الزواج أساسه المودة والرحمة بين الزوجين، وبهما يتحقق السكن والطمأنينة، وإن كانت مسؤولية بناء البيت المسلم تقع على عاتق الزوجين معاً، فإن الزوجة تتحمل الجزء الأكبر من هذه المسؤولية؛ فهي المعينة لزوجها على الخير، وهي الأم الحنون الناصحة لأولادها، وهي المواسية في وقت الشدائد.
من أجل ذلك إليك عزيزتي الفتاة نصائح ذوي الخبرة لبناء أسرة مسلمة سعيدة برضا الله – عز وجل.
أحسني الاختيار:
توجه الدكتورة إجلال حلمي – أستاذة علم الاجتماع – نصائح للفتاة المقبلة على الزواج فتقول:
حسن الاختيار مهم جداً في بناء أسرة سعيدة؛ فيجب على الفتاة أن تختار الزوج المناسب لها من الناحية الدينية، والأخلاقية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، وأن يكون شخصاً ناضجاً يقدر مسؤوليات الزواج ويتحملها.
ويحاول كل منهما فهم طبائع، وعادات، وأخلاقيات شريك الحياة حتى يتفقا على وضع منهج لحياتهما الزوجية, ولأن تعديل الطباع بعد الزواج أمر صعب، فعلى كل منهما أن يغير من نفسه، وطباعه بما يتلاءم مع الطرف الآخر حتى تستمر الحياة؛ فالصدق، والوضوح، وعدم إخفاء العيوب قبل الزواج أمر له أهميته في بناء العش السعيد.
تعلمي الطهي:
وتؤكد الدكتورة إجلال أهمية قيام الفتاة قبل الزواج – مهما كانت ظروف دراستها أو عملها – بتعلم طرق الطهي، وأنواع الأكلات المختلفة – لاسيما التي يحبها زوجها – وتحاول جاهدة إتقان عمل الطعام، ومهارات المنزل حتى تتقرب إلى زوجها بفعل ما يحبه، وتدخل بذلك السرور على قلبه بتفانيها في إسعاده بشتى الطرق.
كوني مقتصدة في بيته:
على الفتاة أن تتعلم كيفية إدارة شؤون البيت؛ لأنها ستكون راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها؛ فعليها أن تتعلم كيف تكون مقتصدة في بيتها تعرف كيف تدبر ميزانية الأسرة، وطرق إنفاق الموارد المحدودة على الاحتياجات المتعددة.
وعلى الفتاة إذا ارتضت خلق ودين من تقدم لزواجها ألا ترهقه بكثرة الحاجات، وتثقله بالديون حتى لا تبدأ حياتهما بهذه الصورة.
وبعد الزواج، عليها أن تنفق حسب قدرة زوجها وإمكانياته، ولا ترهقه بكثرة الطلبات، وإذا كانت الزوجة عاملة فلتساهم بجزء من راتبها في المنزل، وعليها أن تدخر جزءاً من المال تحسباً لأية ظروف طارئة، أو مناسبات كي لا تعرض الأسرة لأية أزمة مالية, ولا تنسى تخصيص جزء من المال للصدقات، وجزء آخر للترفيه والتنزه.
كوني سكناً له:
ينصح د. محمد عبد المنعم البري – أستاذ الدعوة – كل فتاة مقبلة على الزواج بأن تتدبر المعنى الجليل لقوله – تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِقَوْمٍ يتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
فأساس الحياة الزوجية المودة، والرحمة بين الزوجين، وعليه يكون الزواج سكناً أي: سكينة، وطمأنينة، وواحة وارفة الظلال تهنأ بها النفس، ويسعد بها القلب، فإذا استشعرت الزوجة هذه المعاني السامية أدركت خطورة وأهمية دورها في بناء هذه الحياة السعيدة.
وعلى الفتاة أن تتمرس، وتعتاد على كل الظروف سواء الإيجابية أم السلبية؛ فقد تمر بالزوجين أوقات شدة وضيق، فعليها أن تتفهم هذا كله، وتقبل الحياة بحلوها ومرها مع التماس الأعذار، وقد قيل: "التمس لأخيك سبعين عذراً، فإن لم تجد فقل لعل له عذراً أو لعله نسي".
وتقتضي الحياة الزوجية لصفائها واستمرارها من المؤمن والمؤمنة أن يغضا الطرف عن بعض السلبيات، والعيوب، والهفوات، والأخذ بالحكمة التي تقول:
لَيْسَ الْغَبِيُّ بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ لَكِنَّ سَيِّدَ قَوْمِهِ الْمُتَغَابِي
أي الذي يدعي عدم الفهم، وهو عكس ذلك، أي يتغاضى عن عيوب غيره كأنه لم يرها، والتسامح خلق طيب يجب أن يتحلى به كلا الزوجين.
