يعد نزوع الأطفال نحو التخريب من المسائل التي تعاني منها غالبية الأسر، حيث يتسبب في كثير من الأحيان بإيجاد المتاعب والأضرار للأسرة والمجتمع .
ويلاحظ أن مثل هكذا أطفال ما إن يقع نظرهم على شيء، سواء في خلوتهم أو مع الآخرين، حتى يبادروا إلى تخريبه وتحطيمه. ولا يعني هذا أنهم يتصفون بالغباء دائماً، بل قد تكون درجات عالية من الذكاء، لكنهم رغم ذلك يقدمون على مثل هذه الأفعال التي لا يستسيغها عاقل.
ومن صفاتهم أنهم يسعون دائماً إلى تخريب كل ما تقع عليه أعينهم ـ فتراهم أحياناً يمزقون قطعة قماش تكون في متناولهم، أو يحطمون صحناً، أو يمزقون أوراق الجدران، ويعبثون بستائر البيت، وبالكتب وما شابه ذلك.
أشكال التخريب:
لا يقتصر التخريب على صورة محددة ويتلبس بأشكال وصور متنوعة وعديدة، فقد يحصل في بعض الحالات على شكل أفعال وتصرفات تثير غضب وانزعاج الوالدين والآخرين، من قبيل فتح وغلق الأبواب، والعبث بالملابس أو المكواة وخلق الضوضاء بالصياح، أو إيذاء طفل صغير وإبكائه من خلال ضربه أو خطف شيء ما من يده أو العبث بألعابه.
الأسباب والدوافع:
فيما يخص أسباب ودوافع التخريب لدى الأطفال، لا بد من تناولها على النحو الآتي:
أ ـ الأسباب النفسية:
في الواقع أن نزعة التخريب عند الأطفال جذوراً نفسية فالطفل لا يقدم على التخريب عملياً إلا بعد أن يكون قد ورد على ذهنه وخطط له مع نفسه. ومن شأن شعور الطفل بحاجة إلى شيء ما والحرمان من شيء أن يدفعه إلى التخريب ونشير فيما يلي إلى بعض هذه الأسباب:
1 ـ التحري: قلنا أن الطفل يلجأ أحياناً إلى التخريب بسبب حب التحري والتقصي ومعرفة حقيقة الأشياء، دون أن يقصد التخريب لذاته.
2 ـ الحساسية: الطفل بطبيعته حساس إزاء الأشياء التي يراها أمامه، ومن مقتضيات نموه هو سعيه إلى البعث بالأشياء وتجريبها وأحياناً تخريبها.
3 ـ الخيال الطفولي: في بعض الأحيان يعبث الأطفال بشيء ما بهدف إرضاء خيالاتهم الطفولية، لأن الأطفال يتمتعون بقدرة فائقة على التخيل حتى أنهم قد يبنون في خيالهم قصوراً في القمر، ويصنعون أجنحة يطيرون بها في السماء. ومن هنا فإنهم قد يقدمون على التخريب من أجل تحقيق أوهامهم وتخيلاتهم.
4 ـ حب الاستفراد: وقد يلجأ الطفل إلى التخريب أحياناً بسبب رغبته في الاستفراد بتملك شيء معين دون أن يستطيع تحقيق ذلك. وفي الواقع كأنه يقول بذلك: إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر.
5 ـ الاضطراب: وأحياناً قد يمارس الطفل التخريب بسبب نوع من الاضطراب النفسي الذي يخرجه عن توازنه ويفقده السيطرة على إرادته.
6 ـ الأسباب العاطفية: الكثير من الممارسات التخريبية لها أسباب وجذور عاطفية، وبعبارة أخرى يلجأ الطفل أحياناً إلى ممارسة التخريب لأن شيئاً ما يجرح عواطفه ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى مسائل عديدة منها:
– إفراغ الانفعالات:يلجأ الأطفال أحياناً إلى التخريب بهدف إفراغ انفعالاتهم النفسية. وهذه المسألة تعد من وجهة النظر العلمية نوعاً من رد الاعتبار. فمثلاً يلجأ الطفل الغاضب بسبب التأنيب أو التوبيخ أو الضرب إلى التخطيط في عالمه الخيالي للثأر ورد الاعتبار لكنه عندما يعجز عن تنفيذ مخططه في الواقع، يندفع بشكل لا إرادياً إلى ممارسة الشغب والتخريب للتنفيس عن غيضه.
– الحسد: وأحياناً يقدم الطفل على التخريب تعبيراً عن الحسد والاحتجاج على اهتمام الآخرين بطفل آخر أكثر منه.
