تخطى إلى المحتوى

خير نية في طلب الذرية 2024.

تقديم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:
فإن مسؤولية تربية الأبناء مسؤولية عظيمة يتحمل تبعاتها الآباء انطلاقًا من أمر الله تعالى ورسوله ، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].
وفي حديث رسول الله : «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» "صحيح" عن ابن عمر رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.
وفي هذه الرسالة نتعرف على أمرين مهمين:
أولاً: فوائد طلب الذرية الصالحة.
ثانيًا: الأساليب المؤثرة في تربية الأولاد تربية صحيحة.
وذلك من باب التعاون على البر والتقوى.
وقد سميت هذه الرسالة: «خير نية في طلب الذرية».
والله نسأل أن يحفظ أبناءنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله من وراء القصد،،،،

* * * *
من المعلوم والجدير بالذكر أن المسلم هو: من أسلم نفسه ووجهه وقلبه لله عز وجل، فالمسلم لا يسير تبعًا لهواه، ولا يسير تبعًا لمزاجه، ولا ما يحلو له، بل المسلم يسير تبعًا لمنهج شرعه الله عز وجل وسنه النبي ، فالمسلم منضبط بقواعد شرعية، ومتميز في كل شيء، متميز في مظهره، في مخبره، في مشيته، في حديثه، في سكوته، في بيعه وشرائه، في ملبسه، حتى إذا رأيته قلت: هذا هو المسلم.
فالمسلم يوصف بأجمل الأوصاف أنه عبد لله وحده، متبع لرسول الله ، وهذا هو التجريد الحق، تجريد العبادة لله، وتجريد المتابعة لرسول الله .
فالشاب المسلم إذا بلغ مبلغ الرجال، ورأى في نفسه الكفاءة للزواج، واشتاقت نفسه للزواج ويريد أن يتزوج، والمسلم يتزوج؛ لأن الله تعالى شرعه وأمر به، وسنه النبي .
فأمام ناظري هذا الشاب الآيات والأحاديث التي تأمر وتحثُ على الزواج.
قال الله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
ومعناها: أي من علامات قدرته، ومن مظاهر رحمته، ومن فضائل منته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها.
وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32].
فهذا أمر من الله عز وجل للجماعة المسلمة أن تسعى لتزويج الشباب والفتيات.
وفي الحديث الشريف: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» عن ابن مسعود [صحيح الجامع (7975)].
فهذا نداء عظيم من الرسول الكريم  ينادي على شباب الأمة الذي يريد التحصين ضد الفواحش فعليه أن يُسارع بالزواج فإنه أغض للبصر عن رؤية الحرام وأحصن للفرج من الزنا والفواحش.
وقول الرسول : «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم» عن معقل بن يسار [صحيح الجامع (2940)].
كل هذه الآيات وتلك الأحاديث تحفز همم المسلم إلى أن يسعى في الزواج.
فيبدأ المسلم في خطوات زواجه، يفكر من هذه التي أتزوجها؟ نعم أتزوج المرأة التي ذكر الرسول  أوصافها الطيبة عندما قال : «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» عن أبي هريرة [صحيح الجامع (3003)].

«التي إذا نظرت إليها سرَّتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك».
هذه هي المرأة الصالحة التي يفكر الشاب المسلم أن يتزوجها ويعيش معها تحت سقف واحد.
ومع ذلك له هدف بعيد، يريد امرأة صالحة تُعينه على أمر دينه ودنياه، وإذا رُزقت بأولاد كانت مربية صالحة لهم. ولذلك قالوا: تبدأ تربية الولد باختيار أم صالحة له عند الزواج.
فتفكيره البعيد ينظر إلى مربية أولاده في المستقبل.
ويأتي هنا السؤال المهم: لماذا نطلب الولد؟ وما نيَّتك في طلب الذرية؟ وما ثمرات تربية الأولاد على الإسلام؟ ونستعين بالله ونجيب على هذا التساؤل المهم.
أولاً: نطلب الذرية الصالحة:
لأن الله عز وجل أودع في فطرة الأبوين حب الأولاد، فهم الرائحة الذكية، وهم الريحانة العطرة، وهم فلذات الأكباد، يحبهم الآباء ويتعلقون بهم.
ثانيًا: الأولاد زينة الحياة الدنيا:
قال الله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} [الحديد: 20].

