تخطى إلى المحتوى

|♥| عنصر التشويق وأثره في إنجاح العملية التربوية |♥| 2024.


تعتبر مهمة التدريس من بين المهام الأشد تركيبا وتعقيدًا ، فهي ليست حرفة عاديةكباقي الحرف الأخرى التي يخضع جهد الممتهن فيها لنمطية معينة مدروسة و معلومةالمداخل والمخارج، إنما هي عملية لا تستقيم على طريقة واحدة ، ولا تركن إلى نهجمنضبط ، وتتعدد مداخلها ومخارجها بتقلب الظروف و الأجواء ، و طبيعة الدرس المعالجَ، وسر ذلك يكمن في كون العلاقة هنا : علاقة مدرس بمتعلم ، ومعلوم أن أصعب ما فيالأمر ، التعامل مع العنصر البشري كالمتعلم الذي يعتبر عالما مجهولا، وغامضا أحيانا، ويزداد غموضا في سن المراهقة ، حيث يخضع لتحولات سريعة و مشاعر متقلبة ، مما فرضعلى المدرس أن تكون لديه معرفة معمقة بهذه الشخصية .
إن التدريس كما يعرفه عددمن المهتمين : " علم وفن " ، علم يخضع لجملة من المبادئ والمعايير التي لا بد منتوفرها في كل مدرس ، ونعني هنا المستوى العلمي و البيداغوجي . و فن ومهارة لا تكتسبإلا بالممارسة الميدانية ، ولا تصقل إلا بالتجربة المستمرة ، وهذا هو بيت قصيدنا .
إن من عوامل نجاح المدرس في درسه ، استحضاره لعنصر التشويق والإثارة ، الذييمكن المتعلم في أغلب الأحوال من الانقياد للدرس بكل تلقائية وعفوية .
أحببت أنأسلط الضوء على هذا الموضوع ، لاقتناعنا ويقيننا بأن هذا الأمر يعد من ركائز نجاحالعملية التربوية ، ويحضر بقوة عندما يتعلق الأمر بمواد العلوم الإنسانية .
يعملالتشويق في الدرس عملا عظيما في أخذ انتباه المتعلم وجعله يتفاعل وجدانيا ، ويشاركبكل بما يحظى به من مؤهلات معرفية و مهارية ، وجرت العادة أن الخطابات التي تفتقرلهذا العنصر ، غالبا ما تكون مملة وتصرف المخاطبَين عنها ، بالرغم من أهمية المحتوىوجديته ، وبالرغم من مستوى المخاطَبين وقدرتهم على استيعاب الخطاب ، أما و الحاليتعلق بالمتعلم المراهق الرهيف الشعور ؛ الذي لا يجتهد كثيرًا في استيعاب الخطاب ،فإن عنصر التشويق يعتبر من لوازم شد انتباهه ، و يفشل الدرس أحيانا عند غياب هذاالعنصر بالرغم من مجهود المدرس ومستواه العلمي .
إن اعتماد المدرس عنصر التشويقفي درسه ليس أمرًا هينا ، خاصة في هذا العصر الذي انفتح فيه المتعلم بشكل لم يكنمعهودًا ، على عدد من المثيرات التي أفرزتها التغيرات الحضارية الحديثة ، و التييعد عنصر التشويق من بين أساسياتها . لقد انفتح المتعلم اليوم على عدد من المنافساتعلى رأسها وسائل الإعلام ، خاصة المرئية منها ، التي فرضت نفسها بالقوة ، واكتسحتأذهان المراهقين من المتعلمين وغيرهم ، ومررت العديد من القيم التي بدأت تطفو يومابعد يوم على سلوك المتعلم المراهق ، و لا مجال للمقارنة بين حجم ما يتلقاه المتعلممن وسائل الإعلام ، وبين ما يمكن أن يستفيذه من خلال حصة دراسية في مادة التربيةالإسلامية مثلا .
