تخطى إلى المحتوى

بسورة النور نربى بناتنا 2024.

خليجية[/IMG]

خليجية[/IMG]

سورة النُّور تميَّزت بالحفاظِ الشَّديد على كرامة الأسرة، وقيمة العرض، ودعَّمت جانب الشَّرف، وفصَّلت ما ينبغي أن يلزمه المجتمع؛ كي يحافظ على حرمات الله، وحقوق النَّاس. ومع أنَّ سور القرآن كلَّها منزَّلةٌ من عند الله، إلا أنَّ هذه السُّورة وحدها، دون سور القرآن كلِّها تميَّزت بهذا البدء:﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾النور: 1. والسَّبب في ذلك: أنَّ سورة النُور تدور حول مشكلات الغريزة الجنسيَّة، وهي من أعتى الغرائز وأقواها. ولما كان ضبط هذه الغريزة في مسارها وانطلاقها لا بدَّ منه؛ لضمان نفس شريفة، وخُلق مستقيم، وعفَّة شاملة مستوعبة، ومجتمع نقيٍّ طهور، فإنَّ السُّورة بدأت بهذا المطلع المتميِّز، ليبيِّن ربُّنا أهميَّتها وعظمتها ومنزلتها العالية السَّامية، ولا بدَّ أن نعلم ابتداءً أنَّ الإسلام دين الفطرة – أي دين الطَّبيعة السَّويَّة المستقيمة – يرفض التَّكلف والافتعال، وما أنزل الله من تعاليم في هذا الدِّين القيِّم، هو لضبط الفطرة، وضمان أن تسير سيراً حسناً، لهذا كان للغريزة الجنسيَّة تعاليم واضحة في هذا الدِّين، وكان لانحرافاتها عقوبات محدَّدة في هذا الدِّين.

الغريزة والزَّواج:
سورة النُّور تتحدَّث عن احترام الغريزة وضبطها، حتَّى لا تنحرف يمنة أو يسرة، ثمَّ التَّخويف لمن يدع حدود الله، أو يترك العقوبات التي قُررت تقريراً حاسماً، في هذه السُّورة المباركة، القرآن الكريم لم يعتبر الغريزة الجنسيَّة رجساً من عمل الشَّيطان، بل اعترف بها، وجعل المتنفَّس الوحيد لها الزَّواج: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾المؤمنون: 5-7. واعتبر الزَّواجَ عبادة، بل جاء في السُّنَّة أنَّه نصف الدِّينإذا تزوَّج العبد فقد استكمل نصف دينه؛ فليتق الله في النِّصف الباقي) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وحسَّنه الألباني. إذاً فالزَّواج فريضة اجتماعيَّة، لا بدَّ أن تتواصى الأمَّة الإسلاميَّة بتيسيرها، لكن!! ذلك متروك للوعي العام ولضمير المؤمن.

وقد جاءت الآيات في هذه السُّورة تتحدَّث إلى أولياء الفتيات، وجاءت أيضاً تتحدَّث إلى من يريد الزَّواج، أو من يقدر عليه ويطلبه، قال الله تعالى:﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ النور: 32. ويشرح النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هذا التَّوجيه فيقولإذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه؛ فزوِّجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)رواه التِّرمذي، وحسَّنه الألباني. ووكَل ذلك – بداهة – إلى تقدير ولي الفتاة، وإلى تصوُّر الأسرة للنَّفقة، وما يتَّصل بها، والواقع أنَّ هذا التَّقدير لا يمكنُ أن يـبُتَّ فيه قانون، إنَّما الذي يبُتُّ فيه مجتمع مؤمن، والذي يبُتُّ فيه رجال يتقون الله، ويريدون أن يشيعوا العفَّة، والقناعة في المجتمع. وإلى أن يتزوَّج طالب الزَّواج، وإلى أن يستكمل دينه، ماذا يصنع بنفسه وغريزته؟!. يقول الله تعالى في علاج أمره: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾النور: 33. فلا بدَّ أن يستعفف، وعبارة الاستعفاف تعني أنَّ المرء يتكلَّف، أو يعاني، أو يتعب نفسه، ولا بدَّ من ذلك في كبح الهوى وضبط الغريزة، فإنَّ الغريزة العاتية تحتاج إلى إرادة حديديَّة، وهنا نجد أنَّ الإسلام حارب الانحراف والجنس بمحاربة بوادره الأولى، أو المقدِّمات التي تغري به، وكان في هذا ديناً عمليَّاً.

لا .. لاقتحام البيوت:
في هذه السُّورة العظيمة، نقرأ قوله تعالى، وهو يمنع الانحراف الجنسي: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾النور: 27. وكما قال أحد السلف إذا سمعت الآية تقوليَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فأعرها سمعك وقلبك، فإنَّ فيها: إمَّا خير تؤمر به، أو شر تُنهى عنه. وهذا النِّداء يستثير الإيمان. لماذا ؟. لأنَّ الإيمان هو الذي يخلق الضَّمير اليقظان الحيَّ، الذي يجعل الإنسان إذا قرع باب بيتٍ، ولم يجد الرَّجل فيه، يرجع من حيث جاء، لا يجوز البتَّة اقتحام بيت ليس فيه صاحبه، لا يجوز ديناً ولا مروءة اقتحام البيت، وفيه امرأة لوحدها، فإنَّ البيت حصنها، وينبغي أن تبق في هذا الحصن مصونة، والإسلام يرفض كلَّ تقليد اجتماعيٍّ، يتواضع النَّاس عليه؛ لجعل الخلوة بالمرأة ممكنة، يرفض الإسلام هذا لأنَّه بذلك – فعلاً – يسدُّ أبواب الفتنة.

