مكة المكرمة مدينة قديمة ولها جذور عميقة في التاريخ ولقد تعدد اسمها حسب الفترات الزمنية, ولعل اسمها مشتق من كلمة ( بك ) السامية التي تعني الوادي (فروغ:109) فقد ورد اسم مكة بلفظ بكة في قوله تعالي في سورة آل عمران ( إن أول بيت وضع للناس للذي بكة مباركا وهدى للعالمين) ". ولعل أول إشارة وردت في الكتابات القديمة عن مكة المكرمة ما ذكره بطليموس الذي عاش في القرن الثاني الميلادي فقد ذكر اسم مدينة (مكربة) وقد ذهب الباحثون أن هذه المدينة ما هي إلا مكة المكرمة (عوض الله ،1398:35). وقد أورد ياقوت الحموي في معجمه روايات عديدة عن (الحموي، دت:182) تسمية مكة المكرمة منها أنها سميت مكة من :
· مك القدي أي مصه لقلة مائها.
· إنها تمك الذنوب أي تذهب بها كما يمك الفصيل ضريع أمه فلا يبقي شيئا.
· لأنها تمك من ظلم أي تقصمه وينشد قول بعضهم:
يا مكة الفجر مكي مكا ولا تمكي مدجحا وعكا.
تاريخ مكة المكرمة عبر العصور حتى فجر الإسلام:
· عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام:
من المرجح أن بدء السكنى بمكة المكرمة يرجع إلى أيام سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام وهذا يعني القرن التاسع عشر قبل الميلاد. قال تعالي (في سورة إبراهيم، آية 37)"ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) و قد استجاب الله عز وجل دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، فعندما نفد ما كان لدي إسماعيل عليه السلام و والدته هاجر من زاد وماء تفجر ماء زمزم من تحت قدمي إسماعيل عليه السلام و وفدت القبائل إلى مكان الماء. (الشريفي،،1969م:10)
· مكة في عهد خزاعة:
في أواخر القرن الثالث الميلادي تقريباً استطاعت خزاعة بزعامة ربيعة بن الحارث أن تتولى أمر مكة المكرمة ، وخلفه عمرو بن لحي الخزاعي و الذي يعتبر من أوائل من بدل دين إبراهيم عليه السلام بالوثنية. (السباعي،دت:23)
· مكة المكرمة في عهد قريش:
انتقل أمر مكة المكرمة من يد خزاعة إلى قريش بعد تحكيم يعمر بن عوف بن كعب ابن اليث وذلك بسب كثرة الصراع الذي حدث بين خزاعة، حيث حكم يعمر بن عوف بحجابة البيت وأمر مكة المكرمة لقصى دون خزاعة و أن لا تخرج خزاعة من مسكنها من مكة المكرمة (الفاسي،،دت:143). و لعل من أهم الأحداث التي حدث في هذا العصر هو قدوم أبرهة الأشرم لهدم البيت الحرام سنة 571م و الذي سمي بعام الفيل و هي السنة التي ولد فيها سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم . ( زيادة:دت:123)
· مكة المكرمة في عهد النبوة:
لاشك أن ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم كان أكبر الأثر في تغير الحياة في مكة المكرمة وفي العالم حيث أمر بطلب العلم وحث عليه ويكفي أن أول آية نزلت في القران تحث عل العلم و هي سورة إقراء، كما غير الرسول صلى الله عليه وسلم كثير من الأمور الاجتماعية فمثلاً ألغي وأد البنات وحد تعدد الزوجات ونظم شئون الزواج والطلاق وقضى على القبلية (السباعي،دت:62). و قد أصبحت مكة المكرمة مهد العلم حيث كان بعض أصحاب الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم كإبن مسعود ، وابن عباس، و أبي ذر الغفاري ، وابن عمر وأبي الدرداء رضي الله عنهم أجمعين يترددون إليها بعد الفتح و كانت مكة المكرمة تستفيد من علومهم . (المرجع السابق).
