أهداف تعليم اللغات الأجنبية
يهدف تعليم اللغات الأجنبية إلى :
– تأهيل المتعلم للتمكن من وسائل التعبير الكتابي و الشفوي ، و معرفة الأدب و الثقافة، و تنمية التفاهم الدولي ، و اكتساب المصطلحات الفنية و العلمية و المهنية، و تنمية القدرة على التحليل و التركيب من خلال الاتصال ؛
– و تمكين الطفل من فهم المحيط الاجتماعي و الثقافي بسهولة أكثر؛
– و تطوير فكر متفتح على الثقافات الأخرى باختلاف تقاليدها و عاداتها ؛
– و تنمية حب الاطلاع ؛
– و تيسير الاتصال و التواصل مع الغير؛
– و توطيد العلاقات بين الأجيال والقدرة على فهم واحترام الفروقات الثقافية و الاجتماعية بين اللغات ؛
– تنمية فكرة التسامح و التقارب بين الشعوب .
تباين وجهات نظر الباحثين
أ- المؤيدون
في هذا الشأن ، يؤكد محمد زياد حمدان " أن تعليم اللغات الأجنبية للطفل في وقت مبكر جنبا إلى جنب مع اللغة الأمّ يفيد في تنمية الإدراك والإبداع الفكري لدى الطفل ، و لا يشكل أي خطورة على نمو مهارات اللغة الأم لديه ، بل يؤدي على عكس ذلك إلى ازدياد الطلاقة اللغوية لديه و القدرات الابتكارية الخاصة باستعمالات اللغة الأم تفكيرا ولفظا وكتابة ".
و يؤكد الباحث اللغوي يورجن مايزل " أن الفترة المثلى لتعلم اللغات الأجنبية هي ما بين السن الثالثة و الخامسة حيث يستطيع الطفل التقاط الأصوات اللغوية و قواعد النحو بسرعة . و بالتالي يتمكن من النطق بدقة تماما كنطقه اللغة الأصلية . و يضيف قائلا أن الوقت يصبح متأخرا مع تجاوزه السن العاشرة ".
و تشير الدراسات التي أجريت على المخ أنه يبلغ ذروة نموه في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل ، أي المرحلة التي يسميها دوجلاس براون " الفترة الحرجة "من عمر الإنسان ، و هي فترة فيزيولوجية محددة في نمو الفرد ، يكون فيها اكتساب اللغة سهلا لأن مرونة المخ قبل فترة البلوغ تمكّن الطفل من اكتساب نطق يشبه نطق المتحدثين بها على السليقة ، وبتخطي هذه المرحلة يصبح الأمر أكثر صعوبة .
كما أن ذاكرة الطفل التي تكون أكثر نشاطا في هذه المرحلة من العمر تمكنّه من جمع أكبر قدر من المفردات ، فضلا عن القدرة على تقليد و محاكاة الأصوات التي تزيد من كفاءته في التعلم .
إن إتقان الطفل أكثر من لغة يكسبه قدرات على التحليل و الربط و الاستنتاج و التفكير والتعبير عن المفاهيم بطرق مختلفة يتقنها نتيجة تعلمه لغتين ، و هذا ما لا يتوفر للتلميذ الذي يتعلم لغة واحدة أو يتعلم لغة أجنبية في وقت متأخر .
و مما يستند إليه مؤيدو التبكير بتعليم اللغات في تعليل موقفهم ، الدراسة المقارنة التي أجراها الباحثان ( Peal et Lambert / 1962) بمنطقة مونتريال بكندا حيث تمت مقارنة مجموعتين من الأطفال في سن العاشرة ، تضمنت المجموعة الأولى أطفالا يتعلمون اللغتين الفرنسية و الإنجليزية معا ، و تضمنت الثانية أطفالا يتعلمون لغة واحدة فقط .
ومن النتائج التي خلصت إليها هذه الدراسة تفوق الأطفال الذين يتعلمون اللغتين فكريا على الأطفال الذين يتعلمون لغة واحدة . و قد أعزى الباحثان هذا التفوق إلى المرونة المعرفية ( cognitive flexibility) التي يتمتع بها أطفال المجموعة الأولى في الانتقال من نظام رمزي إلى أخر.
