وبدأ يكتب على السيارة ويخدش صبغها!!!
ثار الأب وانفعل، وغضب غضباً شديداً، وتحرَّك دون أن يشعر صَوْبَ طفله، وكرر ضربه بشدةٍ عدة مرّات على يده، وهو لا يدري أنّه يضرب يد ابنه بمطرقة صُلْبة!!
بكى الطفل، وتألم ألماً شديداً، ولاحظت الأُم عجز الطفل عن أن يحرك أصابعه،
فنادت أباه وأخبرته، وسارع الأب بالذهاب إلى المستشفى،
وهناك فقد الطفل أصابعه، بسبب الكسور والمضاعفات التي أصابته، نتيجة الضرب الشديد بالمطرقة!!
آفاق الطفل على وجه أبيه يشاهده، فبادر الطفل بسؤال أبيه – الذي ظهرت عليه علامات الحزن وآثار البكاء: متى ستنبت أصابعي يا أبي؟
وقع سؤال الطفل وقع الصاعقة على أبيه، ولم يستطع أن يجيب ابنه ولو بكلمة واحدة،
ولم يتمالك نفسه من البكاء، فخرج ليبكي بعيداً عن طفله،
وتوجه نحو سيارته، وضربها عدة ضربات، ثمّ جلس بجوارها،
وقد بدت على وجهه علامات الندم والحزن والألم لما فعله بابنه،
ثمّ نظر إلى المكان الذي خدشه طفله في السيارة؛ فإذا به يقرأ ما كتبه طفله: "أحبك يا أبي"!!
إنّ عاطفة الأبوة لا تصفها الكلمات مهما كانت بليغة،
إنّما تجسدها العاطفة والمشاعر..
إنّ هذا الموقف الذي قسا فيه الأب على ابنه سببه إنفعال عابر فائر.
وبتحليل هذا الموقف تربوياً يمكننا أن نخرج منه بدروس مستفادة، أهمها:
– أوّلاً: قد ينفعل الأب فيؤدِّي به إنفعاله إلى عواقب وخيمة،
فتورثه هذه القسوة الندم طوال حياته، بل قد تكون سبباً في هلاكه، وخسرانه الدنيا والآخرة.
– ثانياً: بالحب لا بالغضب:
بإمكاننا أن نأسر قلوب أبنائنا بالحب، ونستطيع أن نعالج فيهم السلوكيات السلبية بالحب لا بالغضب.
– ثالثاً: حب الآباء للأبناء قائم:
فقد يخطئ الأب في ممارساته غير التربوية، وقد يقسو ظناً منه أن في القسوة الخير والفائدة لولده،
ثمّ يرى العاقبة وخيمة فيندم، وهذا يؤكد أنّه حريص على مصلحة أولاده،
ولكنّه أخطأ في الممارسة، فالخطأ في الممارسة – إذن – لا يعني فقدان الحب.
من هنا أقول لمثل هذا الأب – الذي يقسو على ولده برغم أنّه يحبه: إن أولادنا هم أفلاذ أكبادنا،
نتعب ليرتاحوا، ونسهر ليناموا، ونشقى ليسعدوا، ونحرم أنفسنا لينعموا، فلنحسن تربيتهم،
لنقدمهم أفراداً وأعضاء أسوياء للدين والوطن.
– همسة في أذن الآباء:
ليعلم الآباء أن لكل مرحلة سنيّة خصائصها التي تتميّز بها، وكل مرحلة عمريّة تمر بأزمات
وتغيّرات تحتاج من الوالدين إلى ثقافة تربوية وحُسن ممارسة وحكمة في التعامل.
– أقسو عليك لأني أحبك:
ما أكثر ما نسمع هذه الكلمة من الآباء لأولادهم،
متجاهلين أنّ القسوة قد تولد داخل الأولاد عقداً نفسية،
وربّما يتفاقم الأمر، فيتحوّل إلى أمراض نفسيّة، يصعب التخلص منها:
لم يكن الحب أبداً دافعاً للقسوة، بل إنّ القسوة لا تنسجم أبداً مع معاني الحب ومعاشره،
فالمحب يجب أن يكون رقيقاً ودوداً، حانياً حنوناً، فمن أحب إنساناً لا يمكن أبداً أن يقسو عليه،
والقسوة لا تنسجم مع عاطفة الأبوّة.
صور من القسوة:
هناك آباء يضربون أولادهم وهم أطفال، ويمارسون ذلك معهم دون توقف،
فيستمر في الضرب حتى بعد أن يصيروا فتياناً وشباباً!!
وهناك آباء أدمنوا توبيخ أولادهم، ناسين، أو متناسين، أن في ذلك إهانة لهم،
وقد يؤدي ذلك إلى إذلال الأولاد، وإضعاف شخصياتهم، وتذويب ذواتهم،
وإهدار كرامتهم، وإستمرار الأولاد للذل والمهانة، واضطراب مشاعرهم.
إنّ لسان حال أولادنا يقول:
لا تقسوا علينا.. فالذي يقسُو علينا لا يحبنا، نحتاج إلى من يقوِّم سلوكنا
ويربينا بالحب لا بالسوط المسلط على أبداننا.
– توضيح وإبانة:
قد يفهم بعض الناس أني بكلامي هذا ألغي مبدأ العقاب، وهو أسلوب أصيل في التربية الإسلامية،
ولذلك أقول: هناك فرق بين العقاب والقسوة، فلعلها صور كثيرة، منها ما هو عقاب مادي، كحرمان من المصروف،
أو من نزهة، أو مكافأة… إلخ، وهناك العقاب المعنوي،
وقد يكون هذا الأخير بنظرة تعبر عن رفض الوالد لسلوك ابنه،
وقد تكون بتنبيهه إلى خطئه، إو إهمال الإبن في الحوار لإظهار إعتراض والده، أو حرمانه من ثناء أو إطراء