على المدرس أن يدرك بحضور منافس قوي يشد انتباه المتعلم ، وهذاالمنافس يتفانى في توظيف العديد من الوسائل المثيرة ، ويزداد الأمر صعوبة في ظلالوسائل التقليدية التي يعتمدها المدرس في إنجاز الدرس ، ففي الوقت الذي يقتصر فيهالمدرس على لوحة سوداء ، ووسائل تقليدية ، فإن وسائل الإعلام المعاصرة توظف كلالعناصر التي تسرق انتباه المتعلم وبسرعة.
لكن على الرغم من اعتبار عنصر التشويقفي الدرس ، وشد انتباه المتعلم أمرًا ليس بالهين في ظل هذه التغيرات ، إلا أنه لايعتبر أمرًا مستحيلا . يستطيع المدرس الماهر أن يخلق أجواء داخل فصله مشحونةبالإثارة و التشويق ، ويكون لها أثرًا عظيما في إنجاح الدرس وتحقيق الكفاياتالمطلوبة ، بالرغم من المستوى العلمي المتواضع الذي يحظى به كل مدرس؛ لأن هذا الأمريرتبط أساسا بالقدرات المهارية ، أكثر مما يرتبط بالقدرات المهنية ، وقد جرىالتأكيد عند خبراء التنمية البشرية أن القدرات المهارية ، هي التي تحسم في مسألةنجاح أو فشل الشخص ، وتحظى بنسبة متفوقة على القدرات و المؤهلات المهنية التي تتوفرعند كل شخص حسب ميدان امتهانه واحترافه .
إن الأمر يحتاج من المدرس أن يستنفرطاقاته ، و يستفرغ وسعه ، ولا يدخر شيء من مجهوداته ، في محاولة إقناع المتعلموإشباع رغباته ومتطلباته ، وجعله ينقاد طواعية للدرس . إن الأمر يحتاج مهارات فنية، لا تكتسب إلا بالتجربة المستمرة ، وبالممارسة الميدانية مع فئات المتعلمين ، خاصةالمراهقين .
من خلال هذه المساهمة سوف أقترح بعض الخطوات التي أراها مهمة وكفيلةفي تحقيق عنصر التشويق ، وهذه المقترحات هي من ثمرات تجربتي الميدانية التي أكسبتنيبعض المداخل ، التي نفهم من خلالها احتياجات المتعلم خاصة المراهق و متطلباته منالدرس .
إن السر في نجاح الدرس كيف ما كان موضوعه ، رهين باستيعاب عالم المتعلم، واكتشاف البعد المهاري و الحس حركي و المعرفي في شخصيته ، مع العلم أن هناك جوانبتظل غامضة لا يمكن فهمها واستيعابها إلا بعد الإصغاء و الاستماع الجيد للمتعلم ،وحبذا لو كانت هناك نوادي داخل المؤسسات التعليمية تعنى بهذه القضية ؛ لأنها مفتاحلتفسير عدد كثير من المشكلات التربوية التي تقع داخل المؤسسات ، كظاهرة العنفالمدرسي وغيرها .
قبل الحديث عن بعض العناصر المطلوبة لتحقيق عنصر التشويقوالإثارة في الدرس ، أحببت أن أبدأ ببعض الأسباب التي هي جملة من المثبطات ، التيتنفر المتعلم من الدرس ، وتصرفه عنه ، من بين هذه الأسباب على سبيل المثال لاالحصر:
1. البعد عن الواقع في معالجة الدرس ، والمقصود هنا بالواقع ، واقعالمتعلمين و اهتماماتهم.
2. الرتابة و الجمود على أساليب تعليمية تقليدية ،وعدم الانصراف عنها ، كأن يعتمد مثلا المدرس الطريقة العمودية في جميع فقرات درسه .
3. الافتقار إلى ضرب الأمثال ، واستحضار النماذج المناسبة عند معالجة قضاياالدرس .
4. عدم مراعاة خصوصيات الفئة المستهدفة ، من حيث كيفية التواصل ، واللغة …إلخ .
5. السرعة والاستعجال في إنجاز الدرس ، بصرف النظر عن تحققالمراد منه .
6. عدم إفساح المجال للحوار بين المتعلمين ، لتبادل وجهات النظربينهم .
