عبد الرحمن بن صالح السديس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم أما بعد
فقال الربيع سمعت الشافعي : .. ـ في ذكر هؤلاء القوم الذين يبكون عند القراءة ـ فقال: قرأ رجل، وإنسان حاضر: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب)، فجعل الرجل يبكي!
فقيل له: يا بغيض هذا موضع البكاء؟!
"حلية الأولياء" 9/138.
جنس هذا المشهد يتكرر كثيرا، بصور مختلفة، منها:
أنك تجد من يروج لنفسه بكتابة ترجمة حافلة له، فيها من المبالغة، والتدليس وربما الكذب شيء كثير، ومن يعرفه يقف منبهرا أهذا فلان؟!
ورأيت من كتب لنفسه ترجمة في منتدى باسم مستعار وبالغ فيها بالثناء على نفسه، ومع الأيام نسي وطلب من المشرفين تعديل هذا الاسم وكتابة اسمه الحقيقي، ونسي ذاك الموضوع اللطيف الذي أصبح تحفة للناظرين!
ومن يكتب ورقة فيها معلومات عنه، ثم يقرأها المقدم، فإذا انتهى قال بكل برود: أستغفر الله، أنا لا استحق هذا الثناء والإشادة!
وتجد من يشتري من الشهادات الرخيصة القيمة العلمية، الغالية الثمن، ثم يصدر ويذيل كل كلمة له بذاك الحرف (د)، ليرفع من خسيسته، ويضفي له مكانة عند العامة، وهو ليس ببعيد عنهم إلا في شهادة الزور التي اشتراها.
ومن يكرر ويعيد: قلت، وكتب، وبينت، وشرحت، وقرأت، بل ربما جعلها بضمير الجمع قلنا وبينا..يقول هذا بمناسبة وبلا مناسبة!
وتجد من يصور نفسه وهو يصلي وهو يعتصر بكاء باردا، ونشيجا كاذبا، ويبث المقطع، ليرى الناس الرجل الخاشع الصالح!، وكأنه يضحك على صبيان، ولا يستشعر أنه بين يدي الديان.
وتجد من يقول عن أحد أعلام العلماء الذين تلاميذهم بعشرات الآلاف كالعلامة ابن باز وابن عثمين، ونحوهم من الكبار، تجده يقول: كنت عند شيخنا، فجاء رجل إلى شيخنا، وكان شيخنا، …، وهذه من اختيارات شيخنا، فسألنا شيخنا.. إلخ شيخنا!، مع أنه ليس له طول صحبة معه، ولا مزيد اختصاص به، ولا معنى لمثل هذا إلا رفع نفسه بإضافته إليه.
ويفتضح هذا عند طلاب العلم وأهله عندما يحضر مجالسهم ويتكلم في العلم، أو يكتب في موطن لا يتسنى له فيه الاختلاس من علم الشيخ "جوجل"، لذا تجد هذا الصنف متجانفا عن مجالسهم، ومنتدياتهم، راغبا في صحبة من يروج عندهم.
وفي صيد الخاطر:
وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته، وهو التفات القلوب إليه؛ فإنه متى لم يخلص = حرم محبة القلوب، ولم يلتفت إليه، والمخلِص محبوب.
فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه؛ لما فعل.اهـ
وأعلى منه ما في الصحيحين: عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض ".
صحيح أن هذا قد يروج على بعض البسطاء، لكن يبقى ممقوتا عند الله وعند من هو خير منهم وأجل.
فوصيتي لنفسي وإخواني لنراقب أنفسنا، ولا نغتر بمدح الناس ولا كلامهم، فلولا ستر الله علينا ما جلس أحد عند أحد، وقد أحسن أبو العتاهية:
أحسن الله بنا أن * الخطايا لا تفوح
فإذا المستور منا * بين ثوبيه فضوح
ولنلزم الهدي النبوي بترك المدح في الوجه ؛
ففي مسلم: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نحثي في وجوه المداحين التراب»،
وفي الصحيحين: عن النبي صلى الله عليه وسلم: أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك» مرارا، ثم قال: «من كان منكم مادحا أخاه لا محالة، فليقل أحسب فلانا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه».
ولنكتفي بالدعاء لمن أحسن، فهو خير وأنفع.
والله أعلم
يعطيكـ العافية,,