أما دراسة بيزا "Pisa" العالمية التي قامت بتقييم نظام التعليم في عدد من الدول ، فقد أحدثت ثورة في أوروبا ، و غيّرت نظرة الأوربيين للغات الأجنبية ودفعت بهم إلى إعادة التفكير ٿي قضية تعليم اللغات الأجنبية للأطفال .
و في سنة 1996 خلصت دراسة (نشرت ٿي مجلة " البحث في التربية و علم النفس") كانت تهدف إلى معرفة أثر التبكير في تعليم اللغة الانجليزية على مستويات التحصيل في المواد الأخرى المقررة على تلاميذ الصفين الأول و الثاني الابتدائيين في مدارس الكويت إلى عدم وجود تأثير سلبي لتعلم اللغة الانجليزية على تحصيل المواد الأخرى .
ب – المعارضون
و هناك دراسة أخرى كويتية أجريت على عينات من التلاميذ الدارسين العربية و الانجليزية معا و تمحورت حول أثر إدخال اللغة الانجليزية في مناهج التعليم الابتدائي على اللغة العربية . أثبتت هذه الدراسة أن مهارات بعض التلاميذ في لغتهم الأصلية (اللغة العربية) قد تدنت . مع الإشارة أن البحث قد اختار بشكل عشوائي عينتين متكافئتين من التلاميذ ، شملت المجموعة الأولى أطفالا درسوا حتى الصف الثالث ابتدائي دون التعرض إلى اللغة الأجنبية أي الانجليزية ، فيما شملت المجموعة الثانية أطفالا درسوا اللغة الانجليزية منذ السنة الأولى ابتدائي إلى غاية السنة الثالثة ابتدائي .
وبعد المقارنة و تحليل النتائج ، أظهر البحث أن التلاميذ اللذين لم يدرسوا اللغة الانجليزية بجانب اللغة العربية تفوقوا في تحصيلهم في مقرر اللغة العربية وكان الفرق بين تحصيل المجموعتين ذا دلالة إحصائية إذ أنه شمل جميع مهارات اللغة العربية مثل القراءة ، و الكتابة ، و القواعد و المفردات ودّل على تدن في تحصيل جميع تلك المهارات لدى المجموعة الثانية .
أما بخصوص التداخل اللغوي، فأكد البحث هذه الظاهرة على أكثر من مستوى ، فعلى مستوى التداخل الصوتي أكد 35 % من المعلمين أن نطق التلاميذ أصبح أسوأ مما كان عليه قبل إدخال اللغة الانجليزية .
و يرى آخرون أنه من الثابت علميا أن المتعلمين الأكبر سنا أفضل من حيث معدل سرعة تعلم اللغة الأجنبية وتحصيلها النهائي ، بينما الصغار يتفوقون في نمو النظام الصوتي فقط ( أي صحة النطق) غير أنه مشروط بضرورة الدراسة في بيئة لغوية أصلية حيث يستمع الطفل إلى اللغة من متحدثيها الأصليين ويمارسها معهم .
وتفيد البحوث أيضا أن المراهقة المبكرة هي أفضل عمر لتعلم اللغة الأجنبية سواء من حيث سرعة التعلم أو التحصيل النهائي . تدل على ذلك نتيجة البحث الذي شمل أطفالا كنديين انجليزيي اللسان ، تتراوح أعمارهم بين 12 و13 سنة ، كانوا يتابعون برامج للانغماس اللغوي ( Immersion Programs) متقدمة في تعلم اللغة الفرنسية كلغة أجنبية ، و هو البحث الذي أفاد بأن هؤلاء الأطفال قد أجادوا تعلم اللغة الفرنسية كلغة أجنبية بالمستوى نفسه الذي كان عليه أطفال المجموعة الثانية من ذوي الخلفية اللغوية نفسها و الذين كانوا في برامج انغماسية مبكرة في تعلم الفرنسية كلغة أجنبية و من شرعوا في تعلم اللغة الأجنبية في مرحلة الحضانة ، و تلقنوها بحجم ساعي يساوي ضعف الحجم الساعي الذي استفاد منه أطفال البرامج المتقدمة .