· مكة المكرمة في عهد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم:
أصبح المسجد الحرام مزدحما بحلقات رجال الحديث والقراء وأصحاب الفتوى، وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أول توسعة للمسجد الحرام حيث شملت إضافة أسوار وأبواب للحرم و كان ذلك عام17 ه ، ثم قام الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بتجديد المسجد الحرام و توسعته وأحدث فيها رواقا مسقفا و كسا الكعبة بالقباطي. (السباعي،دت:84)
· مكة المكرمة في العهد الأموي:
بدأت الخلافة الأموية في عهد معاوية بن أبي سفيان الذي تولي الحكم سنة 41ه، وقام الأمويون بإصلاحات منها شق الطرق الاهتمام بالأمور الدينية والعلمية ، وفي سنة 91ه قام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بتجديد المسجد الحرام وتوسعته وتسقيف أروقته بالصاج المزخرف وجعل الأعمدة من الرخام. (السباعي،دت،130)
· مكة المكرمة في العصر العباسي:
أهتم العباسين بعمارة المسجد الحرام حيث أمر أبو جعفر المنصوري بشراء الدور الواقعة شمال المسجد الحرام فزاد مساحة المسجد الحرام وأهتم بجمال المسجد حيث زين أسقف الرواق بأنواع من النقوش كما فرش الأرضية بالرخام ، وفي سنة160ه أشتري زاد المهدي في مساحة الحرم و جعل دار القواير (و هي دار بنيت بالزجاج في باطنها و الفسيفساء في خارجها لنزل الرشيد بين الصفاء والمروة) ومن أبرز الإصلاحات في العهد العباسي توسعة المسجد الحرام وتشجيع حلقات الدرس والعلم والعلماء. وقد حدث عدة ثورات من العلوين انتهت بالفشل. (السباعي،دت:ج1،158)
· في عام 317ه تمكن القرامطة من الاستيلاء على مكة المكرمة في موسم الحج ، وأخذوا معهم الحجر الأسود ، ثم أعادوه عام330ه.
· ثم حكم الخشيديون مكة المكرمة بين عام 331 إلى 357.
· في عام 358 ه طرد جعفر بن محمد بن الحسين، وكون بذلك حكومة الطبقة الأولى من الأشراف.و يسمون بالموسوين، نسبة إلى موسي الجوني .
الطبقة الثانية : "السليمانيون"
وهم السليمانيون نسبة سليمان بن موسى الجون بن عبد الله بن المحض بن الحس بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الذين أجلو جميع الموسوين.
الطبقة الثالثة: "الهواشم"
حصل الهواشم على حكم مكة المكرمة بعد أن أجلوا السليمانيون الذين استمر حكمهم لمدة عامين فقط وذلك بمساعدة "علي بن محمد الصليحي " حاكم اليمن، واستمر حكمهم إلى سنة 597ه. (السباعي،دت:202)
الطبقة الرابعة: "بنو قتادة"
كان بني قتادة يسكنون البادية فلما كثر عددهم سار بهم قتادة إلى ينبع فاحتلها، ثم تطلع إلى أمارة مكة المكرمة فسار إليها بجيش كبير فستولى عليها وأجلى منها بنو هاشم سنة 597ه وظلت هذه الطبقة في الحكم نحو سبعة قرون ونصف إلى أن أجلاهم السعوديون عنها. (المرجع السابق)
· الحكم السعودي :
في 17/3/1343ه دخل الملك عبد العزيز يرحمه الله إلى مكة المكرمة وهو محرم ، وخطب في الناس الذين كانوا قد تجمعوا لاستقباله ( أمين أسعدج/166:2) ومنذ ذلك الوقت ومكة المكرمة تعيش نهضة تعليمية، صحية، اجتماعية، اقتصادية وثقافية لم يسبق لها مثيل .
تعمير المسجد الحرام عبر التاريخ:
(وزارة الاعلام نشرة اعلامية،1411ه)
قال الله تعالى ( أن أول بيت وضع للناس للذي بكة مباركا و هدى للعالمين) سورة آل عمران آية رقم 96 ولقد ذكر الله سبحانه وتعالى المسجد الحرام بهذا الاسم خمس عشرة مرة وذكره بأسماء عديدة كلها توضح للناس ما ينبغي عليهم تجاه المسجد الحرام من احترام وإكبار لمكانتها و فضلها و شرفها.
و كان نبي الله إبراهيم و ولده إسماعيل عليهما السلام أو من نزل بمكة المكرمة وقد رفعا عليهما السلام بأمر من الله عز وجل قواعد البيت الحرام.
و قد ظل البيت الحرام تحيط به البيوت من جميع الاتجاهات من عهد سيدنا إراهيم عليه السلام إلى عهد قريب، ثم بدأت الزيادات وقد تم ذلك على النحو التالي:
1- زيادة عمر بن الخطاب رضي الله عنه و تمت سنة سبعة عشرة للهجرة النبوية المباركة.
2- زيادة عثمان بن عفان ذي النورين رضي الله عنه حيث جعل فيها رواقا مسقوفاً و كان ذلك سنة ست وعشرين للهجرة النبوية المباركة.
3- زيادة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما التي تمت سنة (66) للهجرة.
