سلمان بن محمد العنزي
كيف يمكن للإنسا أن يكون شجاع القلب ، قوي الضمير ، حر النفس ؛ ليقف في وجه الباطل المنتفخ وأهله المتجبرين العتاة ويقول كلمة الحق ؟ ليست الشجاعة شجاعة القلب وحده ، فقد يكون الإنسان جريئا يقتحم الموت ويسلك طريق الخطر ولا ينظر إلى العواقب ولكنه لا يجد نتاجا لفعله الأهوج وقد جبلت النفوس على كره الجريء لا يكون له سناد من سلطان العقل يبصره بمواضع الإقدام فيقدم ، وبمواضع الإحجام فيحجم حين يكون ذلك في مصلحة الهيئة الاجتماعية والأمة الواحدة ، وسب كره الناس لأنهم يرون أن هذا الجريء لا يسعى إلا لمصلحته ولا يريد إلا مجده وليس عنده قدرة ولا وقت على التبصر في عواقب أعماله لأنها عائدة على الناس فإن عادت عليه لم تضره لما ألف من نفسه مضيا لا رجعة فيه وعملا لا ملامة عليه .
إن الشجاعة الحقيقية تكمن في معرفة الصواب وتعزيزه وبذل الوقت والجهد لنشره ونصرته وإيصال رسالته بأجمل الأساليب وأرقاها بعيدا عن التشنج والحدة والشدة ، ومعرفة الخطأ ومحاربته بالكلمة الصادقة تبث في مسمع الدهر يتلقفها الناس جيلا بعد جيل والبعد قدر المستطاع عن مهاجمة الخطأ بالعنف والمصادرة وسلب الحقوق وإصدار الفتاوى المكفرة ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .) متفق عليه .وما عانى الناس على مستوى الدول الجماعات والأفراد كما عانوا بسب الغضب الجامح المولد أقبح الأخلاق وأحط الصفات والمسب الحروب والمعين الظلم على أن يجد طريقه في الحياة فيصبح دينا يتدين به من لا يخاف الله ولا يعترف بإنسانية الإنسان.
إن الشجاعة الحقيقة معناها أن نختار الإيجابية بكل إيحاءاتها الجميلة وأن نظر إلى المعاني الطيبة في أنفسنا والعالم والناس فنستغلها أحسن استغلال ونجعلها درجة في سلم الوصول إلى الكمال وتحقيق الأهداف السامية التي نريدها ، ليس هناك من أحد إلا وله مع الأيام معركة تورثه الهم ، وتلقمه الكدر ، فإن مالت به أثقاله وألقته طريحا يشكو همه ويندب حظه ورضي بحاله فسيصبح بعد لأي بؤرة فساد وخلية أذى تولد الكره والبغض وتنشئ العداوات وتصنع الترات ، وإن قاومها وحمل أعباءه فوق كاهله ونسيها انقلبت جزءا من جسده مرتبطة به تمده بأسباب قوته ، وكم نرى هذا المعنى يتحق كاملا بلا نقصان عندما يؤمن الإنسان بقضاء الله وقدره ويرضى بذلك ويسلم بعد أن بذل أسبابه وبلغ الجهد وسلك الطريق ، وهنا له أن يقول بملء الفم ( عجزي كنزي ) وهذه هي الشجاعة في أسمى منازلها وأرقى ضروبها ويوم يحقها الإنسان يكون قادرا على صناعة المستحيل .
على أننا لا نكر أن من الشجاعة شجاعة خلقها الله لهدم الباطل حين يشتد أذاه ويستفحل شر أهله ويستطير خطرهم ولا يبقى للوعظ في قلوبهم مكان ولا للنصح مربع ولا للتوجيه محل. هنا تأتي هذه الشجاعة لترجع الحق إلى نصابه مطلقة كلمتها المجلجلة في سماء الحياة ليسمعها الناس ويعرفوا أن في الأمة نبضا لا يهمد ومعان لا تفلس وحياة لا تموت قال تعالى : { ولا يخشون أَحَداً إِلاَّ الَّهَ وَكَفَى بِالَّهِ حَسِيباً } ( الأحزاب : 39 ) { مَنْ آمَنَ بِالَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الَّهَ } ( التوبة : 18 ){ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } ( المائدة : 54 ) { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا َتَخَافُوَهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ( آل عمران : 175 ) { أَلَيْسَ الَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ الَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } ( الزمر : 36 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد من قال كلمة حق عند سلطان جائر " . رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بسند صحيح . وقال عليه الصلاة والسلام : ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ) أخرجه الحاكم وغيره وهو صحيح .