يعني التوافق النفسي الجنسي بين الزوجين أن كلا من الشخصين المتوافقين يستوفي حاجاته من الآخر ويشبعه، وبالتالي يسعد الطرفان باستمرار العلاقة. والتوافق في العلاقة الزوجية شيء مهم جدا؛ لأن هناك حاجات لا يمكن أن تلبى إلا من خلال هذه العلاقة ومنها الإشباع العاطفي والجنسي.
وتستطيع أن تلمح علامات التوافق على زوجين محبين بسهوله، فترى علامات الراحة والشبع بادية عليهما في صورة نضرة في الوجه وراحة تبدو في الملامح، وإحساس بالأمان والبهجة ونجاح في البيت والعمل والحياة.
من أول نظرة
إذن التوافق نعمة من الله يمنحها للأزواج الأوفياء المخلصين الذين يمنحون حبهم ورعايتهم لزوجاتهم أو لأزواجهم. والتوافق تظهر بوادره منذ لحظات التعارف الأولى، فيشعر كل طرف بالراحة والسعادة في وجود الآخر، ويسعى كل طرف لتلبية احتياجات شريكه، ويشعر كل منهما أنه لا يحتاج أي شيء من طرف آخر ليكمل به نقصا عنده، وتحدث حالة من التناغم بين الطرفين وكأنهما موجتان التقتا وكونتا لحنا رائعا.
وحين يستقر التوافق بين الزوجين ويتأكد نجد أن كلا منهما لا يجد نفسه إلا مع الآخر، فلا يمكن أن تتحرك مشاعره أو تتحرك ميوله الجنسية إلا مع شريك حياته، فهو بالتالي لا يستطيع إلا أن يكون وفيا ومخلصا لشريكه، أو بمعنى آخر هي حالة من الإخلاص اللاإرادي لأنه لا يقدر على الخيانة حتى لو أتيحت له فرصتها.
ولو قدر أن أحد هذين الزوجين المتوافقين ترك الآخر بسبب الموت فإن الطرف المتبقي منهم لا يستطيع إقامة علاقة زوجية جديدة مع آخر؛ لأن موجته انضبطت مع موجة شريكه ولا يستطيع (أو لا تستطيع) تغييرها مع آخر. وهذا يفسر لنا عزوف زوجات أو أزواج عن الزواج بعد موت شريك الحياة رغم كونهم صغار السن.
مثلث التوافق
التوافق لا يتطلب أن يتشابه الزوجان أو يتطابقا، ولكنه يتطلب كما قلنا قدرة كل طرف على تلبية احتياجات الآخر وإشباعها على الرغم من اختلافهما، فهما متكاملان أكثر منهما متشابهين، والسكن والمودة والرحمة هي الأضلاع الثلاثة للتوافق الزوجي، فالسكن يعني الطمأنينة والهدوء والراحة في كنف الطرف الآخر، والمودة تعني الحب والقرب الجميل والرعاية الصادقة المخلصة وهي -أي المودة- أقرب ما تكون في حالة الرضا، والرحمة تعني الرفق بالطرف الآخر ومسامحته ونسيان إساءته والإحسان إليه، وهي أقرب ماتكون في حالة الغضب أو عدم الرضا.
وفترة الخطوبة مهمة جدا في اختبار مدى قدرة الطرفين على التوافق، وهي مهمة لزرع شجرة المحبة ورعايتها حتى إذا تم الزواج كانت هذه الشجرة التي اشتد عودها قادرة على تحمل أعاصير مسئوليات ومشكلات ما بعد الزواج، أما إذا أجلنا زراعة هذه الشجرة لما بعد الزواج فربما لا تستطيع الصمود للرياح التي تهب على الزوجين وهما يخوضان غمار الحياة اليومية بمشكلاتها وضغوطها.
عوامل التناغم
والتوافق الزوجي ليست له شروط صارمة أو شديدة التحديد، فهو يحدث بين أنماط مختلفة من البشر، يختلفون في الأعمار والثقافات والميول، ولكن هناك عوامل ربما تنبئ باحتمالات أكثر للتوافق، ومنها:
1- سن الزوجين: فيستحب أن يكون الزوج أكبر سنا من 3- 5 سنوات، ولا يستحب أن يزيد الفرق عن 10 سنوات، ومع هذا فهناك أزواج خرجوا عن هذه القاعدة وتوافقوا. ويراعى هنا مسألة الصلاحية العمرية للمرأة حيث إذا فقدت المرأة قدرتها البيولوجية في سن معينة على تلبية احتياج الزوج الذي ما يزال صغيرا فإن مشكلة اختلاف الاحتياجات ربما تنشأ وتهدد التوافق.