7. تغليب الجانب الكمي على الكيفي ، أو بعبارة أخرى التركيز على الجانبالمعرفي ، مقابل إغفال الجانب السلوكي و المهاري أو الامتثالي ، خاصة في مادةالتربية الإسلامية الحاملة للقيم ، والتي تعتبر فيها المعرفة معرفة وظيفية ليس إلا .
8. عدم التموقع و التموضع الجيد داخل الفصل ، الذي لا يمكن المتعلمين منالانشداد إلى المدرس .
9. التوتر و الارتباك في معالجة الدرس ، والذي يدل صراحةعلى عدم جودة الإعداد وجديته .
10. خلو الدرس من اللطائف و المستملحات التي تثيرالدافعية لدى المتعلمين .
11. المرور مرور الكرام على بعض التدخلات ،والاستفسارات ، و التساؤلات ، التي يطرحها بعض المتعلمين ، مما يشعرهم بعدمالاكتراث ،فلا يعاودون الكرة مرة أخرى .
12. عدم إفساح المجال للخطإ ، وتوفير جومن الحرية للتلميذ يشارك بواسطتها بكل ما يملك من مؤهلات معرفية ووجدانية .
13. العنف في الخطاب أو تعنيف المتعلمين ، الذي لا يغير قناعة ، ولا يصحح تمثلا ، ولايرسخ قيمة ، ويفقد أحيانا بواسطته المدرس أواصر الارتباط بينه وبين تلامذته .
هذه بعض الأسباب التي تنزع الحياة عن الدرس ، وتقتل بوادر الإقبال عليه ،وتبعثر طموحات كل متعلم فيه ، وتجفف منابيع التشويق والإثارة ، وتجعل عمل المدرسيدور في حلقة مفرغة مع كل حصة دراسية ، فلا يقوى بعدها على العمل، ولا يجد أحيانامن يصغي إليه ، فتخور قواه وتتعطل عطاءاته ، ويستحوذ عليه الكسل والجمود ، حتىيصيرا ديدنا له . وعندما نتأمل في واقعنا نجد العديد ممن بلغ هذا المستوى ، بسبب منالأسباب المذكورة ، وصار يرى في مهنة التدريس مجرد تكاليف تنتهي بانتهاء المدةالزمنية المخصصة لكل حصة دراسية . في ظل هذه الأجواء ينكسر الجد و يأفل نجم الحيوية، ولا تتحقق الجودة المنشودة .
بناء على ما سبق نستطيع أن ندرك مدى أهمية حضورعنصر التشويق في الدرس ، الذي يعيد أواصر الارتباط بين المدرس ومتعلميه، ويبعث علىالحيوية و النشاط لكلا الطرفين .
ثمة وجود العديد من العناصر المساعدة والمعينةعلى ذلك ، سنقتصر في الفقرات الآتية على بعض منها نراها مناسبة ولها أهمية قصوى ،وهي عناصر ضرورية وليست مستحيلة ، ولا يملك المدرس التماس الأعذار فيها بحكم أنهاصعبة المنال وليست في المستطاع ، بل هي مجموعة من المهارات تكتسب طبعا بالتجربةوتصقل بالممارسة الميدانية ، وهذه العناصر حاولنا أن نستوحيها من واقع تجربتنا ،دون الرجوع فيها إلى المصادر والمراجع المهتمة بالموضوع ، علما أن المطلع عليها قديجد العديد منها مما لم نقف عليه في مساهمتنا هذه ، وقد تعمدنا عدم الرجوع إلىالمصادر و المراجع المهتمة بالأمر ، واقتصرنا على واقع تجربتنا ، حتى نكون أقرب منواقع العلمية التربوية و حتى نكون صادقين ما أمكن .
إن من بين العناصر التي تضخالحياة في الدرس و تشوق المتعلمين إليه ، وتحفزهم على الانخراط فيه والاقبال عليهبكل تلقائية، ما يلي :
الانطلاق من وضعية مشكلة تعالج واقع المتعلم وتتمحور حول اهتماماته.