ثالثًا: الأولاد نعمة من الله تعالى يسديها لمن يشاء من عباده فيشكرونه عليها.
قال تعالى: {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6].
رابعًا: الأولاد هم قرة العيون، وشرح القلب المحزون.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74].
خامسًا: بتربية الأولاد على الإسلام تربية صحيحة صالحة يكون ذلك سببًا في دخول الجنة وحرزًا من النار.
في الحديث الشريف: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له» عن أبي موسى [صحيح الجامع (795)].
فأول مستفيد من الولد الصالح أبوه في الدنيا والآخرة.
في الدنيا: معين له على أمر دينه ودنياه، يقضي حاجته وما يأمره به، ويحمل عنه أعباء الحياة.
وإذا مات: استغفر له، ودعا له بالخير {رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم أدخله فسيح جناتك.
وإذا دخل المؤمن الجنة رأى من الدرجات والمنازل، فيقول: ما عملت هذا كله، فيقال له: هذا بدعاء ولدك الصالح لك.
وإذا اجتهد المؤمن وحفظ ابنه القرآن كان ذلك سببًا أن يلبس تاج الكرامة يوم القيامة.
وإذا اجتهدت على تربية ثلاث من البنات أو اثنتين أو واحدة دخل بسبب التربية الصالحة الجنة.
سادسًا: نطلب الذرية الصالحة حتى نربيهم فيكونوا مشاعل هداية في العلم النافع والعمل الصالح والدعوة إلى الخير وتطبيق هذا الدين.
أخي الحبيب: أليست هذه أهداف سامية تجعلك تطلب الذرية الصالحة من المرأة الصالحة؟
نعم إن المسؤولية جسيمة والأمر صعب. ومن هذا المنطلق يحملك ربك سبحانه التبعة.
قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6].
هذا نداء عظيم من الله عز وجل على المؤمنين الذين آمنوا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد  نبيًا ورسولاً، ثم أمرهم الله عز وجل: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} أي احفظوا أنفسكم وأهليكم من عذاب النار الأليم، احفظوا أنفسكم وذلك بتزكيتها وتطهيرها من شوائب الشرك والبدعة والمعصية: زكوا أنفسكم بالعلم النافع وبالعمل الصالح، قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]. فلن يدخل الجنة إلا صاحب النفس الزكية المطهرة.
وقال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11].
وفي الحديث الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
وفي الحديث الشريف: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع» عن أنس [صحيح الجامع (1774)].
استرعى: أي طلب الرعية. فأنت بزواجك طلبت هذه الرعية، فعليك أن تحافظ على هذه الرعية بأن تقيم هذا البيت على كتاب الله وسنة رسوله .
لأن هذا ما تعاهدت به عند عقد الزواج، زوجني. فقال ولي الفتاة: زوجتك. قلت له: قبلت. وهذا العهد والعقد على كتاب الله وعلى سنة رسوله .
وهذا العقد الغليظ والعهد الوثيق تحل به الفروج، وكذلك عهد أن تقيم هذا البيت على الدين الصحيح من الإيمان والتوحيد والطاعة والذكر.
ويأتي السؤال:كيف تحفظ هذا البيت من النار؟
وكيف تربي أولادك تربية صحيحة؟
وما الوسائل المعينة المؤثرة في تربية أبنائنا؟
وهيا بنا نتعرف على تلك الوسائل. وهي خمس:
1- التربية بالقدوة.
2- التربية بالعادة.
3- التربية بالموعظة.
4- التربية بالملاحظة.
5- التربية بالثواب والعقاب.

