لكن سواء كانت أسبوعا أو ثلاثة أيام، فإنها بالنسبة للعاملات فيها، وهنا ما يعرف في أوساط الموضة بـ «الأنامل الصغيرة»، تعني أسابيع طويلة من العمل بتفانٍ، أحيانا يتم فيه مواصلة الليل بالنهار، لتنفيذ كل الأعمال المناطة بهن، بدءا من التفصيل إلى الحياكة والتطريز وغيرها.
أسابيع من التعب والسهر حتى تأتي الصورة كالحلم، أو كتحف فنية تظهر فيها عارضات نحيلات في عمر الزهور في أزهى حلة وشكل.
وقلة فقط ممن أسعفهم الحظ لدخول الكواليس أو ورشات العمل، تعرف مدى حرفية هؤلاء الأنامل الصغيرة وصبرها، وأيضا ما تتحمله العارضات الصغيرات، وراء الكاميرا، من تعليقات وسخط، عندما لا تكون الحركة هي الحركة المطلوبة، أو لا يكون الفستان بالمقاس المثالي، ويحتاج إلى تغيير ولو طفيف.
تحت الضغط، ينسى العديد من العاملين إيتيكيت المخاطبة أو التعامل، فالعاملات يركضن بحثا عن دبابيس أو خيوط وإبر لتقصير أو تطويل الفستان، أو تضييقه عند الخصر، أو جمعه وراء الظهر أو عند الأكمام، وعلامات التوتر تبدو على الوجوه، ومخرجو العرض يصرخون في الكل، وكأنهم في صراع مع الزمن.
والحقيقة أنهم فعلا في صراع مع الزمن، خصوصا بعد أن أصبحت معظم الورشات، مثل لوساج للتطريز، أو ماسارو لصناعة الأحذية، وغيرها، لا تتوقف عن العمل ما بين تشكيلات الأزياء الجاهزة، وتشكيلات ما بين المواسم وغيرها، مما يجعل الوقت الذي يخصص لكل تشكيلة وموسم، محدودا.
ورغم هذا، ففي مرتين في العام يولد من رحم هذا الجنون فنون، وتطل علينا من هذا الفرن الذي يغلي بالتوتر والحركة، فراشات تختال في أزياء تحمل كل مواصفات «الهوت كوتير»، أو الخياطة الرفيعة.
ورغم اضطرار بعض بيوت الأزياء للانسحاب من المشاركة، إلا أن هذا لن يؤثر على الموسم.
فموضة «الهوت كوتير» بدأت قبل أن تكون هناك أزياء جاهزة. وحتى يومنا هذا، فإن هذه الأخيرة تعيش على حس الأولى، ولا ترقى لمكانتها، رغم أنها هي التي تبيض ذهبا لبيوت الأزياء.
ويلمح البعض أن الأزمة المالية قد تؤثر على الملابس الجاهزة وسوق الحقائب وغيرها، إشارة إلى أن الطبقات المتوسطة هي الأكثر تضررا، لكنها لن تؤثر على كل ما هو رفيع، لأنه يصب في خانة التحف الفنية التي يمكن الاستثمار فيها.
وبالفعل هذا ما تؤكده نظرة واحدة إلى الحاضرات الجالسات في الصفوف الأمامية من العروض، اللواتي لا يبدو عليهن أنهن يشغلن بالهن بمشكلة الاقتراض أو موسم التنزيلات، بقدر اهتمامهن بالحصول على قطعة مميزة وفريدة من نوعها.
فعرض المصمم أليكسيس مابيل، مثلا، حضره ما لا يقل عن 400 من المشترين ووسائل الإعلام وسيدات المجتمع المخملي، مثل سوزان سابرشتين، التي اشترت مجموعة من القطع مباشرة بعض العرض، وهذا ما يعطي الأمل بأن العاصفة مؤقتة، وأن كل ما على المصممين القيام به، انتظار انقشاع غيومها.
كانت تشكيلة لا تعترف بالحل الوسط، فكل ما فيها من تفاصيل، ضخم يلفت الانتباه، اعتمد فيها حبيقة على حرفية عالية وتقنيات متطورة في تقطيع الأقمشة وصياغة اشكال مبتكرة منها. لحسن الحظ ان ماكياج العارضات كان هادئا كما لم يستعمل أي اكسسوارات، الأمر الذي خلق بعض التوازن.
قدم كارل تشكيلة بيضاء بخطوط واضحة تستوحي بساطتها من الستينات، وكأنه بها يفتح صفحة بيضاء، خصوصا أن الورق كان هو الغالب على الديكور والإكسسوارات التي زينت الرؤوس على شكل تيجان وقبعات.
غير أن بساطة هذه التشكيلة خادعة، إذ إن كارل يعرف أنها موجهة إلى «الهوت كوتير»، وبالتالي يجب أن تكون مميزة في تفاصيلها.
فهنا يلتقي الفن بالواقع بشكل متناغم يجعلك تطمح إلى كل قطعة تمر أمامك وتطمع فيها، وتشعر بالفخر أن هذا المصمم من الشرق. مع كل تفاصيلها وقشورها، فإنها تخاطب المرأة الأنيقة أينما كانت، بغض النظر عن ميولها أو أسلوبها.
تشكيلته أكدت أنه يعرف أدواته ويتقنها، وكل جزئية منها تشير إلى أن متعة الاستمتاع بلمساته لا يجب أن تقتصر على النخبة فحسب، وأنه حان الوقت لكي تمتع شرائح أكبر بها، من خلال تشكيلات للملابس الجاهزة، وهذا بالذات ما سننتظره منه هذا الشهر خلال أسبوع نيويورك للموضة.
ورغم أن تأثير «دي نيو لوك» التي تعود إلى الأربعينات من القرن الماضي، وأصبحت لصيقة باسم الدارن كانت حاضرة، إلا أنها لم تكن طاغية، فغاليانو لا يمكن أن تسمح له نرجسيته الفنية أن يترك أي أحد يطغى على رغبته في الابتكار ولفت الانتباه إلى قدراته، الأمر الذي يصب دائما في مصلحة المرأة التي تطمح إلى التميز واللمسات الفنية.
فهذا المصمم، الذي يصر منذ بضعة مواسم على أن يقدم في موسم الهوت كوتير «لوحات حية» أبرزت كثيرا من إمكانياته الحقيقية، نجح هذه المرة في إتحافنا بأزياء تتحرك بمرونة، غنية بالأورغنزا والحرير والساتان وألوان ربيعية هادئة.
مشكورة حبيبتي ,مستنية الجديد
*** نانسي النعومة ***
اسعدني مرورك ياعمري