الانطلاق من وضعية مشكلة ، فرصة لاكتشاف واقع المتعلم ، وفهم تمثلاته ، وهذا من حسنات البيداغوجيا الجديدة المبنية على المقاربة بالكفايات . إذا اجتهد المدرس في التركيز على اهتمامات المتعلمين ، ودمج الدرس بقضايا تهمالمراهق ، استطاع أن يشد أذهانهم و يشوقهم في الدرس ، وكلما كان الدرس بعيدًا عناهتمامات المتعلم كلما انصرف عنه ، لذلك ينبغي على المدرس أن يختار لكل درس منفذامن المنافذ يطل بها على واقع المتعلم ، ومن خلال تجربتنا فإن هذه النقطة نعتبرهاجوهرية في حضور عنصر التشويق والإثارة في العملية التربوية .
المطلوب من المدرسأن يكون مطلعا على اهتمامات المتعلمين مستشعرًا للقضايا التي تثير حب الفضول فيهم . على سبيل المثال أغلب المتعلمين في سن المراهقة يجبون المواضيع الرياضية ، خاصة كرةالقدم ، لا بأس أن يقحم المدرس جانبا من هذه الجوانب في الدرس إذا كانت خادمة له ،ولو حتى من أجل تغيير تمثل ، أو ضرب مثل ، أو ترسيخ قناعة ، أو فكرة

تنويع المدرس للطرق و أساليب التدريس.
لكل درس خصوصياته ينفردبها عن الدروس الأخرى ، و المدرس ينبغي أن يختار الطرق المناسبة لكل درس على حدة ،بل إن تنويع الطرق و الأساليب مطلوبة حتى داخل الدرس الواحد ، ومن بين الأخطاء التييقع فيها العديد من المدرسين أنهم يلتزمون بطريقة واحدة ، وبأسلوب واحد في إنجازالدرس ، هذا الأمر من بين الأسباب التي تؤدي إلى فشل التعلم على الرغم من المستوىالمعرفي للأستاذ . أتذكر نموذجا من الأساتذة الذين تتلمذنا عليهم ، كان يلتزمبطريقة واحدة ، وبأسلوب واحد في جميع الحصص ، ولا يجتهد كثيرًا في التنويع وإضفاءالجمالية على الدرس ، فكان التلاميذ يشعرون بالملل المقيت كلما ولجوا حصته ،وبالمقابل نتذكر نماذج من الأساتذة كنا نشعر بالمتعة ونحن في حصتهم ، ولا زلنانتذكر مواقف عظيمة جمعتنا بهم .
ضمن هذا العنصر ينبغي على المدرس أن يجتهد فيالتنويع من المستندات البيداغوجية ، من صور ، وجرائد ، ومقاطع فيدو إن أمكن … لأنهذه العناصر تسرق انتباه المتعلم بسرعة ، وما يمكن أن يقدمه درس في غضون نصف ساعةأو حتى ساعة ، يمكن أن تختصره صورة معبرة في غضون دقيقة أو دقيقتين .
استعمال أساليب الإيضاح والتخلص من التعقيد والغموض.
من بينالعناصر المساعدة على تحقيق عنصر التشويق و الإثارة داخل الدرس ، اعتماد المدرسأساليب الإيضاح المناسبة لكل درس على حدة .
ثمة وجود العديد من أساليب الإيضاحالمعتمدة في العملية التربوية ، كالجداول والخطاطات و الترسيمات ، وغيرها منالأساليب المناسبة التي لا ينبغي للمدرس أن يدَّخر شيئا منها في إنجار الدرس ، بلعليه أن يختار منها ما يراه مناسبا للدرس أو لقضية جزئية فيه ، ومعلوم أن استعمالهذه الأساليب يقتضي خبرة وتجربة ، كما يتطلب من المدرس الإعداد الجيد والتفكيرالعميق المسبق في الوسيلة المناسبة للمكان الناسب ، في الدرس المناسب ،من أجل تحقيقهدف أو كفاية ما .
