لربما ان كل مرض مجهول السبب يضعه الاخصائيون في خانة الامراض النفسية, لربما هربا من عدم قدرتهم على اجابة السؤال الذي نطرحه بالعادة
"ما هو سبب هذا المرض"
مرضنا اليوم هو مرض بيكا, اسم اغريقي قديم يطلق على هذه الحالة وعلى طائر يعرف بقدرته ونهمه باكل كل ما لا يمكن اكله
نعم… مرضى بيكا يعانون من قدرتهم , بل وحبهم لاكل اشياء غير قابلة للاكل, كالتراب والطين, الشعر واي شيء اخر
لندخل جميعا الى عالم البيكا, ولنرى بنظرة فاحصة سر هذا المرض الغريب…. على بركة الله اذن
المختصر المفيد:
مرض بيكا كما سبق وقلنا هو مرض غريب , يقوم المريض بتناول اشياء لا يجب تناولها , ويتم تقسيم المرضى حسب نوع ما ياكلونه
فان كانوا ياكلون التراب والطين والارض فهذا النوع من الاكل يدعى geophagia وان كان ما يتم تناوله هو الثلج pagophagia وان كان ما يتم تناوله هو النشويات الغير قابلة للاكل amylophagia واكل اعواد الثقاب المشتعلة Cautopyreiophagia اكل الخشب Xylophagia اكل الزجاج Hyalophagia وتناول الدم Hematophagy . هناك الكثير الكثير من المواد الاخرى التي يتم تناولها كالشعر والصباغ ورقائق من الحائط والرماد وعقائب السيجار وغيرها كثير.
هذا المرض يصيب كل الاعمار, من الجنسين, من كل الاعراق, ومن مختلف الحضارات مهما تباعدت بمستوى الحضارة والتقدم , لكنه يصيب فئات اكثر من فئات اخرى, مثل الحوامل والاطفال في المراحل المبكرة , والاطفال الذين يعانون من التوحد والاشخاص الذين يعانون من نقص وسوء التغذية وخاصة نقص الحديد.
لكن يبقى السؤال هنا…. ما السبب
ليست هناك نظريات كثيرة كما كنت اطمح لتفسير هذه الظاهرة
فتلك النظريات جميعا لا تعد مقنعة بالكامل, اذ تبقى بعض الشكوك تساور القارئ والباحث عن السبب في صحة تلك النظرية وقدرتها على التفسير.
النظريات تركزت حول محاور معينة, قليل منها عضوي
وتلك المحاور هي:
محور نقص المعادن في الجسد
محور الطب النفسي
محور الثقافة
محور فسيولوجي
يبقى العلاج هو المطلوب
عادة يعطى العلاج بحسب التشخيص الذي وصل اليه المختص, فان كان من وجهة نظر الطبيب ان نقصفامداد المريض بتلك المعادن الناقصة تعد العلاج الامثل, وهناك العديد من الحالات التي تحسنت بعد اخذ هذا النوع من العلاج. ان شك الاطباء ان هذا المرض هو نفسي وسلوكي, فالعلاج النفسي سيكون الحل. المعادن والفيتامينات هي السبب,
قد يبدو الموضوع محلولا ولا غموض فيه, وهذا ما يدعو الى الملل
لكن كل تلك النظريات التي ساحاول شرحها لاحقا ان شاء الله ستبعث فينا اسئلة محيرة , تبرهن على غموض هذا المرض.
فمثلا… ان كان نقص الحديد مثلا في جسم احدهم يجعله متقبلا لفكرة ان يتناول اشياء تحتوي على كميات عالية من الحديد مثل clay او معجون الطين , فهنا يطرح السؤال نفسه…
مالذي جعل هذا الشخص يقوم بهذا التصرف فجاة… كيف عرف ان معجون الطين به نسب عالية من الحديد لكي يقوم بتناولها؟ ولماذا ليس كل الاشخاص الذين يعانون من فقر الدم يقومون بمثل هذه التصرفات؟
معظم مرضى مرض بيكا هم من الاطفال الذبن تتراوح اعمارهم بين 18-24 شهرا
وقد يبدو من الطبيعي ان يحب الاطفال اكتشاف العالم من حولهم عن طريق افواههم, فيقدمون على تذوق, مضغ او ابتلاع أي شيء, يعتبر طعاما او غير قابل للاكل, وهذا شيء طبيعي.
