على مدى عامين، لم أكن قد أضفت أية آنية أو مقال جديدة إلى أدوات الطهي الخاصة بي، ولذا عندما ذهبت في مهمة استطلاع أخيرا في «زابارز» فوجئت بالأدوات الكثيرة المتاحة أمامي. ويبدو أن كل مصنع يقدم شكلا مختلفا من آنية معدنية
تكون فيها كل طبقة فوق الأخرى مصنوعة من سبائك توصل الحرارة مع وجود طبقة خارجية تحافظ على الغذاء الذي يتم طهيه داخلها، وهناك تشكيلة من الطبقات الخارجية التي لا تجعل الطعام يلتصق بالإناء، وهناك أشكال من «تيفلون» تبقى لفترة أطول وأشكال من ال«تفلون» البيئي وبدائل بيئية لل«تفلون»، كما أن الأشكال القديمة قد أدخلت عليها تعديلات كثيرة. وتوجد للآنية والمقالي وظائف مباشرة، وهي توصيل الحرارة من الموقد أو الفرن إلى الطعام أو تقديم الطعام إلينا بصورة أنيقة وجميلة وقتما نريد.
وهناك بعض التساؤلات ذات الصلة: منها هل الاختلافات في كيفية قيام المقالي بتوصيل الحرارة للطعام وكيفية استخلاص الطعام من داخلها لها قدر كبير من الأهمية ؟ وهل من الممكن أن أزيد من احتمالية الحصول على طبق البطاطا (البطاطس) المفضل لي وأن أخرجه منها دون أن يصاب بأذى إذا ما استخدمت شيئا آخر غير المقلاة المصنوعة من الألمونيوم والمبطنة بال«ستانلس» ؟
ولاكتشاف ذلك، قمت بتجربة أكثر من عشر مقال، البعض منها جديد والبعض الآخر قديم، وعلمت أن أنواع المعدن التي تصنع منه المقالي ونوعية المادة التي تصنع منه الطبقة العلوية تؤثر كثيرا في عملية الطهي، وكذا تفعل درجة الحرارة والدهون التي تستخدم.
قمت بالتركيز على خمس مقال متوسطة الحجم مفتوحة، الأولى كانت مصنوعة من حديد الزهر المعالج، والثانية من النحاس الثقيل بطبقة عليا ال«ستانلس» والثالثة من الألمونيوم الموجود بين طبقتي ال«ستانلس»، والرابعة والخامسة كانتا من الألمونيوم والطبقة العليا لإحداهما من مادة خزفية يطلق عليها ثيرمولون والثانية مادة من السيلكون يطلق عليها «إن بي 2».
ومثل معظم مقالي تفلون، فإن مقلاة «إن بي 2» معها إرشادات تنصح باستخدام درجات حرارة منخفضة، فيما أعدت مقلاة ثيرمولون كي تستخدم في درجات تصل إلى 870، وهي الدرجة التي نحتاجها لعمل البيتزا داخل الفرن. ويتراوح السعر بين 25 دولارا لمقالي الألومونيوم الجديدة التي لا يلتصق فيها الطعام، ويصل إلى 480 دولارا بالنسبة للمقالي المصنوعة من النحاس الفرنسي.
وفي البداية، أحبت أن أرى الاختلافات التي يمكن أن تتسبب فيها نوعية المعدن في توصيل المقلاة للحراة. ولاحظت أن النحاس يوصل الحرارة أسرع من الألومونيوم بمقدار الضعف وأسرع من الحديد الزهر بمقدار خمسة أضعاف. ولكن تزن مقالي الحديد والنحاس أكثر من خمسة باوند، فيما تزن أرق مقلاة الألمونيوم 2 باوند بالكاد.
والسؤال هل الكثير من المقالي النحاسية الثقيلة ومرتفعة الثمن أفضل من مقالي الألمونيوم الخفيفة والرخيصة الثمن ؟
بدأت بحساب الوقت الذي ستستغرقه كل مقلاة حتى يصل كوب من الماء إلى درجة الغليان فوق أعلى درجة من الشعلة الموجودة أعلى الفرن، وقد وجدت أن النحاس والحديد الزهر استغرقا 3 دقائق لكل منها فيما استغرقت مقلاة الألمونيوم والمبطنة بال«ستانلس» 2.5 دقيقة واستغرقت المقلاة الألمونيوم الرفيعة التي لا يلتصق فيها الطعام دقيقتين فقط.
