لعل من أهم الملاحظات التي نشاهدها عند الأطفال دون العاشرة من عمرهم هي الحديث مع أنفسهم بنسبة (20-60%) من التصرفات التي تلفت نظرنا عند الأطفال وربما تجاوز أحيانا حديث الطفل مع نفسه مقدار الحديث مع الآخرين وغالبا ما يكون هذا الحديث بصوت مرتفع .
وقد يتعرض الطفل للتوبيخ من والديه بسب ذلك وفي الحقيقة إن هذا النوع من تصرفات الطفل هو أمر طبيعي كالتفكير بصوت مرتفع يجب أن نوافق الطفل يضبط سلوكه ويساعده على إتقان مهاراته التي يتعلمها ويسمى حديث الطفل مع نفسه في علم للنفس (private speech )ومع الأسف أن كثيرا من ألياء الأطفال يسيئون تفسير هذا الظاهرة بينما هي جزء أساسي للنمو المعرفي (الإدراكي ) لدى جميع الأطفال وكان عالم النفس الروسي الشهير (فيكو تسكي ) منذ أكثر من سبعة عقود قد سجل أهمية تحدث الطفل مع نفسه وأكد على أن التواصل الاجتماعي المبكر عند الطفل يجعل من استخدام الطفل للتحدث إلى نفسه وأن ذلك ينمي ويطور العمليات المعرفة ( الإدراكية ) العليا عند الطفل والتي ينفرد بها الإنسان عن سائر المخلوقات فبالتخاطب والتواصل مع أفراد المجتمع من الراشدين يتعلم الطفل كيفية إتقان النشاطات وكيفية التفكير بطرائق وأساليب ذات معنى في ثقافة بيئته تفيده في تفسير الأمور وتساعده على التغلب على الصعاب التي تواجهه ومع اكتساب الطفل قدرة السيطرة على سلوكه وتقدمة في عملية التعلم تغيب تدريجيا ظاهرة التحدث مع نفسه ومع الزمن يقتصر حيث الطفل مع نفسه على المفاهيم التي مازالت غامضة بالنسبة له .
وبمجرد إتقان الطفل ممارسة العمليات المعرفية يبدأ عندها بالتفكير في معاني الكلمات بدلا من التلفظ بها والتدريج فإن تحدث داخلي صامت قوامه تلك المحاورات الواعية التي يجريها الطفل بينه وبين نفسه عند التفكير والعمل ومهما يكن فإن الحاجة للتحدث إلى النفس لن تختفي أبدا عند الإنسان مهما كبر في السن فنحن البالغون حين تواجهنا في حياتنا مهام غير مألوفة أو أمور تحتاج إلى جهد لاستيعابها وإقرار ما يجب بشأنها نلجأ إلي الحديث إلي النفس لأنه وسيلة هامة تساعدنا على تخطى الصعاب وعلى اكتساب مهارات جديدة في التفكير والعمل وقد قامت الدكتورة ( لور إ .بيرك ) ( أستاذة في علم النفس التربوي من جامعة شيكاغو ) بتأليف كتابها الشهير ( التحدث إلي النفس : من التفاعل الاجتماعي إلي التنظيم الذاتي) ( private speech:from social lnteraction to self- regulation )
لتثبت عمليا نظرية العالم الروسي (فيكو تسكي )بعد عقود طويلة كان العلماء يظنون أنه كان على خطأ مقتنعين بآراء العالم السويسري البارز (جان بياجيه ) (piaget ) الذي كان يعتقد أن التحدث إلي النفس ليس له أي دور إيجابي للنمو المعرفي ( الإدراكي ) للطفل وقامت الدكتورة بيرك بإجراء دراسة هامة في جامعة ستانفورد حول عدد كبير من الأطفال ( بين سن الخامسة والعاشرة ) هل يمارسون التحدث إلى أنفس؟
وهل يساعدهم ذلك في توجيه تصرفاتهم ؟
وهل هذا التحدث ينبثق أساسا عن التخاطب الاجتماعي ؟
ولقد ظهر في نتيجة هذه الدراسة أن عملية تحدث الأطفال إلى أنفسهم كانت إما لوصف أو لتوجيه ما يقومون به من عمل وهذا يتفق مع فرضية أن توجيه الذات هو الوظيفة المحورية للتحدث إلى النفس علاوة على ذلك فالأطفال أكثروا من التحدث إلى أنفسهم عندما كانوا يواجهون مهمات صعبة أثناء عملهم منفردين وأيضا عندما يكونوا مضطرين إلى الإعتماد على أنفسهم فيما يقومون به
وأن تحدث الأطفال إلى أنفسهم حديثا يتعلق بالمهمة المطروحة أمامهم يساعدهم على محاكمة الأمور ومناقشتها وإيجاد حل للمشكلة التى تعترضهم مؤكدة بذلك نظرية العالم ( فيكو تسكي ) الذي يؤكد على أن المفاهيم الواقعية التى يستطيع الطفل أن المفاهيم الواقعية التى يستطيع الطفل أن يستوعبها تقع ضمن ما أسماه ( منطقة النمو الوشيك الكامن ) ويقصد بذلك مجموعة الأعمال التى لايستطيع الطفل إنجازها إلابتوجيه من شخص بالغ أو طفل آخر أكثر مهارة فعندما يعالج الطفل مع مرشده مهمة تتحداه فإن ذلك المرشد يقدم للطفل حلولا وخطا في قالب لغوي وعند ذلك يدمج الطفل لغة تلك التعليمات في تحدثه إلى نفسه مستخدما ذلك في توجيه أعماله وجهوده المستقلة ويقول فيكوتسكي أن الحظة الأكثر دلالة للنمو الفكري عند الطفل تتم عند (التقاء الكلام بالنشاط العملي ).
لمرورك نورتي موضوعي