كنت قد مررت هنا وفي أكثر من موقع على مواضيع وردود بالغ أصحابها في الخوض في الأعراب وإنتقاصهم وقد إحتج بعضهم بقوله تعالى:
{ الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله والله عليم حكيم }
في أن الأعراب هم دوما أشد كفرا ونفاقا من غيرهم!!
وقد أتخذها كثير من الروافض ذريعة لتشويه صورة العرب عموما وأهل الجزيرة خصوصا في كتبهم ومناظراتهم..
وحتى لايفهم الموضوع بشكل خاطئ..فإني لاأقصد منه التعصب أو الإنتصار لفئة معينة
أو حتى التنزل إلى بعض السقطات إنما قصدت البحث في المسألة كما ذكرها العلماء
وأن لا نحكم في كثير من الأمور دون بينه ونخوض بها دون علم.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
{ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }التوبة-97-99
قيل الأعراب:
هم سكان البادية والنسبة إليهم أعرابي؛ وهو البدوي؛ ويجمع على أعاريب؛ وقيل ليس الأعراب جمعاً لعرب؛ كقولك ليل لائل؛ تقول عربٌ عاربة؛ وعرباء وعربة.
وحكى الأزهري : رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتا وإن لم يكن فصيحا؛ وجمعه العرب؛ ورجل معرب إذا كان فصيحا؛ ورجل أعرابي بالألف إذا كان بدويا صاحب نُجْعة وانتواء وارتياد للكلأ؛ وتتبع مساقط الغيث.
وقال:
والذِي لا يُفَرِّق بين العَرَب والأَعْرَاب والعَرَبِيِّ والأَعْرَابِيّ رُبَّما تَحَامَلَ عَلَى العَرَب بما يَتَأَوَّلُه في هَذِه الآيَة وهو لا يُمَيِّز بَيْنَ العَرَب والأَعْرَابِ، ولا يَجُوزُ أَن يُقَال للمُهَاجِرِين والأَنْصَارِ أَعْرَابٌ إِنَّما هم عَرَبٌ لأَنَّهم استَوْطَنُوا القُرَى العَرَبِيَّة وسَكَنُوا المُدُنَ سواءٌ منهم النَّاشِي بالبَدْوِ، ثمَّ استَوْطَنَ القُرَى،والنَّاشِئُ بمَكَّة ثم هَاجَرَ إِلى المَدِينَة. فإِنْ لَحِقَت طائِفَةٌ منهم بأَهْلِ البَدْوِ بَعْدَ هِجْرَتِهم واقْتَنَوْا نَعَماً وَرَعوْت مَسَاقِطَ الغَيْثِ بعد مَا كَانُوا حَاضِرَةً أَو مُهَاجِرَةً، قِيلَ: قَدْ تَعَرَّبُوا، أَي صَارُوا أَعراباً بَعْدَ مَا كَانُوا عَرَباً. وفي الحَدِيثِ. تَمَثَّلَ في خُطِبَتِهِ مُهَاجِرٌ لَيْسَ بأَعْرَابِيّ جَعَلَ المُهَاجِرَ ضِدَّ الأَعْرَابِيّ. قال: والأَعْرَابُ سَاكِنو البَادِيَة من العَرَب الّذِينَ لا يُقِيمُونَ في الأَمْصَار ولا يَدْخُلُونها إِلا لِحَاجَة.
وقيل:
ليس كل بدوي أعرابي ولكن كل أعرابي بدوي.
وقد فرق بعضهم بين (نسب العرب وحال العرب) فذكروا:
أن نسب العرب: هو ماتنحدر منه القبائل العربية المنتشرة في أنحاء البلاد العربية على إختلاف مواطنها..وقد تضم القبيلة الواحدة فئات تختلف في المواطن والطبائع ويتوزع أبناءها بين البادية والحاضرة.و من لا ينتمي إليها فهو ليس عربي و لابد أن يكون من قبائل غير عربية كالقبائل الباشتونية الأفغانية أو القبائل البلوشية الباكستانية و هكذا و لا يعني أن ليس لهم نسباً بل لهم نسب و لكنه غير عربي
وحال العرب : إما "حضر" يسكنون المدن أو "بدواً" يسكنون البادية و جميعهم (عرب إن كانوا ينتمون إلى قبائل عربية) و (قد يوجد حضر و بدو ممن لا ينتمون إلى القبائل العربية كبدو و حضر أفغانستان و تركيا و باكستان و هكذا).
