والحساب يعني حصر الحسنات والسيئات، فإذا زادت السيئات كانت المناقشة من الله حول كل صغيرة وكبيرة، فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلَّا هَلَكَ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ: «ذَاكَ العَرْضُ يُعْرَضُونَ وَمَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَكَ»، وأسوأ شيءٍ أن يظنَّ العبدُ نفسه ناجيًا ثم يكتشف يوم القيامة أنه من الهالكين! وقد قال تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]،
ولذا كان من السُّنَّة النبوية أن يراجع المرء حساباته في الدنيا، فيجتهد في إحصاء حسناته وسيئاته، فإن وجد خيرًا فليحمد الله، ولْيفرح بتوفيق الله له، ومن وجد غير ذلك فليندم ولْيَتُبْ، وقد روى الحاكم -وقال الذهبي: صحيح- عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، ( رضي الله عنه ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»، ودان نفسه أي حاسبها، وفَهِمَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذلك فقال قولًا بليغًا!
فقد روى الترمذي عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، قَالَ: "حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وَإِنَّمَا يَخِفُّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا"، فلتكن هذه هي عادتنا اليومية، فلا ننام قبل أن نراجع أحداث اليوم، فنفرح بالحسنات، ونتوب من السيئات، ونختم يومنا بالذكر والدعاء، ولْنضع دومًا نُصْب أعيننا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]،
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني