* اعتدال الشامسي
تستقر العلاقة بين الأُم وزوجة الابن، فتنسم البيوت أجواء المودّة والسعادة، وتضاء بأنوار من رضوان الله تعالى. أمّا إذا توترت تلك العلاقة وغابت عنها معاني المحبة والمودة، عندها تخيم على البيوت التعاسة والحزن، وتغدو محرومة من رضوان الله تعالى.. فلا نور ولا بركة.
يشهد عقد الزواج على امتزاج أواصر القربى بين أسرتي الزوج والزوجة بحب ومودة، ولاشكّ في أنّ الأهل هم الأولى بالمحبة والمودة، فما أجمل أن تتعامل زوجة الابن مع والدة زوجها على أساس من البر، وترفعها إلى منزلة والدتها. وما أجمل أن تحنو أم الزوج على زوجة ابنها وتنزلها منها مرتبة الابنة.
– حق الأُم:
أولى الإسلام عناية خاصة للأسرة والمحافظة عليها من خلال تحديده للحقو المترتبة على أفرادها تجاه بعضهم البعض، كي تصان الأسرة بصفتها البنة الأساسية في بناء المجتمع الذي ينشده الإسلام. ولما كان الوالدان هما حجر الأساس في بناء الأسرة وتنشئة الأجيال نجد القرآن الكريم يصرح بعظم مكانهما وجوب الإحسان إليهما، ومن ذلك أنّ الله تعالى قد قرن وجوب توحيده وعبادته بوجوب بر الوالدين في العديد من الآيات الكريمة، ومنها قوله تعالى في (الآية 23 من سورة الإسراء): (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا…). وأنّ الله تعالى قرن الشكر له بالشكر لهما في قوله عزّ وجلّ في (الآية 14 من سورة لقمان): (… أنِ اشْكُرْ لِي َلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ المَصِيرُ).
ومن هنا تلزم الإشارة إلى أنّ القرآن الكريم يؤكد، في العديد من آياته، على الأولاد بضرورة الإحسان إلى الآباء. أمّا الآباء فلا يؤكد عليهم الإهتمام بأبنائهم إلا نادراً، ويكتفي بالتأكيد أنّ الأولاد زينة ومتعة وموضع فتنة وإغراء للوالدين، ولم يذكرهم إلا في موضع التفاخر ومقرونين بالمال، قال تعالى في (سورة الأنفال الآية 28): (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ الَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ). والسر في ذلك أنّ علاقة الوالدين بأولادهم هي أشد وأقوى من علاقة الأولاد بآبائهم. فالآباء بحكم الغريزة الطبيعية أكثر حباً للأولاد، وخصوصاً الأُم، وعليه فلا يحتاج الآباء إلى إلزام توكيد في هذا الصد، وإنّما يحتاجون إلى توجيه وتعريف بسبل تنشئة الأولاد تنشئة صالحة. أمّا الأبناء فتعلقهم بالآباء أضعف فطرة من تعلق الآباء بهم، ومن هنا ورد الأمر القرآني بالإحسان إلى الوالدين من أجل رسم علاقة متكافئة بين الطرفين وضع حقهم في مرتبة لاحقة بعد حقه عزّ وجلّ.
وقد منح القرآن الكريم حقاً كبيراً للأُم، وذلك لما تقدمه من تضحيات أكثر من الأب، فالأُم هي التي يقع عليها وحدها عبء الحمل والوضع والإرضاع والتربية في السنوات الأولى من عمر الطفل، وما يرافق ذلك من عناء وسهر وتضحيات. وفي ظل هذه التضحيات كان من الطبيعي أن يخص القرآن الكريم الأُم بالعرفان ويوصي بها على وجه الخصوص، وفاءً بالجميل وإعترافاً بالفضل، قال الله تعالى في (الآية 14 من سورة لقمان): (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ…). وبذلك يؤج القرآن الكريم وجدان الأبناء حتى لا ينسوا أو يتناسوا جهد الآباء، خاصة الأُم، وما قاسته من عناء ويصبوا كل إهتمامهم على الزوجات والذرية.
– .. وحقة الزوجة:
من جهة مقابلة لم يغفل الشرع الحنيف عن حقوق الزوجة، وأوصى بها خيراً، ومن ذلك قول الله تعالى في (الآية 19 من سورة النساء): (… وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ الَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). وكان رسول الله (ص) أحسن الناس معاشرة لأهله.
– العلاقة بين الأُم والزوجة:
العلاقة بين الأُم وزوجة الابن يفترض أن تكون قائمة على أساس من التعاون والإحترام واحتساب الأجر، وتفهم كل طرف لنفسية الآخر، وأن تؤدي كل واحدة من الأُم والزوجة دورها الذي خلقت من أجله، فلا تتدخل إحداهما في شؤون الأخرى فتضيق الحياة بهما بعد سعتها.
وثمة سبل عديدة للحفاظ على إستقرار الأسر، وتوصيات لإرساء علاقة قوية متينة بين أُم الزوج وزوجة الإبن في إطار من المودة والألفة والتسامح. فمن أهم الأسباب التي تؤدِّي إلى حدوث المشاكل بين أُم الزوج وزوجة الإبن عدم الصبر والبعد عن العفو والصفح والتغاضي عن الزلات، ولذا يجب على زوجة الإبن أن تتحلى بتقوى الله تعالى والصبر واحتساب الأجر، وأن تتحلى بتقوى الله تعالى والصبر وإحتساب الأجر، وأن تعي جيِّداً أنّها إذا أرادت أن تعيش سعيدة فعليها أن تسعد زوجها، وسعادة الزوج من سعادة والدته. وقد قال الله تعالى في (الآية 127 من سورة النحل): (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بِاللهِ…) فإنّه بالصبر والرفق واحتساب الأجر عند الله تعالى تتآلف القلوب وتقارب النفوس، والله تعالى إذا أراد بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق.
وهناك خطة مجربة للنجاح في هذا الشأن تقضي بأن تصمت الزوجة على مظلمتها لمدة ثلاثة أيام مع الدعاء والاستخارة، فإنّها لن تندم، وسيزول ما علق في نفسها من ضيق، وسيكون لها من الحلم ما يعينها على حل أمورها بستر وعقل، ولتجعل من حسن الظن والتفاؤل والرضا والحلم مبادئ حياتها فلن تندم، يقول الله تعالى في (الآية 40 من سورة الشورى): (… فَمَنْ عَفَا وَأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلَى اللهِ…).
كما يلزم أيضاً تحكيم العقل ومخالفة الهوى، وإذا أحسنت زوجة الإبن ذلك نجحت في تجاوز أسباب الخلاف بينها وبين والدة زوجها، ولكن للأسف نلقى أحياناً من الناس مَن يختار طريقه تبعاً لهواه، لا تبعاً لما يمليه عليه عقله وبما هو معلوم لديه من الدِّين بالضرورة، وفي هذه الحالة تظهر ردود الفعل العنيفة والمشاعر السلبية، إذ إنّ المشكلة تكمن في أن ردود الأفعال التي تثير المشاكل هي في الواقع صادرة عن مشاعر لا عن معرفة. فالمعرفة أم الهدى، لكن الناس يتبعون الأهواء ويتركون المعارف، فتكون القضية مرتبطة من الأساس بالعاطفة والإنفعال، وقديماً قيل من أذعن لسلطان العقل فهو ملك، ومن أذعن لسلطان الهوى فهو عبد.
– .. ونصيحة للزوج:
ربّما يصبح الزوج نفسه سبباً في زيادة توتر العلاقة بين والدته وزوجته، في حين كان ينبغي منه التدخل بعقل وحكمة لإستئصال أسباب الخلاف، وهو إما أن يفعل ذلك من باب إيثار الصمت وعدم التدخل، على أمل صلاح الأمور من تلقائها، أو بسبب ميله إلى زوجته. والحقيقة أنّه ملزم بوضع حدود واضحة لكل شخص من رعيته، على ألا تتعدى حدود أحدهم على الآخر، ولكن فليحذر من أن يلزم والدته بشيء من هذه الحدود في غير معصية الله. فالزوجة تقبل وترضى، ولكن الآن تُجرح وتغضب، حتى وإن أخطأت، فسبل المعاملة بالتي هي أحسن كثيرة لا تعد، وصية الحبيب، (ص)، أُمّك ثمّ أُمّك ثمّ أُمّك، خير حافز على انتهاج تلك السبل، لاسيما إذا عمل على إفهام زوجته أن حبه لأُمّه عبادة يتقرب بها كلاهما إلى الله تعالى. وأنّ السعادة المنشودة في بيتهما لن تتأتى إلا بنيل رضا الأُم ودعائها، وما من زوجة صالحة ترضى بأن تكون سبباً في حرمان زوجها من رضا والدته ودعواتها الحانية.