في عام 1898م أطلق الأخوان لومير السينما بأخيلتها وصورها، وتزامن ذلك مع اكتشاف ماري كوري لمادة "الراديوم" وشريط "السليلويد"، فظهرت أول صورة بأشعة اكس لعظام اليد وخاتم الزواج ما أس لعصر هيمنة الصورة التي بلغت ذروتها مع ابتكار التليفزيون وانتشاره حيث أصبح الأداة المفضلة لفن الصورة، وسيد أدوات الترفيه، واختراع العصر بلا منازع.
ويعتبر الأمريكي فيلو فرانسورث احد المبتكرين الأوائل لتقنية البث التليفزيوني، ومن المفارقات انه أشتهر بتحذيره من خطورة هذه الأداة وجد فيها "وحشا مرعبا"، وقد ولد فرانسورث في 19 يوليو عام 1906م، في ولاية "يوتاه" الأمريكية، وأظهر تفوقاً لافتاً في علوم الفيزياء النظرية، وأدهش معلميه عندما استطاع أن يشرح "النظرية النسبية" للعالم الشهير البرت آينشتاين في سن مبكرة.
اهتم فرانسورث في فترة صباه، بإيجاد تطبيقات عملية للأثر الكهربائي- الضوئي، الذي اكتشفه آينشتاين ونال عنه جائزة "نوبل" للفيزاء ويعتبر الأساس العلمي الذي بني عليه اختراع التلفزيون ولاحقاً الكومبيوتر، حيث تنبه آينشتاين إلى أن مرور حزمة ضوء من نوع خاص في دائرة كهربائية متوترة، يؤدي إلى توليد أنماط خاصة وأشكال معينة من الموجات الكهرومغناطيسية، أو بعبارة أخرى، يمكن للموجات الكهرومغناطيسية أن تتحوّل إلى خطوط ورسوم.
والتقط فرانسورث هذا الخيط وعمل جاهدا على بلورة فكرة تقطيع الصورة إلى مجموعة من الخطوط الصغيرة المتوازية، وفكر أيضاً في إعادة إنتاج تلك الخطوط الالكترونية على شكل موجات كهرومغناطيسية قابلة للبث، بحسب نظرية آينشتاين عن الأثر الضوئي- الكهرومغناطيسي.
الصندوق العجيب
كان على فرانسورث أن يبتكر ثلاثة أشياء لتحقيق أفكاره أولها جهاز يحوّل صور الكاميرا إلى خطوط الكترونية صغيرة، وثانيهما أداة لتحويل تلك الخطوط إلى موجات "كهرومغناطيسية" مُحدّدة، وأخيرا جهاز يتجاوب مع تلك الموجات الكهرومغناطيسية، فيعيد تحويلها إلى خطوط إلكترونية صغيرة تتطابق مع الصور التي انطلقت منها أصلاً.
وخلال مسيرته العلمية، استطاع فرانسورث أن يصنع اثنين من الأجهزة الثلاثة حيث ابتكر جهازاً لتقطيع الصور إلى خطوط مستقيمة صغيرة، وأسماه "ايميج ديسكتور"، وذلك في عام 1927م، بعدها بعامين، صنع جهازاً لإعادة دمج تلك الخطوط وسماه "فيوزر" وهو الذي مهد فعلياً لصناعة التلفزيون بشكله الحالي.
أما الجهاز الثالث فقد ابتكره الاسكتلندي جون لوغي بيرد وهو الجهاز الذي يحوّل الخطوط الالكترونية المُقطّعة إلى موجات كهرومغناطيسية قابلة للبث، وابتكر بيرد أيضا أنبوب مهبط الكاثود، الذي يسمح بتحويل الصور التي يجمعها جهاز "الفيوزر" إلى مشاهد تعرضها الشاشة الفضية.
وفي عام 1925 نجح "جون بيرد" في إرسال أول صورة عبر الهواء إلى مسافة بعيدة، ثم تمكن من نقل الصور عبر المحيط الأطلسي عام 1928م، ولم يكن هذا النجاح ليتحقق إلا بعد اكتشاف الخلية الكهربائية المصورة، التي تحتوي على أمواج ضوئية تندفع إلى السطح عندما تصطدم بمواد معينة معدنية مثل الصوديوم أو البوتاسيوم على شكل تيار كهربائي يختلف في قوته وطبيعته عن الأمواج الضوئية.
وتحتوي الخلية الكهربائية المصورة على إحدى هذه المواد فتوضع مكان الميكروفون ويمر الضوء بسرعة على جميع أجزاء الصورة، فتسقط الأمواج الضوئية منه على الخلية، وتختلف طبيعة هذه الأمواج الضوئية تبعا لشكل ولون المنظر، وهذه التيارات المتنوعة تؤثر في سلسلة الأمواج اللاسلكية المرسلة من جهاز الإذاعة، وهذه بدورها تسقط على "إيريال" جهاز الاستقبال في المنزل.
