عندما تكون العلاقة مفعمة بالتنافر بين الزوج والزوجة فلنا أن نتوقع أطفالاً غير مبالين إلى الصداقة مع غيرهم، وأن نتوقع كباراً ينظرون إلى العالم نظرة عدم ثقة، وأن نرى ألواناً من السلوك تثير الخصومة والتنافر، وأن نرى أشخاصاً يتميزون بالبخل أو المكر، وأن نسمع في عيادات الطب النفسي عن آلام هؤلاء وعن اشتهاء كل منهم إلى حد الجنون إلى احتياجه أن يحب أحداً وأن يجد من يحبه.
وهكذا نجد أن الطفل الصغير يختبئ عملياً داخل جسد الكبير. نعم، فكل منا يحمل طفولته داخله. وهذا الطفل الصغير يسعى إلى نيل الحب.
وكل طفل يحب أن يكون محبوباً ومحباً، وإلا فإن الطفل سيلجأ إلى إزعاج من حوله لتنبيههم لحاجته إلى الحب.
وجرس الإنذار بضرورة الحب يدق عندما يأتي الأب المرهق من عمله ويتجه إلى سرير الطفل ذي الستة أسابيع ليناديه فيبتسم له، وعندما يبلغ طفله الشهر الخامس من عمره فيرى السعادة على ملامح الوليد من مجرد مخاطبته. وكلما كبر الأطفال زادت العوامل التي تؤثر في قدرتهم على منح الحب وتلقيه.
وهناك فوارق بين طفل وآخر. وهناك الطفل المنفتح على العالم، وهناك الطفل الحساس بالفطرة. وآن لنا أن نعرف الأساس الهام الذي نكرره دائماً وهو أن الطفل يفتح عينيه منذ الشهر السادس ويبدأ بامتصاص صورة العالم الذي سوف يحيا فيه، حتى إذا كان الأب والأم ممتلئين بالعاطفة تفجرت في الطفل طاقة الحب لكل الناس إلى درجة يفترض فيها الطفل أن كل الناس في هذا العالم من نفس طراز أمه وأبيه تربط بينهم الصداقة والحنان والألفة.
لذلك فكثيراً ما أقول للآباء الذين نشؤوا في ظل الحضارة الغربية المعاصرة والتي تلجم العواطف وتكبتها وتفرض على الأب أن يصرخ في وجه ابنه: «كن رجلاً ولا تبك»، أو تفرض عليه أن يمتنع عن احتضان ابنه حتى يعلمه – كما يحسب – كيف يشب ويقف على قدميه دون اعتماد على الآخرين.. أقول لهم إن هذه التربية الجافة أمر مرفوض لأنها تقسي مشاعر الأبناء وتجمد ينابيع العطاء في أعماقهم.
وفي المقابل يجب ألا نتمادى في الاحتضان والقبلات وخصوصاً في زماننا الذي ينقل إلى الأطفال صوراً مفضوحة عن العلاقة بين الرجل والمرأة.
إن علينا أن نحتضن الأطفال ولكن لا ننسى أبداً أن الصبي منذ العام الثالث يتجه بكل الإعجاب إلى أمه، كما تتجه الفتاة بالإعجاب إلى والدها. ولابد من أن تكون هناك حدود متوازية من الاحتضان والقبلات، فلا يصح أن نمنع أبناءنا من ذلك، ولكن لا يصح أيضاً أن نسرف معهم في ذلك.
إنني كثيراً ما أسمع عشرات الآباء يشكون من آبائهم الذين عاملوهم بجفاء فانعكس ذلك على سلوكهم فيما بعد، فصاروا آباء متسيبين عاطفياً ولا يستطيعون السيطرة على أبنائهم، بل ينفذون كل ما يطلبه الأبناء منهم. وكثيراً ما سمعت من عشرات الأمهات أن التدليل المبالغ فيه هو الأمر الممكن الوحيد لبناتهن، لأن القسوة السابقة من أمهات هؤلاء الأمهات كانت كفيلة بإنتاج جيل متسيب العواطف. إن الأم تعتذر بالتدليل الزائد للابنة عن عدم معرفتها بكيفية التعامل معها. إنه بحر الحيرة الرهيب الذي يغرق فيه الآن أجيال من الآباء والأمهات الذين لا يعرفون كيفية التحكم في تربية الأبناء.
إن إنشاء عمارة من الطوب والأسمنت أمر يحتاج إلى تعاون بين المهندس والعمال والفنيين لتكون العمارة صالحة بعد ذلك لأن يسكنها أناس آخرون.
وإنشاء طفل على مقدرة لعطاء الحب وأخذه مسألة تحتاج إلى الإحساس المتوازن من الأب والأم معاً.
إن الابن هو اللحن الذي نعزفه نحن الآباء والأمهات، وعلينا أن نعزف هذا اللحن بثقة واقتدار، ونحن نستطيع أن نفعل ذلك بمنتهى الهدوء لأن هذا اللحن طويل جداً.
إن عمر تربية الأب والأم للابن لا يقل بحال عن واحد وعشرين عاماً، وهي أطول سيمفونية معزوفة بأنفاس كلّ أب وأم وأحلامهما وتجاربهما.
انتظر ردودكم………………يارب تعجبكم
الله لا يحرمنا منك اختي
تحيااتي لمجهوودك