– اليأس: الطفل يبني عادة آمالاً كبيرة على أبويه ويعتبرهما الملجأ الأول والأخير في حياته، ومن هنا إذا شعر في وقت ما أنهما لا يعيرانه أهمية ويبخلان عليه بالعطف والمحبة، يصاب باليأس والإحباط، ولا يعد يكترث لعواقب أفعاله وتصرفاته.
– إظهار الغضب: كيف يعبر الطفل الغاضب من والديه وذويه عن غضبه؟ في بعض الحالات يكون الطفل غاضباً بشدة ولا تسعفه ألفاظه للتعبير عن غضبه بالكلام، فيلجأ للتعبير عن ذلك إلى ارتكاب أشد الأفعال التخريبية.
ج ـ الأسباب الاجتماعية:
1 ـ العلاقات غير الطبيعية:يدل اندفاع الطفل نحو ممارسة العنف والتخريب أحياناً على عدم سيادة علاقات طبيعية في الأسرة التي يعيش في وسطها. بمعنى عدم انسجام الأبوين وبقية أعضاء الأسرة، وحصول المشاحنات والشجار المستمر بينهم، الأمر الذي يقلق الطفل بشدة، ويدفعه إلى التعبير عن غضبه وعدم رضاه عن ذلك باللجوء إلى أعمال الشغب والتخريب.
2 ـ العقاب الشديد: إن من شأن العقاب الشديد والمفرط أن يوتر أعصاب الطفل ويدفعه إلى البحث عن سبيل ينفس من خلاله عن كبته النفسي ومن هنا فإنه يبادر إلى التخريب والإيذاء تعبيراً عن رفضه لهذه الحالة.
3 ـ الاضطرار: يجد الطفل نفسه أحياناً في وضع حرج لا يعرف سبيلاً للتخلص منه، فيلجأ مضطراً إلى ممارسة الشغب والتخريب. ويمكن ملاحظة هذه الحالة عند الأطفال الذين يجبرون على حضور مجلس ما في الوقت الذي يكونون فيه راغبين في الخلود إلى النوم والراحة، أو عند أولئك الذين يوضعون في المدرسة من دون رغبة منهم في ذلك.
4 ـ التسلية: وأحياناً يحصل التخريب بهدف التسلية وملء الفراغ. فعندما لا يجد الطفل ما يشغل به نفسه. بينما يكون الآخرون منهمكين في أعمالهم، يلجأ إلى التخريب لاشغال نفسه. ومن مظاهر هذه الحالة: التخطيط والكتابة على الجدران، والعبث بالكراسي والمناضد. و … وهو بالطباع يجيد التخريب لكنه لا يجيد الإصلاح.
5 ـ لفت الأنظار: هذه المسألة نفسية واجتماعية في نفس الوقت فعندما يجد الطفل أبويه وذويه منهمكين في شؤونهم أو يتجاذبون أطراف الحديث مع بعضهم، وليس هناك من يعيره أهمية، يشعر بالحاجة إلى لفت نظرهم بنحو وآخر، فيلجأ إلى العبث و التخريب. ويمكن ملاحظة هذه الحالة عند الأطفال الصغار أكثر من غيرهم.
6 ـ محو آثار الخطأ: يلاحظ أحياناً إن الطفل يرتكب خطأ معيناً فيتصورانه سيعاقب عليه، فيلجأ إلى التخريب عن جهل بهدف محو آثار خطئه.
د ـ الأسباب الشخصية:
وأحياناً يكون لنزوع الأطفال نحو التخريب أسباب شخصية ذات أبعاد واسعة، وإذا شئنا أن نتناولها بالبحث والتحليل فإننا نكون بحاجة إلى إفراد بحث منفصل في هذا المجال. إلا أن ما يمكن الإشارة إليه هنا بإيجاز هو ما يلي:
1 ـ العصبية: أولياء الأمور والمربين الالتفات إلى هذه الحقيقة وهي أن الأمراض العصبية لا تختص بالكبار فقط، بل هناك بعض الأطفال أيضاً يعانون من هذه الحالة بسبب العوامل الوراثية أو بسبب تأثيرات الأجواء المحيطة بهم. وعلى أية حال فمن شأن العيب في شخصية الطفل أياً كان سببه أن يساهم في اندفاعه إلى أعمال التخريب.
2 ـ الثأر: في بعض الأحيان يحاول الطفل القيام بأعمال تخريبية بهدف الثأر من والديه أو أي شخص يزعجه ويؤذيه بنحو وآخر.
من الممكن أن مثل هذا الطفل من والديه فعلاً أو تصرفاً أزعجه وآلمه، ولأنه لا يستطيع التصدي لهما مباشرة، فإنه يثار لنفسه من خلال التخريب الذي يثير أعصابهما.
