لعل آخر أكبر حقل للنفط بقرب السواحل في أمريكا يكمن تحت آخر أكبر
محمية قومية شاطئية للحياة البرية. ويمكن للعِلم أن يوضح الفوائد الاقتصادية
والمخاطر البيئية المحتملة من جراء عمليات الحفر في ذلك المكمن.
عندما تطير من ديدهورس في ألاسكا غربا باتجاه حقل نفط ألپاين الجديد التابع لشركة فيليپس پتروليوم، يمكنك أن تتابع تطور تنمية حقول النفط في نورث سلوپ North Slope الذي يمر تحتك كفيلم يُعرض بأسلوب الفارق الزمني time lapse. وعند الإقلاع يمتلئ المنظر بالحقل الضخم، حيث بدأ كل شيء؛ فقد تم اكتشاف حقل خليج پرودهو Prudhoe Bay عام 1968، وبدأ الإنتاج منه عام 1977 لينساب النفط عبر خط الأنابيب العابر لألاسكا إلى ميناء ڤالديز الخالي من الجليد.
وبالتحليق إلى ارتفاع أعلى، فإن الطائرة تتعقب خطوط أنابيب الإمدادات التي تتجه غربا على شكل مُتَلَوٍّ نحو كوپاروك، وهو ثاني حقل بعد حقل پرودهو، من حيث حجم النفط المكتشف على اليابسة في أمريكا الشمالية حتى الآن. ومثله مثل پرودهو، فقد نما حقل كوپاروك منذ افتتاحه عام 1981، حتى أصبح الآن يضم عددا كبيرا من الآبار المبعثرة عشوائيا على مساحة قدرها 800 ميل مربع، ترتبط بشبكة من الطرق والأنابيب تصلها بمنشآت المعالجة الضخمة وأبنية المخيمات وساحات وقوف المركبات والحفر السّود المملوءة بالصخور والطين اللذين استُخرجا من الأعماق.
وإلى الشمال ـ في المياه الساحلية ـ تظهر الجزيرتان الاصطناعيتان نورث ستار وإنديكوت. وحالما تبدأ الطائرة بالهبوط في مهبط الطائرات الموجود في ألپاين فإنك تتقدم بسرعة إلى أحدث ما تم التوصل إليه في مجال هندسة البترول. إن المديرين التنفيذيين في صناعة البترول يعتبرون هذا المشروع، الذي يغطي مساحة تكاد تخلو من الطرقات وتبلغ نحو 96 فدانا، نموذجا للتنمية البترولية الراشدة التي تشعر بالمسؤولية تجاه البيئة، وتحقق الأهداف الاقتصادية المرجوة في آن معا. كما يرون فيه الدليل على أن شركات النفط قد تعلمت كيف تتعايش مع النظم البيئية الحساسة في منطقة القطب الشمالي.
وحقل ألپاين هو أحدث الحقول النفطية وأبعدها في أقصى غرب نورث سلوپ، ولكنه لن يستمر طويلا كذلك. فقد بدأ إنتاجه في الشهر 11/2017، وتدفق النفط مسافة 50 ميلا إلى محطة الضخ رقم 1 قرب ديدهورس عن طريق أنابيب فرعية تربطه بمنظومة الأنابيب الرئيسية. وبحلول الشهر 2/2017 وصل إنتاج الحقل إلى الحد الأقصى للمشروع وهو نحو 000 90 برميل في اليوم، إلا أن خط الأنابيب الممتد إلى ديدهورس يمكن أن ينقل نفطا أكثر من ذلك بكثير.
لقد أُخذ المستقبل بالحسبان عندما أنشئ خط الأنابيب، ومن ألپاين يتجه مستقبل صناعة الهدروكربونات بنورث سلوپ في ثلاثة اتجاهات في آن واحد. فإلى الغرب تمتد هذه الصناعة إلى منطقة National Petroleum Reserve-Alaska NPR-A ، التي تغطي مساحة 23 مليون فدان والتي يقع حقل ألباين على حدودها. وقد طرحت الحكومة الفدرالية عام 1999 أربعة ملايين فدان للإيجار، بدأت أعمال التنقيب فيها عام 2024. وسيُنقل إنتاج حقول النفط الجديدة التي ستكتشف هناك عبر خط أنابيب حقل ألپاين.
وكذلك يمكن أن يتم التوجه في المستقبل جنوبا، فقد دفع الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الشركات العاملة في نورث سلوپ لتخصيص 75 مليون دولار للتخطيط لإنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي بكلفة قدرها عشرة بلايين دولار. وسيساعد هذا الخط على إنتاج نحو 35 تريليون قدم مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي غير المستغل حاليا، ونقلها إلى الولايات الأمريكية الجنوبية في أواخر العقد الحالي.
