في طريق عودتي من العمل أمر على الأسواق….أبتاع ما يحتاجه البيت من الخضر و الفواكه و غيرها ، ثم أعود إلى البيت لأبدل ملابسي في ثوان معدودة لأدخل " المطبخ " أعد الطعام سريعا و أقوم بتنظيف البيت و ترتيبه ريثما يعود الأبناء من مدارسهم …
بعد ساعة على الأكثر ، يعود الأبناء كل من مدرسته …يتناولون الغداء ثم أجلس معهم لاستذكار ما درسوه خلال يومهم الدراسي …و بالطبع لا يخلو يوم من مشاحنات الأبناء و صراخهم و خلافاتهم الصغيرة التي لا تنتهي ! وعندما يحل المساء ، يعود زوجي من الخارج ، خائر القوى منهك الجسد بعد أن أضناه يوم طويل شاق في ظل مصاعب لا تعد و مطالب لا تنتهي و غلاء لا يرحم …
يتناول زوجي عشاءه ثم يدلف إلى سريره لينام، وعندما أحاول أن أحادثه أو أبث إليه وجعي وهمي من متاعب البيت و الأبناء أو حتى مشكلة مررت بها أثناء العمل يحكم الغطاء جيدا على رأسه حتى لا يسمعني لأنه متعب للغاية و ليس في حالة "مزاجية" جيدة تسمح له بالاستماع إليّ ! على الرغم من أن هذه الحالة المزاجية تمتد معه طوال أيام الأسبوع و يوم الإجازة !
ووسط هذا و كله يقولون "الحب بين الأزواج" و "الرومانسية" و "السعادة الزوجية" …الخ هذه المصطلحات التي غدت من مخلفات التاريخ !
أين زوجي ؟
هذه الشكوى باتت متكررة من الزوجات العاملات و كذلك غير العاملات اللاتي عندما استطلعت آراؤهن قالت أكثرهن " أين زوجي؟"، فسناء عبد الله – 33 عاما مهندسة كمبيوتر – تقول: " أنا بالكاد أرى زوجي، فمبالك بالحديث معه " و عندما سألتها عن السبب قالت لي: " كلانا يعمل ورديتين باليوم لنسدد الديون و الأقساط المتراكمة علينا منذ الزواج حيث إنني تزوجت منذ 5 سنوات و من يومها و أنا وزوجي مكبلين بأعباء الديون ، و فوق هذا و كله لدينا ثلاثة أبناء صغار لهم مطالبهم و احتياجاتهم الدراسية و المعيشية المختلفة ، الأمر الذي يتطلب مني أنا وزوجي أن نعمل بدوام كامل يوميا و أحيانا في أيام الإجازات …فمن أين نجد وقتا للرومانسية و الكلام الجميل الذي يحتاج ذهنا صافيا ووقتا كافيا؟ " .
أما شيرين عطا – 29 سنة ربة بيت – قالت: " كل ما أتمناه الآن هو أن أجد وقتا لأتناول الغداء مع زوجي، و تحدثيني عن الرومانسية ! ..فأنا لست بامرأة عاملة و ليس لدي من الأبناء سوى اثنين فقط، وزوجي يعمل "وردية" واحدة فقط في اليوم ، لكنه فور انتهاء دوامه يذهب إلي " القهوة " ليقابل أصدقائه و يظل معهم حتى ساعات الصباح الأولى و لا يعود إلى البيت إلا لتبديل ثيابه للذهاب إلى العمل ، حتى شككت أنه قد يكون متزوج بأخرى! " وتضيف: "من ناحيتي لا أقصر تجاهه أو تجاه أبنائي لكنني فعلا محرومة من الرومانسية التي لا أجدها إلا في الأفلام و المسلسلات فقط و لا أعلم إذا كان هناك أحدا ممن حولي يتمتع بها فعلا! " ، وبكثير من الآسي تتساءل هناء موسي – 39 سنة ممرضة بإحدى المستشفيات الخاصة – : " ما المقصود بالرومانسية أساسا ؟؟ هل كلام الهيام و الغرام و غيرهما …نحن أقصي أمانينا إطعام الصغار وتوفير ثمن إيجار البيت و المياه و الكهرباء و غيرها …و هذا هو حال الملايين غيرنا من الأسر المطحونة ، و عندما يجد هؤلاء طعاما يأكلونه ممكن يبحثوا عن الحب و الرومانسية المفقودة في حياتهم!" .
حاجة نفسية
الدكتور حازم سعيد – استشاري بالطب النفسي و مدرس علم النفس بكلية الآداب جامعة الزقازيق – علق على الموضوع قائلا : " إن حاجة إلى الرومانسية و الحنان و العطف ممن حولها حاجة نفسية و غريزية متأصلة لديها منذ نعمة أظفارها، لذا تجدها تداعب العرائس و تعتني بها و هي لا تزال صغيرة بعد، و دائما الفتيات يحلمن بالفارس الذي يختطفهن من بيوتهن ، و يمطرهن بوابل من الرومانسية و الهيام و الغرام ، غير أنهن بعد الزواج يصدمن بالأمر الواقع ، أنه لا رومانسية و عواطف هنالك ، و إنما أعمال متواصلة ومواعيد للزوج لا تنتهي على حد قول العديد من الزوجات بحيث لا تجد الزوجة في نهاية المطاف ما يسد "رمقها" العاطفي ، فتفتر علاقاتها بزوجها أو تحيل حياته جحيما !
