تخطى إلى المحتوى

معاقد الحكمة 2024.

يحكى أن حكيما جاءته الوفاة فأخذ يتحسر على عمره وبتلهف على ما فاته ولما سئل عن ذلك وهو من هو في حكمته وبذله الخير للناس.

قال: لقد أنفقت نصف عمري في محاولة إصلاح العالم فلم أفلح ولم أستطع إصلاح العالم ، فرجعت إلى بلدي وحاولت إصلاحه لكن ذلك ذهب أدراج الرياح ومضى بربع عمري معه دون جدوى..

ثم عدت إلى قريتي وعائلتي أحاول إصلاحهم لكني وبكل أسف فشلت في ذلك وقد استهلك هذا ربع عمري.

وها أنا ذا قد انقضى عمري كله وأنا في سكرات الموت وفي حال انقطاع عملي ووصول أجلي أنتبه لأهم أمر وأتذكر نفسي وغفلتي عن العناية بها وإصلاحها حينما انشغلت طوال عمري بإصلاح الآخرين.

لاشك أن أعظم حكمة يتحلى بها المرء هي أن يقبل على نفسه قبل كل شيء ليبدأ معها عمليات التربية والإصلاح؛ ولا ينشغل عنها مهما كانت الظروف ، إذ أن النفس سريعة التقلب والانهزام أمام مجريات الحياة وشهواتها وضغوطها.

وكثير من الناس الذين يشار إليهم بالبنان يحرصون على إصلاح العالم وإحداث التغيير الإيجابي فيمن حولهم لكن أكثرهم ينشغل بذلك عن نفسه وتفقدها وتهذيبها مرة بعد أخرى ، وكثير ممن ينشغل بالآخرين يسري إليه كثير من النقص الذي يكمله فيهم.

وأولى من يقبل عليه الإنسان المصلح هو نفسه ليعتني بها ويوليها الجزء الأكبر من حياته ووقته ويتفرع عن نفسه ذريته وأهله وهلم جرا حتى تتسع دائرته ليكون مركز دائرة تأثيره نفسه وملحقاتها ممن هو مسئول ومحاسب عليه في الدنيا والآخرة.

ورأس الحكمة مخافة الله..فليس حكيما من لم يجعل الله نصب عينيه .. ومن بلغ هذه كان محسنا وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

والحكمة التي هي وضع الشيء في موضعه هبة من الله يهبها للصالحين من عباده { يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } لكنها لا تزرع إلا في أرض خصبة قابلة لها.

والحكمة حيثما وردت في القرآن فهي نعمة وهي الفهم في الدين والعلم النافع المؤدي إلى العمل ومعرفة الخير وفعله والشر واتقاءه.وهي العلم بسنة النبي عليه الصلاة والسلام والعمل بها ظاهرا وباطنا.

ومن أراد أن يستوعب الحكمة وينطق بها فليُمرّ السنة على نفسه قولا وفعلا ، فإن فعل نطق بالحكمة.

والحكمة تُستجلب بطول الصمت وقلة الكلام قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس فاقتربوا منه فإنه يلقن الحكمة.

وقال وهب بن منبه أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت.

وفي الأثر الصمت حكمة وقليل فاعله.

وذلك أن المرء كلما أطال السكوت اجتمع عليه قلبه وصفا فكره ومن تتبع سير الحكماء وجدهم كثيري الصمت قليلي الكلام حتى يكاد أحدهم يوصف بالبخل في منطقه.

وقد كان من صفة النبي عليه الصلاة والسلام كثرة الصمت والتفكر وقلة الكلام .

ومما يورث الحكمة ما قالته الحكمة لمن يطلبها: تبتغيني ابن آدم وأنت واجدني في حرفين تعمل بخير ما تعلم وتذر شر ما تعلم.

وإذا أردت الزيادة في الحكمة فابحث عنها واطل النظر فيها واتبع نصيحة مقاتل بن حيان إذ يقول: إن في طول النظر في الحكمة تلقيحا للعقل.