لكن ان استمر الطفل على هذه الحال لمدة اكثر من شهر مستمر, فهنا يعتبر هذا الطفل مريضا بمرض بيكا.(
كما ان كان تناول المرضى لهذه المواد هو ليس جزءا من العادات والحضارة او حتى العقيدة التي تملي عليه اكل هذه الاوساخ, لا يعد ضمن مرض بيكا.
يذكر ان 20-30 % من الاطفال يعانون من بيكا حول العالم, وما يقارب 20% من اولئك الاطفال يعانون من مشاكل عقلية
(يعني.. لو ان لدينا عينة عشوائية من الاطفال, عددهم مئة, فاننا سنجد ان لدينا 20 طفلا يعانون من بيكا مثلا, و4 منهم لديهم في الاصل مشاكل عقلية….)
كما ان الحوامل يعتبرن معرضات لهذا المرض ايضا……!!!!….. والاشخاص الذين يعانون من الصرع على حد سواء!!!
يبقى السؤال المحير… لماذا….ما السبب
هناك نظريات معدودة تحاول ان تفسر بدء مرض بيكا لدى الاطفال والحوامل واستمراره لديهم….
انها في الغالب نظريات لا تنفي بعضها البعض, بل تدعم بعضها بعضا, او تكمل الواحدة منها الاخرى
ولنبدأ معا بالنظرية الاكثر شهرة…
نظرية نقص المعادن في الجسم
الواضح من اسم هذه النظرية هو ما تعنيه بالضبط
فالنظرية تعتقد ان الطفل الذي يعاني من نقص الحديد, سيلجا الى تناول مواد تحتوي على عنصر الحديد حتى وان كانت غير قابلة للاكل.
نقص المعادن هنا لا يشمل الحديد وحده, بل ايضا عناصر الكالسيوم والزنك كما فيتامين سي, الثيامين, النياسين وفيتامين دي.
ما جعل هذه النظرية ترى النور, ان الباحثين وجدوا عند اغلبية الاطفال الذين يعانون من بيكا لديهم نقص في احد تلك العناصر, وسوء تغذية. واكبر دليل على ذلك, ان الاطفال الذين يتناولون معجون الطين clay يلاحظ ان عندهم نقص في الحديد .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا, وهو نفس السؤال الذي جعل الباحثين يشكون بان نظرية نقص المعادن قد تفقد تالقها
هو, هل نقص الحديد هو الذي جعل الطفل يأكل معجون الطين….
ام ان اكل معجون الطين ادى الى نقص في الحديد في جسم الطفل, وذلك عبر منع امتصاص الحديد من الطعام اليومي
بالنسبة لهذا السؤال, فهو لم يعد محيرا الان, خصوصا بعد ان اجرى الباحثون دراسات على امتصاص الحديد من الطعام, وعلاقة ذلك باكل معجون الطين, حيث وجدت الدراسة ان لا انخفاض في امتصاص الحديد مرتبط باكل معجون الطين. اذن… الاحتمال الاول هو الراجح الان…
أي ان نقص الحديد يؤدي الى مرض بيكا… لا سيما ان الحوامل عادة يعانين من نقص الحديد.. وهن معرضات بشكل كبير للبيكا.
النقطة الفصل هنا… هو ما اثبته العلاج الناجح لمرضى بيكا ممن وجد ان لديهم نقص في احد المعادن
فان اعطاء اولئك الاطفال جرعات يومية من العنصر الناقص لديهم (ولنقل الحديد مثلا) ادى الى توقف مرض بيكا لديه.
لكن من الجدير بالذكر, ان هذا كان ناجحا مع بعض الحالات وليس كلها
النظريات الاخرى التي تدور عن المحور النفسي, والتي لاقت رواجا اكبر وتقبلا افضل لدى كل الاوساط
فاي شخص ستساله عن سبب تناول الانسان لشيء مقزز وغير ماكول,ستكون اجابته : ان هذا الشخص يعاني من خلل ما في عقله. هذه هي الاجابة حتى من أي رجل يمشي في الطريق.
