ضرب احدهم بقبضته على المائدة …. وكانما يرغب فى اجتذاب اكبر قدر من انتباه الحضور …. المادة الثانية من الدستور تقول هكذا ……. وتلى حجته وسن سلاحه … امامه ابيض حليق ينظر برود : يالهذا الهراء … هكذا فقدت ايماني …. الملتحى بغضب : اى ايمان يا هذا … انتم لوثتم نهر النيل الطاهر بكفركم وفجوركم وقولكم على الدين بهتانا كبيرا …. ثالث هادئ يتكلم بلا تحرج : يا سادة دعونا لا نتقاذف الاتهامات … يجمعنا اليوم وحدة دم واحد …. صاحب الصليب يرفعه عاليا مهددا الجميع : احبوا اعدائكم باركو لاعنيكم …… الملتحى يصرخ رافضا صاحب الصليب ايضا : كفاك هراء … ما قال لى احدهم ان الجلسة ستكون حلقة تبشيرية …. فى طرف المائدة جلس احدهم بسيط الى اقصى حد … يشغل باله كيف سيطعم اولاده … ومن اين سيشترى دوائه هذا الشهر … ونبيل من اصحاب المعالى يقول : بل هى رؤيتي انا ومشروعى انا ……. وصاحب الرداء الاسود يرد على الملتحى : واحتلالكم الاسلامى لمصر لوث دماء المصرين نفسها ….. بات وشيكا ان معركة بالايدى ستنشب الان …. فتى فى الخامسة عشر قال مصر وطنا لنا جميعا … هذا الصبى مسكين جدا غسل الاعلام الحكومى افكاره .. الوطن اغنية وطنية ونشيد وطنى وتحيا مصر حرة …. اذا انطلت عليك اكاذيبك فستكون مهرجا عظيما ولكنك لن ترى الحقيقة ابدا …. صاحب المعالى يرمق الشاب بنظرة امتنان : يالك من ولد …. ليت ابناء الشعب كلهم مغيبون … هكذا قال له شيطانه …. الرصين يقول : انسيتم اننا هنا اليوم لنرصد حال فرقتنا … نحن ابناء جلده واحدة ولكننا مختلفون ايما اختلاف … يا لحالنا البائس ….. على المقعد البعيد بجوار الملتحى جلس شاب مكتنز وعلى وجهه نظرة توحى ما بداخله …. انه لا يفهم نصف الكلام ولا كل النوايا التى على المائدة …. رحم الله والده اصر على ان يخرج من المدرسة …. ليته واصل تعليمه لفهم على الاقل سر هذا الحوار .. ودون ان يراه الاخرون ضرب على جبهته بخشونه قليلة لعله يفيق من غيبوبته الفكرية …. وسمع الملتحى يقول : اخوانى نحن عصينا الله فانزل علينا لعنته … يعذبنا فى الدنيا كما عذب قوم اخرون …. قال الجاهل : الله عليك يا شيخنا … كلامك در والله … القديس مازال يشعر باهانه ويقول : انتم عملاء الامريكان … حتى لحاكم مصطنعه وتحويلاتكم البنكية مفضوحة واهدافكم معروفة …. واستمر غير مهتم بما احدث من توتر … موجها حديثه للملتحى خصمة التقليدى : وشيخك –
يقصد بن لادن – الهارب فى الجبال … لماذا لا يشمر ساعديه ويرينا بطولاته بفلسطين المحتلة ….. قبل ان يوجه وصايته علينا ….واستمر وكانما يوجه كلماته الى بن لادن نفسه ويترحم على ابرياء التفجير الغادر … وقرأ بعضا من انجيل يوحنا الاصحاح الثاني عشر : الحق الحق اقول لكم : ان لم تقع حبة الحنطة فى الارض وتمت فهى تبقى وحدها . ولكن ان مات تاتى بثمر كثير ….. الحليق يبتسم بخبث ويرمق القديس الذى يواصل البابا قالها مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطنا يعيش فينا …. استعر الهتاف لحظات وتدخل الرصين كعادته ويشير الى صاحب المعالى : لماذا تصمت الان يا صاحب المعالى … لقد ركبنا سفينتك منذ ثلاثون عام وانت تبحر بنا نحو الهلاك …. لا يجب ان تتنصل الان من وعودك الانتخابية ومسئوليتك تجاه رعيتك ….. النبيل صاحب الدماء المقدسة يقول : لا يحق لاحد محاكمتى هكذا يقول الدستور ….
وهنا دخلت مصر …. امراة عجوز ترتدى جلباب اسود طويل …. بدا عليها البؤس والشقاء وعلى نظراتها الحزن العميق …. انها ام الان لمائة رجل …. كل رجل يكره الثاني …. البسوها ثوبا امريكيا على طراز رعاة البقر فما وجدته مناسبا … قبعة فرنسية ولهجة ناعمة ما وجدته مناسبا .. كانت تحن دائما لثوبها القديم … الى جمال الدين الافغاني … الى صلاح جاهين …. الى اوبريت الليلة الكبيرة … الى مصر الحقيقية … وليس الى هؤلاء المصطنعون … خليقة الامريكان … شعرت بالامتعاض امام خلافهم … الكل ذبح فيها وقبض الثمن …. دولار والف دولار … وخمسمائة شيكل ….. ويدعون حب الوطن والصالح العام …. يالسخافتهم … ابنها الصغير يتعلق بردائها … الشاب صاحب الخمسة عشر عام … ذاك المسكين كم يحزنها حاله …. انهم سرقوا مستقبله … اضاعو فرصته فى الحياة …. باعوا ميراثنا بابخس الاثمان فما عادت لتلك الارض سحرها وعبقها … اصبحت شيئا بلا لون ولا طعم …. الصبي يتعلق برداء امه الى اين ….. مصر تجيب لا وجود لى هنا فانتم تتحدثون عن مدينة اخرى … فى احلامكم او اوهامكم ومخطاتكم …. ساذهب الى ثوبي القديم ولهجتى القديمة ربما وجدت التاريخ هناك … وبينما كان الاخوة الاعداء يلقون المسئولية تاره على القديس صاحب الصليب وتارة على الملتحى هتف رجل من خارج القاعة : لقد وجدوا الرأس وجدوا الرأس … ويكمل انها الجثة الوحيدة الذى لم يتعرف عليها احد من ضحايا كنيسة القدسين … انها لهذا الانتحارى … صاح صاحب المعالى : بل قل للمجنو …. الذى يرغب فى تفرقتنا …. نحن فى وحدة دائما مهما فعلت الاطراف الخارجية ….. تحيا مصر حرة …. وردد كل الحاضرون نفس الكلمة الفارغة : تحيا مصر حرة …. تحيا !
المائدة …. قصة قصيرة
مشكورة غاليتي