بدأت أمراض الارتجاع المريئي والارتجاع البلعومي الحنجري في الانتشار السريع والواسع على مستوى العالم وبوجه خاص في دول الخليج وخاصة في العشرين سنة الماضية سني الطفرة والتخمة كأحد أمراض الرفاهية التي تعيشها دول الخليج في العقدين السابقين وربما كضريبة أو قل كعقاب لسوء استعمال هذه النعمة الالهية والافراط في استعمالها مثلها مثل كل أمراض الرفاهيه الأخرى كأمراض السكر والسمنة وأمراض القلب وارتفاع الضغط. وإلى عهد قريب وقبل هذه الطفرة ،طفرة البترول كانت هذه الأمراض نادرة جداً جداً وإن وجدت وجدت عند كبار السن، أما اليوم فانها منتشرة ليس لدى كبار السن والشباب فقط بل هي تعدت ذلك إلى الأطفال وهذا ما يقلق المسؤولين، تفشى مثل هذه الأمراض في جيل المستقبل جيل البناء والتقدم والعمل، فهيهات لجيل مريض أن يبني ويشيّد ويتطور، فلنتق الله فيما أعطانا من مال وثروات وبنين ,فشكر النعمة والحفاظ عليها وعدم الاسراف في استعمالها، ضمان لحفظها وسلامتها وبقائها من الزوال.
والآن وقبل أن نشرع في الكلام عن هذه الأمراض ،دعنا نتعرف على المريء والبلعوم والحنجرة من الناحية التشريحية حتى نتمكن من فهم المشكلة حقاً، بعد ذلك نناقش القضية:
يتكون المريء من أنبوبة عضلية طويلة ممتدة بين البلعوم وفتحة المعدة داخل القفص الصدري، يسكر هذا الارتباط العلوي والسفلي حلقتان عضليتان كثيفتان وقويتان جداً, تسمحان بمرور الطعام ولكن تمنعان وبشدة ارتجاعه،أي ارتجاعه من المعدة وإلى المريء ومن المريء إلى البلعوم.
في حالات معينة وأمراض معينة (مثل السمنة) تصاب هذه العضلات بضعف واسترخاء وتسمح بالارتجاع وهنا تظهر المشكلة و الشكوى . يغطى هذه الأنبوبة غشاء مخاطي سميك ومنيع لايتأثر إلا قليلا من الارتجاع ولكن في حالة دوام الارتجاع وشدة الارتجاع يفقد هذا الغشاء المخاطي مناعته ومقاومته وتبدأ المشكلة .في حالة ترهرط العضلة التي تربط بين المعدة والمريء يكون الارتجاع مريئيا فقط، إما إذا كان هذا الضعف والترهرط يشمل كلتا العضلتين فيكون الارتجاع مريئيا وبلعومىا وحنجريا كما سوف نشرح لاحقا.
يتكون البلعوم أيضاً من أنبوبة عضلية غير مرنة تمتد من قاع الجمجمة وإلى مدخل المريء ويفتح في هذه الأنبوبة كل من الأنف والفم وقناة استاكيو(مربوطة بالأذن الوسطى) ويرتبط البلعوم في نهايته مع المريء ويتحكم في هذا الارتباط عضلة قوية كثيفة ويرتبط كذلك مع الحنجرة والارتباط هنا مفتوح دائماً وبدون أي حلقة عضلية لضمان عملية التنفس والكلام، أما الحنجرة فتتكون من أنبوبة عضلية وغضروفية وتحوي الحنجرة على أهم جزء فيها ألا وهي الأحبال الصوتية والتي ترتبط من أسفل بالقصبة الهوائية ومن ثم بالرئتين، ويغطي البلعوم غشاء مخاطي سميك وقوي كما هو الحال في المريء، أما الغشاء المخاطي الحنجري فهو غشاء مخاطي ناعم و رقيق ورطب مهيأ ربانياً لتتمكن الحنجرة من القيام بواجباتها الهامة ألا وهي التنفس والكلام.
بعد هذا الوصف التشريحي المبسط نستطيع الآن أن نتطرق الى وصف عمليه الارتجاع وما يترتب عليها . والآن دعونا نجيب عن بعض الأسئلة الهامة
ماهو الارتجاع المريئي والارتجاع البلعومي الحنجري؟ماهي أعراض كل منهما؟ وماهي شكوى المريض عادةً؟ كيف يتم التشخيص؟ وكيف يتم العلاج؟
عندما نتكلم عن الارتجاع المريئي فنحن نعني أن بعضا من عصير المعدة المكون عادةً من حامض المعدة وبعض الأنزيمات وبعض الأحيان سائل المرارة يرتد عبر مدخل المعدة إلى أعلى المريء، مسبباً الشعور بالحموضة والحرقان والألم فى المريء ( خلف الجزء الأمامي من الصدر)، والسبب في ذلك هو :
استرخاء في تلك العضلة الدائرية التي تسكر هذا الممر ( بين نهاية المريء ومدخل المعدة) و الأسباب لذلك كثيرة منها :
• السمنة المفرطة.