ومن هنا تبين أن الاعتقاد الشائع بأن الأطفال أكثر قدرة على تعلم اللغة الأجنبية من الكبار تنبني على ملاحظات خاطئة . و إذا ، فمسألة تفوق الأطفال في التعلم لا تمس إلا الذاكرة الحركية ( motor memory) . هذه الحقيقة التي يؤكدها خبير من خبراء اللغة في أمريكا د. دوجلاس براون ، حيث يقول في كتابه مبادئ تعلم و تعليم اللغة : " ما نعرفه حق المعرفة هو أن الأطفال و الكبار على حد سواء لديهم القدرة على اكتساب اللغة الثانية في أي مرحلة من العمر".
ويستند هؤلاء لما قررته نتائج بعض البحوث العلمية من خطر تعليم اللغة الأجنبية المبكر على اللغة الأصلية ، و التي تؤكد في الوقت ذاته أن النجاح في تعلم اللغة الأجنبية لا يعتمد على العمر وحده ، و إنما يتأثر بعوامل شتى منها أهداف تعليم اللغة الأجنبية و استراتيجيات التعليم ، و السن التي يبدأ عندها التعليم فضلا عن دافعية المتعلمين .
زيادة على ذلك، أجريت دراسة في عام 1998 لمعرفة ايجابيات و سلبيات تعليم اللغة الأجنبية بالمرحلة الابتدائية خلصت إلى أن أنسب صف لتعليم اللغة الأجنبية هو الصف الرابع الابتدائي بعد أن يكون الطفل قد تمكن من مهارات تعلم لغته الأم .
وفي عام 2024 نشرت دراسة في مجلة التربية ( جامعة أسيوط ) حول أثر الازدواجية اللغوية على اكتساب تلاميذ المدرسة الابتدائية لمهارات اللغة العربية و تحصيلهم اللغوي ، و قد توصلت إلى أن الثنائية اللغوية تؤثر بالسلب على المهارات اللغوية لدى الطفل .
ت – رأي وسطي
فتعلم لغة أجنبية في سن مبكرة ضرورة تحتمها ظروف عصرنا هذا الذي تتشابك فيه المصالح ويكثر فيه اتصال الشعوب بعضها ببعض ، لكن يجب أن يكون هذا مشروطا بتفرغ الطفل مدة ثلاث سنوات على الأقل لتعلم لغته الأصلية دون إدخال أي لغة أخرى حتى يتسنى ترسيخ أساسيات اللغة الأم في ذهنه .
بالإضافة إلى ذلك فهذه الفترة تضمن نمو الطفل و نضجه عقليا و وجدانيا وجسميا لتقبل تعلم لغة أجنبية . و لذلك فلا خوف من تعلم الطفل لغة أجنبية ما دامت تلك اللغة تعلم كلغة ثانية ، و لا تستعمل كوسيلة للتخاطب في الحياة اليومية و لا كلغة تعليم داخل المدرسة ".
و يفسر الدكتور غصوب رئيس توجيه اللغة العربية بوزارة التربية القطرية بأن طفل عصر التكنولوجيا و الفضائيات وشبكات الإنترنيت قادر على التعامل المقتدر مع أساسيات لغوية سهلة و ميسورة في اللغة الأجنبية و أن الانطلاق الفكري و التعبيري في هذه الأخيرة لا يزاحم اللغة الأصلية شريطة أن تدرس اللغة الأصلية بأساليب متطورة ومجدية .
* * * * *
على أية حال ، تبقى كل هذه الآراء المؤيدة أو المعارضة أو الموفقة بين الرأيين مجالا مفتوحا للنقاش و تبقى نتائج كل هذه البحوث نسبية و مرهونة بظروف كل بحث أو دراسة ، إلا أنه ليس بإمكاننا إنكار تلك الأدلة الواقعية الملموسة في كثير من النظم التعليمية المعاصرة التي تدرس أكثر من لغة واحدة في المرحلة الأولى من التعليم و في المناطق التي يتحدث سكانها لغات متعددة دون أن تؤثر إحداها على الأخرى سلبا و من هذه الدول يمكن ذكر الاتحاد السوفييتي ، و الهند ، و سويسرا ، بلجيكا و كندا …
موضوووووع مميز و رائع …………
بارك الله فيك على ابداعاتك ……..
حفظك الله و رعاك …….
تقبلي مروري و تحياتي
*****زهرة الجزائر****