السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شرح أحاديث عمدة الأحكام
الحديث في حمل الصبي في الصلاة
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ , فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا , وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا .
في الحديث مسائل :
1: في بعض النسخ المطبوعة جعلوا هذا الحديث حديثين ، وهو دال على قلّة عِلم بالحديث ، فقد جَعَلوا من قوله : " وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ " إلى آخِرِه حديثا آخر !
وهو حديث واحد مُتماسك المعنى والمبنى ، فقوله " وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ " مُرتبِط بما قبلَه ، أي أن أمامة بنت زينب وهي لأبي العاص بن الربيع .
ومما يُوضِّح هذا رواية لمسلم : قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص وهى ابنة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم على عاتقه ، فإذا ركع وضعها وإذا رفع من السجود أعادها .
2: جواز العمل اليسير في الصلاة لِحاجَة ، وهذا خِلاف ما يَفعله أهل التشديد على أنفسهم ، من أن أحدهم لو تنحنح أو تحرّك لأفسدوا صلاته ، وحَكَموا بِبُطلانها .
قال الشوكاني : وهذا الحديث الصحيح إذا سَمِعَه الْمُقَلِّد الذي قد تلقّن أن الفعل الكثير من مفسدات الصلاة ، وتلقّن أن تحريك الإصبع مثلا ثلاث حركات متوالية لاحِقٌ بالفعل الكثير مُوجب لفساد الصلاة خارت قواه واضطرب ذهنه ، فإن هذه الصَّبِيَّة لا تقدر على أن تستمسك على ظهره صلى الله عليه وسلم إلا وعمرها ثلاث سنين فصاعدا ، فأخذها من الأرض ووضعها على الظهر ، وكذلك إنزالها ووضعها على الأرض يحتاج إلى مزاولة وأفعال تحصل الكثرة لدى هذا المقلد بما هو ليس من ذلك بكثير . اهـ .
ومما يدل على ذلك البخاري من طريق الأزرق بن قيس قال : كنا بالأهواز نُقاتِل الحرورية ، فبينا أنا على جرف نهر إذا رجل يصلي ، وإذا لجام دابته بيده فجعلت الدابة تنازعه وجعل يتبعها . قال شعبة : هو أبو برزة الأسلمي . فجعل رجل من الخوارج يقول : اللهم افعل بهذا الشيخ ! فلما انصرف الشيخ قال : إني سمعت قولكم ، وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات أوثمان ، وشهدت تيسيره ، وإني إن كنت أن أراجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلى مألفها فيشقّ عليّ .
3:قوله : " فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا , وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا " يدل على رحمته صلى الله عليه وسلم بالصِّبيان ، فأمامة هذه بنت بنته صلى الله عليه وسلم .
4: ليس في هذا الفعل دليل على إحضار الصبيان للمساجد باستمرار ، ولا أن حَملَهم في الصلاة سُنّـة ، وإنما يؤخذ منه جواز ذلك إذا احتاج الإنسان إليه ، أو إذا لحِقَ الصبي أباه دون أن يتعمّد هو فِعل ذلك .
وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام :
الثالث : ما فعله صلى الله عليه وسلم اتِّفاقاً دون قصد ، فهذا ليس موضع اقتداء .
وفرق بين أن نقول هذا الفعل يؤخذ منه هذا الْحُكم ، وبين أن نقول هذا سُنة ، ويُقتَدَى فيه بالنبس صلى الله عليه وسلم .
قال الصنعاني : في قوله : " كان يصلي " ما يدل على أن هذه العبارة لا تدل على التكرار مُطلقا ؛ لأن هذا الحمل لأمامة وقع منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة لا غير . اهـ .
5: حُمِل هذا الحديث على النافلة ، وحُمِل على الضرورة ، وحُمِل على الخصوصية ، وادّعى قومٌ أنه منسوخ
قال النووي : وحَمَلَه أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة ، وهذا التأويل فاسد لأن قوله : " يؤم الناس " صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة ، وادّعى بعض المالكية أنه منسوخ ، وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أنه كان لضرورة ، وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها ، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك ، وليس فيه ما يُخالِف قواعد الشرع ؛ لأن الآدمي طاهر ، وما في جوفه من النجاسة مَعفوّ عنه لكونه في معدته ، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا ، والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قَلَّتْ أو تَفَرَّقَتْ . اهـ .
" والحديث دليل على أن حَمْلَ المصلي في الصلاة حيوانا أو آدميا أو غيره لا يضرّ صلاته سواء كان ذلك لضرورة أو غيرها ، وسواء كان في صلاة فريضة أو غيرها ، وسواء كان إماما أو منفرداً ، وقد صرح في رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان إماما ، فإذا جاز في حال الإمامة جاز في حال الانفراد . وإذا جاز في الفريضة جاز في النافلة بالأولى . وفيه دلالة على طهارة ثياب الصبيان وأبدانهم وأنه الأصل ما لم تظهر النجاسة " . أفاده الصنعاني .
: لو حَمَلتْ المرأة صبيّاً يلبس حفاظاً وهي لا تَعلم عن هذا الحفّاظ ، فصلاتها صحيحة ، ولا حرج في ذلك
ولو كان بالحفّاظ بلل إلا أنه غير ظاهر فلا تُمنع منه على الأظهر .
أما إذا تعدّى البلل الحفّاظ فلا يجوز لها حَمله في الصلاة .
قال الشافعي رحمه الله : " وَثَوْبُ أُمَامَةَ ثَوْبُ صَبِيٍّ " أي أن ثياب الصبيان ليست مضمونة الطهارة ، مع عدم [/وُوجود الموانع كالتي في زماننا .
[COLOR="Blue"]7: النجاسة المظنونة لا يُلتَفتْ إليها ، لأن الطهارة يقين فلا يُنتَقل عن هذا اليقين إلا بيقين ، للقاعدة : اليقين لا يَزول بالشكّ .[/COLOR]8: تكلّم بعض العلماء عن العَذِرة التي تكون في جوف الصبي ، وهي ليست بأشدّ من التي في جوف الكبير .
ثم إن ما في جوف الإنسان لا يأخذ حُكم النجاسة حتى يَخرج .
والله تعالى أعلم .
كتبه الشيخ:عبد الرحمن بن عبد الله السحيم