غض البصر:
فإنَّ الإنسان إذا أرسل عينه تتلصَّص على الأعراض، من هنا أو من هناك؛ فإنَّه يفتح أبواب الشَّرِّ على نفسه، وقد قال الشَّاعر قديماً:
والمرء ما دام ذا عين يقلِّبُها في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسرُّ مقلته ما ضرَّ مهجتـه لا مرحبـــــــاً بسرور عـــــــــــاد بالضَّــــــرر
إنَّ فتح باب الفتنة يكون بالعين المحَمْلِقة، والبصر الطَّامح، والإيمان أساس في كبح الهوى؛ لأنَّه مَن الذي يعلم خائنة الأعين ؟. ومن الذي يعرف كيف ترسـل بصرك؟. وما النِّية الكامنة وراء هذه النَّظرة ؟. إنَّ الإيمان هو الأساس الذي لا بدَّ أن يثبت في القلوب:﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾النور: 30.

المثيرات مرفوضة:
توجيه دقيق في منتهى الخطورة أوضحته السُّورة، وهو منع المثيرات الحسِّيَّة: ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾النور: 31. ومعنى هذا أنَّ جسد المرأة عورة، ينبغي أن يُوارى، أو أن يُدارى، فلا يجوز أن تلبس ملابس تصفُ البدن، أو تشِفُّ عن مفاتنه، أو تغري العيون الجائعة باستدامة النَّظر إليه، فإنَّ هذا كلَّه فتح لباب الفتنة. والإسلام عندما يأمر بالعفَّة، وعندما ينهى عن الفحشاء، فهو يسدُّ الطَّريق ابتداءً أمام المثيرات التي تنزلق بعدها القدم، لهذا كانت السُّورة سورة آداب، إلى جانب أنَّها ضمانات وحصانات للأعراض وللشَّرف وللقيم، من ذلك في أول السُّورة وآخرها أدب الاستئذان، ففي أول السُّورة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾النور: 27- 28. وفي آخر السُّورة يقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾النور: 58-59.

أختم بأن أقول: ما أحلى الحجاب!!. وما أجمله!. وما أعظمه!. به تنال المرأة المسلمة مكانتها وهيبتها وقيمتها، به تصون عفَّتها وعرضها وشرفها، بمجرد لبسه وظهورها للنَّاس، تصبح أعظم وأجلَّ داعية للإسلام، فالحجاب يجبر النَّاس على احترام الفتاة، لأنَّ الطُّهر والعفاف محبَّب حتَّى عند أهل الفساد، الذين إذا أراد أحدهم أن يتزوَّج لا يرضى إلا بالعفيفة، ويمكن أن يجامل المتبرِّجة، ويستخدمها في تحقيق أغراضه الخبيثة، ويرميها كالعلكة البالية في سلَّة المهملات، وفي تجمُّع الأوساخ والقامات.

ورضي الله عن نساء الصَّحابة في مسارعتهن إلى تنفيذ أمر الله، فما كادت آية الحجاب تنزل، وينقلب بها الآباء والإخوة والأزواج إلى البيوت، حتَّى قامت كلُّ واحدة منهنَّ إلى مرطها فاعتجرت به، وجئن إلى مسجد النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكأنَّ على رؤؤسهنَّ الغربان، من الأدب والهدوء والحشمة، ولا عجب! فإنَّ الله سبحانه جعل الحجاب علامة فارقة بين الفضليات والسَّاقطات. فقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾الأحزاب: 59. يعرفن بأنَّهن العفيفات الطَّاهرات.

وقد اعترف بفائدة الحجاب حتَّى المنصفين من الكافرين. قال أحد أكبر رؤساء دول العالم؛ لنساء بلده، عندما اشتكين من انتشار الأمراض الجنسيَّة بينهنَّ. قال لهنَّ: لا حلَّ أمامكنَّ إلا في التَّشبُّه بالمرأة المسلمة، في لباسها وسترها وعفَّتها، فالحجاب طهارة ونقاء، وعصمة من الأمراض والشَّقاء، وطاعة لربِّ الأرض والسَّماء.

وتقول الدَّاعية المسلمة الأمريكيَّة آمنة شولتزالحجاب أمر من الله تعالى، ونعمة منه، وطاعة الله واجبة، وقد أمر بتغطية جميع أجزاء الجسم، ولا يغني ارتداء البنطلون الضَّيق، وإن كان ساتراً عن الحجاب، والله تبارك وتعالى أمرنا أن نغطِّي الجسد ونخشاه، وهو أمر لصالح المرأة، وحماية لها من الشَّيطان وجنوده … إلى أن تقولولتتذكر أخواتي أنَّ يوم القيامة قريب، والأيام تمضي، والموت قادم لا محالة، فلينظر كلَّ إنسان ما قدَّم لآخرته).
أختي المسلمة: قدِّمي طاعة الله ورضاه على رضى النَّاس، واعلمي أنَّ كلام النَّاس لا ينتهي، والعاقلة تطلب رضوان الله، وإن سخط النَّاس، وإذا رضي الله عن الإنسان صرف قلوب النَّاس إليه، فلا تتردَّدي بلبس الحجاب، واعلمي أنَّك سوف تفوزي وتؤجري، فاتق الله واصبري، وكوني في صحبة الصَّالحات، وأبشري بكلِّ خير في الدُّنيا والآخرة.خليجية[/IMG]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.