وجهاز التلفزيون يحتوي على قرص من المعدن الخفيف فيه 30 ثقباً صغيراً على شكل حلزوني، وخلف القرص مصباح "نيون" صغير، ويتصل المصباح بجهاز استقبال لاسلكي يدور بمحرك كهربائي صغير، فإذا توافق جهاز الاستقبال مع طول موجة محطة الإذاعة فإن الصورة تظهر عند النظر إلى ثقوب القرص الدائر.
تجربة دخلت التاريخ
كان فرانسورث قد استطاع أن يُبلور الفكرة الأساسية عن صنع الصور الالكترونية وبثّها وطبّق فكرته حول تقطيع الصورة، بواسطة تجربة دخلت تاريخ التكنولوجيا حيث قام برسم خط مستقيم وسط مُربع من الزجاج المطلي باللون الأسود، ثم وضع هذا المربع بين جهاز تصوير خاص، بمقدوره تقطيع الصورة إلى خطوط الكترونية صغيرة، وجعل في الطرف الآخر جهازاً يُشبه لمبة الإضاءة، قادر على تحويل تلك الخطوط إلى موجات، وفي غرفة ثانية، وضع فرانسورث ما يشبه الشاشة لاستقبال الصورة، وعند تشغيل الأجهزة، انتقلت صورة الخط المرسوم في المربع إلى الغرفة الثانية، وكانت تلك التجربة الأولى في البث المُتلفز الالكتروني.
وصارت الموجات الكهرومغناطيسية في التليفزيون ناقلاً مشتركاً للصوت والصورة، ولم يعمل فرانسورث على الصوت، ولا على إدماج الصوت والصورة، ولا على صنع أجهزة تتولى التقاط الموجات الكهرومغناطيسية التي تحمل الصوت والصورة معاً، فتلك أمور أنجزها مبتكرون آخرون، مثل جون بيرد الذي درس الهندسة الكهربائية في جلاسجو، ومارس في بداية حياته عدداً من المهن المختلفة قبل أن يتركها ويتجه لدراسة التكنولوجيا، في حين ينظر إلى فرانسورث باعتباره المبتكر الذي مهد لظهور التلفزيون الالكتروني وقد نال "براءة اختراع" عام 1939م كرست إسهامه في هذا الابتكار.
ومن المفارقات التي أدهشت الجميع انتقاد فرانسورث للتليفزون، حيث وصف هيمنته على الحياة اليومية في المقابلة التلفزيونية الوحيدة التي تركها بأنه "أمر مؤلم جداً". ولاحقاً، تحدثت زوجته، التي توفيت في عام 2024م، مراراً عن معاناته من التلفزيون رغم مساهمته في ابتكاره وانتشاره، وذكرت الزوجة أنه وصف ذلك الجهاز بأنه "نوع من الوحوش، متنكر على هيئة أداة للترفيه عن الناس"، ونقلت عنه أيضاً خوفه من أن يُضعف التلفزيون القدرات العقلية لابنه وقد توفي فرانسورث عام 1971م،
ظهور التليفزيون الملون
كان اختراع شاشة تلفزيونية ملونة هو الشغل الشاغل للعلماء منذ أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي، في مختبرات "هيئة الإذاعة الأمريكية" .
وبعد عدد من المحاولات والتجارب في تلك الحقبة والتي بدأتها كل من شبكتي cbs و nbc وهما شركتان متفرعتان عن "هيئة الإذاعة الأمريكية" ، ظهر التليفزيون الملّون في الأسواق، و بدأت nbc البث الملّون لحوالي 40 ساعة في الأسبوع.
وفي الخامس والعشرين من مارس عام 1954 قامت "هيئة الإذاعة الأمريكية" بتصنيع أجهزة تلفزيون ملوّنة في مصنع "بلومينغتون ليمتد"، وانتجت خمسة آلاف تلفزيون بشاشة عرضها 12 إنش وسميت وقتها موديل ct-100، حيث بيع الجهاز بألف دولار.
وفي عام 1967 فاقت مبيعات التلفزيون الملوّن تلك المسجلة للأبيض والأسود لأول مرة، حيث بيع 5.5 مليون جهاز، وبحلول العام 1973 أصبحت نصف المنازل الأمريكية تملك أجهزة ملوّنة.
وحسب مكتب الإحصاء الرسمي الأمريكي، فإن الأمريكين لديهم 248 مليون جهاز تلفزيون في عام 2024 أو ما يعادل 2.4 جهازا للشخص الواحد.
ويعتبر الفرنسيون جهاز التلفزيون اختراع العصر الذي تفوق أهميته بأشواط الكمبيوتر والهاتف الجوال،، كما أفاد استطلاع للرأي أجرى لحساب صحيفة (لو باريزيان) اليومية ومحطة التلفزة الخامسة, فقد اختار 63 % من الفرنسين التلفزيون باعتباره من الحاجيات الأساسية للقرن العشرين يليه الكومبيوتر 46 % ثم الهاتف الجوال 33%.
م/ن