4- زيادة الوليد بن عبد الملك عام (91) للهجرة ، حيث أضاف مساحات أخري إلى الحرم وجدد بنائها وأقام فيها أعمدة من الرخام فكان أول من جعل في البيت أعمدة.
5- زيادة أبي جعفر المنصور عام (139ه) التي أضيفت فيها مساحات أخرى للمسجد ، وبعض الأروقة .
6- زيادة الخليفة العباسي المهدي سنة (160ه) حيث زاد في المسجد الحرام من الجهتين الشمالية والشرقية وفي عام (164ه ) أمر المهدي بتوسعة الحرم من الجهة الجنوبية .
7- في عام (284ه) زاد الخليفة العباسي المعتضد بالله في مساحة المسجد وأضاف باب جديد يعرف باسم " باب الزيادة"
8- زاد الخليفة العباسي المقتدر بالله مساحة أخرى إلى المسجد وتعرف هذه الزيادة باب إبراهيم وكان ذلك عام (306ه) وفي عام (604ه) شب حريق هدم جانباً من المسجد الحرام ثم جاء سيل أطفاء النيران و أوقف انتشارها، واهتم حاكم مصر السلطان فرج بن برقوق بذلك فأمر بإصلاح الموقع المتهدم و أعاد بنائه على أفضل صورة.
9- و في عام (979ه) قام السلطان سليم العثماني بتجديد عمارة المسجد كاملاً.
10- التوسعة السعودية المباركة:
كان في مقدمة اهتمامات الملك عبد العزيز يرحمه الله شئون الحرمين الشريفين حيث أذاع يرحمه الله بياناً في عام (1386ه) يبشر المسلمين باعتزامه توسعه الحرمين الشريفين ، و بداء بالحرم النبوي الشريف.
و في عام (1375ه) بدأ العمل في توسعة المسجد الحرام والذي يعرف بالتوسعة السعودية الأولى وكان ذلك في عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود يرحمه الله.
· التوسعة السعودية الجديدة:
هدف مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله لتوسعة المسجد الحرام المبارك أقصى توسعة ممكنة و ذلك لرفع طاقته الاستيعابية إلى أكبر حد ممكن و ذلك لتوفير مزيد من الأماكن للصلاة في المسجد أو فيما حوله من الساحات.
و قد بلغة مساحة الإضافة (76,000) متر مربع وتناول توسعة المسجد الحرام من الناحية الغربية من "السوق الصغير " باب العمرة و باب الملك ما يستوعب حوالي (140,000) مصلي ، في الطابق الأرضي والعلوي والسطح.
ثانياً:الجانب الجغرافي:
تقع مدينة مكة المكرمة على السفوح الدنيا لجبال السراوات ، فهي تمثل نقطة التقاء بين تهامة وجبال السراوات ، وبذلك فهي تقع في غرب شبة الجزيرة العربية "غرب المملكة العربية السعودية" وتقع على يعد75 كم شرق البحر الأحمر، كما تقع بجوارها إلى الجنوب الشرقي على بعد 80 كم تقريباً مدينة الطائف.
الموقع الفلكي: تقع مكة المكرمة على دائرة عرض،19, 25،21 شمالا وخط طول 26، 59، 39 شرقاً وترتفع عن سطح الأرض بمقدار 300 متر عن سطح البحر.
التضاريس :
تضاريس مكة المكرمة عبارة عن مرتفعات جبلية ذات تركيب جرانيتية ويتراوح ارتفاعها ما بين 20 – 1912 متر فوق سطح البحر و تقع مكة المكرمة على سفوح هذه الجبال.
البناء الجيولوجي :
ذكر أحمد المهندس "أن منطقة مكة المكرمة تعد جزاء من الدرع العربي ، ومعظم صخورها نارية جوفية والذي يغلب عليه نوع الصخور النارية الجرانيتية والتي يدخل في تركيبها الصخري الكوارتز ديورايث إلى التونالايت، كما يوجد بعض التكوينات الرسوبية و المتحولة .
و بوجه عام فان البناء الجيولوجي لمكة المكرمة يعود إلى أزمنة جيولوجية قديمة فصخورها تعود إلى التكوينات الاركية التي تتمتع بمقاومة جيدة للعوامل الجيوموفولجية الظاهرية و الباطنية.
المناخ:
تقع مكة المكرمة ضمن المنطقة الانتقالية بين تأثيرات مناخ البحر المتوسط والمناخ الموسمي و يؤثر البحر الأحمر فيها بنسبة ضئيلة جداً و مكة المكرمة تقع ضمن المنطقة المدارية الشمالية لذا فان درجة الحرارة ترتفع بها في الصيف و في الشتاء دافئ، و
منقول لعيونكم