الصبر على التقويم:
إن عملية التقويم لأي اعوجاج في الطرفين لا تؤتي ثمرتها إلا على المدى الطويل، وتحتاج إلى رعاية، وعناية، وجهد، واصبر.
وقد قال المولى – جل شأنه – لرسوله الكريم – صلى الله عليه وسلم -: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132].
فالأمر بالصلاة أمر شاق، وصعب، ويحتاج ليس فقط إلى صبر، بل إلى اصطبار، والكلمة تدل على معنى أوسع وأشمل من الصبر؛ فهو صبرٌ ليس هيناً، وليس عاديّاً؛ فعلى كل طرف أن يصطبر على تقويم أي عادة، أو طبع غير حسن في زوجه، ويبذل قصارى جهده في ذلك بالرفق، واللين، والهدوء لدوام العشرة الطيبة بينهما.
ويضيف الدكتور البري قائلاً: إن حسن معاملة لزوجها، وذكره بالخير أمام الناس – حتى لو كان مسيئاً لها – من شأنه أن يؤدي إلى تقويم اعوجاجه بطريق غير مباشر؛ فإصلاح الخطأ، وتقويم الاعوجاج قد يحقق نجاحه ويؤتي ثمارَه إذا اتبعت الحكمة فيه، والأسلوب غير المباشر في النصح والتوجيه، وقد قال الله – جل شأنه –: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125].
كما تنبه الدكتورة إجلال حلمي على أهمية مناقشة الخلافات الزوجية داخل البيت؛ فيجب ألا تترك الزوجة المنزل لأي سبب من الأسباب، وعليها ألا تفشي أسرار بيتها – ولاسيما الخاصة – خارج المنزل ولأي شخص مهما كانت درجة قرابته لها.
وعلى الزوجين أن يعملا على حل مشاكلهما بهدوء، وود، وداخل حدود المنزل، وعدم اللجوء إلى تدخل طرف ثالث مهما كانت الأسباب؛ لأن ذلك يزيد الفجوة بين الزوجين اتساعاً.
فالزواج أخذ وعطاء, وعلى الزوجين معاً أن يعطي كل واحد منهما لرفيق دربه وشريك عمره كل حنانه، وصافي مودته، والتحمل لظروف عمله، والضغوط التي قد يتعرض لها، وقبل ذلك كله على الزوجة أن تراقب الله – عز وجل – في معاملة زوجها لأنها تعامل الله – عز وجل – وجزاؤها على حسن خلقها، وصبرها، ورعايتها للبيت، والزوج، والأبناء جزاء عظيم؛ فهي الزوجة، والأم، والحبيبة، والرفيقة، منبع الحنان والدفىء في البيت والحياة.
كوني له أَمَةً:
وتقدم د. أمينة أبو كيفة – أستاذ علم النفس التربوي بكلية التربية – نصائحها للزوجة قائلة:
يقوم الزواج على أمرين أساسيين هما أهم ما يقوم عليه ( المودة والرحمة )كما ذكر المولى – جل شأنه – و ذلك لأنهما يؤديان إلى حسن المعاشرة بين الزوجين؛ فالسكن هو شعار البيت المسلم، والمودة تكون في أوقات الصحة، والقوة، والسعة في العيش، أما الرحمة فلابد منها في أوقات الضعف، والمرض، والضيق، وضغوط الحياة التي نعيشها والتي أصبحت تؤثر في بيوتنا بدرجة كبيرة.
فعلى الفتاة أن تبدأ حياتها الزوجية بالصدق، والوضوح، والصراحة التي لا تؤذي ولا تجرح, وعلى الزوجة أن تكون مطيعة لزوجها؛ تنفذ أوامره مادامت في طاعة الله – عز وجل – وفي غير معصيته, ولا يوجد خير مما نصحت به السيدة الأعرابية ابنتها المقبلة على الزواج حين قالت لها: "كوني له أَمَةً, يكن لك عبداً".
والمعنى أن تكون الزوجة كالأمة لزوجها مطيعة له، مهذبة في التعامل معه, تعامله باحترام وحب ودفء, برفق ولين, وإذا غضب تمتص غضبه؛ تبتسم دائماً في وجهه تراعي ماله وعياله, لا تكدر صفوه إذا كان سعيداً, ولا تفرح بين يديه إذا كان مهموماً.