المحور النفسي يتضمن عدة نظريات.. وهي من جديد تدعم بعضها بعضا
احد هذه النظريات هي نظرية عدم القدرة على التفرقة بين ما يصلح للاكل مما لا يصلح للاكل, ويختص بهذا السبب الاطفال او الاشخاص الذين يعانون من تأخر عقلي. هذه النظرية لم تعد صالحة اليوم, خصوصا حين اثبت العلماء بطلانها في حالة مرضى بيكا, حيث ان المريض يصر على نوع معين من الاشياء ليتناولها, وبالتالي هو لا ياكل كل ما يصادفه… فالامر هنا مختلف.
النظرية الثانية هي نظرية التعلم, وهي تختص ايضا بالمتأخرين عقليا, وهي تتضمن ان الشخص والطفل خاصة يتعلم اكل الشعر مثلا من اشخاص اخرين يعانون من البيكا, ولربما هم يتعلمون ذلك من الحيوانات.
لكن تبقى هناك نظرية جميلة تتعلق بالجانب النفسي ايضا.. وهي التوتر العاطفي…
فالاطفال الذين يعانون من الاهمال, او اولئك الذين انفصل والداهم, كلهم قد يعانون من توتر عاطفي يؤدي بهم الى مرض بيكا .
بعد ان انتهينا من المحور النفسي…. فلندخل الى محور اشد تعقيدا.. واكثر اتساعا..
انه المحور المفضل لدي…
المحور الفسيولوجي…..
احدى النظريات الفسيولوجية تختص بمشكلة انزيمات منظمة الشهية في دماغ الانسان, حيث ان تم تعطيلها او تغييرها, فستتغير شهية الشخص اتجاه الطعام الذي يصادفه, خاصة ان كان لديه نقص قي احد العناصر, اذا يحاول الدماغ حث الشخص على تناول اشياء اخرى على امل ان يجد فيها العنصر الناقص, بعد ان يئس الدماغ من الحصول عليها من المصادر المعروفة كطعام معتاد.
نظرية اخرى تدعي ان تناول هذه الاشياء القذرة قد يساعد اولئك المرضى على التخلص من الدوار والغثيان, يزيد من اللعاب ويتحكم بالاسهال.
ومن النظريات الغير مكتملة من وجهة نظري.. هي ان اولئك المرضى يستمتعون بطعم وملمس ما يتناولونه ايا كان, دون شرح السبب الفسيولوجي, فقد يكون السبب الحقيقي هو مجددا في خلل الحواس, واقصد هنا حاسة التذوق, او خلل في نظام عمل الدماغ بما يختص بالطعام والشهية كما ذكر سابقا.
اذن… اغلب النظريات مجددا تحاول تفسير مرض بيكا من اكثر من زاوية….
ماذا عن المشاكل التي تواجه مرضى بيكا بعد ابتلاعهم للطين والقاذورات؟
ليس من المستغرب ان تكون عواقب تناول اللا اطعمة عواقب وخيمة, لكن من الضروري ذكره, ان ذلك يختلف باختلاف ما يتم تناوله بالضبط.
التسمم هو اهم تلك العواقب خاصة بعد تناول رقائق الرصاص التي تتواجد في اصباغ الحائط.
وبالتاكيد فان اكل القاذورات وخصوصا الطينية منها يعرض المريض للالتهابات والاصابات بالديدان وخصوصا toxoplasmosis and toxocariasis
ولا ننسى المشاكل الفيزيائية المباشرة التي تصيب الجهاز الهضمي , مثل المريء والمعدة…
فالقرحة والجروح والانسداد المعوي كلها نتائج البيكا
علاج البيكا يختلف ايضا حسب ما يتم تناوله, وحسب ما يعتقد انه السبب وراء اقدام المريض على فعل ذلك…
فالعلاج النفسي يعد ناجحا في بعض الحالات, والعلاج الغذائي ينجح في حالات اخرى يعتقد ان لديها نقص في المعادن…