وكلما كان الدرس خاليا من هذه الأساليب المساعدة على الفهم والإفهام كلما نفر المتعلم منه ، لأن هذا الأخير سيما إذا كان مراهقا لا يبدل الكثيرمن الجهد في فهم الخطاب و استيعاب العديد من جزئياته ، وإدراك مقاصده ومراميه ، ولايقوى المدرس على شد انتباهه وتشويقه ، إلا إذا وظف بعض أساليب الإيضاح المناسبة ،خاصة إذا كان الأمر يتعلق ببعض المعارف التي ربما قد يراها المراهق جافة أحيانا ،ولا تثير الدافعية نحو التعلم ، كدروس الإرث الخاصة بمادة التربية الإسلامية مثلا،التي لا يمكن أن ينشد المتعلم إليها ، ويتشوق في معرفة تفاصيلها ، بدون حضور بعضالأساليب المعينة على ذلك .
وتجدر الإشارة إلى أن جميع الدروس ليس مطلوباوضروريا أن يوظف فيها المدرس أساليب الإيضاح ، فالبعض منها لا يحتاج إلى هذا الأمر، بقدر ما قد يحتاج إلى عناصر أخرى ، كالتي سبقت الإشارة إليها ، والتي ستأتي لاحقا .

تنظيم وترتيب التعلمات ، واعتماد أسلوب التدرج مع المتعلم ، واستدراجه لإيجاد الحل بنفسه.
إن القضية التي يناقشها الدرس كيف ما كانت ، إذا اعتمدالمدرس فيها أسلوب التدرج ، فإن المتعلم ينقاد إليها .
أن يعمد المدرس إلىاختصار قضية ما ، ويعرضها عرضا مسترسلا بدون مقدمات ولا ممهدات ، لاشك أن هذا الأمرمن بين أقوى الأسباب المنفردة من الدرس ، لذلك ينبغي للمدرس أن يتفنن في اختيارواصطفاء الأسئلة البنائية المناسبة التي تثير فضول المتعلم ودافعية للتعلم . كثيرًامن المدرسين يشكون من كون المشاركة الصفية ضعيفة ، وغير مشجعة لهم ، لكن قلمايعيدون النظر في كيفية صياغة الأسئلة .
إن المراهق يحب الفضول ويتسم بالجرأة ،ويحب دائما أن يكون له السبق في الوصول إلى الحل و الجواب الصحيح ، فلماذا لاتستثمر هذه العناصر ، فيستدرج المدرس المتعلم بأسئلة بنائية يصحح من خلالهاالتمثلات الخاطئة ، و يغير القناعات السلبية ، ويترك المتعلم في النهاية يكتشف الحلبنفسه .
إن اعتماد أسلوب التدرج في بناء الدرس من أقوى الأسباب المعينة على أخذانتباه المتعلم وتشويقه في الدرس ، وقد أبانت التجربة هذا الأمر .
مرونة المدرس خاصة في التعامل مع الأسئلة، بأن يطرح السؤال بصيغ مختلفة تثير الحافزية عندما تقل المشاركة خصوصا.
ينبغي للمدرس أن لا يتملكه اليأس ويستحوذ عليهالملل ، ويفقد الأمل عندما يجد فئة من المتعلمين لا يتفاعلون معه ، قد يكون المشكلفي الصيغة التي طرح بها السؤال ، أو يحتضن السؤال عبارة غير مفهومة ، أو لا يسمعجزء منه ، والمدرس الماهر هو الذي يتصف بالمرونة في درسه كله ، فيعيد طرح السؤالبصيغ مختلفة ، ويجرب كل الطرق التي بواسطتها يتحقق الفهم والإفهام ، قد تكون طريقةواحدة من بين عدد كثير من الطرق هي المناسبة في إفهام جزئية معينة، إذا لم يكنالمدرس مرنا ومسددا ومقاربا ، ومفتشا عن الحلقات المفقودة بينه وبين تلامذته، لايستطيع أن يشد انتباههم ويجلبهم إليه .
إن مسألة المرونة من بين أهم العناصرالتي تضخ الحياة في الدرس ، والمرونة تقتضي الصبر، إذا لم يكن المدرس صبورًا لايمكن أن يكون مرنا ، والصبر مطلوب في العلمية التربوية ، بل إنه من آكد الأمور، لأنالتعامل مع العنصر البشري ليس بالأمر الهين كما سبق وأن أشرنا ، قد يستفز التلميذالمدرس ، قد يتجرأ عليه ؛ لأن المراهق من سماته الجرأة ، قد يكون عنيدًا ، أومشاكسا … كل هذه مواقف تستدعي الصبر والمرونة والتعامل بالحكمة في معالجتها ،وأشد الناس صبرا الأنبياء لذلك نجدهم من أعظم المربين و المعلمين ، وعلى رأسهمسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي سبق النظريات التربوية في عدد كثير من الفقرات .

