تخطى إلى المحتوى

كيف نتعرف على الناس؟ 2024.

الطريق لمعرفة الناس والحكم عليهم , يحتاج إلى فن , ويحتاج إلى خبرة كبيرة , فليست المظاهر وحدها هي التي بها نحكم على الناس , لأنها في أكثر الأوقات خادعة وتؤدي إلى خيبة وحسرة , فيجب علينا ألا نكتفي في معرفة الناس والحكم عليهم بالمظاهر العابرة , بل بالتجربة الذكية .
يقول يحي بن أبي كثير : لا يعجبك حلم امرئ , حتى يغضب , ولا أمانته حتى يطمع .فإنك لا تدري : على أي شقية يقع ؟ وهذه وصية أحد الصالحين يوصي ابنه فيقول له : لا تصحبن خمسة ولا تتخذهم لك إخوانا فقال : من هم يا أبتِ ؟ قال :
1ـ الفاسق فإنه يبيعك بأكلة فما دونها . فقال : وهل دون الأكلة شيء؟ قال نعم . يطمع فيها ثم لا ينالها
2ـ ولا تصاحب البخيل فإنه يخذلك بماله , وأنت أحوج ما تكون إلى معونته .
3ـ ولا تصاحب الكذاب , فإنه كالسراب , يُبّعد منك القريب , ويُدني البعيد
4ـ ولا تصاحب الأحمق , فإنه يريد أن ينفعك فيضرك
5ـ ولا تصاحب قاطع الرحم , فإنه ملعون في كتاب الله تعالى .
هذه الوصية أخي المسلم , تعطينا صورة صحيحة , للإخلاص في أبهى صوره , وخاصة من الوالد الذي تعرّف على أحوال الناس من كثرة تعامله معهم وتجاربه في الحياة , فتجده يخلص في النصيحة خاصة لأبنائه .
فليتنا نحرص على تنفيذ هذه الوصية ونوصي بها من نُحب , فنبتعد عن مصاحبة الفاسق , والبخيل , والكذاب , والأحمق , وقاطع الرحم .
والإسلام ديننا الحنيف من منهجه , التوجيه إلى الحرص على الجماعة , والبعد عن العزلة , والمسلمون عامة والمتقون منهم خاصة , لهم بالناس وبالزمان بصر عجيب فهم حريصون على الأخذ بيد إخوانهم , ودعوتهم إلى الطريق المستقيم .
وموضوعنا هنا وهو : كيف نحكم على الناس , ما أحوجنا إلى التّأني والتروي والتمهل , قبل أن نحكم على أي شخص مهما كان ظاهره فيه التقوى وفيه الصلاح وهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه , وهو في مجلسه يُثني رجل على أحد الأشخاص فيقول له سيدنا عمر رضي الله عنه: هل تعرفه ؟ فيقول الرجل : نعم. فيقول له سيدنا عمر موجها إياه ( هل صحبته في سفر ؟ قال الرجل : لا . فيقول له سيدنا عمر هل بينك وبينه جرت أي معاملة ؟ قال الرجل : لا . فيقول له : هل ائتمنته على سر من الأسرار ؟ فيقول الرجل : لا . فيقول له سيدنا عمر : إذاً أنت لا تعرفه . لعلك رأيته في المسجد يرفع رأسه ويخفضها ).
والله ما أجمل هذا الحكم وما أعظمه وما أحوج المسلمين إليه في هذا العصر حتى لا يقع الكثير منهم في مشاكل هو في غنى عنها , إذا هو تحرّى الصاحب التقي , وعامل الناس بعد أن يتعرف على طباعهم وعلى أخلاقهم باطنا , وظاهراً
وعندما ترى الرجل يتواضع مع إخوانه , حتى يكون أدناهم منزلة , وفي نفس الوقت تجده في عمل الصالحات يتقدمهم , فمثل هذا الرجل نعرف عنه أنه من الأتقياء , وطبيعة المؤمن أنه ( إذا حضر لا يُعرف , وإذا غاب لا يُفتقد )
فالحياء والمروءة من شيم الأتقياء . يقول الشعبي : تعايش الناس بالدين زمناً طويلاً , حتى ذهب الدين من نفوسهم , ثم تعايشوا بالمروءة , حتى ذهبت المروءة ثم تعايشوا بالحياء , حتى ذهب الحياء , وهم الآن يتعايشون بالرغبة والرهبة , وسيأتي بعد هذا ما هو شر منه , فنسأل الله السلامة .
وأيضاً لمعرفة الناس يجب البحث عمن يداوم على ذكر الله تعالى , فيسير في ركابهم , ويبتعد عمن يغفل عن ذكر الله تعالى , لأن أهل الله تعالى لا يغفلون عن ذكر الله تعالى , فكيف يأنسون بمن لا يذكر الله قط ,إلا حين يحلف باسمه وكثيراً ما يكون كاذباً في حلفه ولا حول ولا قوة إلا بالله .
دخل أبو مسلم الخولاني المسجد يوما , فوجد فيه قوماً مجتمعين , ففرح بهم وأقبل عليهم ظاناً أنهم , يذكرون الله تعالى , أو يتدارسون العلم : فلما دنا منهم إذ هم يلغون ويهذرون فنظر إليهم وقال :: ( يا سبحان الله ) , إنما مثلي ومثلكم , كمثل رجل تعرًض لمطر غزير فالتفت فإذا باب مفتوح فقال : أدخل هذا البيت أحتمي به من المطر .. فدخل فإذا البيت لا سقف له . لقد قصدتكم راجياً أن يكون مجلسكم مجلس ذكر أو علم أنتفع به فإذا هو مجلس دنيا في بيت الله.
والشخص الذي تجده في أحد هذه الأماكن الثلاثة وهي , مسجد يعبد الله تعالى فيه أو بيت يستره ,أو في حاجة من أمور الدنيا, فهذا إنسان يجب أن نتقرب إليه ونبحث عنه ونعرف أحواله , ومصاحبته , وتتأكد أنه جدير بأن تعرفه لله وحده .
أخي المسلم الكريم : في زماننا هذا الذي تطغى فيه المادة في كثير من الأوقات ليتنا نبحث عن المؤمنين الصادقين المخلصين , ونتعرف عليهم لأن المؤمن مع من أحب يوم القيامة . فنسأل الله العلي القدير : أن يرزقنا حُبه وحُبّ من يُحبه , وحُب كل عمل يقربنا إلى حُبه اللهم آمين , وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..

جزاكى الله كل خير

خليجية

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.