وجدت أن المقلاة الأرخص والأخف تفوز في سرعة غليان المياه. وبعد ذلك، وضعت المقالي الموصلة للحراة والمصنوعة بالكامل من المعدن ومقلاة ثيرمولون على شعلة مرتفعة حتى وصلت درجات حرارتها إلى نحو 600 درجة، وكنت أقيس درجة الحرارة باستخدام ترمومتر.
وضعت شريحة باردة من اللحم على أسطح المقالي، وبعد ذلك نظرت في درجة حرارة المقلاة وشريحة اللحم عليها بعد دقائق قليلة، فوجدت أن جميعها حافظ على درجة حرارة 575، وذهب الفاقد إلى شريحة اللحم التي تغير لونها بصورة كبيرة إلى اللون البني، وقد تمكنت المقلاة الخفيفة الوزن والرخيصة الثمن من المحافظة على مكانتها بين المقالي الأخرى ذات الوزن الثقيل.
ولكن، هل توزع تلك المقالي الحرارة بصورة متساوية؟ بالنسبة لتلك التي توصل الحرارة بصورة جيدة، فإن الحرارة تنتشر بسرعة في الأجزاء المختلفة للمقلاة، ولكن بالنسبة لتلك التي لا توصل الحرارة بصورة جيدة فإن الحرارة تتركز في النقطة الساخنة من المعدن والتي تكون فوق الشعلة مباشرة.
ولمعرفة مدى انتشار الحرارة في المقالي، وضعت قطعة من نوع معين من الورق داخل كل مقلاة وضعت المقالي على شعل ذات درجات حرارة متوسطة، وعندما رأيت الورق يتحول إلى اللون البني، قمت بإزالة الورقة. وقد كانت الخرائط الحرارية للمقلاة المصنوعة من النحاس الثقيل والمقلاة الخفيفة المصنوعة من الألمونيوم متشابهة، كما كانت المقلاة الألمونيوم المبطنة بال«ستانلس» جيدة هي الأخرى، ولكن، وصلت الحرارة إلى مساحة صغيرة في مقلاة الحديد الزهر.
على مدى عدة أعوام، كنت أطهي الأرز مع اللحم والجبن كل أسبوع أو أسبوعين في وعاء مفضل لي مصنوع من الحديد الزهر، ودائما ما كنت أجد كمية من الأرز بنية اللون ملتصقة في قاع إناء في المنطقة التي تكون موجودة فوق الشعلة مباشرة. ولكن، كنت أشعر بالدهشة، فدائما ما كنت أسمع وأعتقد أن الحديد الزهر موصل بطيء للحراة ولكنه موصل متوازن، وكنت أتساءل هل سيقوم الإناء بتوصيل الحرارة بصورة أفضل إذا استخدمت الحرارة بصورة متدرجة على شعلة منخفضة أو باستخدام سلك حراري كهربائي يمكنه توصيل الحرارة إلى مساحة أكبر من قاع المقلاة أكثر من شعلة الغاز.
وكنت على خطأ. فقد أدت الشعلة المنخفضة إلى تغير متساو في الأرز الذي أصبح لونه بنيا في المنطقة الصغيرة بمركز المقلاة، دون حدوث ذلك في أي مكان آخر، وكان للموقد الكهربي نتيجة شبيهة كثيرا بتلك التي أحدثتها شعلة الغاز. وعندما استخدمت الترمومتر لقياس درجات حرارة في نقاط مختلفة في مقلاة الحديد الزهر، وجدت أن هناك اختلافا قدره 100 درجة بين مركز المقلاة وأي نقطة على مسافة بوصة من حافتها.
أحب أن أشير الى أنه يمكني الحصول على بطاطس في درجة حرارة فرن متوازية. ولا يكون التصاق الطعام في قاع المقلاة مشكلة إذا كنت قد طهيت الطعام حتى أصبح لونه بنيا وتريد الحصول على مقادير قليلة من الطعام بنكهة جميلة تقوم باستخلاصها عن طريق وضع بعض المياه عليها.
