{وأما من خاف مقام ربه}
يعني خاف القيام بين يديه؛ لأن الإنسان يوم القيامة سوف يقره الله عز وجل بذنوبه
حين يخلو به ويقول عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا كما جاء في الصحيح، فإذا أقر
قال الله له:
«قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم »
فهذا الذي خاف هذا المقام ، {ونهى النفس عن الهوى} أي عن هواها ، المخالف لأمر
الله ورسوله ، والنفس أمَّارة بالسوء لا تأمر إلا بالشر . ولكن هناك نفس أخرى تقابلها
وهي النفس المطمئنة
وللإنسان ثلاث نفوس :
مطمئنة، وامارة ، ولوامة
وكلها في القرآن ، أما المطمئنة في قوله تعالى:
{يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي. وادخلي جنتي}
[الفجر: 27 30].
وأما الأمَّارة بالسوء في قوله تعالى:
{وما أبرىء نفسي إن النفس لأمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي}
[يوسف: 53].
وأما اللوامة في قوله تعالى:
{لا أقسم بيوم القيامة. ولا أقسم بالنفس اللوامة}
[القيامة: 1، 2].
والإنسان يحس بنفسه بهذه الأنفس؛ يرى في نفسه أحياناً نزعة خير يحب الخير
ويفعله و هذه هي النفس المطمئنة، و يرى أحياناً في نفسه نزعة شر فيفعله وهذه
النفس الأمارة بالسوء، وتأتي بعد ذلك النفس اللوامة التي تلومه على ما فعل فتجده يندم
على ما فعل من المعصية، أو لوامة أخرى تلومه على ما فعل من الخير، فإن من الناس
من قد يلوم نفسه على فعل الخير وعلى مصاحبة أهل الخير ويقول:
كيف أصاحب هؤلاء الذين صدوني عن حياتي.. عن شهواتي..
عن لهوي، وما أشبه ذلك.
فاللوامة نفس تلوم الأمارة بالسوء مرة، وتلوم المطمئنة مرة أخرى، فهي في الحقيقة
نفس بين نفسين تلوم النفس الأمارة بالسوء إذا فعلت السوء، وتندم الإنسان، وقد تلوم
النفس المطمئنة إذا فعلت الخير.
{فإن الجنة هي المأوى}
الجنة,, هي دار النعيم التي أعدها الله عز وجل لأوليائه فيها ما لا عين رأت، ولا أذن
سمعت، ولا خطر على قلب بشر
قال الله تعالى:
{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}
[السجدة: 17].
هكذا جاء في القرآن، وجاء في الحديث القدسي:
«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر»
هذه الجنة يدركها الإنسان قبل أن يموت، إذا حضر الأجل ودعت الملائكة النفس للخروجBR size=5fac"ournwقالت: أخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى رضوان الله ، وتبشر النفس بالجنة
قال الله تعالى:
{الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم}
[النحل: 32].
يقولونه حين التوفي {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} فيبشر بالجنة فتخرج
روحه راضية متيسرة سهلة
ولهذا لما حدث النبي عليه الصلاة والسلام فقال:
«من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»
قالت عائشة: يا رسول الله: كلنا يكره الموت، فذكر لها أنه ليس الأمر ذلك ولكن
المؤمن إذا بشر بما يبشر به عند الموت أحب لقاء الله أحب الموت وسهل عليه
وإن الكافر إذا بشر والعياذ بالله بما يسوؤه عند الموت كره لقاء الله وهربت نفسه
و تفرقت في جسده حتى ينتزعوها منه كما ينتزع السفود من الشعر المبلول، والشعر
المبلول إذا جر عليه السفود وهو معروف عند الغزالين يكاد يمزقه من شدة سحبه عليه
هكذا روح الكافر والعياذ بالله تتفرق في جسده لأنها تبشر بالعذاب فتخاف , فالجنة فيها
ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، والإنسان قد يدركها قبل أن
يموت بما يبشر به
وقد قال أنس بن النضر رضي الله عنه لسعد بن معاذ :
«يا سعد ، والله إني لأجد ريح الجنة دون أحد»
وهذا ليس معناه الوجدان الذوقي، وجدان حقيقي
قال ابن القيم رحمه الله:
(إن بعض الناس قد يدرك الآخرة وهو في الدينا)
ثم انطلق فقاتل وقُتل رضي الله عنه، فالحاصل أن الجنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن
سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
استوقفتني الآية وتفسيرها من تفسير ابن عثيمين رحمه الله تعالى…
ونفع بك
نقل موفق بارك الله فيك