إفساح المجال للحوار بين المتعلمين .
هذه النقطة لها من الأهميةبمكان ؛ حيث أن المتعلم ينتبه لزميله ويصغي إليه أكثر من المدرس ، ويغفل عنهاالعديد من المدرسين بحجة أن الوقت لا يسمح لهم بذلك ، وقد ثبت بالتجربة أنه كلماطلب من التلاميذ التعقيب عن تدخل زميل لهم ، أو إبداء أرائهم حول وجهة نظره ، تجدعندهم رغبة زائدة في المشاركة ، وأنا شخصيا أحب أن أترك المجال للحوار بين التلاميذخاصة إذا كان الأمر يتعلق بنشاط معين كندوة أو محاضرة ، حيث أجدهم يتشوقون أكثر فيالانخراط في الدرس، ويزداد تشوقهم عندما يكون الأمر يتعلق بقضايا وظواهر تخصهم ،لهذا ينبغي أن يفكر المدرس ـ كما سبق وأن أشرنا ـ في كل درس في قضية من قضاياالشباب يجعلها منطلقا في إنجاز درسه ، ثم إن المدرس تكون عنده فرصة من حوارالمتعلمين يكتشف من خلالها تمثلاتهم وانطباعاتهم ، وأنا أعتقد أن معرفة تمثلاتالمتعلمين جزء أساسي في إنجاح الدرس، ولهذا أعمد في غالب الأحيان في اقتراح بعضالشبهات التي تستفز أذهان التلاميذ وأترك لهم المجال لإدلاء أرائهم حولها ، خصوصاعند بداية كل درس ، فيكون الإقبال على المشاركة مكثفا بشكل غير مسبوق .

الابتسامة الدائمة والحركية المتوازنة داخل الفصل، وتوزيع النظر على مجمل التلاميذ، وحسن الإصغاء إليهم.
هذه عناصر قد تبدو للوهلة الأولى بسيطة، ولكن التجربة أيقنتنا أن لها تأثيرًا عميقا جدًا في شد انتباه المتعلم وتشويقهللدرس ، وغالبا ما يكون الجفاء في العلاقة بين المدرس و المتعلم سببا في نفورالمتعلم وعدم إقباله .
الابتسامة لوحدها ، لها تأثير كبير في نفس المتلقي ،تجعله يشعر بانتفاء الحواجر بينه وبن مدرسه، و تخلصه من التحرج والتخوف من الخطإ ،فيقبل بكل تلقائية ، ويشارك بما يملك من مؤهلات . بعض المدرسين يعتقد أن الابتسامةداخل الفصل تعبير عن ضعف شخصية المدرس وعدم صرامتة، والحق أن جدية المدرس وصرامتهشيء ، و ابتسامته في وجوه تلاميذه شيء آخر.
أما حركية المدرس داخل فصله وحيويتهـ وهذا ما سنراه في العنصر اللاحق ـ دليل على جديته واهتمامه ، كلما أحس المتعلمبجدية مدرسه كان ذلك من دواعي الإقبال عليه وأنا شخصيا لا أستطيع أن أشد انتباهالمتعلمين وأشوقهم في الدرس بدون هذا العنصر ، خاصة إذا كان القسم مكتظا بالمتعلمين . كما ينبغي على المدرس توزيع النظر على جميع تلاميذه ، إشعارا لهم بأنهم محط عنايةو اهتمام وتقدير، فكلما أشعرت المتعلمين بقيمتهم ، وأظهرت الاهتمام بهم ، أسرتقلوبهم وملكتها ، ثم إن التلميذ ينتبه بسرعة عندما تنظر إليه إذ يحس أنه معنيبالخطاب ، وتتولد لديه حافزية قوية كلما نادى عليه المدرس باسمه.