3 ـ إثبات الذات: هذه المسألة بحد ذاتها قد تكون عاملاً من عوامل إثبات الشخصية فإذا أمر الأب أو الأم الطفل بأمر ما، أو طلباً إليه القيام بعمل معين، وتمرد عليهما ولم يأتمر بأمرهما، وحرماه من بعض الامتيازات، فإنه سيلجأ إلى العناد والتخريب من أجل إثبات ذاته واستنفاد صبر والديه بهدف الرضوخ إليه. وبطبيعة الحال ينجح الوالدان في مثل هذه الحالة في السير قدماً نحو توجيهه وإرشاده متى ما صمدا ولم يستسلما لرأيه وطلبه، وإلا فإن الأمور كلها تسير من بعد ذلك وفقاً لرأي ورغبة الطفل.
4 ـ العداوة: إن الطفل الذي يشعر بأن له موقعاً وشخصية متميزة في البيت، ويأتي شخص آخر فيتدخل في شؤونه، أو يسلب منه اهتمام الآخرين، ينزعج عادة بشدة ويضمر له الحقد والعداء، ويحاول إيذاءه وتخريب أشياءه بنحو وآخر. وكذلك قد يتسبب اهتمام المعلم في المدرسة، بتلميذ ما وامتداحه والإشادة به، بإثارة أحقاد الآخرين عليه ومعاداتهم له واتخاذ مواقف تخريبية ضده.
5 ـ الشغب: وبالتالي يحصل التخريب من قبل الطفل في بعض الحالات بسبب الشغب وسوء الخلق فالميول التخريبية تكون في هذه الحالة متجذرة في ذهن الطفل وما لم يمارس التخريب لا يهدأ له بال.
6 ـ الفشل: قد يلجأ الطفل أحياناً إلى التخريب والمشاغبة بسبب الشعور بالفشل في أمر ما فمثلاً ينزعج إذا ما شاهدان رأيه أو ذوقه لا يؤخذ به، ويحاول مداراة فشله وانزعاجه بالتمرد والتخريب.
و ـ الأسباب العضوية:
وأخيراً فإن القسم الخاص من أسباب وعوامل التخريب لدى الأطفال هو الأسباب العضوية التي تتضارب بشأنها الآراء. فالبعض يعتبر التخريب حالة ذاتية وغريزية ويعتقد انه يرافق الطفل منذ ولادته فيما يرى غيرهم حالة اكتسابية ناشئة من البيئة. أما نحن فسنشير فيما يلي إلى بعض المسائل التي يتفق عليها الجميع دون أن ندخل في نقاش مع هذه الآراء:
1 ـ صرف الطاقة: يمتاز الأطفال بالحركة والسعي والنشاط. وهذه الحالة تدل على نموهم وسلامتهم من جهة، وعلى صرفهم للطاقة من جهة أخرى. وبعبارة أخرى لما كان هؤلاء يتمتعون بالسلامة والصحة البدينة لذا فإن كل ما يدخل إلى أجسامهم من طعام يتحول إلى عناصر مولدة للطاقة إلى درجة يحارون معها في كيفية تصريفها، فيسعون إلى تصريفها بواسطة اللعب والجري والتخريب. وبالطبع أن هذه المسألة لا ضرر فيها إلا إذا لم توجه بشكل صحيح.
2 ـ حالة طبيعية: يعتقد بعض متخصصي علم نفس الأطفال أن تخريب الأشياء والعبث بها ولمسها يعد حالة طبيعية في حياة كل طفل، ويرون هؤلاء أن هذه الحالة ينبغي أن لا تأخذ منحى إيذائياً، ويجب العمل على إيجاد علاج لها في حال حصولها عن عمد وسابق معرفة باعتبارها تدل على الإصابة بنوع من الاضطرابات النفسية.
3 ـ وجود مرض: الذين يعانون من أمراض عضوية غامضة يعجزون عن الاستقرار والهدوء فيندفعون بطبيعة الحال إلى التخريب والإيذاء، أما الذين يعانون من أمراض نفسية فإنهم يميلون كذلك إلى القيام بمثل هذه التصرفات التخريبية والإيذائية من أجل تسكين إضطراباتهم الداخلية.
4 ـ النقص العضوي: لا يؤدي النقص العضوي لوحده إلى حصول الاندفاع نحو التخريب والإيذاء لدى الأطفال. ان سبب لجوء هؤلاء إلى ممارسة الإيذاء والتخريب هو الموقف السلبي للبعض الذي يستقبح النقص العضوي ويسخر منه على الدوام.
دمتم فى حفظ الله