ومن المعلوم أن أهل البادية أشتهروا بصفات عدة كالكرم والشجاعة والفصاحة وأكسبتهم بيئتهم بعض الطبائع كالشدة والجلد والإقدام وكذلك البساطة والزهد والتواضع وقد كان السابقون من هذه الأمة يرسلون أبناءهم صغاراً إلى البادية لأجل تحصيل فوائد عديدة ، منها ما يتعلق بالتعود على الخشونة وتعلم مكارم الأخلاق ، ومنها ما يتعلق بتقويم اللسان ليتعود سماع اللغة العربية من منبعها الأصلي ، فيتعلم الفصاحة وينطق بالبلاغة.وقد ترعرع رسول صلى الله عليه و سلم في "بادية" بني سعد وفيها حصلت حادثة شق الصدر وقد كان يعقوب عليه السلام وأبنائه من سكان بادية كما جاء في تفسير القرطبي أنه يروى أن مسكن يعقوب كان بأرض كنعان، وكانوا أهل مواش وبرية؛ وقيل: كان يعقوب تحول إلى بادية وسكنها.
الآن لنعد ونتدبر الآيات من جديد:
جاء في تفسير قوله تعالى:
{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)}
أن الأعراب أشد جحودا لتوحيد الله وأشد نفاقا من أهل الحضر في القرى والأمصار وذلك بسبب جفائهم وقسوة قلوبهم وقلة مشاهدتهم لأهل الخير فهم لذلك أقسى قلوبا وأقل علما بحقوق الله..
قال أبو السعود: وهذا من باب وصف الجنس بوصف بعض أفراده، كما في قوله تعالى: وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ولأن الأعراب ليسوا كلهم كذلك، فقد بين قوله: وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ {التوبة: 99}
فبين سبحانه في تلك الآية أن المراد بالجنس البعض لا الكل.
وجاء في تفسيرها أيضا:
أن أهل البوادي من المنافقين هم { أشد كفرا ونفاقا } من المنافقين من أهل الحاضرة ، وذلك لتوحشهم وقساوتهم ، وعدم مخالطتهم لأهل العلم وقلة استماعهم للكتاب ، { وأجدر } أي : أحق { ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } من الشرائع وفرائضها وسننها ، لبعدهم عن مجالس العلم ، { والله عليم حكيم } ؛ يعلم كل واحد من أهل الوبر والمدر ، حكيم فيما يدبر من إسكان البادية ، أو الحاضرة ، ويختار لكم واحد بحكمته البالغة ما يليق به ،
[ إذن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية تحدث عن فئة الكفار والمنافقين من الأعراب وهو مالا ينطبق على المسلمين منهم ولهذا أخبر الله سبحانه وتعالى أنّ من الأعراب ، من سكان البوادي مَن لا ينطبق عليه هذا الوصف .. وانّهم مؤمنون صادقون في إيمانهم]
يقول إبن كثير في تفسيره:
وقوله : ( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ) هذا هو القسم الممدوح من الأعراب ، وهم الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ، ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم ، ( ألا إنها قربة لهم ) أي : ألا إن ذلك حاصل لهم ، ( سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم )
وبطبيعة الحال هم يحملون من الصفات مايميزهم ولاتهذب هذه الصفات وترتقي إلا إذا خالطها الإيمان بالله وإخلاص العبادة له,
قال عمر بن عبد العزيز : ماقوم أشبه بالسلف من الأعراب لولا جفاء فيهم .
وقال غَيْلان : إذا أردت أن تسمع الدعاء؛ فاسمع دعاء الأعراب .
تجدر الإشارة هنا إلى أنه:
[ قد ورد الترغيب في سكنى المدن؛ لأنها محل العلم وسماع الوعظ ، وفيها من يستعان بهم على الدين ، وورد الترغيب أيضا في سكنى الجبال والفرار بالدين من الفتن ، وخصوصا في آخر الزمان .ولهذا اختار كثير من الصحابة والتابعين سكنى البوادي؛ كأبي ذر؛ وسلمة بن الأكوع ، وغيرهما رضي الله عنهم .
والتحرير في المسألة : أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والمقاصد ، فمن كان مراده تحقيق الشريعة ، وتحرير مسائل العلم الظاهر ، والقيام بوظائف الدين ، ولم يجد في البادية من يعينه على ذلك؛ فسكنى المدن أفضل له ، ومن كان مراده تصفية قلبه وتحقيق علم الطريقة ، وتهيئة القلب لإشراق أنوار الحقيقة ، فالاعتزال في البوادي ، وقرون الجبال ، أوفق له ، إن وجد من يستعين بهم على ذلك؛ لأن شواغل المدن ، وعوائدها كثيرة ، وقد كثرت فيها الحظوظ والأهوية؛ فلا يجد فيها إلا من هو مفتون بدنيا أو مبتلى بهوى ، بخلاف أهل البادية ، هذه العوائد فيهم قليلة ، وجل أهلها على الفطرة ].(*)
ختاما:
يجب أن يعلم أن أساس التفاضل الذي وضعه الله بين عباده هو التقوى
فلا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى..
ولابد أن يسلم المؤمن لقول الله سبحانه وتعالى:
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)
ويجعله نبراسا حتى لا يقع في مزالق أقل ماقيل فيها ((أنها منتنة))
والله لايحرمني منك
والله يعطيك العافيه