مصر / آلاء ممدوح
تعتبر الحياة الزوجية أقوى الروابط الإنسانية، وهي أمنية كل شاب وفتاه، وأمل منتظر يترقبه كل منهما ليبدأ حياة جديدة لها معنى آخر ومذاق مختلف، وبها تستمر الحياة وتثمر كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، فهي قنطرة الأمل التي يعبر عليها الزوجان إلى حياة هادئة وصافية ،تستحق أن تعاش ..فيحملهما مركب واحد، يصمد في وجه أعاصير الحياة فهو يصمد بفعل شحنات من الدفء الاجتماعي والحب الإنساني المتبادل..
وجسر العبور للحياة الزوجية فيما بعد هو ما يسمي بـ"فترة العقد"،وعادة ما نجد في كتب الفقه أن العقد مرادف ومتزامن مع النكاح أو الزواج الكامل، ونجد حقوق الزوج وحقوق الزوجة هي الحقوق الزوجية الكاملة.. أما في عصرنا الحالي، فالعقد لا يشترط تزامنه مع النكاح، مما أوجد حالة جديدة نحاول جميعا أن نجتهد لنصل لأقرب وضع للصواب فيها من الناحية الشرعية والاجتماعية.
فترة العقد.. ارتباك ومشاعر فياضة
فتقول مريم- من الأردن ـ:" كانت فترة عقدي طويلة جدا حيث كان زوجي هو مدرسي فكان يدرسني في فترة الثانوية التي كنا قد عقدنا قبلها بوقت بسيط، ومن ثم تخرجي من الثانوية وظل زوجي ينتظرني إلى أن أتممت دراستي الجامعية وتخرجت في الجامعة ثم تزوجنا بعدها بسنة.."
وتعد فترة العقد فترة محيرة جدا شرعا وعرفا، ولا يوجد رأي فقهي واضح يوضح الحدود والضوابط الخاصة لهذه الفترة، لذلك ظل هناك تخبط وارتباك في كيفية التعامل مع الخطيبين، فنجد أن هناك الكثير من الآباء الذين لم يفرقون بين هذه الفترة وفترة الخطبة فنجد الكثير من الآباء يطلب من ابنته أن تلتقي بزوجها في وجود محرم أو حتى بكامل زيها الشرعي..
فقال لنا مجاهد- من مصر: كان والد زوجتي في فترة العقد لايسمح لنا بالجلوس بمفردنا بل كانت كل عائلتها تجلس معنا..فكان هذا الأمر يضايقني مما جعلني عجلت بالبناء بها..
وتضيف سما- من سوريا: كنت على اعتقاد من أنني عندما يعقد بي خطيبي سوف نجد بعضا من الحرية فهو صار زوجي على حسب نص العقد بينه وبين أبي، لكننا وجدنا غير ذلك فأبي لا يسمح لي أن يراني زوجي بشعري مثلا أو بأي ملابس غير الزي الشرعي الذي كان يراني به طوال فترة الخطبة بل يأمرني أبي بأن أرتدي(العباءة والخمار)أمام زوجي..!
وكانت نفس المشكلة مع عمر- من الأردن فيقول: والد زوجتي كثير التشدد علينا فهو لا يسمح لي بعد العقد أن أرها كما أحب أن يرى أي زوج زوجته فترة العقد فمثلا يراها بشعرها،،لكن والدها كان يجعلها ترتدي زيها الشرعي كاملا أمامي وعندما نجلس معاً أو نخرج للتنزه يخرج معنا أخوها أو أختها ووالدتها..مما جعلني أعجل بالزفاف..
وهناك البعض الآخر يحاول أن يتوسط ، فيري أن فترة العقد فرصة للحب(الرومانسي) مع (اختطاف)بعض الحقوق التي تبدد قليلا من هذه الأشواق الملتهبة،وتهدئ ضغوط الرغبات الثائرة.
فتقول لا ميس- من لبنان: الحمد لله أن أبي يسمح لي في فترة العقد أن ألبس ما يحلو لي من ملابس أمام زوجي ولكن تكون بحدود الأدب، كما أننا نخرج معاً لنتنزه كما يفعل كل المحبين والمتزوجين ؛فأنا أنظر هنا أن فترة العقد غير الخطبة، فهي تبيح الكثير ولكن أيضا بحدود متلازمة مع الشرع..
** الشرع والعرف..توافق أم تصادم..!!
ولكن أيضا في هذه الفترة قد تقف الفتاه المسكينة حائرة في وسط هذا المشهد لاتدري في أي اتجاه تسير؟ مع الأب الذي لازال ينفق عليها ومازالت تعيش في بيته وتحت مسئوليته؟ أم مع زوج المستقبل الذي يستعطفها بنطراته التي تؤكد لها أنه زوجها وهي زوجته..كما أن البعض يعتقد أن هناك معركة بين الشرع وعرف المجتمع، وأن الشرع يبيح كل الحقوق الزوجية.. فهل صحيح أن المسألة مسألة صراع بين الشرع والعرف..
وعن هذا تقول هدى- مصر: كنت أعتقد أن فترة عقدي ستكون أحلى أيام حياتي قبل الزفاف، ولكن كل شيء تغير فأنا أقف بين حربين زوجي من ناحية وأهلي من ناحية أخرى خاصة أني يتيمة وزوج أختي الكبرى هو الذي يدير موضوع زواجي ، فزوجي مثلا يريدني أن أذهب لزيارة أهله بمفردي قائلا أنني زوجته والشرع لا يعارض هذا، أما أهلي يرفضون هذا إلا أن تكون زيارة عائلية..