وفي الواقع، فإن ذلك شيء رائع. ولكن تكون المشكلة إذا كنت تقلي بيضا أو تطهو شرائح من السمك. ويكون احتمالية ذلك أكبر إذا كنت تستخدم أقل كمية ممكنة من الزيت وكانت الشعلة مرتفعة لطهو الطعام سريعا، فالزيت مع الشعلة المرتفعة وتعريض الطعام إلى الهواء أثناء عملية الطهي يكون سببا في تكون بقايا مؤكسدة تلتصق بسطح المقلاة.
وكي أكتشف أي من المقال أكثر عرضة لالتصاق الطعام فيها، قمت بقلي العشرات من البيض والكثير من شرائح السمك الأبيض وكمية من البطاطس، حيث انه مع هذه الأشياء تكون النتيجة غير جدية إذا ظلت شرائح البطاطس ملتصقة بالقاع عند تحريك المقلاة سريعا. ولا يلتصق الطعام في القاع حال استخدام أقل كمية من الزيت مع المقالي التي لا يلتصق فيها الطعام، وأكثر ما يمكنك الاعتماد عليه مقلاة تيفلون.
وتحتاج مقالي ثيرمولون إلى المزيد من الزيت أو الدهون بعد قلي شريحة من اللحم على درجة حرارة مرتفعة أكثر مما كنت تحتاجه قبل ذلك، ولكن لا يتغير سطحها بنفس الصورة التي تحدث في مقالي تيفلون و إن بي 2، التي تظهر عليها شروخ صغيرة وجروح بعد استخدامها لمرات قليلة، وتعطي المقالي الأخرى سواء تلك التي لها سطح معدني أو التي تعلوها طبقة من المينا، نتيجة متشابهة، فلا يلتصق بها الطعام إذا ما تم استخدام مادة لا تجعل الطعام يلتصق بالمقلاة أو إذا استخدم الزبد، وغالبا، ولكن ليس دائما، إذا ما استخدم الزيت.
ولكن، لماذا لا تجعل الزبد الطعام يلتصق بقاع المقلاة بصورة أفضل من الدهون الأخرى والزيوت ؟
بعد محاولات، أدركت أن الزبد يحتوي على مستحِلبات، وهي المواد التي تغطي قطرات زبد الدهن عندما تسقط داخل الحليب، وهي لا تجعل القطرات تتصل بصورة مباشرة مع بعضها بعضا وتمنعها من الاتصال بالحليب. والمستحلبات واللستين عبارة عن مكون أساس المواد التي تستخدم حتى لا يلتصق الطعام بالآنية.
وقد توصلت إلى ذلك بوضع مقدار بوصة من صلصة اللستين في القليل من المياه وخفق المزيد مع الزيت، حيث يساعد الزيت الناتج على عدم التصاق الطعام بالإناء. والمشكلة في المواد التي تمنع الطعام من الالتصاق بالآنية والزبد هي أنه تفقد مفعولها مع القلي في درجات حرارة منخفضة، نحو 350 درجة. وللحصول على شرائح من اللحم ذات لون بني داكن، يجب رفع درجة الحرارة إلى ما فوق 400 درجة.
وقد أصابتني الحيرة إزاء التصاق البيض والأسماك والبطاطس من وقت لآخر في جميع أنواع المقال ما عدا غير القابلة للالتصاق. لذا، قررت العودة إلى نقطة الصفر والتفكير بشأن المقلاة الساخنة والزيت. وقمت بتنظيف سطح إحدى الأواني ال«ستانلس» وأضفت إليها بعض الزيت وضعتها على النار، ثم وقفت أراقبها.
وقد شاهدت أمراً رأيته كثيراً من قبل، لكنه لفت نظري وكأني أراه للمرة الأولى. فمع ارتفاع درجة حرارة المقلاة لما يتجاوز 350 درجة، بدأ الزيت في التحرك بحيث أصبح سميكاً في بعض جوانبه ورقيق القوام في البعض الآخر، وهي مرحلة تصفها بعض وصفات الطهي بأنها عندما «يترقرق» الزيت. مع الارتفاع المستمر في درجات الحرارة، تنتشر المناطق رقيقة القوام على نطاق أوسع، بينما تتضاءل مساحة نقاط الزيت سميكة القوام وتزداد ارتفاعاً. في نهاية الأمر، بدا أن المناطق رقيقة القوام جفت تماماً، وتجمع الجزء الأكبر من الزيت في دائرة حول حافة المقلاة.