أما الإصغاءللمتعلمين فهو من أعظم الوسائل التي تجلب قلوبهم للدرس ، والناس عموما يحبون أنيسمع إليهم ، ثم إن هذا الأمر من بين المهارات المطلوبة في التواصل التربوي، ونحنهنا نتحدث عن أثره في تشويق المتعلمين للدرس و المدرس،ليكون المدرس مستمعاماهرًا عليه أن ينصت جيدًا لمتعلميه ، وأن يكون متابعا ومتفاعلا ، ومبتسما وهويستمع إليهم ، ذلك كله له أثر عميق في نفوسهم ، حيث يشعر المستمع إليه بأن له قيمة، وقد يخترع قصصا وبطولات لأجل أن يهتم الناس به ، فيكتسب بذلك المدرس حب تلاميذهله ، وإذا أحبوه أحبوا درسه وتشوقوا إلى معرفة تفاصيله .
الوقت الذي ينبغيللمدرس أن يستغله في الاستماع إلى متعلميه هو عند بداية الدرس عندما يعرض الوضعيةالمشكلة التي تثير تمثلات العديد منهم ، وقد سبق وأن أشرنا إلى هذا الأمر في عنصر " إفساح المجال للحوار بين المتعلمين " .
جدية المدرس و حيويته.
لا يمكن بتاتا أن يتواجد عنصر التشويق في الدرس ، والمدرس لايتمتع بقدر من الجدية والحيوية ، فهما أمران متلازمان، ومتطابقان . المدرس الذييتملَّكه الارتهان والكسل ـ وكثير ما هم ـ ، يصعب عليه ، إذا لم نقل يعسر عليه أنيجعل المتعلم يحظى بنصيب من التشويق في الدرس ، لأنه لم يأخذ بأسباب ذلك وعوامله .
أحب أن أشير هنا إلى نقطة مهمة ، هي رأس الأمر وذروته في نجاح الدرس ، ألا وهيقابلية المدرس لإنجاز درسه .
كثيرا ما نتحدث عن قابلية التلاميذ للتمدرس ،ونشكوا من ضعف هذه القابلية ، هذا الأمر صحيح ، وهو في تراجع مستمر مع كامل الأسف ،ولذلك أساب وعوامل كثيرة ليست موضوع حديثنا ، لكن هل سألنا يوما ما عن قابليةالمدرس لإنجاح درسه ، قبل ولوجه للفصل الدراسي، كثيرًا من المدرسين بمجرد دخولهمللفصل يتملكهم شعور وكأنهم في صندوق مقفل ، ينتظرون الوقت الذي يرن فيه الجرسللخروج . كيف يمكن للمدرس الذي ينتمي لهذا الصنف ، أن يخلق أجواء من التشويق والإثارة داخل الفصل ؟ خلاصة الأمر : إن فاقد الشيء لا يعطيه .
إن حيوية المدرس وجديته و قابليته ، من أهم الأسباب المعينة على التشويق و الإثارة داخل درسه . ولايمكن للمدرس أن يكون حيويا وجديا إذا لم يكن دائما يبحث عن الجديد الذي يثيرالمتعلمين في الدرس ويأخذ بأذهانهم ، لا يمكن أن يكون المدرس حيويا إذا كان يعتمدعلى الكتاب المدرسي المقرر ، ولا ينصرف عنه قيد أنملة ، ولا يمكن أن يتحقق هذا كلهإذا لم يكن المدرس رجل عصره وزمانه ، متتبعا ومواكبا للمستجدات ، ومطلعا على كل مايجري في واقع المتعلم الفكري و الثقافي و الأخلاقي
الاقتصاد في الخطاب وحسن استعمال الكلمات والمفردات.
جملة من العناصر المساعدة على إيجادعنصر التشويق و الإثارة داخل الدرس ، تتعلق أساسا بخطاب المدرس ، وكلما كان المدرسمجددًا لخطابه معتنيا به ، مصطفيا لما يصلح فيه وما يجعله يلامس متطلبات المتعلمينواهتماماتهم ، كلما استطاع أن يجلبهم إليه ويشوقهم فيه ، ومن جملة ما ينبغي للمدرسأن يأخذه بعين الاعتبار : الاقتصاد في الكلام .
