لماذا أضحت «الأسلحة الحادة» هي الوسائل العملية في النقاش بين بعض الأزواج؟
خلق الله من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة، غير أن هذه العِشرة الطويلة بين الأنفس، قد تعتريها صعوبات، وتكدر صفوها مشكلات الحياة ، وعدم تفهم البعض لمشاعر شريك الحياة، وللوسائل المعينة على التقارب والتراحم.
وتشير الأبحاث والدراسات الاجتماعية المعاصرة إلى غياب مفاهيم أخلاقية وسلوكية كثيرة في تعامل الزوجين مع بعضهما البعض، وغياب مراعاة الله والاحترام المتبادل بين الزوجين، حتى صار «السكين» و«الأسلحة الحادة» هي الوسائل العملية في النقاش بينهما، وشهدت محاضر الشرطة، وصفحات الجرائد مشاهد كثيرة، هي في واقع الأمر أدلة على انتشار العقوق بين الزوجين.
ولكن، الوضع يختلف إذا ما تدبر الزوجان في بداية حياتهما الزوجية، واتفقا على أن يكون التدين حبل الله المتين الذين يقرب بينهما، ويحمي الأسرة من شر التشرذم، ويرمم الود إذا ما غاب الحب، ويوجب الاحترام إذا ما تحتم الخلاف.
وتؤكد على قيمة حسن الخلق والتدين في جلب السعادة الزوجية؛ تلك البيوت التي طرقنا أبوابها، لنستقي منها نماذج في البر والرحمة، فقد وجدناها عامرة بذكر الرحمن، هادئة بآداب القرآن، تقف أمام الأزمات صامدة صمود الشجعان.
فقد وضع الكثير من الأزواج والزوجات؛ حسن الخلق والبر أمام عينيه قبل بداية الشراكة الزوجية. فاتفقت إيمان مع زوجها د. مجدي قبل الزواج على منهج رباني في بناء الأسرة؛ لكي تعيش أسرتهما في سعادة حقيقية، وأن يتقي كل منهما الله في الآخر، ويلتزمان الوضوح والصراحة في كل الأحوال؛ من منطلق أن الصدق صفة من صفات المسلم.
الصبر على البلاء
وللإيمان دور مهم في الرضا والصبر على البلاء بين الأزواج، وهو ما تمثله قصة طاما ـ مغربية ـ التي ابتلى الله تعالى زوجها بمرض بدا في أول وهلة مرضا طارئا، إلا أنه كان أخطر من ذلك بكثير؛ إنه السل القاتل.
ولكنها اعتبرت مرض زوجها ابتلاء وتمحيصا من الله، وعكفت على خدمته متفائلة بعودته إلى البيت ذات يوم معافى، غير أن الله عز وجل اختار للزوج نهاية أخرى، فقد توفاه الله وهو راضٍ عن زوجته؛ لما قامت به من بر عجيب نحوه، وما زالت بارة له حتى بعد موته. وقد تعرضت زوجة أحمد ـ من المغرب ـ لحادثة، أدت إلى قطع رجلها، وإصابتها بشلل نصفي أقعدها بالفراش. فاحتسب ذلك لله وصبر؛ وعزم الزوج على أن يكون لها نعم الأب والزوج والأخ، وشمر عن ساعد الجد، وصار قائما بكل أغراض البيت.
وعندما يُسأل عن ذلك؛ كان الزوج البار يرد عن فوره: «إن لي في رسول الله – صلى الله عليه وسلم – العبرة والمثل، فقد كان يخصف نعله، ويرقع ثوبه، ويحلب شاته، وكان في خدمة أهل بيته…».
وظل أحمد وفيا لزوجته المقعدة؛ إلى أن شاء الله أن تتشافى بعد عرضها على أطباء في فرنسا، وقد ابتاع كل ما يملك من أجل شفائها، ليضرب لنا بذلك أروع المثل، ويعزف لنا لحن الوفاء.
إصلاح بالإيمان
وقد يصلح بر أحد الزوجين سوء خلق الآخر، وهو ما تدلل عليه قصة خديجة – من المغرب – فتذكر أن زوجها كان يعاملها معاملة سيئة، وكان رجلا سكيراً يكيل لها السباب والشتائم، ولا يحترم مشاعرها ولا مشاعر طفلتهما، وكانت تستعين في مواجهة ذلك بالدعاء والصبر.
وبعد أن مرت الأيام والشهور على هذا المنوال، تورط الزوج مظلوما في قضية جنائية، ولم تلقِ خديجة بالا لما يقال عنه، ولا بتحريض صديقاتها على طلب الطلاق والخلاص منه، بل وقفت بجواره، وكانت تزوره في السجن، وتحمل معها الأكل كما تحمل مشاعرها الرقيقة، وكانت نتيجة هذا البر بعد خروجه من السجن؛ أن حمل جميلها وبرها وأحسن معاملتها.
وفي نموذج الصبر على الزوجة سيئة الخلق؛ يضرب لنا «م. ع» – أروع مثال؛ لأنه تزوج من زوجة لا تصبر على الشدائد، وتنظر لما في يد غيرها، وكانت تكذب ولا تقدر ضغوط الحياة، وقد عاملها وفق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر».
وقد تعودت «دلال» – فلسطينية – على الحياة المرفهة في بيت أهلها، وظلت تنعم بالرفاهية في أولى أعوام زواجها، إلى أن فقد الزوج عمله، وشرع في البحث عن عملٍ آخر. وبرغم صعوبة الوضع الجديد؛ فقد منعها خُلقها ودينها من الشكوى، وابتغت مرضاة الله فصبرت، وما تزال صابرة، تعيش مع زوجها وأبنائها على القليل.
كما قرب الدين بين قلب مهند فلسطيني- وزوجته؛ بعدما كادت تستحيل الحياة بينهما في بداية الزواج، ولكن ميثاق الله الغليظ قد عضد من علاقتهما، ووقف بالمرصاد أمام همزات الشيطان، حتى عادت سفينة الحب إلى شط الأمان.
خشية الله.. اللبنة الأولى
ويلتقط خيط الحديث د. أحمد العسال – مستشار رئيس الجامعة الإسلامية بباكستان؛ موضحا أن خشية الله عز وجل يجب أن تكون في قلب الزوجين، وتظهر في التعاملات بينهما؛ لأن الإنسان إذا خشي الله استقام، وحافظ على حقوق من معه، فعن مُعَاذٍ "أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ أو أَيْنَمَا كُنْتَ. قَالَ زِدْنِي قَالَ: أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا. قَالَ زِدْنِي. قَالَ: خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ".
وينبه د. العسال إلى عدد من الصفات التي ذكرها القرآن الكريم حتى يكون الزوج أو الزوج على خلق قويم مع شريك حياته، أولها الاهتمام بتكامل الشخصية، وتنمية السلوك الإيماني، ومراعاة الله في الكلمة والنظرة، وتحقيق صفة المؤمنين في قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.
كما يعد التدين سياج أمان بين الزوجين ضد تطور الخلاف بينهما؛ حيث يؤكد د. العسال أن المؤمن الصادق دائما يغفر السيئة ويعفو عن المظلمة، وبالتالي في نطاق الزوجية يصفح سريعا، وينهي خلافاته بشكل يرضي الله ورسوله.