفل بقيمة ذاته، فهو أول وأهم معلم في حياة الطفل.
فالأطفال بحاجة إلى الحب والأمان لجعلهم يشعرون بالأمان والسعادة والثقة بالنفس. لا تبخل على طفلك بذلك.
الصحة العقلية السليمة للطفل تسمح بتطوير قدرته على التكيف في مواجهة كل ما تجلبه له الحياة، وتهيئ له الأسباب لأن ينمو ويصبح قويا وواثقا من نفسه عندما يكبر.
تأكد من تدريب طفلك على طرق التغلب على جميع العقبات التي قد تصادفه بطريقة إيجابية وتذكر إعطاء طفلك الحب والدعم مهما كانت صعوبة التحديات 5 نقاط عن صحة الأطفال والمراهقين العقلية أهم 5 نقاط من مركز خدمات الصحة العقلية الأميركي
1. صحة الأطفال العقلية مهمة جدا.
2. هنالك العديد من الأطفال لديهم مشاكل في الصحة العقلية.
3. مشاكل الصحة العقلية هي حقيقية ومؤلمة، ويمكن أن تكون شديدة.
4. مشاكل الصحة العقلية يمكن التعرف عليها ومعالجتها.
5. يجب أن تعمل الأسرة معا فهذا يساعد (على تلافي الصعوبات).