إن الاقتصاد في الكلام مهارة منالمهارات المطلوبة خاصة في التواصل التربوي ، ويقتضي هذا الأمر أن يكون الكلامدقيقا ومختصرًا وهادفا ، وأن يميز المدرس بين ما يجب قوله ، وما لا داعي لقوله ؛بأن يختار من المفردات و الجمل والعبارات ، ما يصلح لدرسه ، وما يكون مساعدًاللمتعلم على الانشداد و الانتباه إليه ، ينبغي للمدرس أن يختار من الكلام ما يمكنأن يحبه المتعلم المراهق ؛ لأن من أساليب جلب الناس وإثارتهم اختيار الأحاديث التييحبونها ، طبعا إذا كانت تنسجم ولا تتعارض مع مقاصد المخاطب أو الدرس ، وكلما كانالكلام مختصرًا كلما كان علميا و أكثر إقناعا للمخاطب ، إذ الخطابات التي يكون فياسترسال غالبا ما يطغى فيها الجانب الأدبي الشاعري على الجانب العلمي . البعض يعتقدأن جودة الدرس ومعايير نجاحه مرهونة بكثرة الكلام والاسترسال فيه ، والحقيقة أنالمتعلم خاصة المراهق غير مستعد للاستماع طويلا ، لأنه يحب الفضول والـتعقيب ، ولايتمتع بالصبر الكافي على المخاطب ، ولهذا ينفر العديد من المتعلمين من الدرس بسببهذا الأمر ، وقد أبانت التجربة على أن الاسترسال في الكلام لمدة خمس عشر دقيقة ، أوحتى أقل ، غير مشجعة على جلب المتعلمين وتشويقهم في الدرس .
ومن مقتضياتالاقتصاد في الخطاب ، أن يكون هذا الأخير خاضعا لإعداد جيد ، والإعداد للدرس ينبغيأن يتم التركيز فيه على الخطاب و لا يتحقق بمجرد الرجوع للكتاب المدرسي والبحث عنبعض المستندات البيداغوجية . إن الإعداد المثمر هو الإعداد الذهني ؛ كأن يجلسالمدرس ويفكر جيدًا في درسه ، ويفترض أنه داخل الفصل الدراسي أمام تلاميذه ، ثميختار في الخطاب ما يناسب الفئة المستهدفة ، ويفكر جيدا في الأشياء التي يمكن أنتثيرهم وتشوقهم.
إذا لم يخضع خطاب المدرس للإعداد المحكم ، فلا محالة أن سيقعفي الارتجال والاجترار، وهذه العناصر غالبا ما تحكم على الدرس بالفشل .
هذه جملة من العناصر التي تضخ الحياة في الدرس ، و تخلصه من الجمود و الرتابة ، وتشحن عزيمة المتعلم ، و توقظ حب التمدرس فيه ، وتجعله ينقاد إلى الدرس والمدرس بكل طواعية وتلقائية ، وهي في الحقيقة ليست مستحيلة أو صعبة المنال . قد يعتقد المدرس أن الموضوع المعالج لا يساعد أحيانا على إيجاد عنصر التشويق فيه ، لكن العناصر التي سبق أن عرضناها هي ترتبط في الجوهر بالجانب المهاري الذي يتمتع به كل مدرس ، إن هذا الأخير هو الذي يملك زمام الأمور ، وهو الذي يحكم على الدرس بالنجاح أو بالفشل ، والواقع أن هناك مواضيع جد مثيرة ، لكن الأداء المهاري يحكم عليها بعدم النجاح ، والعكس صحيح .
نتمنى أن نكون قد وضعنا الأصبع على الجرح ، وأتينا على مجمل العناصر المساعدة على التشويق في الدرس ، ولا نعزم أن هذه المساهمة المتواضعة هي جملة التجارب و خلاصة الأمر، بل الحق أن يقال : أن تجربتنا لا تعدو أن تكون حلقة في أرض فلاة ، وثمة العديد والمزيد ، نرجو الله تعالى أن يوفقنا لمعرفتها ، و أن يقيض من يكشف عنها إنه سميع مجيب.

م/ن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.