أولاً: التربية بالقدوة
معنى القدوة: أي الأسوة، والمثال الذي يحتذي، والنموذج الذي يُقلد.
والنبي  هو قدوتنا، وأسوتنا، وهو التطبيق العملي لهذا الدين.
قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
حيث أن التربية بالقدوة مؤثرة. ويجدر بولي الأمر أن يكون قدوة حسنة لأولاده؛ لأنهم يرونه ويلاحظون أفعاله وأقواله.
وقيل: اتقوا الله يا من يقتدي بكم، وحذار أن تكونوا قدوة سيئة.
والرسول  علَّم الأمة هذا الدين قولاً وفعلاً، ومن رحمة الله عز وجل أن حفظ لنا هذا الدين. نصًا وفهمًا وتطبيقًا. حفظه لنا نصًا كتابًا وسنة، وفهمًا صحيحًا عن النبي  وصحابته الكرام رضي الله عنهم. وحفظه لنا تطبيقًا عمليًا. فنحن مقصرون في البحث عن النص والفهم الصحيح والتطبيق السليم.
والتربية بالقدوة، فعلها النبي ، وربى أمته بالقدوة الصحيحة، ولقد وافق فعله قوله في توحيده وإيمانه، وفي عبادته وطاعته، وفي سلوكه وأخلاقه.
وهيا بنا إلى سيرته العطرة؛ لنرى التطبيق العملي والقدوة الحسنة من النبي ؛ لنتعلم كيف ربى النبي  الأمة بالقدوة أولاً ، ثم بقوله وفعله، وقد ضرب أروع الأمثلة في إيمانه وتوحيده وحُسن توكله على الله عز وجل. من هذه الأمثلة:
1- في هجرته مع أبي بكر الصديق، وعندما دخلا غار ثور وتبعهما المشركون واقتربوا من الغار، خاف أبو بكر رضي الله عنه على النبي ، وقال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا.
فقال : «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما. لا تحزن إن الله معنا» رأيت: حُسن التوكل على الله وحده، وقمة اليقين في الله عز وجل.
2- في يوم رجع من الغزو مع صحابته، فأرادوا أن يستريحوا، فاستراح  تحت ظل شجرة، وعلق سيفه عليها، ونام عليه الصلاة والسلام، فمر رجل من الكفار، فوجده نائمًا، فأخذ السيف وأراد أن يقتله، فاستيقظ عليه الصلاة والسلام.
فقال الرجل: يا محمد، مَن يعصمك، والسيف في يدي؟
فقال الرسول : «الله».
فسقط السيف من يد الرجل، فأخذه  وقال للرجل: «من يعصمك مني؟».
فقال الرجل: حُسن خلقك يا محمد. وعفا عنه.
تأملت. حسن التوكل واليقين في الله عز وجل وقت الشدة.
3- علَّمنا الحلف بالله وحده، فقال: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» عن ابن عمر [متفق عليه].
وعلمنا النذر والاستعانة والاستغاثة والتوبة لله وحده لا شريك له.
وكذلك ضرب أروع الأمثلة في حُسن تعبده لربه عملاً بقوله سبحانه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].
من ذلك: قالت أمنا عائشة رضي الله عنها:
يكون بيننا رسول الله  يحدثنا ونحدثه، فإذا أقيمت الصلاة قام كأنما لا يعرفنا ولا نعرفه.
وكان يقيم الليل حتى تتفطر قدماه. فتقول عائشة: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيقول: «أفلا أكون عبدًا شكورًا».
وقالت أيضًا رضي الله عنها:
كان معي النبي  في الفراش ومس جلده جلدي، فقال لها: «يا عائشة، ألا تتركيني أتعبد لربي؟»، فتقول له: «أحب قربك ولكن أوثر هواك». فيقوم ويصلي .
كان يتصدق وكان أجود من الريح المرسلة.
وما رد سائلاً أبدًا، ولم يقل له: لا.
ولذلك قال الشاعر:
ما قال لا إلا في التشهد

ولولا التشهد لكانت لاؤه نعم

وضرب أروع الأمثلة في صيامه وحجه وعمرته وبقية العبادات، فصلاة الله وسلامه عليه.
وكذلك ضرب أجمل الأمثلة في حُسن خلقه وسلوكه وتعامله، فكان متواضعًا ويحث على التواضع. فكان يبدأ أصحابه بالسلام، وإذا صافح أحدًا لا يسحب يده أولاً، وإذا قابل أحدًا أو حدثه يبتسم ويهش له، ويهتم به، كأنه له وحده.
وكانت الجارية تأخذ بيده حتى يقضي حاجاتها، وإذا دخل على أصحابه جلس حيث ينتهي به المجلس .
كان يرحم الضعيف والأرملة والمسكين، ويمسح رأس اليتيم، ويداعب الصبيان، فكان رفيقًا رؤوفًا رحيمًا .
وصدق الله تعالى حيث يقول فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
فكان يجمع أحسن الأخلاق وأجمل الصفات. وهو سيد ولد آدم .