…ونحن بالطبع لا نستطيع أن نلق باللوم على الزوج "المطحون" غالبا في توفير متطلبات أسرته اليومية ، في ظل ما نعيش فيه من غلاء مستمر في الأسعار ، وارتفاع تكلفة جميع السلع و الخدمات ، فضلا عن موجات البطالة التي تطال العاملين و غير العاملين بحيث قد يجد الزوج نفسه فجأة و قد فقد وظيفته بسبب إغلاق مؤسسته أو إفلاسها أو لأي سبب آخر ، وفي ظل هذه الإحباطات اليومية التي يجدها الزوج بالطبع لا يتمكن من مغازلة زوجته أو التعبير عن عواطفه تجاهها ، وهو الأمر الذي تقدره بعض الزوجات و يلتمسن العذر له ، لكن هذا التقدير أحيانا ما لا يدوم طويلا بسبب ما ذكرته سابقا من حاجة بطبيعتها الى هذا الجانب العاطفي …وحتى لا نجني على طرف على حساب الآخر ، أطالب الزوجين بإفساح مساحة أكبر فيما بينهما للرومانسية في حياتهما ، حتى ولو كانت بكلمة بسيطة أو هدية صغيرة وربما بالكف عن الشجار أيضا ! . أما الدكتورة نعمات جابر – مدير مركز "عطاء" المعني بفض النزاعات الأسرية – فتقول : " هناك نقطة جوهرية يغفلها العديد من الأزواج و الزوجات و هي أن الرومانسية ليست شيئا معقدا لهذه الدرجة ، فهي ليست دائما سفرا و نزهات بالأيام وورود مثل أيام الخطوبة ، لكنها أبعد و أعمق و ربما أبسط من ذلك أيضا ، فكلمة ثناء و حب من الزوج إلى زوجته أو قبلة على جبين الزوج قبل مغادرته إلى العمل ربما يكون لها مفعول السحر بينهما
ومن إحدى المشكلات " العجيبة " التي وردت أثناء عملي كمستشار اجتماعي بالمركز ، أن زوجين في نهاية الخمسينات أتيا إلى و هما على حافة الطلاق ، و عندما بحثت عن السبب وجدت أن الزوجين كانا معتادين على تخصيص يوم " الجمعة " لتناول العشاء بالبيت على ضوء الشموع و الكلمات الرقيقة المتبادلة بينهما ، و أنهما ظلا محافظين على هذه العادة الجميلة لسنوات طويلة، غير انه و بسبب مشاغل الأبناء وتدرجهم في مراحل التعليم المختلفة ثم زواجهم ، تشاغل الزواجان و أهملا المداومة على هذه العادة الرائعة بينهما ، و هما لا يدريان حتى أن سبب خلافاتهما الحقيقية هو جبال الثلوج التي تراكمت عليهما على مر السنوات لتخليهما عن بعض العادات الحميمة التي اعتادا عليها في مشوار العمر الطويل …" .
وتختتم قائلة: " من واقع خبرتي و عملي الطويل في مجال الاستشارات الأسرية ، أنصح الأزواج ألا يقضوا على مساحات الحب و الرومانسية و الكلمات الطيبة المتبادلة بينهما ، و لاسيما الأزواج الذين يفقد أغلبهم القدرة على العطاء العاطفي بعد سنوات قليلة للغاية من الزواج و ربما بعد أشهر قليلة أيضا ، وربما يكون السبب في ذلك أن الزوج يشعر بالإشباع العاطفي فور الزواج و استقرار سفينة حياته و يتطلع لأمور أخرى متعلقة بالعمل أو غيرها ، فيما تظل الزوجة – ومهما بلغت درجة مسئولياتها و تدرجها الوظيفي – في حاجة دائما إلى التعبير عن الحب و الحنان من جانب زوجها ، وهذا لا يعنى أننا نلقي بالمسئولية على الأزواج فقط ، فالزوجات مطالبات أيضا بأن يهيأن لأزواجهن الجو اللازم في البيت من لمسات أنوثة خاصة سواء في الثياب أو في المفروشات أو غيرها ، فلا يعقل أن نطالب الزوج بان يعبر لزوجته عن هيامه و غرامه بها و هما يعومان في بركة من الفوضى و الإهمال و الأطباق الملقاة بالأيام في الأحواض وثياب الأبناء المختلطة بجوارب الأب و ثياب الأم
والله عندك حق ..اين زوجى؟؟؟؟
معظمنا يتسائل ….