2- التكافؤ الاجتماعي: فكلما كان الزوجان من طبقات اجتماعية متقاربة كان ذلك أدعى للتوافق. وهناك استثناءات أيضا لهذه القاعدة.
3- التقارب الفكري والثقافي والديني: بحيث لا تتعارض كثيرا أفكار وثقافات وانتماءات الطرفين.
وكان يعتقد أن الخبرة الجنسية والعاطفية السابقة لأحد الزوجين تجعله أكثر قدرة على التوافق مع شريكه، ولكن ثبت أن هذا غير صحيح، فالشخص صاحب العلاقات العاطفية أو الجنسية قبل الزواج كثيرا ما يفشل في التوافق مع زوجته (أو زوجها)، لأن التوافق حالة شخصية تماما تتصل بالشريك العاطفي والجنسي الحالي، وكثيرا ما تكون الخبرة السابقة سببا للفشل؛ لأن صاحب الخبرة يتمسك بنمط نجاحه مع الطرف السابق أو يكون متأثرا بعوامل فشله السابقة.
ترمومتر النجاح
والتوافق الجنسي يعتبر من أهم أركان الزواج السعيد، فالنجاح في العلاقة الجنسية يعتبر ترمومتر العلاقة الزوجية؛ لأنه يعكس النجاح في علاقات أخرى مثل العلاقة العاطفية …
النجاح في علاقات أخرى مثل العلاقة العاطفية والعلاقة الاجتماعية والتوافق العقلي والثقافي والرضا المادي.
والتوافق الجنسي قد يحدث مع بداية الزواج وقد يتأخر بعض الوقت لعدة شهور وأحيانا سنوات، وهو يعني الانسجام بين احتياجات الطرفين وقدرة كل منها على تلبية احتياجات الآخر وإشباعها في صورة طيبة، فهما متوافقان في معدل الممارسة ومتوافقان في زمن الممارسة ومتوافقان في طقوسها وراضيان بكل ذلك.
أما إذا كان هناك اختلاف شديد في ذلك كأن يكون لدى أحد الطرفين شراهة ولدى الطرف الآخر عزوف أو برود فإن ذلك يتسبب في مشكلات كثيرة حيث تؤثر هذه التناقضات في الاحتياجات على العلاقة الزوجية برمتها.
مشاكل العلاقة
وبعض الأزواج يسألون عن عدد مرات الجماع المناسبة، ولا توجد إجابة محددة لذلك، ولكن العدد هو ما يرتضيه الطرفان ويقدران عليه، وقد يكون لأحد الطرفين مطالب في العلاقة لا يقبلها الطرف الآخر بناء على اعتبارات دينية (كالإتيان في الدبر) أو اعتبارات شخصية (كالجنس الفموي) أو أي اعتبارات أخرى، وهنا يحدث الشقاق، وكثيرا ما يأتي الزوجان إلى العيادة النفسية بأعراض كثيرة وشكاوى متعددة ولكن تكون المشكلة الأصلية هي عدم التوافق الجنسي بينهما، لأنه لو حدث التوافق فإن كلا منهما يغفر خطايا الآخر ويتقبلها.
وقد يأتي عدم التوافق نتيجة لاختلاف الطباع الشخصية، كأن تكون المرأة قوية ومسترجلة، والرجل ضعيفا وسلبيا، وفى هذا الوضع المقلوب يستحيل التوافق الجنسي أو العاطفي، ومع هذا يمكن أن يستمرا في علاقتهما الزوجية نظرا لاعتبارات أخرى، وهذا الوضع نسميه "سوء التوافق المحسوب" فعلى الرغم من تلك المشاكل بينهما فإن هناك أشياء تجمعهما قد تكون احتياجات مادية أو اجتماعية أو غيرها.
وقد يكون عدم التوافق نتيجة إصابة الزوج بالضعف الجنسي (العنة) أو إصابة الزوجة بالبرود الجنسي، وهذه اضطرابات تحتاج للمساعدة العلاجية، ولكن المشكلة في مجتمعنا أن الناس تخجل من عرض هذه المشكلات على متخصصين، وتظل المشكلة تستفحل وتفرز مشكلات أخرى حتى يصل الطرفان إلى الطلاق.