وتبحث شركتا فيليپس وبريتيش پتروليوم وغيرهما من الشركات المنتجة للنفط في ألاسكا عن فرص جديدة باتجاه الشرق بعد عام 2024. فعلى بُعْد أقل من 30 ميلا من بَدَامِي ـ وهي المحطة النهائية الشرقية للبنية التحتية لمنطقة نورث سلوپ ـ يقع السهل الساحلي والسهل العشبي tussock tundra التابعان للمنطقة المسماة 1002. و هذه المنطقة هي المعنية بأحد بنود قانون عام 1980 الخاص بالحفاظ على الأراضي للصالح القومي العام في ألاسكا(1)، الذي خصص نحو 1.5 مليون فدان من أملاك الحكومة الفدرالية، وذلك على الرغم من توقعات الجيولوجيين أن تضم هذه المنطقة في أكنافها بلايين البراميل من النفط وتريليونات الأقدام المكعبة من الغاز الطبيعي.
وقد وضع القانون نفسه المنطقةَ 1002 ضمن الملاذ القومي للحياة البرية في منطقة القطب الشمالي(2)، وذلك خلافا لملاحظات علماء الأحياء (البيولوجيين) الذين يقولون بأن السهل الساحلي يوفر مأوى رئيسيا للحياة البرية في منطقة القطب الشمالي؛ إذ إنه منطقة توالد قطعان الرنة، وكذلك يضم الأراضي الرطبة اللازمة لتعشيش واستراحة بجع التندرا والطيور المائية الأخرى، ويوفر العرين للدببة والثعالب القطبية، والكلأ الدائم (على مدار السنة) لقطيع صغير من ثيران المسك.
وهكذا فقد أثار الكونگرس إحدى أطول حروب المصالح البيئية التي دارت في القرن الماضي، وبدأت السهام تتطاير من جديد. ففي 26/2/2017 قدم السيناتور<F.موركوفسكي> (من ألاسكا) مشروع القانون S.389، الذي يسمح بفتح المنطقة 1002 للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما. ويسمح مشروع القانون لمكتب إدارة الأراضي Bureau of Land Management بتحديد النشاطات للتأكد من أنها «لن تؤدي إلى آثار ضارة في الأسماك والحياة البرية ومواطنها، وفي الموارد اللازمة لإعاشتها، وفي البيئة.»
فهل يمكن للتشريعات الواعية أن تمنع حدوث مثل هذه التأثيرات؟ أو هل يمكن للتقانة المتطورة والمراقبة الكاملة لتنمية حقول النفط أن تسبب مخاطر غير مقبولة لأكبر الملاذات الأمريكية للحياة البرية، الذي بقي حتى الآن في حالة قريبة من حالته الطبيعية؟
إن من الخطأ أن نوجه إلى العلماء أسئلة تجبرهم على الموازنة بين القيم النسبية للنفط وبين الحياة البرية. ومع ذلك فإن نحو 245 من علماء الأحياء لم ينتظروا أن يوجه إليهم مثل هذا السؤال، وقدموا في الشهر 11/2017 كتابا مفتوحا إلى الرئيس كلينتون يلحون عليه أن يتجاوز الكونگرس ويعلن المنطقة محمية حياة برية، مما يؤدي إلى إغلاقها أمام عمليات التنمية. ومن جهة أخرى، وفي مقابلات مع العديد من جيولوجيي البترول في ألاسكا، بيّن الجميع تقريبا أن إدخال الصناعة النفطية يمكن أن يتم عمليا من دون أن يؤدي إلى أكثر من أضرار بالنواحي الجمالية (المظهرية). وفي حال وجود خلاف سياسي بالدرجة الأولى فإن رأي العلماء لن يؤثر أكثر من رأي أي إنسان آخر.
على العلم والهندسة أن يدخلا طرفا في النقاش حول مصير ملاذ الحياة البرية في منطقة القطب الشمالي، ليس على هيئة جماعة ضغط، وإنما كمصدرٍ للحقائق يجب على أصحاب كافة وجهات النظر أن يتقبلوه. فقد أدت ثلاثون عاما من الابتكارات إلى إيجاد طرق للعثور على النفط وإنتاجه من أعماق التندرا بتأثيرات سلبية أقل من السابق. وكذلك حددت 25 عاما من الدراسات البيولوجية ـ بطريقة كمية ـ تأثير هذه النشاطات في الحياة على السطح. وقبل أن يقرر الرأي العام موقفه من المسألة، فإنه لا بد من حصوله على صورة واضحة عما يمكن أن يكسبه، وعن المخاطر التي يغامر بها، وعن درجة الشك التي تتضمنها كلمة «يمكن».
الله يعطيكى العافية