لا يرى منها أي شيء قبيح سواءٌ في المظهر أم الجوهر، ولا يشم منها إلا أطيب ريح.
تحسن الوقت المناسب للحديث, لا تخبر زوجها بالأخبار السيئة أو المشكلات فور مجيئه, بل تخبره بما يسعده، وتمهد له تدريجياً حتى يتقبل أي خبر غير طيب.
الزوجة حصن:
وتضيف الدكتورة أمينة أبو كيفة قائلةً: الزوجة هي الحصن الذي يتحصن به الزوج المسلم ضد مغريات الحياة وفتنتها؛ فعليها أن تكون في أحسن زينه، وأطيب هيئة كي تملأ عين زوجها، وقلبه، وينشرح صدره عند لقائها، وعند رؤيتها بعد عناء العمل، ومشقة الحياة.
على الزوجة أن تحرص على إعداد الطعام الطيب لزوجها وأولادها، ومهما كانت مشغولة بعمل، أو غيره يجب ألا تُقصِّر في شؤون المنزل؛ لأن هذه هي مهمتها الأولى، ووظيفتها الأصلية.
يتولد نوع من الطمأنينة النفسية كلما كان هناك إحساس بالمشاركة بين الزوجين في جميع أمور الحياة.
وعلى الزوجين أن يشتركا معاً في تربية الأبناء بحيث لا يتعارض أسلوب كل منهما مع الآخر، وحتى يسعدا بأولادهما وحياتهما الزوجية السعيدة.
التوعية الصحية:
وتوصي د. ميرفت أنور – المتخصصة في أمراض النساء والولادة –كل فتاة مقبلة على الزواج بالاهتمام بصحتها، وبمعلوماتها الصحية، وتوجز لها هنا بعض النصائح الطبية حتى تهنأ بحياتها الجديدة:
* توعية الأم لابنتها قبل الزواج عن مفهوم الزواج، ومسؤولية البيت، والزوج، والأبناء هي ضرورة أساسية؛ لأن الزواج مسؤولية عظيمة تقع على كاهل الزوجة؛ حيث إن عليها رعاية نفسها، وزوجها، وأولادها من جميع النواحي الصحية، والنفسية، والتربوية، والاجتماعية، وغيرها.
* لابد من اطلاع الفتاة على الكتب العلمية الهادفة، والمعلومة المصدر، المتخصصة في مجال الزواج، والإنجاب، وصحة حتى تُلِمَّ بمعلومات صحيحة وعلمية عن مفهوم الزواج، والعلاقة الزوجية، وكيفية الحفاظ على صحتها قبل وبعد الزواج، وأثناء الرضاعة.
* وعلى الفتاة الاهتمام بصحتها العامة قبل الزواج، والمحافظة على نفسها من السمنة التي تسبب أمراضاً عديدة كالضغط، والسكر، وأمراض القلب، وعدم النحافة الشديدة؛ لأن هذا كله يسبب تأخر الحمل أو عدم القدرة على الإنجاب.
* الاهتمام بالغذاء الجيد للفتاة، خاصة شرب اللبن منذ الصغر؛ لأنه يمد الجسم بالكالسيوم اللازم أثناء الحمل لنمو الجنين، ويساعد في عملية التسنين، وحتى لا تحدث للزوجة هشاشة، ولين العظام وهو ما يسبب ضعف بمنطقة الحوض، وغيرها من المتاعب.
* اهتمام الفتاة بالنظافة الشخصية بصورة دورية، ومستمرة قبل الزواج وبعده لمنع حدوث أي التهابات أو أمراض قد تنشأ بعد الزواج أو ما يسمى: (HONY MOOL INFICTIION).
* وعلى الزوجة أن تسرع باستشارة طبيبة متخصصة حتى لا تحدث مضاعفات أو زيادة في التهابات موضعية قد تمتد إلى الأنابيب، أو الحوض، ويحدث معها مشاكل عديدة قد تعوق الحمل.
* إذا حدث تأخر في الحمل فلا داعي إلى القلق؛ لأن القلق في حد ذاته يؤثر من الناحية الصحية، والنفسية في كلا الزوجين. ولا يُعَد تأخر الحمل عقماً أولياً إلا إذا استمر سنتين, وعلى الزوجين استشارة الأطباء، وعمل التحاليل اللازمة لمعرفة سبب ذلك، وأخذ العلاج المناسب.
وختاماً يجب أن تعم الحياةَ الزوجيةَ المودةُ، والرحمةُ، والحبُّ المتبادل بين الزوجين، وفهمُ كل منهما لمشاعر واحتياجات الآخر حتى ينعما بحياة سعيدة طيبة