هم أحباب الله..مكانهم الطبيعي بين ألعابهم وليس على أسرّة المستشفيات..أصبحت المستشفيات جزء من حياتهم بل وأصبحت تشاركهم الاقامة مع بيوتهم وربما أكثر..فئة ابتلاهم الله وابتلى ذويهم ليعيشوا معاناة قاسية..وألم تخطى حدود الزمان والمكان.
الوجوه بريئة رغم الشحوب الذي غير من ملامحها ومعالمها..العيون حائرة وتائهة..الابتسامة ضائعة منذ زمن..المرض يتربص بهم في كل وقت..أرهقهم الوجع حتى أنهك أجسادهم الصغيرة..أفراحهم أصبحت مصادرة..أطفال من المفترض أن لا همّ لهم سوى لعبتهم ولكن هنا لعبتهم آخر مايفكرون بها وربما لايفكرون بها أصلاً..ليس لديهم متسع من الوقت ليعيشوا في عالم الطفولة..يدخلوه من أوسع أبوابه وعلى طريق مفروشة بالورود ينسجون أحلامهم ويمارسون طقوسهم الطفولية البريئة ويكبرون في أحضان السعادة..كل هذا ليس من حقهم..وذلك لأن الوقت لديهم مليئ بالألم والحزن والدموع والتي لاتكاد تجف حتى تعاود الانهمار حتى أصبحت جزء من عيونهم ووجوههم..إنهم الأرواح الصافية والقلوب النقية الطاهرة والتي لم تتلوث بعد بملوثات الحياة..أطفال يقضون سنوات عمرهم الأولى بين أنياب المرض..وشبح الموت يخيم عليهم في كل لحظة.
حرمهم المرض أبسط حقوقهم..توسدوا أوجاعهم وناموا على أمل أن يكون كابوساً مرعباً يستيقظوا بعده على واقع جميل خالي من المتاعب..ولكن الكابوس كابوس كُتب عليهم ينامون ويستيقظون عليه.
ارتجف قلبي وأنا أتجول بين أسرّتهم..ضاقت عليّ نفسي بل ضاقت الأرض عليّ بما رحبت..انهارت قواي أمام مايحملونه في قلوبهم الصغيرة من صبر واحتساب..أحسستُ بوجعهم يفتك بقلبي وعقلي..كدت أصرخ ياعالم أنقذوا مابقي من الطفولة الفلسطينية..لملموا أشلاء الحق الذي تبعثر تحت سطوة المرض تارة وتحت جبروت الظلم والحصار تارة أخرى.
حزن عاش داخل صدري منذ فقدت طفلي الوحيد شهيد المرض والحصار ولازال الحزن يكبر ويتضاعف طالما بقي طفل يتوجع ..أشعر وكأنني مسئولة عن كل طفل..أشعر أن من حقهم أن أخفف عنهم بقدر ما منّ الله عليّ من قوة..من حقهم أن أتألم لألمهم وأبكي لبكائهم ولا أنسى حقهم الأكبر في الدعاء لهم بأن يخفف الله عنهم ويرفع عنهم مرضهم والذي عاشوا وتعايشوا معه وأصبحوا لايملكون سوى الرضى بما قسّم الله لهم فهي إرادة الله قبل كل شيء..
من بين أطفال فلسطين المرضى الذين لازالوا يقبعون تحت الحصار والاحتلال .. "أم إسلام"