لكن كن حذرا عند بحثك عنها ونقلك لها ألا ينطبق عليك ما جاء في الأثر (مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ فَيَسْمَعُ الحِكْمَةَ ثُمَّ لا يُحَدِّثُ إلاَّ بِشَرِّ مَا يَسَمِعُ كَمَثلِ رجُلِ أَتَى رَاعِياً فَقَال يا رَاعي أَجْزِرْنِي شَاةً مِن غَنَمِكَ فقال له اذْهَبْ فَخُذْ بِأُذُنِ خَيْرِ شَاةٍ فَذَهَبِ فأخَذَ بأُذُنِ كَلْبِ الغَنَم ).

واحذرك -ونفسي- مما يبدد الحكمة فمن ذلك أن ينشغل الإنسان بالزيادة النظرية منها دون عمل يقول مالك بن دينار : إني وجدت في بعض الحكمة لا خير لك أن تعلم ما لم تعلم ولم تعمل بما قد علمت فإن مثل ذلك مثل رجل احتطب حطبا فحزم حزمة ذهب يحملها فعجز عنها فضم إليها أخرى.

وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل.

وواجب على المرء العاقل أن يبحث عن الحكمة ويبتغييها في مظانها وقد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.

وأشدّ أعداء الحكمة الغضب ، قال عروة :مكتوب في الحكمة يا بني إياك وشدة الغضب فإن شدة الغضب ممحقة لفؤاد الحكيم.

وحفاظك على الحكمة واجب مهم وأعلم أن أكثر ما يضيعها الانشغال بالدنيا وشهواتها قال بعض الحكماء كانت بلية أبيكم آدم عليه السلام أكلة وهي بليتكم إلى يوم القيامة . وكان يقال من ملك بطنه ملك الأعمال الصالحة كلها وكان يقال لا تسكن الحكمة معدة ملأى.

ومن رزقه الله الحكمة وعلمه شيئاً منها وجب عليه أن يبذل زكاتها ولا يكنزها عنده ويحتكرها وحده ؛ فإن منعها من يستحقها فهو ظالم ومن بذلها لمن لا يستحقها فهو مسرف؛ قال بعض الحكماء: لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الرفيق يضع الدواء في موضع الداء.

كما أنه ينبغي للحكيم ألا يقحم نفسه ويبدي رأيه في كل شيء قال بعض الحكماء : لا ينبغي لعاقل أن يعرض عقله للنظر في كل شيء كما لا ينبغي أن يضرب بسيفه كل شيء.

والحكمة لمن علِمها وعلَّمها كانت أفضل هداياه لأحبابه كما ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أفضل الهدية الكلمة من كلام الحكمة يسمعها العبد ثم يتعلمها ثم يعلمها أخاه خيرا له من عبادة سنة على نيتها.

وإن كان شعب يوصف بالحكمة فهم الذين وصفهم أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : ( أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية). فهنيئاً لهم مدحة النبي عليه الصلاة والسلام.

وإليك أخي الحبيب معاقد الحكمة –وهي مَوْضِعُ العَقْدِ من الحَبْل – لعلها تزيدك حكمة:

1-رأس الحكمة مخافة الله.

2-الحكمة هبة من الله يهبها لمن شاء من عباده.

3-الحكمة أينما وردت في القرآن الكريم فهي: طاعة الله وهي الفهم في الدين والعلم النافع المؤدي إلى العمل ومعرفة الخير وفعله والشر واتقاءه.وهي سنة النبي عليه الصلاة والسلام .

4-من يؤتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.وقيد النعم الشكر.

5-الصمت حكمة.

6-الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.

7-من استكثر من الحكمة نظريا دون عمل بها فإنما يوبخ نفسه.

8-الحكمة تضيع مع الغضب والشهوات.

9-من ملك الحكمة وجب عليه أن يبدأ بنفسه ومن يعول ؛ ثم عليه أن يزكيها وهي أفضل هدية يمكن أن تهدى لحبيب.

10-لا يمدح شعب بأكمله بالحكمة سوى أهل اليمن.

نسأل الله أن يجعلنا وإياك من الحكماء الذين يعرفون ما خلقوا له فعملوا له ولم ينشغلوا عن مهمتهم الأولى وطريقهم الاحب ليتفرقوا في بنيات الطريق.

مقاله للكاتب/ابو بكر بن محمد

بارك الله فيك
جزآكـ الله خيراً
خليجية
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.