* * * *
ثانيًا: التربية بالعادة
أي التعود والتأثر بعادات البيئة والمجتمع.
فالإنسان ابن بيئته يتأثر بها.
قال : «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» عن الأسود بن سريع [صحيح الجامع (4559)].
فالإنسان يولد على الخير والدين الصحيح والفطرة السليمة، ثم بيئته التي ينشأ فيها تؤثر فيه.
فإن نشأ بين بيئة إسلامية طيبة كانت نشأته طيبة، وإن نشأ بين أهل الكفر من اليهود والنصارى والمجوس تأثر بهم ونشأ على دينهم.
وفي ذلك قال  يوضح أثر البيئة: «مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك وكير الحداد، لا يعدمك من صاحب المسك، إما أن تشتريه أو تجد ريحه، وكير الحداد، يحرق بيتك أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثة» عن أبي موسى [صحيح الجامع (5829)].
أرأيت أثر هذين البيئتين: البيئة الطيبة، أثرها طيب، فالجليس الصالح كله خيرات، يذكرك بالله عز وجل، يأمرك بطاعته، ينهاك عن معصيته فتزداد إيمانًا وخيرًا.
أما الجليس السوء، بيئته خبيثة سيئة، أضرارها كثيرة، يعين على المعصية، يتعاون على الإثم والعدوان.
وقال : «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل».
وكذلك الإنسان، يتأثر بتربية أسرته.
ولنضرب على ذلك مثلين: أحدهما طيب، والآخر سيئ.
الأول: أراد غلام أن يذهب مع زملائه إلى الشام، فزودته أمه بالزاد والمال، وأوصته أن يكون صادقًا لا يكذب.
وفي الطريق قابلتهم جماعة من قُطَّاع الطريق. فأوقفتهم وسألت كل واحد ما معك من مال؟ فيقول الواحد بعد الآخر ما معي شيء، ما معي شيء. حتى أتوا على هذا الغلام وسألوه ما معك أيها الغلام؟
قال: معي أربعون دينارًا، فتعجبوا منه وسألوه مرة أخرى، فأجاب: معي أربعون دينارًا، فأخذوه إلى كبيرهم.
فقال له الشيخ: ما معك أيها الغلام؟ قال: أربعون دينارًا.
فتعجب الشيخ وقال: يا غلام، ما الذي حَمَلَك على هذا الصدق؟
قال: أوصتني أمي بالصدق وعدم الكذب؛ لأن الله يراني ويسمعني، فأنا أستحي من الله أن أكذب.
فقال الشيخ: أنت غلام صغير تستحي من الله، وقد بلغت من الكبر عتيًا ولا أستحي من الله وأقطع الطريق.
تبتُ على يديك أيها الغلام، ولا أقطع الطريق، ولا أوذي عباد الله، وقد تابت الجماعة جميعًا.
رأيت أخي الحبيب أثر التربية الطيبة والتعود على الخُلُق الكريم.
مثال آخر: يوضَّح أثر التربية بالعادة.
قُدَّم شاب للمحكمة وحُكم عليه بقطع يده لأنه سارق. ولما مثل لقطع يده قال بأعلى صوته: «قبل أن تقطعوا يدي اقطعوا لسان أمي».
فقال: ما هذا؟
فحكى قصته مع أمه:
«قال: كنت غلامًا صغيرًا وسرقت بيضة من عند الجيران، ودخلت بها على أمي، وقلت: سرقتها من عند الجيران، ففرحت وتهللت وأطلقت زغرودة عالية. وقالت: هكذا الرجال يا بني. فغرست في حب السرقة وأخذ حق الآخرين، وكان آخر السرقة التي أمسكتموني بها، وتريدون أن تقطعوا يدي.
فأقول: قبل أن تقطعوا يدي اقطعوا لسان أمي.
رأيت يا أخي أثر التربية السيئة، أصبح الطفل محترفًا للسرقة والسطو على أموال الآخرين.
فالبيئة تؤثر في الإنسان وتشكله خيرًا أو شرًا.
وفي هذه الأيام كثر الفساد والباطل واللهو وقرناء السوء، فهذه القنوات الفضائية بفسادها وبثها لكل رديء من الأخلاق، وباطل من الأقوال والأفعال، تجذب الشباب إلى منحط الرذيلة والدعوة إلى الزنا والفواحش والسفور والباطل.
وللأسف وقع كثير من الشباب في شباكها وجروا وراء ملهياتها، يجلسون الساعات الطوال خاصة في الليل يشاهدون عروضها الخبيثة، لا يفكرون في ذكر لله أو صلاة أو قراءة قرآن، فهي بيئة رديئة تُعين على الإثم والعدوان.
وتلك المجلات الخليعة الماجنة، تعرض صور النساء عاريات وكلمات مثيرة للغرائز والشهوات.
فمن هنا كانت مهمة البيت صعبة جدًا وتبعات الآباء جسيمة، فهذا ينقلنا سريعًا للتحدث عن الوسيلة الثالثة من الوسائل المعينة المؤثرة في تربية أبنائنا.