وبعد إجراء بعض التجارب، أدركت أن ما كنت أراقبه هو تطبيق لنظرية بينارد مارانجوني للحمل الحراري، ذلك أن درجات الحرارة المتباينة التي تتعرض لها المقلاة تسببت في اختلافات في شدة توتر سطح الزيت من منطقة لأخرى، الأمر الذي تسبب بدوره في انجذاب الزيت تجاه المناطق الأقل حرارة.
وقد رأيت الأمر ذاته يتكرر في كل مقلاة، حيث ينتهي الحال بالزيت الموجود في المناطق شديدة الحرارة بالقرب من منتصف المقلاة بقوام أقل سمكاً بصورة متزايدة. ويترتب على وجود خليط من الحرارة المرتفعة وتضاؤل سمك الزيت تنامي احتمالات أن يلتصق الطعام بقاع المقلاة.
بيد أن مسألة تضاؤل سُمك قوام الزيت والتصاق الطعام من المتعذر التكهن بها، ذلك أنها تعتمد على درجة حرارة الموقد وكيفية وضع الإناء عليه وكمية الزيت التي تبدأ الطهي بها وحجم عمليات التقليب والكشط التي تقوم بها. إذاً، ماذا يمكننا أن نفعل للتغلب على لعنة نظرية بينارد مارانجوني للحمل الحراري؟ لقد تفتق ذهني عن فكرة معينة، ويمكنك أن تقوم بتجريبها إذا ما كانت لديك مقلاة يلتصق بها الطعام في درجات الحرارة المرتفعة.
أضف قدر من الزيت يكفي لكي يكسو سطح المقلاة والطعام تماماً. بالنسبة للمقلاة متوسطة الحجم، تكفي كمية قليلة من الزيت تعادل نصف ملعقة شاي كي تكسو المقلاة وذلك لطهي البيض وقطع السمك. أمام بالنسبة لقطع الخضروات، فعليك أن تزيد كمية الزيت بمقدار ثلاثة أضعاف من أجل ضمان أن يكسو الزيت المساحات الإضافية في السطح المتمثلة في القطع الصغيرة. عليك بتسخين الإناء حتى يترقرق الزيت، ثم أطفئ الموقد وقم بإمالة المقلاة كي تتخلص من النقاط سميكة ورقيقة القوام في الزيت ويصبح سطح الزيت متساوياً.
انتظر حتى تتضاءل درجة حرارة المقلاة بدرجة تسمح لطبقة الزيت بأن تبقى مسطحة في معظمها. عندئذ، أضف الطعام واتركه ينضج لبعض الوقت قبل أن ترفع الحرارة من جديد. وإذا أمكن، احرص على الاستمرار في تقليب الطعام والزيت.
هناك أمر آخر، عليك تنظيف المقلاة برفق، مع الضغط بصورة كافية من أجل التخلص من المخلفات الملتصقة بالسطح، لكن دون حك الجزء المعدني وحده. لقد لاحظت من خلال تجاربي أنه بمرور الوقت بدأت اشعر بالكسل تجاه تنظيف المقلاة جيداً بين اختبار وآخر، وهنا تضاءلت احتمالات أن يلتصق الطعام بالسطح.
وربما يكون هذا الأمر أشبه بما يطلقون عليه في الطب «الفرضية الصحية»، والتي تقول بأن الإفراط في النظافة قد يترك الشخص أكثر عرضة للإصابة بأنماط معينة من الأمراض. وبالمثل، فإن الإفراط في تنظيف المقلاة ربما يقل من مستوى ملاءمتها لأغراض الطهي. إذاً ما السبيل لجعل المقالي تعمل على النحو الأفضل؟ عليك باختيار المقلاة التي تروق لك، بناءً على ثقلها أو خفتها، طرازها أو سعرها، دقتها او سهولة استخدامها. لكن عليك الاهتمام بالزيت واستخدامها كثيراً في الطهي.