• الزيادة المفرطة في الوجبة.
• الوجبة كبيرة ودسمة.
• الأفراط في استعمال المخللات والقهوه والشاهي وخاصة قبل النوم.
• القيام ببعض حركات غير صحية تقود إلى ارتفاع ضغط البطن بعد وجبة كبيرة ودسمة.
أما الارتجاع البلعومى الحنجري فهو نتيجة استرخاء فى تلك العضلة الدائرية التى تسكر هذا الممر (بين المريء والبلعوم)، لأسباب كثيرة كما أسلفنا ,الأمر الذى يقود :
أولاً: في الارتجاع البلعومى ؛ينسكب المرتجع إلى البلعوم ومن ثم ينتشر في جميع ماهو متصل بالبلعوم كالأذن ،الأنف والجيوب الأنفية ،الفم،والحنجرة،فيؤثر عليها تأثيراً سلبياً أكثر من المريء لأن بعض هذه الأعضاء كالحنجرة مغطاة بغشاء مخاطي حساس جداً لايستطيع أن يتحمل هذا الحامض المعوي القوي فيسبب حروقا للغشاء المخاطي وتورما وانتفاخا واحمرارا وتغيرات أخرى خطيرة.
وثانياً: هنا تكون المشاكل والمضاعفات أكثر شدة لأن كل الأعضاء المتصلة بالبلعوم ذي وظائف هامة كالصوت والكلام والبلع والشم وغيرها.
ما هي شكوى هؤلاء ذوي الاتجاع البلعومى الحنجري ؟
أنهم يشكون في أكثر الأحيان من كثرة المخاط واللعاب في الحلق والحنجرة مضطرين إلى تنظيف حلقهم وحنجرتهم من هذا المخاط (البلغم) وهو محرج جداً للمريض أمام الآخرين وهناك بحّة الصوت المتكررة بل المزمنة وهناك الشعور بالشرجة أو الشرقة عند الأكل أو البلع بجانب الكحّة الجافة والشديدة بجانب مشاكل فى الأذن والجيوب الأنفية و الحلق وأعراض أخرى كثيرة.
كيف يتم الكشف عن كل هذه المشاكل ؟ كالآتي:
• عن طريق قصة المريض و وصف المرض.
• عن طريق الأعراض والشكوى.
• عن طريق الكشف وخاصة الكشف بالمناظير الدقيقة للبلعوم والحنجرة والمريء ،مع التصوير الدقيق لهذه الأعضاء .
بعد ذلك تبدأ مرحلة العلاج والتي تتكون والتي يجب أن تتكون من ثلاث خطوات متزامنة مع بعضها وهي : تغيير السلوك ،والحمية والدواء، كلها مع بعض تؤدي إن شاء الله إلى تحسن ومن ثم إلى ألشفاء.
ـ تغيير في السلوك والذي يتكون من:
ترك العادات السيئة كالتدخين ان وجد والنوم على وسادة عالية وغير ذلك.
ـ الحمية : متبعين قول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) : «المعدة بيت الداء والحمية بيت الدواء»
وكما يقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): «حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فان كان ولابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»، أو كما قال (صلى الله عليه وسلم).
ـ الجزء الثالث والأخير هو الدواء ( وليس الجزء الأول والمهم في مرحلة العلاج):
والذي يتكون من أقراص مانعة أو مخففة لتكوين الحامض المعوي. ويجب على المريض أن يعرف مسبقاً أن المشوار طويل ( لمدة أشهر ) وأن الأجزاء الثلاثة يجب أن تتبع في انسجام بعضها مع بعض ومع المتابعة المنتظمة كل شهرين أو ثلاث، سوف يقود هذا البرنامج إلى الشفاء إن شاء الله . في حالة فشل العلاج رغم المتابعة يجب أن يحول المريض إلى الطبيب المختص (أخصائى المعدة والأمعاء) لإجراء فحوص أكثر دقة للوصول إلى معرفة السبب وهنا ربما نضطر إلى التدخل الجراحي الذي عادة ما يعمل تحت المنظار بدون مضاعفات تذكر.
عافانا الله وإياكم وعشتم وأنتم في صحة وعافية
الارتجاع المريئي والارتجاع البلعومي الحنجري