* * * *

ثالثًا: التربية بالملاحظة
معنى الملاحظة: مراقبة ولدك في فعله وقوله وتحركاته. وفي هذه الأيام لا بد من مضاعفة مراقبة الأبناء وملاحظتهم.
فلاحظ ابنك وراقبه بالمتابعة الدائمة له.
ماذا يقرأ؟ ماذا يشاهد؟ من يجالس؟ من يصاحب؟ لاحظه دائمًا، أيقرأ المجلات الخليعة؟ أيتصفح ورقات الصحف الماجنة؟ أيشاهد الأفلام الهابطة؟ أيستمع إلى الأغاني والموسيقى؟
لاحظه، في قراءة القرآن، في المحافظة على الصلوات، في حضور مجالس العلم. في حلقات تحفيظ القرآن.
آه. والله إنها لمسؤولية عظيمة، وتبعات جسيمة.
لاحظ منسوب تغيره في عبادته وأخلاقه، كذلك لاحظ ابنك في تغير عمره وجسمه.
فإذا بلغ مبلغ الرجال فأصبح يحتلم، فمن الذي يعلمه ما له وما عليه في هذه السن؟
وكذلك البنت، لا بد لها من مراقبة وملاحظة، في أقوالها وأفعالها، وسلوكياتها، ولباسها، وحجابها. ماذا تلبس؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تشاهد، وإذا بلغت المحيض لا بد من أمها أن تعرفها ما لها وما عليها في هذه السن، ولا تتركها لبنات جنسها.
فعلى ولي الأمر أن يمكث في البيت بقدر استطاعته بعد قضاء حاجته الضرورية خارج البيت من العمل والصلاة وقضاء حاجة البيت.
في الحديث الشريف: «أملكُ عليكَ لسانك، وليسعك بيتك، وأبكِ على خطيئتك …» عن عقبة بن عامر [صحيح الجامع (1392)].
«وليسعك بيتك» امْلأ بيتك بوجودك فيه، فوجودك في البيت صمام أمان، النصح والتوجيه والإرشاد لفعل الخيرات والنهي عن فعل الشر والموبقات.
فانتبهوا أيها الآباء، فالأمر صعب والمسؤولية جسيمة.

* * * *

رابعًا: التربية بالموعظة
الموعظة هي الإرشاد والتوجيه وإسداء النصح بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأولى الناس بالأمر بالمعروف والنهي هم أهل بيتك وأولادك، وحكى القرآن الكريم عن ذلك:
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].
ففي وصية لقمان ضرب القرآن الكريم أعظم الأمثلة على التربية بالموعظة والنصح والإرشاد.
تتمثل في النصح: بالتوحيد لله وحده وعدم الشرك به، وكذلك بمراقبة الله عز وجل في السر والعلانية، وأن الله مطلع على كل شيء. يسمع ويرى.
وكذلك أمر بالصلاة والمحافظة عليها.
أمر بالتواضع والنهي عن الغرور والفخر بالنفس والتكبر على الآخرين.
والرسول الكريم  علَّم الأمة جميعها كيف نربي أولادنا بالموعظة والإرشاد.
في الحديث: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت رديف النبي ، فقال: «يا غلام، ألا أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك …» [صحيح الجامع (7957)].
فهذا النبي  يصحب الغلام الصغير معه، ويردفه خلفه حتى يأنس إليه وينصت إلى حديثه وتوجيهه.
فالتوجيه والدعوة مهمة النبي  وأمته.
فقال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104].
وفي الحديث الشريف: «نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها …» عن ابن مسعود [صحيح الجامع (6764)].
فكل فرد في الأمة داع إلى سبيل الله عز وجل على قدر علمه واستطاعته وبأسلوب طيب يتمثل بالرفق واللين لا بالعنف ولا بالغلظة.
قال الله تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44].
وفي الحديث الشريف: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه» عن أنس [صحيح الجامع (5654)].
ومن أمثلة تربية الأبناء بالموعظة:
ما رواه عمر بن أبي سلمة:
كنت أجلس مع النبي  على طعام، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فأمسك بيدي وقال: «يا غلام، سمَّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» صحيح الجامع [7958].
حديث عبد الله بن عباس المتقدم. رأيت كيف خاطب النبي  ابن عباس في رفق ولين وحُسن مخاطبة، «ألا أعلمك» ألا الاستفتاحية، حتى يجذبه إلى حديثه ويستمع إلى إرشاده ونصحه.
ومن أحسن الأساليب البليغة المؤثرة الأسلوب القصصي. فالقصص له أثر عظيم في القلوب.
مثال: من هذه القصص:
قصة أصحاب الأخدود، وموقف الغلام الصغير الموحد أمام الملك الكافر الظالم، فقد ضرب الغلام أعظم الأمثلة في التوحيد وحُسن التوكل على الله تعالى والخشية من الله وحده.
وفي قصة ولدي عفراء، معاذ ومعوذ في غزوة بدر، اللذين قتلا أبا جهل لأنه يبغض النبي .
وقصة الفتية أصحاب الكهف، في إيمانهم وتوحيدهم وتحدوا المملكة الكافرة كلها. وثبتوا على التوحيد.
ومن أساليب الموعظة التي تؤثر في الولد: الحوار والمناقشة وأخذ الرأي في أمر لا يبني عليه كثير عمل حتى تشعره بقيمة نفسه وتبنى شخصيته على المشاركة.
كذلك من أساليب الموعظة المؤثرة: ضرب الأمثال.
مثال: «مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد…».
«مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير».
«مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت» عن أبي موسى [صحيح الجامع (5827)].
من الأساليب في الموعظة: الالتفات إلى ما هو أهم:
قال رجل: يا رسول الله، متى الساعة؟
فقال : «ماذا أعددت لها؟؟».