** الفتاة … بين قرارات أبيها … وغضب زوجها
يظن بعض الشباب بعد عقد القران أن له الحق في أن يفرض كلمته على زوجته وهي ما تزال في بيت أبيها ، ويدفعها على التمرد على إرادته، ظنا منه أنه يختبرها،هل ستسمع كلامه في المستقبل أم لا؟ ويضع الفتاه أمام اختيارين…أنا و أبوك !! وهذا النوع من الشباب ليس على الصواب، والإسلام يرفض هذا السلوك طالما الفتاه لم تنتقل لبيت زوجها…
ومن أمثال هؤلاء الشباب يضيف أحمد- لبنان قائلا:
أنا بعد أن عقدت على مخطوبتي كان أهلها شديدي التعصب من وجهة نظري فهم لا يوافقون على أن نجلس معاً بمفردنا أو أن نتأخر بخارج المنزل لوقت متأخر مثلا..كما أنهم يرفضون دخولها لمنزل أهلي بمفردها فأنا أعتبرهم يخالفون الشرع فأنا أعتبر زوجها أولا وأخيرا على شرع الله وسنة رسوله، كما أن أهلها هم السبب وراء أي خلافات بيني وبينها كما أنهم يفرضون رأيهم عليها وعندما قررت أن نذهب أنا وهي وأهلي لشراء أثاث بيتنا رفضوا أهلها معتبرين أنه من العرف أن يذهب كلا العائلتين لشراء الأثاث فكيف هم يسيرون على العرف ويمنعون الشرع..؟)
ويتفق معه في الرأي حسام فيقول:أعتقد أنه بعد أن يعقد الشاب وتصبح خطيبته زوجته عندها يستطيع أن يفرض رأيه عليها فهي حسب نصوص العقد والشرع صارت زوجته ومن حق الزوج على زوجته أن تطيعه في كل الأمور.
** نصائح- د.سميحة غريب – للشباب والفتيات وكذلك الآباء..!!
وهنا توجه الدكتورة- سميحة محمودغريب- للشباب العاقد:الرجل بمعنى الكلمة هو الذي يدرك أن كلمة الأب هي العليا طالما أنه مازال ينفق عليها..وليس معنى ذلك أن زوج المستقبل ليس له صفة ولاكلمة ولكن هنا لابد من استخدام الحكمة والمرونة والتفاهم مع زوجته حتى تمر هذه الفترة الجميلة دون مشاكل.
وتواصل د.سميحة غريب موجهة النصائح للفتاه أيضا:
الفتاه بعد عقد القران ومازالت في بيت أبيها أمامها اختياران:
الأول: إما أن تعامل العاقد على أنه شبه زوج فتجلس معه وأمامه بكامل زينتها وتسمح له بما لايسمح للغريب على أن يغترف من النهر غرفة، وهذا الكلام عمليا غير منطقي لأن قانون العلاقة الجسدية بين الرجل والمرأة يقول إن الارتواء لايكون إلا بالوصول لآخر مرحلة ولاتكفي فيه غرفة من النهر،وكل محاولة لإخماد النيران دون الوصول للمحطة الأخيرة- وهي الفراش- لاتعني في الحقيقة إلا المزيد من الإستثارة..وهنا يخرج الشاب من عند الفتاه مشبعا بهده الأحاسيس فكيف له أن يفرغ هذه الشهوة العارمة؟؟
أما الثاني: أن تعامل الفتاه العاقد على أنه شخص غريب كالخاطب تماما،وهنا أي قوة ستقنع العاقد أن يصوم عن(زوجته تقريبا)..وهنا الاختياران محيران وشديدان في الصعوبة..وهنا عليك حبيبتي الفتاه أن تحذري الخلوة مع زوجك قبل الزفاف، ولاتبالغي في الزينة له، ولاترتدي الملابس الكاشفة له حتى لاتستثيريه، ولاتوافقي على مايطلب منك بحجة أنه زوجك، وأحفظي هذه العبارة:" أنا مازلت في بيت أبي، ومازال أبي هو الذي ينفق علي، فضلا عن أنه أبي، وعندما نكون في بيتنا أفعل ماتشاء، ولاحق لي في عصيانك وقتها."
وتقول د.سميحة غريب: نتوجه بالنصح للآباء والأمهات، بتأخير عقد زواج بناتهم إلى قبيل الزفاف إلى زوجها بفترة بسيطة، ولتكن من ثلاثة إلى خمسة أشهر ولاتطول عن ذلك..
وتضيف -الدكتورة فيروز عمر- هذه الفترة- فترة العقد – لم يكن لها وجود تقريبا حتى السنوات الثلاثين الأخيرة، حيث كانت هناك فترة خطبة قصيرة غالبا، وفي أثنائها يزور الخاطب خطيبته على فترات متباعدة نسبيا وذلك في حضور والدها أو والدتها، ثم يأتي العقد والزفاف معا أو يكون بينهما وقت قصير جدا..لكن للأسف مع وجود الأزمات الاقتصادية،وامتداد فترة التجهيز للزواج إلى سنوات،،أو انتظار أن تستكمل العروس دراستها،وفي ظل هذه الظروف ظهرت فترة العقد