* * * *

خامسًا: من أساليب ووسائل التربية المؤثرة:
التربية بالثواب والعقاب
وهذا هو الأسلوب القرآني في تربية المؤمنين، يرغبهم في الجنة، ويرهبهم من النار.
ونتعلم من هذا في تربية الأبناء.
فإذا فعلوا خيرًا فكافأهم بالتشجيع والدعاء، وكذلك بالمكافأة العينية.
وفعل ذلك الرسول  لما جاء له عبد الله بن عباس بوضوء (ماء الوضوء) ليتوضأ دعا له  فقال: «اللهم فقَّهه في الدين وعلَّمه التأويل» فكان عبد الله حبر الأمة وترجمان القرآن وإمامًا في الدين.
وكذلك التربية بالعقوبة:
أي تحاسب ابنك إذا أخطأ.
وتبدأ التربية بالعقوبة بالتنبيه على الخطأ أولاً.
فإذا أصرَّ على الخطأ ننتقل إلى التأديب.
يبدأ بشد الأذن شدًّا خفيفًا حتى يشعر بالتقصير.
فالأصل التأديب حتى يستقيم وليس الانتقام.
فإذا فعل خطأ يستحق الضرب. ضُرِب ولكن للضرب قواعد وضوابط.
سن الضرب: عشر سنوات.
قال رسول الله : «علموا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر». فالضرب في سن العاشرة.
عدد الضربات: عشر ضربات لا تزيد عليها.
للحديث: «لا يُجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود».
أداة الضرب: السوط.
وشروط السوط:
معتدل الحجم، لا بالطويل، ولا بالقصير، ويكون بين القضيب والعصا.
معتدل الرطوبة واليبوسة فهو لا رطب يقطع اللحم ولا يابسًا خفيفًا لا يؤثر.
طريقة الضرب:
أن يكون الضرب باليد لا بالرأس ولا بالرجل.
عند الضرب لا ترفع إبطك. لأنك إذا رفعت إبطك كان الضرب قاسيًا.
أن تكون رحيمًا عند الضرب فتفرق ضرباتك على الجسم وبين كل ضربتين زمن، لا تتابع الضربات.
أن يكون الضرب على اليد أو الرجل، واتق الوجه والرأس والفرج، فلا تقطع لحمًا، ولا تكسر عظمًا، ولا تُسل دمًا. لأن الهدف من الضرب التأديب.
وعند الضرب لا تتعد الجلد؛ لقول الله عز وجل: {فَاجْلِدُوهُمْ} فذكر الضرب على الجلد.
لا تضرب في حال الغضب، وعليك أن تتمهل وتذكر حديث الرسول : «… لا تغضب» عن أبي هريرة [رواه البخاري]. وغيَّر موضعك – اذهب – اجلس.
وعند الضرب إذا ذكر الولد الله عز وجل حال الضرب فأمسك عن الضرب؛ لأنه استغاث بالله عز وجل.
هذا والله تعالى أعلم.

كلامك صحيح ياريت كلنا نربى اولادنا لله وليس لاهوائنا ورغباتنا سيكون فيه خير وبركه كبيرة
جزاك الله خيرا
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.